إستيقَظتُ وسط الليل وقلبي يدقُّ بسرعة، بعد أن رأيتُ في المنام عادِل زوجي وهو يخونُني مع إحدى صديقاتي. أضأتُ النور، الأمر الذي أيقَظَ بدوره زوجي الذي نظَرَ إليّ بتعجّب سائلًا ما بي. سكتُّ مطوّلًا لأنّني أرَدتُ أن أُعاتِبه بقوّة على خيانتي، قَبل أن أستوعِب أخيرًا أنّه كان فقط حلم مُزعِج. ثمّ قلتُ له: "لا شيء، عُد إلى النوم"، بنبرة جدّيّة أخافَته. سمعتُ بعد دقيقتَين شخيره، لكنّني بقيتُ صاحية لأكثر مِن ساعة أُعيدُ في ذهني ذلك المنام وأدرسُ تفاصيله. فكان مِن العجيب أن أربِط بين عادِل وداليا صديقتي، إذ أنّ تلك الأخيرة ليست حاضِرة في حياتنا، بل نادرًا ما نراها لأنّها تسكنُ وأهلها بعيدًا، فكان مِن شِبه المُستحيل أن يتّهمها عقلي الباطنيّ بإقامة علاقة مع زوجي. نمتُ أخيرًا لأصحى في الصباح في مزاج بشِع للغاية.
سألَني عادِل عن سبب مزاجي السيّئ أثناء تناولنا الفطور، لكنّني لَم أُطلِعه على السبب الحقيقيّ، بل قلتُ له إنّني قد أكون قد التقطَتُ فيروسًا ما وإنّني سأكون بخير. غادَرَ زوجي إلى عمَله وأنا إلى عمَلي.
لاحَظَ زملائي أنّني لستُ بخير، فسألَتني إحداهنّ عن السبب واعترفتُ لها أنّني لا أزال غاضِبة مِن حُلم مُزعِج تضمَّنَ خيانة زوجي لي. هي ضحِكَت عاليًا:
ـ ذلك يحصل للكثير، خاصّة النساء منّا. لا عليكِ، فإنّه حُلم وليس أكثر.
ـ أعلَم ذلك، لكن لماذا رأيتُ زوجي مع صديقتي داليا، ولماذا حلِمتُ أنّه يخونُني، فلَم يحصل أنّه أقامَ علاقة مع امرأة غيري.
ـ إنّها مخاوفكِ وحسب، فأنت تخشين فقدانه. إنسي الأمر، لكن إيّاكِ أن تروي لزوجكِ الحُلم، فالرجال لا يفهموننا وسيُعاتبكِ حتمًا وينعتكِ بالمجنونة.
ـ أنتِ على حق.
خلال النهار، ولكثرة انشغالي، نسيتُ بالفعل امتعاضي... إلى حين جاءَني اتّصال مِن داليا! لماذا الآن بالذات؟!؟ يا إلهي، هل يُعقَل أنّ يكون حلمي واقعيًّا؟
مفاد مُكالمة داليا كان أنّها اشتاقَت لي كثيرًا، وتُريدُ إخباري أنّها وجدَت عمَلًا بالقرب مِنّي، وستنتقِل قريبًا للعَيش لوحدها في الجوار لأنّ أهلها يرغبون في البقاء حيث هم. بدأ قلبي يدقّ بسرعة، فانتابَني شعور سيّء للغاية، لكنّني هنّأتُها على وظيفتها وعلى الانتقال. عندها قالَت لي:
ـ هل لي أن أطلبَ خدمة منكِ؟
ـ أجل، ماذا تُريدين منّي؟
ـ زوجكِ عادِل يعرفُ الكثير مِن الناس، فهل له أن يدلّني على مَن يستطيع نقل أثاثي، ويُصلِح بعض الأمور في شقّتي الجديدة؟
ـ لستُ أدري إن هو قادِر على مُساعدتكِ.
ـ إسأليه مِن فضلكِ. فأنا لا أعرفُ سواكما في تلك المنطقة.
أقفَلتُ الخط مذهولة، فليس فقط أنّ داليا اتّصلَت بي في اليوم الذي تلا منامي، بل هي ستعيش بالقرب منّا وتُريدُ مُساعدة عادِل! شعرتُ بالضياع، فأطلَعتُ الزميلة نفسها على الذي حدَث، وهي طمأنَتني قائلة إنّ الأمر صدَفة بحت، أو أنّ تخاطرًا حصَل بيني وبين داليا لأنّها تُفكِّر بي وبعادِل بشأن مُساعدتها، وأنّ عقلي الباطنيّ حوّلَ ذلك إلى حُلم مُزعِج. أعجبَني ذلك التفسير وأقنَعتُ نفسي به، فالجدير بالذكر أنّني أغارُ كثيرًا على زوجي، لأنّه رجُل وسيم ويُحِبّ أن يُغازِل النساء، حتّى لو بطريقة بريئة. ولَم أتقبَّل أبدًا ذلك التصرّف مِن قِبَله بالرغم مِن أنّه كان يُطمئنُني كلّما طلبتُ منه أن يكفّ عن مُغازلة غيري، ويصفُني بالمعدومة بالثقة بالنفس لأنّني امرأة جميلة ولا داعٍ للغيرة. لكنّني تمنَّيتُ لو أنّه لا يُقلِّل مِن احترامي هكذا، فأنا لا أتصرّف بشكل غير لائق مع الرجال بحضور عادِل أو بغيابه.
لَم أقُل شيئًا بخصوص داليا لعادِل، بل قلتُ لها حين هي اتّصلَت مُجدّدًا أنّ زوجي لا يستطيع مُساعدتها. هي تأسّفَت كثيرًا لأنّها ظنَّت أنّ انتقالها سيكون سهلًا بمساعدتنا، ثمّ أقفلَت الخط. لكن في المساء نفسه، جاءَت داليا تدقُّ بابنا حين كنتُ وزوجي نتناول العشاء. تفاجأتُ بها كثيرًا، إذ أنّها كانت ستعرفُ أنّني كذِبتُ عليها، وهذا ما حصَلَ بالفعل. إذ انّها سألَت عادِل مُجدّدًا إن كان يستطيع مُساعدتها وهو أجابَها: "بالطبع!". عندها هي نظرَت إليّ مُستفسِرة، وأنا بالكاد استطعتُ تمتمة كلمات لا معنى لها. إتّفقَت صديقتي وزوجي على موعد لزيارة الشقّة ليقول لها ما يجب فعله... في وقت أكون فيه في عمَلي ولا يُمكنني مُرافقتهما! أمّا بالنسبة لزوجي، فهو كان قادِرًا على ترك عمَله في أيّة ساعة مِن النهار والقيام بما يُريدُه، شرط أن يُكمِله لاحِقًا.
وبدأ عذابي، إذ صارَ عادِل يذهب إلى الشقّة مرّات عديدة في اليوم، ليكون موجودًا مع العمّال وهم يُصلحون المكان، وكأنّ داليا كانت إحدى قريباته أو حتّى خطيبته! تكلّمتُ مع زوجي بهذا الخصوص، وهو نعتَني بالسخيفة وطلَبَ منّي تجاوز تلك الغيرة التي ستُدمِّر زواجنا. سكتُّ طبعًا وانتظرتُ بفارغ الصبر أن تنتهي تصليحات شقّة داليا.
لكن في إحدى المرّات، خرجتُ مِن عمَلي خلال فترة ما قَبل الظهر ورحتُ أدقّ باب مسكن داليا الجديد. رأيتُ المكان شبه مُنتهٍ وهنّأتُها على الديكور الجميل... إلى حين دخلتُ غرفة نومها ورأيتُ ملابس تخصّ زوجي على الكرسيّ! فسألتُها صارِخة:
ـ ما هذا؟!؟ ماذا تفعل ملابس عادِل هنا؟!؟
ـ لا عليكِ... فهو يُبدَّل ملابسه حين يأتي إلى هنا للمُساعدة.
ـ ولا ترَين أيّ خطب في ذلك؟
ـ لا.
ـ أنتِ عزباء ويأتي إلى بيتكِ زوج صديقتكِ ويُبدِّل ملابسه في غرفة نومكِ!
ـ أفكاركِ سيّئة للغاية يا صديقتي، فهو لا يكون لوحده عندي بل هناك عمّال أيضًا.
ـ لا يهمّني مَن يكون أيضًا موجودًا! لا أريدُ أن يأتي عادِل إلى هنا بعد الآن! تدبَّري أمركِ لوحدكِ.
في المساء، إنتظرتُ عودة زوجي مِن عمَله لإطلاعه على قراري. كنتُ حازِمة لدرجة أنّه لَم يستطِع مُناقشتي، لكنّه أعرَبَ عن استيائه وملَله مِن غيرتي التي ستقضي يومًا على زواجنا. فصرختُ به: "لو أفعَل ربع ما تفعله لطلَّقتني على الفور! لن تذهب إلى داليا بعد الآن ولن تتكلّم معها أبدًا!".
بعد ذلك الحديث، مكَثَ عادِل أكثر في البيت ولَم يعُد يغيب عن عمَله، لأنّني كنتُ أتّصل به في مكتبه مرّات عديدة في اليوم. لكنّه صارَ يقضي وقتًا أكبَر على هاتفه، فقرّرتُ التأكّد مِن أنّه لا يُكلِّم داليا سرًّا. قد يقول البعض إنّني كنتُ بالفعل سخيفة للاتّكال على حلم في أخذ قرارات تخصّ زواجي، إلّا أنّني كنتُ بالفعل أشعرُ بالغيرة والانزعاج والقلَق مِن ذلك الموضوع. فما الخطَب لو فتّشتُ هاتف زوجي لإراحة بالي؟ على كلّ الأحوال، لا يجب أن يكون بين الزوجَين أسرار، أليس كذلك؟
وما وجدتُه في هاتف عادِل كان مُرعِبًا، إذ أنّه كان بالفعل يتبادَل الرسائل الحميمة مع داليا، بل ينعتاني أيضًا سويًّا بالبلهاء والقبيحة والبارِدة جنسيًّا! فهمتُ مِن الرسائل أن علاقتهما بدأَت بعد حلمي، أي حين جاءَت داليا لتسكن بالقرب منّا صدفةً وبالفعل بسبب موقع عمَلها. إلّا أنّها تقرّبَت مِن زوجي حين هو بدأ يُساعدها في الشقّة وحصَل ما حصَل بينهما. قرأتُ أيضًا أنّهما قد كفّا عن التلاقي ليطمئنّ بالي، لكنّهما كان يُخطّطان لمواصلة علاقتهما بعد حين... ولأن ينتقِل عادِل للعَيش معها بعد أن يُطلّقَني! لَم أصدِّق مسألة الطلاق هذه، فكما أعرِف زوجي، هو يتسلّى معها وليس أكثر، فلو أرادَ تَركي، لما خفَّفَ مِن مواعيده مع داليا، بل رحَلَ وحسب.
إلتقطُُّ صوَرًا عن تلك المحادثات لإعطائها للمُحامي الذي كنتُ سأوكِله حين أرفعُ دعوى طلاق، فلَم أعُد أريدُ ذلك الرجل القذِر. وبعد مواجهة عادِل، طلبتُ منه الرحيل، فأخذَ أمتعته وذهَبَ إلى عشيقته على الفور. بعد فترة، صِرتُ امرأة حرّة، وهو بقيَ مع داليا التي لَم يكن يُريدُها بصورة دائمة، لكنّه اضطرَّ للزواج منها لإسكاتها.
غريب ذلك الحلم... فلا شيء في عقلي الباطنيّ كان يحمِلني على رؤية زوجي وداليا سويًّا. بل أظنّ أنّني، وبطريقة لا أستطيع تفسيرها، رأيتُ ما كان سيحدث... أم أنّها صدَف وليس أكثر؟ حتّى اليوم لا أملك الجواب.
حاورتها بولا جهشان