في أحد المقاهي حيث كنت ألتقي مع صديقاتي تعرّفت إلى منير الذي قدّم لي كرسيّه بكل لباقة إذ كان المكان مزدحماً... ثم ركب سيارته من نوع فيراري ورحل.
حين تقابلنا ثانية في المكان ذاته بعد بضعة أيام، بدا لي منير شخصاً مألوفاً فألقينا على بعضنا التحية :"مرحباً، كيف الحال؟" وفي المرة اللاحقة، دعوته للجلوس إلى طاولتنا. أمضينا وقتاً ممتعاً ونحن نروي القصص المسلية ونخبر النكات ونتحدث عن المواقف المضحكة التي كانت تحدث معنا ونحن على مقاعد الدراسة، حين كنا نحضّر المقالب للأساتذة والتلاميذ.
على مر الأيام، تقرّبنا من بعضنا أكثر فأكثر لدرجة أن صديقاتي حسدنني على منير، فهو كان رجلاً وسيماً، مثقّفاً، ودوداً، كريماً وغنياً. وانا كنت أعشق رؤيته يمشي متباهياً بجسمه الرائع.
وقعت بغرامه، أنا من لم أكن قد أحببت يوماً بالرغم من أنّني كنت أجذب الكثير من الرجال.من بعدها، تعّرف منير إلى أهلي وقد احبوه على الفور فأخذت العلاقة بيننا منحاً رسمياً! وفجأةً، ما عادت فكرة تأسيس عائلة تخيفني!
كان منير يتيماً وولداً وحيداً ترعرع بمفرده وحين صار في سنّ البلوغ ولم يكن هناك ما يربطه في البلد سافر إلى الخارج في محاولة للبحث عن فرصة ذهبية فابتسم له الحظ والثروة. لكنّه راح يفكر في العودة إلى البلد للإقامة فيه إذ صار عنده سبب يربطه به ويجبره على البقاء: أنا.
في إحدى الأمسيات، دعاني إلى منزله حيث كان قد حضّر عشاءً حميماً على ضوء الشموع... ركع على ركبتيه وفي يده علبة قدّمها لي طالباً مني الزواج. شعرت بأنّني أحلق فوق الغيوم وأحسست بسعادة عارمة لدرجة أنّني لم أفكر في الإجابة حتى. يداً بيد، ذهبنا إلى غرفة النوم لكن ما إن وصلنا أمام السرير حتى دفعني قائلاً:
- كلا لا أريد.
- ألا تريدني؟ لكننا سنتزوج وسنختبر هذه التجربة عاجلاً أو آجلاً...
- انظري إليّ جيداً يا سهام، ألا تذكرينني؟ ألم تري وجهي قبل ذاك اليوم في المقهى؟
- كلا، لم أكن قد رأيتك في حياتي. لمَ؟
- نديم... ألا تذكرين نديم، صديقك من أيام المدرسة، ذاك الفتى الذي كان يسخر منه الجميع وهو نفسه الذي أغرمت به اليوم؟
- كلا، مستحيل. كان نديم...
- سميناً ووجهه مليء بالبثور كالكثير من الفتيان في سنه. أمّا أنت فلطالما كنت جميلة ولم تتغيّري. عرفتك على الفور من ضحكتك، تلك الضحكة التي احتلت أفكاري لسنوات طويلة. كنا في صف البكالوريا وكانت ليلة عيد الحب. ظننت أنّك قد تحبينني بصرف النظر عن شكلي الخارجي. لكن حين وجدت الشجاعة الكافية لمصارحتك، أهنتني أمام صديقاتك. ضحكت عليّ وسخرت مني ونظرت إليّ من الأعلى إلى الأسفل وقلت "الأمر مضحك، أتظنّ فعلاً أنّني أنا قد أخرج معك أنت؟ ولا في الحلم". ثم أخبرت الجميع بما حصل وصرت مهزلة المدرسة كلها لدرجة أنّني اضطررت للانتقال إلى مدرسة أخرى في السنة الدراسية الأخيرة. منذ ذاك اليوم، لم أملّ من التفكير في الانتقام. تطلّب الأمر سنوات طويلة تبعت في خلالها نظاماً غذائياً قاسياً وعلاجاً للبثور. كما سافرت وجمعت أموالاً طائلة لأنّني كنت متأكداً من أنّ هذا سيجذبك حتماً فأنا أعرفك تماماً. والآن كان باستطاعتي استغلالك أكثر للانتقام لكن أظنّ أنّك فهمت الدرس.
وقفت مصعوقة فقد تذكرت الحادثة. صحيح، لقد كنت شريرة جداً ذاك اليوم فبكيت بمرارة. هل هذا عقابي؟ أن أجد أخيراً رجل حياتي وأفقده بلمح البصر؟
- تغيّرت كثيراً منذ ذاك الوقت فلم أعد تلك الفتاة الصغيرة الطائشة التي كانت تظنّ نفسها الأجمل. لكنني أحبك يا نديم، أحبك حقاً.
- أنت تحبين جسمي ووجهي الوسيم الأملس ومالي. من الداخل ما زلت كالسابق، ذاك الذي لم ترغبي حتى في أن يكون صديقك. لم تكوني مجبرة على الخروج معي لكن على الأقل كنت قادرة على إيجاد عذر ما لا يجرحني. كان بوسعك أن تكوني أكثر تهذبياً وتقديراً لإعجابي بك. يحق للجميع أن يعشق.
هو كان على حق... كان سلوكي رهيباً ولم يتمكن نديم من مسامحتي. هكذا، انتهت قصتنا الجميلة.
في العمق، لم تكن تربطنا أية علاقة، على الأقل بالنسبة له. استغرقت وقتاً طويلاً لتخطي الألم والذل، فقد وجب عليّ مصارحة صديقاتي بالحقيقة والاعتراف بذنبي. كنت صغيرة جداً في ذاك الحين ولم أدرك نتيجة أفعالي. أفسدت حياة شخص لدرجة دفعته إلى الانتقام. وبالرغم من الجرح الذي تركته في قلبه، ظلّ لطيفاً حتى النهاية وأنا مقدّرة له.
درس جميل في الكرامة للفتاة التي كانت تسكنني في السابق والتي أرفض التمثّل بها على الإطلاق.
حاورتها بولا جهشان