تزيح الستار عن مجموعتها الجديدة المكرسة للرجال ضمن سلسلة مجموعات عطور ؛ لتفتح بذلك فصلاً "ثورياً" جديداً في سجل حكاية صانع المجوهرات الروماني. وقد كان مقدراً أصلاً لدار بولغري، سيدة الأحجار الكريمة الملونة، أنها ستجوب يوماً ما كل طرق العالم، لا بحثاً عن التناغمات الخفية بين الأحجار النفيسة وبين العطور فحسب، بل وكشف أسرارها أيضاً. وعلى هذا، فقد رأت أول مجموعة من سلسلة عطور لو جيم للنساء النور عام 2014 في احتفاء "عطري" بأربعة من الأحجار النفيسة التي صارت مجتمعة تشكل رمزاً من رموز صائغ المجوهرات الروماني. وهكذا، فإن رحلة بولغري المزدوجة عبر عالمي الأحجار الكريمة والعطور قد أعادت الروح لعالم خرافي من المغامرات على امتداد الطرق الشهيرة وعبر أصقاع تعج بالأساطير، ابتداءً بحوض البحر المتوسط وليس انتهاءً بالشرق الأقصى. وبإصدارها مجموعة عطور لو جيم الرجالية، فإن بولغري إنما ترسم خارطة عصرية جداً لمملكة الرجولة التي نصبَّت رجل القرن الحادي والعشرين ولي عهد لها.

 

طريق جواهر بولغري

منذ أمد ليس بالقصير، ورثت بولغري هذا الولع الشديد بالأحجار الكريمة والبحث عنها، وبالأساطير التي تقترن بها، وبأساليب تقطيعها وصقلها. وكان سيد صنّاع العطور والمجوهرات قد ألقى بمرساة منابع إلهامه ومهاراته الإبداعية في صلب هذه الذاكرة العريقة التي يعاود زيارتها اليوم ليستحضرها في مجموعته من العطور الرجالية الفاخرة، التي تأتي أشبه بأربعة "مجلدات" من موسوعة "مدمجة" تغازل حاستي اللمس والشم وتستشرف مسالك المعرفة والجمال.

 

"انفجار عظيم" عطري 

بإمضاء جاك كافالييه

أناطت دار بولغري بجاك كافالييه Jacques Cavalier، أشهر مصممي العطور، مهمة الخروج بـ "تفسير" جديد لأحجار هذه المجموعة النفيسة هذه في لوحة من الألوان "الثورية".

وهذه حقاً هي المرة الأولى في تاريخ العطور الرجالية الراقية، التي تعود فيها دار بولغري، عبر مجموعة نادرة ذات قوة لا نظير لها، لتحتفي مجدداً بالفاتحين العظام وبالأحجار الكريمة التي رافقتهم في معاركهم وفتوحاتهم. وهكذا، فقد انتهت رحلتها بمحصلة تمثلت في أربعة عطور بالغة التأثير والجاذبية.

 

عطور المجموعة

أمبيرو Ambero

(العنبر)

في آثار الحضارات التاريخية القديمة قاطبة، كالقبور الملكية في مصر ومعبد أبولو Apollo في دلفي، يبرز العنبر كرمز أسطوري من رموزها. وبتدرجاته اللونية، بدءاً بالأصفر ومروراً بالبرتقالي الزاهي وانتهاءً بلون الكراميل، تظل الشمس هي العنصر الأساس في لوحة ألوانه والتي ارتبط بها العنبر – بحكم طبيعته – ارتباطاً عضوياً نظراً للطاقة القوية التي يطلقها. ولأنه اقترن أيضاً بأساطير الانبعاث والشباب السرمدي، فقد كان لكنز جايا Gaia [الأرض الأم في الميثولوجيا الإغريقية] الطبيعي هذا وقع السحر إبّان العصر الكلاسيكي الغابر. 

وعلى سبيل المثال، فقد اقترن عنبر كارامان Karaman، الذي ينتمي لشواطئ شرقي البحر المتوسط، بالإله الفينيقي ميلقارت Melqart الذي يُنسب إليه تأسيس مدينة صُور Tyre. ولعل بالإمكان تتبع مظاهر عبادة إله الثروة والتجارة والملاحة هذا، الذي أصبح درع العنبر البراق رمزاً لقوته وجبروته، رجوعاً إلى القرن العاشر قبل الميلاد. وبفضل التمدد الفينيقي في عموم أرجاء حوض البحر المتوسط، جرى تصدير العنبر إلى زوايا العالم المعروف يومذاك الأربعة، بدءاً من قرطاجة إلى جبل طارق، ومن جزر بحر إيجه إلى الجزر الإيطالية. وشيئاً فشيئاً، تحول الإله ميلقارت إلى نظير للإله الإغريقي/الروماني هِرَقْل/هيركليس، فنال رضى الآلهة وحظي بالخلود.

 

غارانات Garanat

(حجر الغارنيت Garnet الأحمر)

من حيث الأصل، ينتمي غارنيت المانداين Almandine– نسبة إلى إحدى مدن آسيا الصغرى (تركيا كما تعرف اليوم) – إلى مناطق مضيق البوسفور، الحد الجنوبي الذي يفصل ما بين قارتي آسيا وأوروبا؛ وهو أيضاً الحجر الذي يعتقد العرب أنه "يضيء السماء الرابعة". 

وبفضل خصائصه التي اتسمت بالقدسية وبالإثارة الحسية، فقد انتقى السلطان سليمان العظيم حجر الغارنيت دليلاً على حبه للأنثى التي اختارها زوجة له. فقد سلب توهج قطرات الحجر الذهبية اللون لب بطل فتوحات القرن السادس عشر العظيم، الذي كان عظيماً أيضاً في رفعة ذوقه وولعه بقيم الجمال والحب. وكان هذا السلطان مدركاً تماماً أن حجر الغارنيت، الذي قدمه الإله هاديس Hades [شقيق كبير الآلهة زيوس Zeus] هدية للإلهة بيرسيفوني Persephone [ابنة الإلهة ديميتر Demeter]، يرمز إلى الخلود في الميثولوجيا الإغريقية. ولعل عبارة "كل شيء في أفضل حالاته" تمثل خير وصف لهذا المحارب الذي كان مولعاً إلى حد كبير بكل أشكال الفنون وأساليبها، وقاد إمبراطورتيه إلى عصرها الذهبي الذي ازدهرت فيه هذه الفنون، كالأدب والعمارة والتجارة والصناعات الدقيقة. وهو لذلك صار يعرف في الغرب اليوم باسم "سليمان العظيم".

وتكريماً لهذا البطل وقوة شخصيته قامت بولغري بابتكار عطر غارانات الذي يحمل ضمناً اسم حجر الغارنيت الأحمر النفيس الذي استوحي منه هذا العطر. ولكي يتوهج بضيائه، يتعين صقل هذا الحجر في عملية مماثلة للتجربة المطوّلة التي ينبغي للإنسان اجتيازها استعداداً لامتلاك القدرة على ضبط النفس والتحكم بها ولإنضاج مواهبه وملكاته وتنميتها.

 

أونيخ Onekh

(حجر العقيق الأسود Onyx)

يختصر لون الحجر الأسود الغامض جميع السمات والخصائص التي نُسبت، وما تزال تُنسب، لحجر العقيق الأسود الكريم (أحد نوعيات العقيق الأبيض) منذ العصور المبكرة. ويستحضر أسمه في الذاكرة اسم خلقيدون Chalcedon، الميناء القديم الذي كان يطل على بحر مرمرة في آسيا الصغرى (تركيا) والذي أشتهر كأحد أكبر مراكز تجارة الأحجار الكريمة في بدايات العصور الكلاسيكية الغابرة. أما لونه فيفصح بجلاء عن الطاقة الأولية الكامنة فيه. وقد آمن قدماء المصريين بأن هذا حجر العقيق الأسود يعينهم على الانتقال من هذا الشاطئ إلى ذاك؛ من عالم مرئي إلى آخر خفي. وهو، إلى جانب ذلك، الحجر المفضل لدى أوزيريس [أو عزيريس] Osiris، إله الموتى والانبعاث في الوقت عينه، وأصبح في وقت من الأوقات رمزاً للخصوبة الذكورية، ووجد ما يجسده في طمي نهر النيل الأسود اللون.

وطاقته التي تكمن في تباين الضوء والظل تتناغم كثيراً وبشكل خاص مع نارام-سين Naram-Sin، أحد أشهر قادة الإمبراطورية الأكدية الفاتحين، وأول آلهة بلاد ما بين النهرين الذي أُرتقي به إلى مصاف الألوهية، بصفته إله القمر، في مطلع الألفية الثالثة قبل الميلاد. هذه الشخصية الاستثنائية تحولت إلى أسطورة؛ وعندذاك، نصّبَ نارام-سين نفسه "ملكاً على الجهات الأربعة"، أي العالم المعروف وقتئذِ برمته، ورسم لنفسه سيماء الإمبراطور. فكانت هذه هي المرة الأولى التي تبدت فيها للعيان في بلاد ما بين النهرين مطامع بسط الهيمنة على العالم بأسره. وحين ارتدى تاجاً ذي قرنين، وكان هذا حتى ذلك الوقت حكراً على الآلهة، حرص على أن يسبغ على نفسه صفة الذات الإلهية. 

وقد جاء ابتكار عطر أونيخ Onekh تكريماً لعصر الأناقة والذوق الرفيع الذهبي هذا، الذي "خاطبت" فيه العطور قلوب الرجال وتستحضر – من بين ما تستحضر– معالم الغموض، والإثارة الحسية، والعمق، والرفاهية. وعبر نوتاته الجريئة الشديدة التأثير، يكاد هذا العطر أن يكون أكسير حياة، وهو بذلك إنما يجسد بشكل مطلق روحية بولغري في أفضل حالاتها. 

 

قوة تأثير "المسلّة"

وتكريماً لهذا العطر، طلبت بولغري من شركة أتيلير أوي Atelier Oï تصميم وإنتاج قارورة كعمل نحتي شبيه بالمسلّة ويعبر بالرموز عن الكثير من المعاني والإيحاءات. هذه القارورة الجديدة تستحضر بطريقة نابضة بالحيوية مشاهد المغامرات والفتوحات، وتعيد إلى الذاكرة صور عالم من تذكارات النصر والتعويذات الطلسمية كما يصفها مؤرخون عظام مثل هيرودوت Herodotus أو بليني Pliny.

المزيد
back to top button