الدكتورة سلوى الأمين: "نجحت في التوفيق بين عملي وأمومتي"

الاديبة تعتلي ناصية الادب الرفيع متسلحة بالعلم والثقافة والانفتاح.. تولي هذه الناحية اهتماماً كبيراً فنراها دائما في حركة في هذا السياق من تكريم مبدعين واقامة ندوات شعر وادب من خلال ديوان اهل القلم الذي ترأسه وتديره لنشر ما امكن من الثقافات والابداعات على مساحة الوطن،وبالتالي التعريف عن المبدعين في شتى ميادين الادب وتكريمهم. إمرأة قلّ نظيرها، هذه هي السيدة العظيمة!

 

نود التعرف على الأديبة الدكتورة سلوى الخليل الأمين رئيسة ، وعن سبب توجهك نحو الأنشطة الثقافية وغيرها؟

أنا ابنة بيئة تضخ فكرا وأدبا بحكم ما أضفته علي الوالدة من عناية رسمت دوائرها ضمن أطر شعرية وأدبية، كونها شاعرة ومن بيئة فقهية. عاشت والدتي في بيروت واختلطت بمجتمع بيروت المنفتح، وهي المرأة المحجبة المتمسكة بدينها الحنيف، ومع هذا عرفت كيف تدور الزاويا حين التزمت تربية خمس بنات أنا الثانية بينهن في غياب الوالد في إفريقيا، حاسمة أمرها على ان يكون نيل الشهادات هو الهدف والمرتجى. تزوجت في سن مبكرة من ابن خالتي حسب عادات العائلات المحافظة والتقليد المتبع، وتابعت دراستي وأنا زوجة وأم وموظفة في دوائر الدولة اللبنانية وصولا إلى حيازتي الدكتوراه في الحضارة الإسلامية من جامعة بروكسل الحرة في بلجيكا. حين شعرت أن الوظيفة تقتل الموهبة خصوصا في وطن تلعب فيه الواسطة السياسية فعلها المتقدم، قررت وبتحد الوصول إلى ما أطمح إليه، بعد أن تم منعي من تبوء المراكز المتقدمة في مجال الوظيفة العامة لعدم انتمائي السياسي والمذهبي، فقررت تأسيس" ديوان أهل القلم" بعد انطلاقة متميزة على الساحة الثقافية في لبنان بعد عودتي من بلجيكا. أدى نجاحنا في تميز أنشطتنا "ديوان أهل القلم"إلى تأسيس "ندوة الإبداع" التي تسلط الضوء أيضا على نتاج الشعراء والأدباء اللبنانيين والعرب، إضافة إلى كوني حاليا المديرة التنفيذية للقاء الأديبات العربيات الذي انطلق من دمشق حين كانت عاصمة للثقافة العربية بدعوة من الأديبة الكبيرة كوليت خوري ومن ثم تم عقده في لبنان وبعدها في قطر والبحرين، وبانتظار أي دولة عربية تدعونا كي نحل ضيفات متميزات على مناسباتها الثقافية.   

 

لنتكلم عن ديوان أهل القلم، متى تأسس، من يضم وما أهم أنشطته وإنجازاته؟

تم تأسيس الديوان في العام 1999 تحت علم وخبر صادر عن وزارة الداخلية اللبنانية، من أجل تسليط الضوء على الطاقات اللبنانية المبدعة في العالم، وقد تمكنا لتاريخه من تكريم 17 شخصية لبنانية عالمية لهم مكانتهم القيادية المهمة في الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وألمانيا وأوستراليا والأكوادور وكندا ، واستطعنا اختراق وكالة الفضاء الأميركية عبر استضافة ثلاثة من علمائها، ومنهم البروفسور رئيس مركز في الناسا الذي أنزل أول مركبة على سطح المريخ وكان استضافتنا له في العام 2006 حدثا هاما جدا على الساحة اللبنانية. وكذلك الحاكمة الأوسترالية حاكمة ولاية نيو ساوث ويلز والوزيرة الأكوادورية إيفون عبد الباقي التي ترشحت لرئاسة الجمهورية في الأكوادور. ومن إنجازات الديوان تعريف الشعب اللبناني على هذه الطاقات المبدعة وإقامة حفلات ولقاءات لهم على جميع الأراضي اللبنانية وفي الجامعات والمؤسسات الثقافية والعلمية والاقتصادية بحيث كان من نتائج زيارة الوزير الأكوادورية إقامة تعاون تجاري بين لبنان والأكوادر بالإضافة إلى أن ديوان أهل القلم يضم شخصيات فكرية وعلمية واقتصادية في الهيئة الإدارية التي تنتخب كل 3سنوات ومجلس أمناء من اهم شخصياته الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية الشاذلي القليبي، والوزير المصري محمد فايق، وغيرهم من الشخصيات اللبنانية والعربية، إضافة إلى من نكرمهم من الطاقت اللبنانية الذين يصبحون أعضاء دائمين في مجلس الأمناء..مؤخرا اتخذنا القرار بتسليط الضوء على الإبداع اللبناني أيضا داخل الوطن ، وقد احتفلنا في العام 2014 بتكريم رائد البيئة الأول في العالم الدكتور بديع أبو جوده بمناسبة يوم البيئة العالمي وحاليا نعمل على تكريم الدكتورة هيام صقر رئيسة الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا (AUST) نظرا لجهودها الجبارة في إقامة هذا الصرح التربوي الذي أصبح من عداد الجامعات التي يشار لها بالبنان على مساحة الوطن وسيكون الاحتفال في 10 من شهر آذار المقبل. إضافة إلى أننا نوثق أعمال الديوان كل خمس سنوات ، ولتاريخه تم إصدار كتابين تحت عنوان " خمس سنوات من العطاء والإبداع" يؤرشفان لمسيرة الديوان والشخصيات المكرمة.

 

كيف ترى الدكتورة سلوى الإقبال على الأنشطة الثقافية والأدبية في هذا العصر؟

في ظل كل ما يعاني منه لبنان وعالمنا العربي من ثورات متنقلة وإرهاب مبرمج، لم يهدأ دوران الأنطشة الثقافية فمعارض الكتب مستمرة ومعارض الرسم والحفلات الموسيقية والندوات الأدبية والفكرية والأمسيات الشعرية، لهذا لا بد من القول أننا بالثقافة نبني الأوطان وبالتربية نخلق مواطن صالح. وكلنا إذا ما توغل أحدنا في عمق التاريخ مطلعا على حضارات الشعوب والأمم يرصد مدى أهمية الفكر والثقافة التي هي أسس الحضارات عبر العالم. لهذا لا خوف على الثقافة والحياة الأدبية ما دام أهلوها واقفون بالمرصاد نتاجا وتحركا وإصدارات متنوعة تعمم الفائدة على الجميع ..ولا خوف على وطن ينتج من المفكرين والعلماء والأدباء أكثر مما ينتج من ناطحات سحاب تزول مع الوقت. فشكسبير باق في الوقت الذي غابت فيه الشمس عن المستعمرات البريطانية، وجبران خليل جبران ما زال حيا يرزق عبر فكره ونتاجه، إضافة إلى كل أدباء وفلاسفة عصر النهضة والعصور السابقة واللاحقة الذين ما زال نتاجهم يدرس في المدارس والجامعات العربية والعالمية.  

 

من الملاحظ عدم إقبال الجيل الجديد على اللغة العربية فما مرد ذلك؟

هي العولمة اللعينة التي سرقت خصوصياتنا ولغتنا وسلطت الضوء على مكامن ضعفنا ، وتعلقنا بكل شيء مستورد ، علما أننا اهم امة أرسلت إلى العالمين، وحضارة العرب هي أساس الحضارة الكونية، وأبناؤنا في الخارج هم اليوم شركاء في بناء الحضارة الجديدة . هنا أضع اللوم على الأم التي تربي والتي تتباهى بتعليم طفلها اللغة الأجنبية قبل تعليمه لغة بلده علما ان اللغة هي عنوان الهوية الوطنية، ومن يحتقر لغة الضاد يحتقر هويته ، خصوصا ونحن نجد حاليا أن اللغة العربية قد أصبحت من اللغات المعترف بها دوليا إلا عند أبنائها .. وهذا ظاهر عند الجيل الجديد الذي لا يتكلم سوى باللغات الأجنبية ظنا منه أنها الحضارة والتحضر وهذا منتهى الإسفاف حين نحكم على أن التربية الوطنية أصبحت من الماضي.. وهنا أضع اللوم على الأهل وعلى الدولة وبالأخص على وزارات التربية والثقافة والسياحة أيضا التي يجب عليها ألا تسمح بوضع الأسعار في المطاعم والفنادق والمؤسسات السياحية باللغة الأجنبية دون العربية وماذا يمنع ان تتلازم اللغتان العربية والأجنبية؟ وعلى وزارة الإعلام التي لا تراقب نشاط الفضائيات التي يتعاطى مقدمو برامجها بلغة جديدة هجينة تتداخل فيل المفردات الفرسنية والنكليزية مع العربية ، وهنا أسأل هل التلفزيون هو فقط للفئات المتعلمة ؟ وماذا نفعل بإمرأة الريف التي من حقها مشاهدة برامج التلفزيون والتمتع بها؟ اما ان تطغى لغة الاستعمار على لغة الضاد التي هي لغة كتابنا الكريم فهذا أمر يتطلب المعالجة ويتطلب من الدول والحكام والمسؤولين الانتباه ، لهذا أسسنا في لبنان نادي إحياء اللغة العربية باشراف من جامعة الدول العربية وأنا نائبة الرئيس ومن المؤسسين ونقوم حاليا بنشاط في هذا المضمار.

 

هل من فكرة لديك لإقامة ندوات شهرية تحت تسمية ديوان سلوى الامين يتضمن استضافة ادباء، شعراء ومفكرين؟

حتما لا، أنا أسست ديوان أهل القلم وندوة الإبداع وهذا يكفيني .. إذ من خلالهما كما شرحت وذكرت نستضيف كل أهل الفكر والمعرفةونقوم بإقامة ندوات أدبية وشعرية شهرية في مركز توفيق طباره في الصنائع / بيروت، أما مهرجانات ديوان أهل القلم وهي أثنان فقط في العام فتقام في قصر الأونيسكو.

 

ما هي المواصفات والشروط لمن يقام له حفل تكريم من قبل ديوان اهل العلم؟

أن يكون مبدعا وان يكون إبداعه قد أضاف إلى الدولة التي يقيم على أرضها تطورا متميزا في إحدى المجالات كأن يكون مخترعا كالبروفسور محمد صوان مخترع العين الثالة في كندا أو عالما فضائيا كشارل العشي أو إدغار شويري أو جورج الحلو أو طبيبا باحثا في الأمراض السرطانية كفيليب سال وهلم جرا. وطبعا ان يكون من أصول لبنانية أو عربية.

 

هل سيأتي يوم تمنحون به ألقاباً ومناصب فخرية مثلاً او تقديم جوائز معنوية؟

لا يحق لأي جمعية مهما علا شأنها منح الألقاب والدكتوراه الفخرية وغيرها من الألقاب التي أصبحت تشرى وتباع كالخضراوات، اما الجوائز فهذه مسألة تقديرية أحبذها ، نحن في ديوان أهل القلم قدمنا لكل من كرمناه أوسمة لبنانية طلبناها من رئيس الجمهورية وتمت الموافقة عليها ومنحت في مهرجاناتنا من قبل ممثل لفخامة الرئيس ، أما كديوان فنحن نقدم درعا خاصا باسم الديوان عربون شكر وتقدير فقط. القضية ليست قضية تجارة رابحة كما هو حاصل حاليا فكم وكم من جمعيات ومؤسسات تقوم بهذا العمل، وأنا شخصيا عرض علي التكريم من العديد منهم ،وحين تتم الموافقة أفاجأ بطلب المبلغ المرقوم، طبعا كان الرفض من قبلي دائم، لأنني لا يمكنني الدخول في هذا البازار الذي أصبح شائعا.. ونحن نبتعد عنه في ديوان أهل القلم وندوة الإبداع حيث أننا في عملنا لا نكلف المكرم أي تكلفة مادية حتى الفندق وإقامته في لبنان نتكفل بها عبر الاتفاق مع راع للاحتفال كما هي العادة في عالم الغرب.

 

كيف تقيّمين نشاطكم في الوطن العربي؟

مشاركاتي في العالم العربي ترضيني ، فمن تونس إلى مصر وقطر والبحرين والسودان وسورية والعراق والسعودية والأردن كلها دول استضافتني وكرمتني من اعلى المستويات، فأنا عربية الهوى والانتماء وأحب هذا العالم الغني بتراثه الفكري والشعري والأدبي والفلسفي، وأسعد حين ألتقي الزميلات والزملاء من شعراء وأدباء تقرأين لهم ومن ثم تلتقينهم فكم وكم يحلو اللقاء ..ما يؤلمني انه لتاريخه لم تعمد أي مؤسسة ثقافية في دبي او الشارقة أو ابو ظبي لاستضافتي كاديبة او كشاعرة علما ان إعلامهم يغص بمقابلات مكثفة عن نشاطاتي ، ولتاريخه أحاول العمل على عقد لقاء الأديبات العربيات في دبي، كم عقدناه في قطر والبحرين وسورية ولبنان الذي كان برعاية السيدة الأولى وفاء سليمان وحضورها وحضور اديبات كبيرات كنوال السعداوي وكوليت خوري وزهور ونيسي وغيرهن، أتمنى ان أجد من يضعنا على الطريق السليم الموصل إلى الهدف ... 

 

هل من طموح وافكار في مخيلتك قيد التحقيق؟

لولا الطموح ما قام عمل وارتفع، والإنسان الحالم والطموح هو من يصل في آخلر المطاف ، لهذا ما زالت طموحاتي كبيرة ، ومنها أن أتمكن من غقناع المسؤولين في بلدي في جعل وزارة الثقافة والسياحة والتربية من حظ المرأة. كما أتمنى ان أحظى بدعم ما، لأحقق ما أطمح إليه من بناء مجمع لديوان أهل القلم، يكون مرجعا ومقرا لأهل الإبداع ولكل الطاقات المبدعة عربيا وعالميا.

 

ما هي الحكمة التي تؤمنين بها؟

الأولى : "اتق شر من أحسنت إليه" ... فالغدر وقلة الوفاء أصبحتا شطارة في هذا الزمن الرديء، والثانية: "إنر الزاوية التي أنت فيها"لأن على كل مواطن انارة الزاوية التي يجد نفسه فاعلا بها حتى لو كانت كنس الشارع ،ساعتئذ ينهض الوطن وتضاء كل جنباته.

 

من سؤال تحبين أن نطرحه عليك؟ او اي موضوع او نقطة تحبين ان تلقي الضوء عليها؟

نعم سؤال مهم جدا، وهو كيف استطعت التوفيق بين أمومتي وتربيتي لأولادي ونجاحي في عملي؟
الجواب : المهم معرفة تنظيم الوقت، دائما نحن من يسابق الوقت وعلينا ان ننتصر عليه، وقناعتي ان الوظيفة لا يمكن ان تطغى على مهام المرأة داخل بيتها وعائلتها بدليل أن لدي خمس اولاد : ولدان و3بنات كلهم مبدعين في أعمالهم، أحدهم مثبت على لوائح العلماء في الولايات المتحدة الأميركية في مقاطعة ميرلاند/ واشنطن ، والاخر أول من بنى سنتر تجاري في منطقة فردان في بيروت يشار له بالبنان " فردان 730" والبنات: إحداهن مهندسة ديكور ناجحة جدا، والثانية استاذة جامعية ورئيسة قسم الغرافيك ديزاين، والصغيرة مخرجة إعلانات وصاحبة وكالة تجارية فرنسية. أحمد الله أنهن لم يحدن عن خط الصواب والتربية المستقيمة التي شعارها الإيمان السليم بالله والأخلاق الحميدة والحفاظ على قيمنا الشرقية الأصيلة.

 

كلمة اخيرة، ما نصيحتك للجيل الجديد وبالأخص الشابات؟

نصيحتي لهن : لا تغركم العولمة خذوا إيجابياتها ودعوا الباقي لهم ، أنتم أبناء هذا الشرق وأنتم حماة المستقبل الآتي أحرصوا على ألا تتخلوا عن وطنيتكم ولغتكم وعروبتكم .. هنا يكمن سركم الكبير الذي سيوصلكم حتما إلى المجد ، فمن أرضنا انطلقت الرسالات السماوية إلى العالم أجمع ، ومن هنا خرج أبو الطب ابن سينا، وإقليدس أبو الرياضيات، وغيرهم وغيرهم من بناة الحضارة الإنسانية، فنحن بالفعل خير أمة أخرجت إلى العالمين ، خذوا من الحضارات أفضلها وامزجوا نتاج عقولكم بعقولهم ولتكونوا الأعلون، ساعتئذ تنقذون مجد هذه الأمة وتعيدون راياتها خفاقة من جديد.

 
المزيد
back to top button