صحيحٌ أنّ وزني كان قد زادَ بشكل مُخيف في الاونة الأخيرة، إلا أنّ ذلك لَم يكن سببًا وجيهًا لِخيانة زوجتي لي. في تلك السنة، وقعتُ ضحيّة حادث مُروّع حين كنتُ أركبُ درّاجتي الناريّة على الطريق السريع. لَم أرَ الشاحنة المُعطّلة، فاصطدَمتُ بها بسرعة فائقة. لَم أستفِق مِن غيبوبتي إلا بعد أسبوعَين، لأكتشف أنّني سأعودُ إلى البيت على كرسيّ مُتحرّك.
طمأنَني الأطبّاء بأنّ حالتي غير ميؤوس منها، وبأنّني قد أستعيدُ حركة رجليّ لو خضعتُ لِبرنامج فيزيائيّ مُكثّف وعلاج بالكورتيزون. وحين تمكّنتُ مِن المشي أخيرًا كنتُ قد أصبحتُ ضخمًا للغاية.
خلال كلّ تلك الفترة أعربَت سهام زوجتي عن اهتمام حقيقيّ لِتعافيَّ، ودعمًا شكرتُها عليه خاصّة أنّها اضطرَّت لِزيادة ساعات عملها لِتصرِف على العائلة وعلى علاجي. حمدتُ ربّي على هكذا زوجة وقرّرتُ طبعًا تعويضها حين أتمكّنُ مِن ذلك. كانت والدتي قد مكثَت معي طوال الوقت، وحضَّرَت أكلنا ودرّسَت أولادنا. وكَم كانت فرحتها كبيرة حين رأتني أمشي أمامها مِن دون عكاز! بدأَت المسكينة بالبكاء ثمّ ركعَت لِشكر الله على تعافيَّ. بقيَ لي أن أُنزِل مِن وزني، الأمر الذي كان صعبًا للغاية بسبب الكورتيزون والجلوس أو النوم طوال الوقت. لكنّني لَم أستسلِم وذلك مِن أجل حبيبتي سهام.
إلا أنّني لَم أتوقّع أنّ يكون توقّفنا عن ممارسة الجنس طوال سنة قد شكَّلَ مُشكلة عند زوجتي، فنحن نخالُ عن خطأ أنّ الرجال وحدهم لدَيهم حاجات جسديّة، ولَم يخطر ببالي أن تكون سهام على علاقة حميمة مع أحد، فهي أخفَت جيّدًا لعبتها وأخذَت حذرها بِبراعة ولَم أكن لأكتشف الحقيقة أبدًا. يجدرُ الذكر أنّني كنتُ سأسامحُها على خيانتها لي نظرًا لِظروفي، لولا معرفتي بهويّة عشيقها. فهو كان، وللأسف، أخي.
أجل، كان خليل أخي الكبير والوحيد هو الذي أخَذَ مكاني وبوقاحة فاقَت كلّ تصوّر. فلِنعتبر أنّ لِسهام عذرًا في ما فعلَته، فما كان عذر خليل؟ هو إلى جانب كَونه أخي، كان أيضًا مُتزوّجًا وأبًا لِثلاثة أولاد وكان يُردّدُ دائمًا أنّه أسعَد زوج في العالم.
كيف علِمتُ بما كان يجري منذ أشهر طويلة؟ لن تصدّقوا الجواب... لأنّ أمّي هي التي فضحَت أمرهما. هي لَم تقُل لي ذلك مُباشرةً بل بإيحاءات قويّة لَم أفهمها في البدء. وأظنُّ أنّ الأمر كان صعبًا للغاية عليها، إذ كنّا ابنَيها وتُحبُّنا بطريقة مُتساوية، وأنا مُتأكّد مِن أنّها حاولَت إقناع أخي بالتوقّف عن مُعاشرة زوجتي. وحين رأَت أنّه لن يفعل وأنّني صرتُ بأفضل حال جسديًّا، قرّرَت أن تلفِت نظري إلى ما يحدثُ خلف ظهري. وهي حاولَت مرارًا التصدّي لِخروج سهام وخليل سويًّا للتسوّق أو أخذ أولادنا في نزهة، ووجدَت تفسيرات عدّة لعدَم مجيء أخي إلى بيتي في الأواني الأخيرة بعد أن منعَته مِن ذلك، إذ أنّها لَم ترِده أن يجلس وسطنا ويُمثّل دور الأخ الحنون.
ثمّ صارَت والدتي تحثُّني على لَعِب دور الزوج "على أكمَل وجه"، لأنّني صِرتُ قادرًا على ذلك، ونصحَتني بإنزال وزني بأقرَب وقت وأخذ سهام في رحلة خارج البلاد لأستعيد حياتي الزوجيّة معها. إعتبرتُ كلامها تدخّلاً في حياتي الحميمة، وطلبتُ منها بهدوء، أن تتذكّر أنّها أمّي ولا يجدرُ بها ذكر هكذا أمور. وقد بقيتُ على جهلي حتى قالَت لي:
ـ هناك فرق يا إبني بين الثقة والسذاجة.
ـ ماذا تعنين يا أمّي؟
ـ أنظر مِن حولك ولو بعض الشيء! حلل ما تراه وتسمعه! هل أثّرَ الحادث أيضًا على ذكائكَ؟
ـ ما بالكِ تتكلّمين بالألغاز في الأواني الأخيرة؟ ما الأمر؟
ـ زواجكَ بِخطر... وعليكَ التصرّف بِحكمة طبعًا. فلقد دخَلَ ذئب حظيرتكَ ولا ينوي الخروج منها.
ـ ألغاز مجدّدًا! أيّ ذئب وأيّة حظيرة؟ وهل أنا مُزارع؟!؟
ـ إسمع يا بنيّ... حين حصَلَ لكَ ذلك الحادث وغُصتَ في تلك الغيبوبة ظننتُ أنّني لن أراكَ حيًّا أبدًا. وحين جلستَ على كرسيّ مُتنقّل خلتُ أنّكَ لن تمشي بعد ذلك. متُّ ألف ميتة لكن ما يحصلُ هو أبشع بعد.
ـ ما الأمر؟!؟
ـ سهام... يا إلهي كيف أقولُ لكَ ذلك؟ سهام تواعد أحدًا.
حين سمعتُ ذلك بدأتُ بالضحك لأنّني لَم أتصوّر أنّ ذلك مُمكنًا، لكن حين رأيتُ جدّيّة أمّي، إنتابَني حزن عميق للغاية. لَم أغضَب بل بدأتُ أتذكّر ما لاحظَه عقلي الباطنيّ عن غيابات غير مُبرّرة وحجج غير مُقنِعة. رحتُ أختلي في غرفتي لأفكّر بالذي يجب فعله بهذا الشأن، واستخلصتُ أنّ عليّ مُسامحة زوجتي التي كانت حتمًا قد بحثَت عن كتف تُلقي رأسها عليه ورجلاً يقومُ بما استحالَ عليّ خلال سنة. هل كانت زوجة ستلوم زوجها لو خانَها وهي ملقيّة على كرسيّ لِمدّة سنة؟ كانت ستجدُ له مئة مُبرّر وتصفحُ عنه. هكذا فعلتُ، فالخيانة ليس لها جنس أو لون والإنسان هو إنسان رجلاً كان أو إمرأة.
بعد أن أخذتُ قراري، رحتُ أنتظرُ عودة سهام مِن عملها لأتكلّم جدّيًّا معها ونفتحُ سويًّا صفحة جديدة.
تفاجأَت زوجتي كثيرًا ليس لأنّني عرفتُ بعلاقتها مع أحد بل لأنّني لَم أكتشف الحقيقة حتى الآن، وهزَّت برأسها مُستهزئة وقائلة:
ـ الزوج آخر مَن يعلَم... صدقَت المقولة.
ـ يعني ذلك أنّكِ تعترفين بِجرمكِ؟
ـ جرمي؟ وهل تُسمّي ذلك جرمًا؟ لقد بقيتَ في الكرسيّ لِسنة، وعندما شفيتَ أمسيتَ رجلاً أشبَه بالحوت! أنظر إلى نفسكَ... أيّ زوجة ستريدُ زوجًا مثلكَ؟
ـ ما هذا الكلام الجارح يا سهام؟!؟ هل صرتِ معدومة الإحساس كليًّا؟ وهل أرَدتُ يومًا أن تحدث كلّ هذه الأمور لي ولنا؟ ألَم نتزوّج للسرّاء والضرّاء؟
ـ هناك ضرّاء وضرّاء. على كلّ الأحوال، لستُ المُذنبة الوحيدة. فأنا خنتكَ مع أحد، أليس كذلك؟ إذهب وعاتب الذي بقيَ يُصرّ على القيام بعلاقة معي ونجحَ بإقناعي! رح وعاتب أخاكَ!
ـ أخي؟!؟ ماذا تقولين؟!؟ لقد خنتِني مع أخي... يا إلهي!
ـ بل هو الذي خانكَ معي! ففي آخر المطاف ليس بيني وبينكَ مِن رباط دم.
وقَعَ عليّ الخبر كالصاعقة واحترتُ بين الغضب والأسف والإستنكار. هل يُعقَل أن تكون سهام قد اخترعَت هذا الخبر لأذيّتي أو لإبعاد الشبهات عن عشيقها الحقيقيّ؟ فلَم يكن يُعقَل أن يكون الإنسان الوحيد الذي أثقُ به كليًّا قد طعنَني في ظهري! ثمّ تذكّرتُ تحذيرات أمّي لي ومُحاولاتها إبعاد أخي عن زوجتي. لِذا رحتُ أسألُها مُباشرةً ومِن دون مُقدّمة إن كان إبنها البكر يُعاشر سهام. هي لَم تُجِب بل بدأَت بالبكاء بصمت. وكانت ذلك إجابة واضحة منها.
أوّل شيء فعلتُه كان أن قصدتُ أخي في مكان عمله، فلَم أكن قادرًا على الإنتظار. كانت سهام قد أخبرَته بالحديث الذي جرى بيننا، لِذا هو طلَبَ منّي تأجيل ما سأقوله له حتى المساء لكنّني رفضتُ قائلاً:
ـ سأتكلّم هنا والآن! كيف فعلتَ ذلك بي؟!؟ كان يجدرُ بكَ صون زوجتي والحفاظ على شرَفي بينما كنتُ أفعلُ جهدي لأتعافى. كنتُ في حالة ضعف وأنتَ إغتنمتَ تلك الفرصة، أيّها الجبان!
ـ سهام إمرأة جذّابة و...
ـ هي زوجة أخيكَ!
ـ كان الأمر خارج عن إرادتي.
ـ بل أنتَ الذي طاردتَها وأقنعتَها بالخيانة! مِن أيّ صنف أنتَ؟!؟ ما الذي فعلتُه لكَ كي تقصد أذيّتي هكذا؟ أجِب!
ـ للحقيقة، يا أخي العزيز، أنا لا أحبُّكَ.
ـ ماذا؟ ولماذا؟
ـ منذ سنوات وأنا سئمتُ منكَ ومِن دلَع أمّنا لكَ.
ـ لكنّنا لَم نعُد أطفالاً بل صرنا رجالاً!
ـ وإن يكن! كنتَ أنتَ كلّ شيء بالنسبة لوالدَينا ومنذ وصولكَ إلى حياتي سرقتَ حبّهما وانتباههما.
ـ كلام سخيف! هل تتوقّع أن أُصدّقكَ؟
ـ هذا شأنكَ. أقولُ لكَ إنّني لا أحبُّكَ! وبذلك الحادث السخيف بدراجتكَ الجميلة حصَلَ لكَ ما تستحقّه! فقد ذكّرتَني بيوم اشتري أبي لكَ درّاجتكَ الهوائيّة الأولى... كان الكلّ مبهورًا بكَ عندما ركبتَها. وكأن ذلك أمر مُبهر! أجل، لقد مارستُ الجنس مع زوجتكَ، ماذا ستفعل الآن؟ تُجهش بالبكاء كما كنتَ تفعل حين كنتُ آخذ منكَ ألعابكَ؟
ـ لا بل سأتركُ لكَ تلك اللعبة بالذات لأنّني لَم أعُد أُريدُها أو أُريدُكَ.
ـ وأنا لَم أرِدها يومًا. أخرج مِن مكتبي الآن فلدَيّ أمور أهمّ أقومُ بها.
تفاجأتُ بهذا الكمّ مِن الكره واللامُبالاة مِن قِبَل أخي وخلتُ نفسي في كابوس. هل يُعقَل أن يكون ذلك الإنسان يكرهُني إلى هذه الدرجة؟ أخي الوحيد؟!؟ رحتُ أبكي عند أمّي التي حاولَت تهدئتي بشتّى الطرق.
طلبتُ مِن سهام جمع أمتعتها والخروج مِن البيت، وقصدتُ مُحاميًّا لِبدء الطلاق والحصول على حضانة الأولاد، فلَم يكن يجدر بامرأة مثلها تربية أيّ طفل. هدّدَتني زوجتي بالإنتقام بمساعدة أخي، ألا أنّني أخبرتُها بأنّه لا يُريدُها بل أنّه استعملَها للنَيل منّي. وهي لَم تصدّقني إلا عندما رماها كالسلعة الفاقدة الصلاحيّة.
وعندما مرَّت حوالي السنة على طلاقنا وفوزي بحضانة الأولاد حصريًّا، حصَلَ أن التقَيتُ صدفة بسهام. وقفَت تُحدّقُ بي مُندهشة وقائلة:
ـ هذا أنتَ؟ يا إلهي كدتُ ألا أتعرّفَ إليكَ.
ـ أجل هذا أنا... أنسيت كيف كان شكلي قبل الحادث؟
ـ لقد خسرتَ كلّ وزنكَ الزائد!
ـ كلّ ما كان عليكِ فعله هو الصّبر قليلاً... على كلّ الأحوال أنتِ لَم تُحبّيني، فلو فعلتِ لما رأيتِ بي سمنتي بل الإنسان الذي هو في الداخل. فالكثير مِن الأمور تحصل للمرء خلال حياته، وقد يُصاب بالحوادث والأمراض ويتغيّر أو حتى يتشوّه شكله لكنّه يبقى هو نفسه. وعلى شريكه وعائلته الوقوف إلى جانبه وإعطاؤه المزيد مِن الحبّ والدعم ليستطيع اجتياز محنته والمضيّ بحياته.
ـ كَم أنّكَ وسيم!
ـ لطالما كنتُ وسيمًا يا سهام... ولطالما كنتِ قبيحة.
ـ أنا قبيجة؟!؟
ـ أجل فلقد تخلَّيتِ عنّي في أصعب أوقاتي وخنتِني مع أخي! ومهما تبرّجتِ ولبستِ وركبتِ سيّارات جميلة فستبقين قبيحة. والدلالة على ذلك أنّكِ لَم تسأليني عن أولادكِ. الوداع!
ـ ستحتاج لامرأة تبقى معكَ وتحبُّكَ!
ـ ومَن قال لكِ إنّني لَم أجِد تلك المرأة؟
حاورته بولا جهشان