كارل جرجس وشغف مزدوج بالموسيقى والتصميم

يشتهر كارل جرجس بدمج شغفه المزدوج بالموسيقى والتصميم، وهو يعيد تعريف التقاطع في الإبداع، وصياغة مساحات تعكس صدى الإيقاع والابتكار. يخبرنا عن رحلته من المسرح إلى لوحات الرسم، ويكشف كيف ساهمت تجاربه الموسيقية في تشكيل رؤيته المعمارية.

 

من فرقة Indie Rock إلى التصميم والهندسة المعمارية. هذان عالمان مختلفان. لنبدأ بالموسيقى. هل تفتقد كونك عازف طبل؟

أنا بالتأكيد أفتقد التواجد على المسرح. هناك حماسة نادرة تشعر بها أثناء الأداء أمام الجمهور يصعب إيجادها في الحياة اليومية. أنا أيضاً أفتقد الجولات مع زملائي في الفرقة. ومن نواحٍ عديدة، لم يكن هذان العالمان ـ الموسيقى والتصميم ـ مختلفين جدّاً. بما أنّني بدأت مع مشروع ليلى في سنّ العشرين، فقد اعتدت على العملية التعاونية المتمثّلة في التواجد ضمن فرقة موسيقية. كان لدينا جميعاً خلفية تصميمية، وكلّ واحدٍ منّا جلب شيئاً فريداً إلى الفرقة. كانت تلك هي خلطتنا السرية: التعامل مع صناعة الموسيقى كمشروع تصميم والتعامل معه كمسعى جماعي.

Capo، البترون

 

متى أتتكَ تلك الرغبة الجامحة في الهندسة المعمارية ؟

أم أنّها كانت دائماً موجودة في حالة سبات؟ على ما أذكر، كان والداي يشجّعان دائماً إبداعي. أعطتني والدتي أول مجموعة طبول عندما كنت في الثالثة من عمري، وأطلعني والدي، الذي كان صائغاً في ذلك الوقت، على فنّ النحت والرسم. نشأت في التسعينيات، وكنت محظوظاً بالسفر كثيراً مع عائلتي. وهنا لفتت الهندسة المعمارية انتباهي حقّاً، خاصةً خلال رحلاتنا إلى باريس. لقد أذهلتني مباني الثورة الصناعية، مثل برج إيفل، بتفاصيله المعدنية المعقّدة. لم يمضِ وقت طويل قبل أن أبدأ في بناء نماذج صغيرة والرسم طوال الوقت. يمكنك القول أنّ الهندسة المعمارية كانت موجودة دائماً في الخلفية بالنسبة لي.

 

هل استيقظت يوماً وقلت لنفسك: "سأقوم بتأسيس شركة تصميم خاصة بي"! أم أنّها كانت عملية مدروسة أكثر؟

لم أتوقّف أبداً عن كوني مهندساً معمارياً، حيث كان الأمر دائماً يتجاوز الشغف، ليشبه الهوس. ولكن مع نجاح مسيرتي الموسيقية، لم تكن الهندسة المعمارية دائماً محور اهتمامي الرئيسي. بعد ١٠ سنوات، وبمجرّد أن حصلت الفرقة على التقدير الذي تستحقّه، شعرت أنّ هذا هو الوقت المناسب لتحويل المزيد من الطاقة نحو هذا الجزء المهم الآخر من هويتي ولإضفاء الطابع الرسمي على عملي المعماري. لطالما تشاركت الهندسة المعمارية مسرحي مع موسيقاي. إنّ التجوال حول العالم والتواجد محاطاً بالمباني المذهلة ألهمني باستمرار. بعد انتهاء حفلة موسيقية، كنت غالباً ما أجد نفسي أعود إلى غرفتي في الفندق، أرسم من أجل الاسترخاء. هذا ما ثبّتني وأعطاني إحساساً بالتوازن الذي أواجه به صخب الحفلات الموسيقية والحشود الكبيرة.

فيلا ناديا، بيت مري

 

الموسيقى والتصميم لهما تأثير عميق على بعضهما البعض. كيف تتجلّى علاقتهما في تصاميمك؟

بالنسبة لي، الموسيقى والهندسة المعمارية هما مجرّد امتداد لبعضهما البعض. الموسيقى جزء من حياتي اليومية ـ سواء كنت أستمع إلى ماريا كالاس، أو شوبان، أو شيجيرو أوميباياشي، أو شيء أكثر حداثة مثل تامي إمبالا، أو أندرسون باك، أو كايترانادا. مزيج الأنواع يغذّي إبداعي بطريقة عضوية، تماماً كما تفعل المحادثات، والأفلام، والكتب. الأمر كلّه يتعلّق بالاتصال الإنساني والعاطفة. بين الهندسة المعمارية والموسيقى، هناك الكثير من المبادئ المشتركة. الإيقاع يخلق الحركة والتدفّق، سواء في المبنى أو في المقطوعة الموسيقية. يتعلّق التناسب بالتوازن، مثل مدى ارتباط حجم الغرفة بعناصرها، أو كيفيّة تفاعل اللحن والانسجام في الموسيقى. والانسجام يربط كلّ ذلك معاً، ممّا يجلب الوحدة والتماسك لكلا التخصّصين.

 

أخبرنا عن مشروعك المفضّل حتى الآن؟ وما الذي يجعله مميّزاً جداً؟

لدينا حالياً العديد من المشاريع المثيرة قيد التنفيذ، والتي تشمل الضيافة، والحياة الليلية، والمساكن الخاصة. أحد المشاريع البارزة هو تصميم أكبر ملهى ليلي في الشرق الأوسط، والذي يقع على الواجهة البحرية لبيروت. هدفنا هو إعادة تعريف تجربة الحياة الليلية وإنشاء مساحة تبدو وكأنّها وجهة ما بين المجرّات.

فيلا شمس، بعلبك

 

هذا لا يصدّق! والكثير من العمل!؟

أنا محظوظ للعمل جنباً إلى جنب مع فريق رائع بينما نستكشف طرقاً مبتكرة لدمج الصوتيات في التصميم المعماري. معاً، نهدف إلى إنشاء مساحات لا تأسر البصر فحسب، بل تُغْني أيضاً التجربة السمعية للحاضرين. أنا أيضاً متحمّس للتعاون مع الموسيقيين والفنّانين لتصميم أماكن الأداء التي توفّر بيئات فريدة وغامرة لتجارب الموسيقى الحية.

فيلا ناديا، بيت مري

 

غالباً ما تكون الطبيعة عنصراً أساسياً في عملك. ما مدى سهولة (أو صعوبة) تحقيق التوازن بين الجماليات الطبيعية والمتطلّبات الوظيفية في تصميماتك؟

إنّني أذكّر نفسي باستمرار بأنّ الطبيعة تؤدي وظيفتها بشكلٍ جيد لدرجة أنّه يجب علينا أن نتدخّل في عملها بأقلّ قدرٍ ممكن ـ فقط دعها تأخذ زمام المبادرة وترى أين تذهب بك على الموقع. التحدّي الحقيقي هو إيجاد التوازن بين ترك الطبيعة تقوم بتوجيه العملية، وتلبية الاحتياجات الوظيفية للتصميم. فالأمر يتعلّق بإنشاء شيء لا يحترم الحركات والإيقاعات الطبيعية للبيئة فحسب، بل يعزّزها أيضاً بطريقة تبدو عضوية.

 

بيروت، لبنان. حدّثنا عن أهميتها في عملك؟

لبنان هو موطني، وعلى الرغم من أنّ معظم أصدقائي قد غادروا، إلا أنّ العديد منهم يعودون، وهذا أمر يفرح القلب حقّاً. تتمتّع بيروت دائماً بمشهد إبداعي مثير للاهتمام، وكونك جزءاً منه يمنحك شعوراً خاصاً. أشعر بالحماسة بفضل الضوء، والبحر، والمزيج الفريد من الهندسة المعمارية التي تشكّل المدينة ـ مزيج غير متوقع من آرت ديكو، وما بعد الحداثة، والوحشية، والأساليب التي لا نهاية لها والتي تتصادم بطريقة ما ولكنّها تتعايش في طبقات. أنا محظوظ للعمل مع بعض المبدعين الرائعين هنا. إنّ التعاون مع الحرفيين المحليين، الذين ما زالوا يتقنون حرفتهم، أمر ملهم بشكل لا يصدّق. إنّهم كرماء بوقتهم ويتمتّعون بمهارات عالية، وعلى الرغم من التحدّيات المستمرّة التي يواجهونها، فإنّهم يركّزون دائماً على إيجاد الحلول، وهو ما يتناسب حقاً مع الطريقة التي أتعامل بها مع عملي كمهندس معماري. عندما تكون بهذه العقلية، فإنّ الاحتمالات لا حصر لها.

شقّة كارل جرجس في بيروت

 

تعريف سريع عن كارل

  • أنا أقرأ حالياً... Le Petit Prince.
  • المشروع الذي أحلم في تصميمه... هو مركز صحي وسط الطبيعة، حيث تحتلّ الحياة البرّية مركز الصدارة وحيث تكون جميع مواد البناء مستخرجة من الأرض نفسها.
  • ثلاثة مهندسين معماريين أحبّ دعوتهم لتناول العشاء... David Chipperfield، و Peter Zumthor، و Studio Ko.  
  • المسكن المفضّل في نظري... Maison de Verre من Pierre Chareau. مخفي وهادئ في قلب باريس.
المزيد
back to top button