إيمان الكواري: "أتمنى أن يجد كل شخص جزءاً من نفسه في لوحاتي"

تقدّم الفنانة إيمان الكواري رؤية بصرية تنطلق من جذور شخصية وثقافية عميقة، وتمتد نحو آفاق عالمية. وُلدت في بيروت، وانتقلت بين مدن متعددة قبل أن تستقر في باريس، حيث تواصل مسيرتها الفنية التي تُعالج فيها موضوعات الهوية والذاكرة والانتماء. ومن خلال الغترة والعقال، والضوء والطبقات والخطوط، تبني الكواري أعمالاً فنيّة تبحث في الإنسان وما يجمعنا رغم اختلاف الأماكن.
في هذا الحوار، تتحدّث الكواري عن بداياتها، مصادر إلهامها، وعلاقتها بالرموز التي تتكرّر في أعمالها.

 

كيف أثّر تنقّلك بين مدن مختلفة في رؤيتك الفنية؟

لم تكن رحلتي يوماً مستقيمة. تنقلت بين بيروت وسوريا وباريس ونيويورك وواشنطن والدوحة وبلجيكا والنمسا، ثم عدت إلى باريس. هذه التجارب، كطفلة ثم كأم، شكّلت الطريقة التي أرى بها العالم، وعلّمتني كيفية التواصل مع الناس والأماكن بعمق أكبر.
كبرت بين ثقافات ولغات وإيقاعات مختلفة، وهذا جعلني ألاحظ التفاصيل الصغيرة: الضوء، ملمس القماش، الحركات البسيطة، وكل ما قد يمرّ عليه الآخرون دون أن ينتبهوا. كنت فنانة بالفطرة قبل أن أفهم معنى الفن وأرسم على الجدران والكتب وكل مساحة متاحة. هذه الحركة المستمرة صقلت حساسيتي، وجعلتني أرى العالم بطبقات متعددة، وهي الطبقات نفسها التي تظهر اليوم في لوحاتي.

 

ما الذي دفعك إلى التركيز على الغترة والعقال؟ وما الذي يمثلانه لك؟

الغترة والعقال بالنسبة إلي ليسا مجرد زي تقليدي، بل حضور كامل. حين أرى شخصاً يرتديهما، أرى شخصية وقصّة خلف القماش الأبيض. يمكنني رؤية الجدية أو الخفة، الفرح أو الحزن، الشباب أو النضج. هما يضيفان طبقة من الغموض، لكنهما لا يخفِيان الجوهر. وهذه الرموز جزء من ثقافتنا، لكن ما يلهمني حقاً هو الإنسان خلفها: حضوره وصوته الداخلي وتفاصيل قصته غير المرئية.

 

لماذا ترسمين الشخصيات بلا وجوه؟

الوجه المخفي يفتح مساحة للتخيّل ويعطي للمشاهد فرصة حتى يملأ الفراغ بنفسه، ويقرأ العمل بطريقة تخصّه وحده. لهذا السبب لا أضع عناوين للوحاتي، بل أريد لكل شخص أن يعيش لحظته الخاصة مع العمل. أما ألواني، من الأخضر إلى ألوان الجواهر والدرجات الترابية، فهي محاولة لإيصال الدفء والانتماء. 

 

ما المشاعر أو الأفكار التي تحاولين التعبير عنها؟

أسعى دائماً إلى مشاعر واسعة وإنسانية: السلام، التأمل، المحبة، الفضول، ولمسة من الغموض. أتمنى أن يشعر من يقف أمام لوحاتي بشيء داخلي ولطيف، بعيداً عن التلقين أو التفسير المباشر.

 

من أين يأتي الإلهام وراء الطبقات والطيّات في أعمالك؟

رغم دراستي للفنون، بدأت أرسم بجدية بعد الأمومة. في البداية كانت الطبيعة هي ما يعيد توازني: الأشجار والأشكال العضوية. لكن بعد عودتنا إلى باريس وكبر أولادي، شعرت بحاجة للعودة إلى جذوري وهويتي. أسرتي المؤلفة من زوجي وأبنائي الأربعة وأخواي، كانوا دائماً جزءاً من نظرتي للحركة والجسد والملبس. وفي قطر، لفتني كيف يتغيّر الضوء على الغترة، وكيف تعبّر طيّاتها عن حضور الشخص دون الحاجة إلى وجه ظاهر. تأثرت أيضاً بوالدتي، فهي رسامة، وقد نشأت وأنا أشاهد تجاربها في فن الكولاج والوسائط المختلطة. شجعتني دائماً على اللعب بالمواد، وهذا يظهر اليوم في أعمالي: طبقات من الأقمشة والضوء والورق والألوان، ممتزجة بذكريات من رحلات مختلفة.

 

كيف أثّر عيشك بعيداً عن الخليج في مقاربتك لثقافتك؟

الابتعاد منحني منظوراً مزدوجاً. رغم أنني وُلدت في بيروت وعشت في الغرب، فإن والديَّ حافظا على حضور قوي لتقاليدنا. هذا المزيج شكّل طريقة خاصة أرى بها العالم. الثقافة بالنسبة إلي ليست مكاناً واحداً، بل أسلوب حياة وتربية وذكريات عائلة تنقلت بين دول مختلفة. أخذنا شيئاً من كل بلد، وبنينا عالماً يشبهنا.. وأعمالي تعكس هذا الخليط.

 

ماذا تأملين أن يشعر الناس عند مشاهدة أعمالك؟

أتمنى أن يجد كل شخص جزءاً من نفسه في لوحاتي: في ألوانها، في طبقاتها، أو في قصتها المفتوحة. أحب أن يكمل المشاهد العمل بخياله، لذلك أتركه بلا عنوان. في النهاية، اللوحة تكتمل بالنظر الذي يتأملها.

المزيد
back to top button