كانت تلك الساقطة تنوي أخذ زوجي منّي، ولَم أكن لأدعَها تفعَل ما خطّطَت له لأشهر طويلة. ولو تأكّدتُ مِن أنّ علاء لَم يعُد يُريدُني، لانسحَبتُ مِن المُعادلة، لكنّني كنتُ أعرفُ زوجي ظهرًا عن قلب وهو كان مَفتونًا بِثريّا وليس أكثر. لكن عليّ الإقرار بأنّها فائقة الجمال وجذّابة لِدرجة أنّه يصعَب على أيّ رجُل مُقاومتها. لماذا هي اختارَت علاء وليس سواه مع أنّه مُتزوّج وله ولدان؟ فقط لأنّه زوجي أنا.
ولتفهموا ما أقصدُه، عليّ الرجوع إلى الماضي حين كنتُ وثريّا زميلتَين في المدرسة نفسها. كبِرنا سويًّا إلا أنّها لَم تكن صديقتي لأنّها لَم تختلِط مع باقي البنات بل كانت تبقى لوحدها. للحقيقة، كانت تلك الفتاة قبيحة ولَم توفِرّها التلميذات، بل أخذنَها مثلاً للقباحة وتنمّرنَ عليها باستمرار. شخصيًّا لَم أُضايقها بِصورة خاصّة، بل حاولتُ في إحدى المرّات التقرّب منها. إلا أنّها رفضَتني قائلة: "أنتِ كالباقيات... لستُ بِحاجة إلى شفقتكِ يا آنسة! لدَيّ ما يكفي مِن الذكاء للتعويض عن الجمال الذي أفتقدُه". وهي لَم تكن تكذِب، بل كانت بالفعل بارعة في الرياضيّات والعلوم على اختلافها، الأمر الذي ساعدَها لاحقًا في حياتها لنَيل شهادات عالية، على خلافنا. ودخول ثريّا حياتي مِن جديد وإصرارها على النَيل مِن علاء حدَثَ صدفة. البعض يقول إنّ لا صدَف في الحياة بل إنّ كلّ شيء مُرتَّب مُسبقًا، لستُ أدري.
فبعد أن أكملتُ المدرسة، دخلتُ الجامعة ولَم أعُد أعرفُ شيئًا عن تلك الزميلة التي سخِرَ منها الجميع. ثمّ تعرّفتُ إلى الذي كان سيصبحُ زوجي وأعطَيتُه ولدَين جميلَين. كانت حياتنا هنيئة إلى حين احتاجَ علاء لِمحلّل استراتيجيّ لِشركته الكبيرة ونالَت ثريّا المنصِب. في البدء، هي لَم تعلَم أنّ مديرها هو زوجي بل فقط حين رأَت على شاشة حاسوبه صورتي وولدَينا إلى جانبه. أستطيع تصوّرها الآن تبتسم حين وضعَت في رأسها فكرة الانتقام، مِن خلالي، مِن كلّ الذي عانَته آنذاك. لَم أفعَل لها شيئًا قط، لكنّني كنتُ فردًا مِن "الفريق الآخر".
مِن جهتي، لَم يكن بِمقدوري معرفة أنّ الموظّفة الجديدة هي زميلتي القديمة لِسبب بسيط: هي كانت قد اشتغلَت على مظهرها بِشكل رهيب.
فالفتاة القبيحة لَم تعد موجودة بل حلَّت مكانها إمرأة جميلة وجذّابة، لا بل فتّاكة. أنا مُتأكّدة مِن أنّ ثريّا "إختبرَت" قدرتها الجديدة على رجال عديدين قبل أن تصير مُتمكّنة في اللعب فيهم كما تُريد.
بقيتُ أجهَل وجود ثريّا في الشركة، إلى حين أُصيبَ زوجي بوعكة صحيّة أجبرَته على مُلازمة البيت لفترة طويلة. ولهذا السبب، دعا إلى البيت الطاقم المُقرَّب منه والذي يشغلُ المراكز الأساسيّة لِمُتابعة الملفّات المُهمّة... وكانت ثريّا بينهم.
إستقبلتُ القادمين جيّدًا بعد أن أرسلتُ ولدَينا إلى غُرفتما، وحضَّرتُ بعض المأكولات السهلة الأكل أثناء العمَل. لاحظتُ طبعًا جمال تلك المُحلِّلة الاستراتيجيّة لكنّني لَم أخَف منها، فحُبّ زوجي لي كان أسطوريًّا. لكنّني رأيتُها تتركُ مكانها أثناء الاستراحة وتجولُ في بيتي مُتفحّصةً الأثاث والديكور باهتمام كبير. عندها وافَيتُها وبدأتُ أشرحُ لها عن مُكّونات البيت. وهي قالَت:
ـ المكان جميل للغاية.
ـ شكرًا، هذا لطف منكِ. هل لدَيكِ اهتمام خاص في مجال الديكور؟
ـ بل أتفحّصُ المكان الذي سأعيشُ فيه قريبًا.
ـ ماذا؟!؟ لَم أفهَم قصدكِ.
لكنّها عادَت إلى المجموعة وابتسامة عريضة على وجهها، ولَم تنظُر حتى إليّ بعد ذلك. رحلَت ثريّا مع الباقين بعد أن أنهوا مع زوجي الملفّ. للصراحة، عدتُ واستنتجتُ أنّني لَم أسمَع جيّدًا ما قالَته لي، وأنّني أتخايلُ أمورًا لا صحّة فيها. نسيتُ الموضوع سريعًا... إلى أن بدأ علاء يتغيّرُ معي.
في البدء كانت أمورًا صغيرة لا يتوقّف عليها أحدٌ، كحَمله لِهاتفه في كلّ تحركاته في المنزل، أو جلوسه لفترات طويلة سارحًا في أفكاره. ثمّ هو صارَ يتأخّرُ في العمَل، الأمر الذي يُعتبَر طبيعيًّا بالنسبة لزوجة رجل أعمال ناجح، لكنّه كان يعودُ ليقصد الحمّام على الفور وبالكاد يُمسي عليّ. وبالرغم مِن ذلك لَم أشكّ به، فلَم يكن يُعقَل أنّ علاء يخونُني!
لكن في إحدى المرّات سمعتُه يتكلّم على الهاتف وهو في الحمّام، والحديث لَم يكن يدورُ أبدًا حَول العمَل بل عن "شوقه الكبير لرائحة جسَد" أحد ما. شعرتُ بِوَهج مِن النار يجتاحُ جسدي وتسارعَت دقّات قلبي، فركضتُ إلى المطبخ لأهدأ قليلاً وأستَوعِب ما سمعتُه لِتوّي.
وبعد حزن عميق وألَم كبير، جمعتُ نفسي وقرّرتُ مواجهة علاء، فلطالما كنّا نقولُ لبعضنا كلّ شيء. فسألتُه:
ـ هل أنتَ على علاقة مع أحد؟ أقصدُ غراميًّا... أو جسديًّا... أو الإثنَين معًا؟
ـ يا إلهي... ما هذا السؤال يا حبيبتي؟
ـ يا حبيبي؟!؟ سمعتُكَ للتوّ تتكلّم مع عشيقتكِ! بالله علاء، لا تذلّني أكثر اعتباري غبيّة. فمِن حقّي أن أعلَم.
ـ أجل... وأنا آسف... لكن...
ـ مَن هي؟!؟ أجِب!
ـ إنّها موظّفتي الجديدة، تلك التي...
ـ تلك المرأة الجذّابة! أُريدُكَ أن تقطَع علاقتكَ بها على الفور! وإلا...
لَم أنتظِر إجابته بل ركضتُ أحبِسُ نفسي في الغرفة الزوجيّة، ولَم أخرج منها سوى في الصباح وبعد أن غادَرَ زوجي إلى عمله. وكَم كانت دهشتي كبيرة حين رنَّ هاتفي وسمعتُ صوت إمرأة تقول لي:
ـ لن أتركه... لا تُتعبي نفسكِ يا... عزيزتي.
ـ ماذا تُريدين منه؟ مالاً؟ سأُعطيكِ ما تُريدينَه، ففي آخر المطاف، هو سيسأمُ منكِ ويعودُ إليّ، فأنا أمّ أولاده.
ـ لا بل سآخذُ مكانكِ يا جميلتي... وقد أُبقي ولدَيكِ معي إن طابَ لي تعذيبكِ.
ـ ولِما تُعذّبيني؟ أنا لَم أفعَل لكِ شيئًا! رأيتُكِ لأوّل مرّة حين جئتِ بيتنا!
ـ كَم أنّ ذاكرتكِ ضعيفة...
ـ عن اذنكِ لحظات... أسمعُ الباب يُدَقّ، لا بدّ أنّها خدمة التوصيل.
ـ خُذي وقتَكِ، فأنا أتلذّذُ بإطالة عذابكِ.
ركضتُ كالمجنونة إلى غرفة إبني البكر الذي كان لا يزال نائمًا، وأخذتُ خلسةً جوّاله وأدَرتُ المُسجِّل الصوتيّ ثمّ وضعتُ هاتفي على المُكبّر. وقلتُ لِثريّا:
ـ ها أنا قد عدتُ... كنتِ تقولين إنّ ذاكرتي ضعيفة، أي أنّنا نعرفُ بعضنا؟
ـ أجل... تذكّري... مَن هي التي كنتنّ تسخرنَ منها في المدرسة؟
ـ لا أذكر... مهلاً... كانت هناك فتاة إسمها... ثريّا.
ـ تمامًا!
ـ لكنّها كانت...
ـ قوليها: قبيحة!
ـ أعني... غير جميلة. لكنّكِ إمرأة فائقة الجمال!
ـ صرتُ هكذا بِفضل الحمية والجراحة التجميليّة... لقد صرفتُ جهدًا كبيرًا لِتغيير مظهري ومالاً أكثرًا! لكنّني ممتنّة مِن النتيجة! ألستِ مِن رأيي؟
ـ بلى، بلى... لكن ما دخلي ودخل علاء في تغييركِ لِشكلكِ؟ لستُ أفهَم.
ـ حبيبتي... إستمدَّيتُ القوّة والعَزم منكِ ومِن الذي فعلتِه بي.
ـ لَم أفعَل لكِ شيئًا! لا بل مدَدتُ لكِ يَد الصداقة بينما كانت الأخريات تتنّمرنَ عليكِ!
ـ تمامًا! أنتِ الوحيدة التي شفقتِ عليّ، وبذلك أشعَرتِني بالنقص وكأنّني مخلوقة عجيبة ومُعاقة. لا تنكري ذلك، فلقد رأيتُ الشفقة في عَينَيكِ ولا يزال ذلك المشهد حيًّا حتى اليوم. مَن تظنّين نفسكِ؟ فأنا قادرة على تدمير كلّ ما لدَيكِ بِلحظة! لقد سحرتُ زوجكِ بِتلبية كلّ رغباته الجنسيّة وسأقنعُه بِتطليقكِ، وسأعيشُ في بيتكِ وأنامُ في سريركِ، لكنّني لن أشعُرَ بأيّة شفقة حيالكِ، صدّقيني.
ـ أنتِ انسانة مريضة! لو كنتِ تُحبّين علاء...
ـ أُحبُّه؟!؟ دعيني أضحَك! لولاكِ لمَا نظرتُ إليه حتى! ولا أدري ماذا تُحبّين فيه... إنّه فاشلٌ في السرير! على كلّ الأحوال، سأرميه فور ملَلي منه، لكنّه لن يعودَ إليكِ أبدًا بعدما ذاقَ طعم الأنوثة الحقيقيّة!
ـ سأقولُ له حقيقة اهتمامكِ به!
ـ وهو لن يُصدقّكِ... يا غبيّة!
وأقفلَت ثريّا الخطّ وأنا أطفأتُ المُسجّلة مُتمتِمة لِنفسي: "سنرى مَن هي الغبية بيننا!".
إرتدَيتُ ملابسي وأخذتُ معي هاتف إبني وتوجّهتُ إلى شركة زوجي. تفاجأَ علاء بِرؤيتي في مكتبه وأنا تفاجأتُ بِوجود ثريّا معه. كان مِن الواضح أنّهما كانا يتحدّثان عنّي فقالَت له الماكرة:
ـ ها هي... ألَم أقُل لكَ إنّها تُريدُ بثّ الأكاذيب؟ لا تُصدِّق كلمة تخرجُ مِن فمها!
لَم أٌجِبها بل قلتُ لِزوجي:
ـ إسمع... لن أُسامحكَ على استبدالي بِسرعة ومِن أجل ماذا؟ أوقات وجيزة مِن اللذّة؟
ـ أنتِ لا تفهمين حقيقة الوضع... نحن متحابّان... لستُ قادرًا على شرح ما أشعرُه تجاه ثريّا، ربمّا هو القدَر الذي جمعَنا... لستُ فخورًا بنفسي إلا أنّني أنوي...
ـ لا تُكمِل أرجوكَ... بل إستمِع إلى هذا التسجيل لِتعرفَ أنَّ لا دخل للقدَر بِشيء. وسنتكلّم لاحقًا عمّا علينا أن نفعله بِزواجنا.
وأدَرتُ التسجيل. لن أستطيع وصف شكل ثريّا في تلك الدقائق المؤلمة والتي أدركَت مِن خلالها أنّ غرورها أضاعَها، وأنّ الزوجة "الغبيّة" فاقَتها ذكاءً وحنكة. أمّا بالنسبة لعلاء، فشكله انتقَلَ مِن الدهشة إلى الغضب ومِن ثمّ الحزن ليصل إلى الخجل مِن نفسه ومنّي. ثمّ نظَرَ إلى عشيقته وقال لها بصوت جدّيّ للغاية:
ـ آنسة ثريّا... سأطلبُ منكِ التوجّه إلى قسم المُحاسبة لِقبض راتبكِ ومِن ثمّ إلى المخرَج. لا أُريدُ رؤيتكِ بعد الآن.
خرجَت السافلة بِصمت وهمَسَت لي عندما مرَّت بالقرب منّي:
ـ لَم أنتهِ منكِ.
ـ ممكِن... لكنّني أنا إنتهَيتُ منكِ.
ثمّ قلتُ لزوجي:
ـ سأطلبُ منكَ يا أستاذ علاء التوجّه إلى بيتنا لِنَقل أمتعتكَ إلى مكان آخر، فلَم أعُد أٌريدُكَ.
وبالفعل غادَرَ زوجي المنزل، وشرحتُ لولدَيّ أنّ أباهما مُسافرٌ بِداعي العمَل لِمدّة غير مُحدّدة. إلا أنّني نسيتُ محو التسجيل الصوتيّ عن هاتف إبني وهو سمِعَه وفهِمَ ما جرى. عمَّ جوّ مِن الغضب والأسى البيت، وأسِفتُ أن نتحوّل مِن عائلة مُتماسكة ومُحبّة إلى أفراد حزينين وغاضبين. لكنّ زوجي كان قد اقترَفَ ذنبًا جسيمًا ووجَبَ عليه دفع الثمَن.
بعد حوالي الشهر على هذا النحو، حاوَلَ علاء إسترضائي والعودة إلى البيت. علِمتُ أنّه كان ينامُ في الشركة وأنّ حالته يُرثى لها. إحترتُ في أمري، إلا أنّني صمدتُ، فردّه إلى البيت كان يعني شَطب خيانته لي ونيّته بِتركي. ماذا لو أعادَ الكرّة مع أخرى؟ هل كان زوجي يُحبّني ولو قليلاً؟ لَم أعُد واثقة مِن شيء. ولا أظنّ أنّني كنتُ سأسامحُ علاء قط، لولا الحادث الذي تعرّضَ له إبني البكر حين كان يقودُ درّاجته الهوائيّة. ركضتُ إلى المشفى واتّصلتُ طبعًا بأبيه، وبقينا إلى جانبه طوال الوقت. وخلال تلك الفترة إستعَدنا قليلاً ما كنا نملكُه كعائلة. بكى زوجي كثيرًا وتأسّفَ على الذي فعلَه بنا، لِدرجة أنّني قبلتُ أن يعودَ إلى البيت تحت شرط واحد وهو أن ينام في غرفة مُنفصِلة. وأظنّ أنّ إبننا إفتعَلَ حادثه مِن أجل لمّ شَملنا، وتلك الفكرة أرعبَتني كثيرًا، فمَن يدري إلى أيّ مدى كان سيتضرَّر؟ إختفَت ثريّا عن الأنظار كليًّا لكنّني غير مُطمئنّة مِن جانبها. سأكون لها بالمرصاد لو هي ظهرَت في حياتي مُجدّدًا!
لا أزالُ غاضبة مِن زوجي مع أنّنا ندّعي الوفاق أمام ولَدَينا، وهو لا يزال ينام في غرفة أخرى.
ما عسايَ أفعَل وكيف لي أن أنسى خيانته لي؟ أرجو منكم إعطائي رأيكم.
حاورتها بولا جهشان