إعادة صياغة القصة

تتحدث أسماء الكواري، مدرّبة القيادة التنفيذية الحائزة على جوائز، ومؤلّفة كتاب "العودة إلى الذات"، مع ELLE Arabia عن القدرة على إعادة صياغة قصتك والبدء من جديد.

 

عندما عادت أسماء الكواري من الولايات المتحدة إلى قطر في سنّ التاسعة، لم تكن تعلم أنّ حياتها ستشهد هذا التحوّل الجذري. ولم تتخيّل أيضاً أنّ ذلك سيُصبح حافزاً للتغيير، ويمنحها مساراً جديداً ـ مساراً يُلهم عدداً لا يُحصى من النساء العربيات والمسلمات.

تخبرنا: "كانت العودة إلى قطر بمثابة صدمة ثقافية هائلة. عند عودتي، وجدت نفسي أرتدي قناعاً لأتأقلم مع القوالب والصناديق التي أعدّها لي المجتمع. علّمني هذا التحوّل مبكراً كيف يمكن للبيئات أن تُشكّل هويتي، وكيف من السهل أن أفقد ذاتي إن لم أكن حذرة". فمن كونها مُغامرة، وجريئة لا تعتذر عن نفسها، إلى التحوّل إلى الصمت في نهاية المطاف وكبت شخصيتها الطبيعية، كان هناك انقلاب كبير يحدث هنا. إنّه تحوّل مألوف للكثيرين، لكنّهم لا يتحدّثون عنه أبداً. مع استمرار الكواري في نموّها، واتباعها المسار الذي سلكته، أصبحت تُراقب السلوك البشري بدقة وما يُحرّك الاستجابات وردود الأفعال. في النهاية، كانت رحلتها الشخصية هي التي حفّزتها على اتخاذ الإجراءات وتغيير المسار.

تتذكر قائلةً: "كانت هناك لحظة فارقة في مسيرتي المهنية في الشركات". كانت تلك اللحظة عندما شكّكت في كلّ شيء ـ وظيفتها، وشركتها الناشئة الفاشلة، ومكانتها في قطاع يهيمن عليه الرجال. حينها لاحظت كيف كانت تُوازن بين البقاء والطموح، وتساءلت إن كانت ترغب في الحياة التي تسعى إليها. تقول: "بالنسبة لي، أصبح تحقيق الذات حقيقةً يوم أدركتُ أنّه ليس لديّ ما أخسره. توقّفتُ عن السماح للخوف وآراء الآخرين بتحديد حجم أحلامي. وأدركتُ أنّ قيمتي ليست شيئاً يتمّ التفاوض عليه ليتناسب مع التوقّعات، بل شيءٌ أطالب به بكلّ قوّتي".

 

إنّ تقدير الذات، والهوية، والجذور الثقافية كلّها أمور بالغة الأهمية اليوم بالنسبة للشابات. فهي ليست شهادة قوية على التاريخ والإرث فحسب، بل هي أيضاً تذكير مناسب للنساء بأنّ قصصهنّ مهمة في تشكيل السرديات التي تظهر الآن. يُذكّر كتاب الكواري النساء العربيات والمسلمات بهذه الحقيقة المهمة والعميقة. إنّه انعكاس حقيقي لرحلتها، ورغبتها في منح النساء صوتاً لتجربتهنّ الشخصية. وتعترف قائلةً: "أردت أن تكون قراءة الكتاب بمثابة محادثة مع مدرّبك الخاص بين يديك؛ شخص مرّ بظروفك الحالية، ويفهم الأفكار التي قد لا تقولينها بصوتٍ عالٍ". وتشرح أنّ عنوان الكتاب مستوحى من الكلمة العربية "ذات"، ويروي الكتاب رحلة العودة إلى "الذات"، إلى تلك النسخة عن نفسك التي كنتِ عليها، قبل أن يُملي عليكِ العالم من تكونين.

 

في نهاية المطاف، أصبح الضعف مصدر قوّة لها، وحوّلت الكواري كلّ موقف إلى واقع ملموس بتقدّمها كقائدة حقيقية بكلّ معنى الكلمة. بصفتها مؤسّسة "أنتِ لستِ وحدكِ"، وهو كناية عن جماعة عالميّة للنساء العربيات والمسلمات، أطلقتها عام ٢٠١٩ ، جمعت الكواري فيها النساء ذوات التجارب المتشابهة. تقول: "عندما بدأنا عام ٢٠١٩، كان التركيز منصبّاً على الإنصات؛ كانت النساء يستمعن إلى قصص بعضهنّ البعض. واليوم، أصبح التحوّل ملحوظاً: إنهنّ يُحدثن التغيير. ليس فقط في أنفسهنّ، بل في حياة النساء الأخريات أيضاً". لقد أصبح الأمر الآن رحلة تحوّل، وهذا العام تنتقل الجماعة إلى مساحة عالمية على الإنترنت لتعزيز وتعميق الروابط التي نشأت بينهنّ.

تقول الكواري: "بالنسبة للنساء العربيات والمسلمات اليوم، يُعدّ تحقيق الذات أمراً شخصياً وثقافياً عميقاً. يتعلّق الأمر بالقدرة على الحلم والعمل دون اعتذار، مع الحفاظ على تجذّر الذات في هويتها وأصلها. النجاح الحقيقي يعني أن يُنظر إليها على أنّها ذاتنا، لا كنسخة مُعدّلة مصمّمة للقبول. عندما تتملّك المرأة صوتها، وجذورها، وطموحاتها بالكامل، فإنّها لا تُغيّر حياتها فحسب، بل تُغيّر ما هو ممكن للأجيال القادمة".

 

تجد رسالتها صدى لدى كلّ من يجرؤ على الطموح، ويسعى لكسر الحواجز التي يضعها المجتمع، وأحياناً يكسرها هو نفسه، خوفاً من القبول أو الحكم عليه. ومن الأمثلة التي تشاركها الكواري، فصل من كتابها عن العار ومتلازمة الفتاة الصالحة، وهو فصل كان شخصياً للغاية بالنسبة لها. نادراً ما تُناقش مثل هذه المواضيع، كما تلاحظ، ومع ذلك فهي متأصّلة بعمق في حياة النساء ـ وهذا بالضبط ما يجمع المجتمع. لحظات عفوية وحقيقية وهشّة تدعم بعضها البعض. تماشياً مع رؤيتها، تساعد الناس على الشعور بأنّهم مرئيون ومفهومون. صدر كتاب "العودة إلى الذات" عن دار نشر The Dreamwork Collective، وهو متوفّر أيضاً على أمازون.

المزيد
back to top button