ملَلتُ مِن زوجتي بعد سنوات قليلة مِن زواجنا، لكنّني أجبَرتُ نفسي على تمثيل دور الزوج السعيد بانتظار أن تتغيّر الأحوال بيننا... أو أرحَل بعيدًا. لا تُسيؤوا فهمي، فالمرأة التي تزوّجتُها كاملة الأوصاف وهي ربّة منزل مُمتازة وأمّ رائعة، إلا أنّ ما كان ينقصُها هو الإثارة. الأمر يعودُ حتمًا إلى تربيَتها، فهي إبنة أناس مُتديّنين ومُحافظين لقّناها ذلك الحياء الذي منعَها مِن أن تكون إمرأة مُثيرة لرجُلها. حاولتُ كثيرًا أن أُعلّمها بعض الأمور التي تُحرّك شهوتي، إلا أنّها رفضَت ذلك رفضًا قاطعًا. فصِرتُ أقومُ بواجباتي الزوجيّة كالرجُل الآليّ وأتصوّر نفسي مع إمرأة أخرى. أعذروني على هذه التفاصيل الحميمة، لكنّها ضروريّة لفَهم باقي قصّتي.
إنتهى بي المطاف أٌفكِّرُ بإيجاد مُبتغايَ بأيّة طريقة، مُهمِلاً كُليًّا زوجتي، ليس فقط جسديًّا بل أيضًا عاطفيًّا ومعنويًّا. لِذا بدأتُ أُفتِّشُ على الانترنت عن تلك الصوَر التي تُبيّنُ أكبر قسط مِن جسَد النساء لأحلُمَ بها لاحقًا. فهكذا تكون النساء! وسرعان ما صِرتُ مهووسًا بأمور ألهَتني عن عمَلي وعائلتي، إذ قضَيتُ وقتي على حاسوبي المحمول وهاتفي، أُزيدُ "صديقات" جديدات لحسابي الجديد على الفيسبوك الذي اختلَقتُه تحت إسم مُستعار لغرَض واحد وهو إيجاد المرأة المثاليّة... مهما كلّفَ الأمر.
زوجتي، مِن جانبها، إرتاحَت مِن طلباتي، واستطاعَت التركيز على البيت وإبننا، ووجدتُها سعيدة هكذا. يا إلهي... لماذا تزوّجتُها هي بالذات وليس تلك الجارة الجميلة والجذّابة التي أعربَت لي عن إعجابها بي في ما مضى؟ لكنّ الناس لطالما قالوا إنّ على الرجُل أن يختارَ زوجة عاقلة وبريئة لتكون أمًّا صالحة. يا لحماقتي! فكيف لي أن أتحمَّل هكذا زوجة مدى الحياة؟
إمتلأت صفحتي على الفيسبوك بالحسناوات مِن جنسيات مُختلفة، فبدأتُ أُراسلهنّ، خاصّة البعيدات منهنّ، فلَم أكن قد قرّرتُ خيانة زوجتي بعد، بل فقط تبادُل أحاديث وصوَر حميميّة لأُغذّي مُخيّلتي ولأشعُرَ بالذي أركضُ وراءه. لكنّ تلك الجميلات لا تعمَلنَ مجّانًا، فاضطرِرتُ لإرسال بعض المال لهنّ، ولكنّ تلك المبالغ كانت مُستحِقّة لنوعيّة ما حصلتُ عليه. كنتُ سعيدًا، على الأقلّ عندما كنتُ "أونلاين" أي بعيدًا عن حياتي الزوجيّة الفاشِلة.
قضَيتُ سنة بكاملها على هذا النحو إلى حين أردتُ المزيد. فما أفعلُه كان أقرَب إلى الخيال وحانَ الوقت أخيرًا للتنفيذ. لَم أشعُر بأيّ وخزة ضمير حيال زوجتي، فهي كانت بالنسبة لي بمثابة عاملة منزل ومُربيّة لإبني وليس أكثر. تخلّيتُ عن "صديقاتي" الأجنبيّات وأخذتُ أفتّش عن أخريات محليّات، لكنّ الأمر لَم يكن سهلاً فمعظمهنّ كنّ تستعمِلنَ صورًا مُستعارة وأنا كنتُ أُريدُ فاتِنة حقيقيّة. فشِلَت كلّ مُحاولاتي بعد أن استوعَبتُ أنّ تلك النساء بعيدات كلّ البُعد عن الجمال والجاذبيّة، لا بل كانت زوجتي في أفضل حال منهنّ!
لِذا التجأتُ إلى بائعات الهوى، فاكتشفتُ عالمًا واسعًا لَم أكن أشكّ بوجوده في بلَد يدّعي العفّة والأخلاق. فالحقيقة أنّ هناك حسناوات لجميع الأذواق وكلّ ما عليّ فعله هو الاختيار. الأصعب كان الوصول إلى المنبَع، لكن بعد بحث مُعمّق وأسئلة كثيرة وجدتُ ما أردتُه بكلّ جوارحي. سُرِرتُ بإيجاد أجنبيّات حسناوات شقروات كاللواتي تحدّثتُ معهنّ عبر الانترنت، وذُهِلتُ بجمالهنّ وقوامهن. للحقيقة، شعرتُ بالاحراج، ليس مِن الذي يدورُ في بالي حيالهنّ، بل ألا أكون على قدر الحمل. إضافة إلى ذلك، مُعاشرة تلك المخلوقات الفائقات الجمال كان باهظًا، لكنّ الأمر كان يستحقّ التجربة. وهكذا إختَرتُ أولغا، وهي قالَت لي إنّني وسيم للغاية وأُشبِه المُمثّلين الأجانِب. سُرِرتُ لهذا الأطراء وشعرتُ أنّني حقًّا مُميّز مع أنّني كنتُ أجِدُ نفسي عاديّ القوام والملامِح.
أعطَتني أولغا كلّ الذي انتظرتُه منها... وأكثر. فبالطبع أردتُ التواجد معها مرّة أخرى ولو أنّ الكلفة كانت عالية. إضافة إلى ذلك، كان عليّ أخذُها إلى المطعم وشراء الحاجيات لها، هذا إن أردتُ أن تكون جميلتي مُتوفِّرة لي. فكان عليها طلَب كبير والانتظار لَم يكُن واردًا.
ثمّ صِرتُ أرى أولغا مرّة في الأسبوع بدلاً مِن مرّة في الشهر، وأعترفُ أنّني بدأتُ أبحث عن عمَل إضافيّ بعد أن وبّخَتني زوجتي على قصر المال الذي أخصِّصه لبيتي وولَدي. للحقيقة، عائلتي لَم تكن أولويّتي في تلك الفترة، لكنّني إجتهدتُ للحصول على المال لإسكات التي تعيشُ معي في البيت. لماذا هي مُنزعِجة لهذه الدرجة؟ ألَم أتزوّجها وأعطَيتُها بيتًا وولَدًا؟ بئس النساء اللواتي على نحو زوجتي!
تتالَت الهدايا لأولغا ومصاريفها الشخصيّة، وكان عليّ الدفع حتى لبعض صديقاتها، إن هنّ أرَدن شيئًا مُعيّنًا، وإلا حرمَتني عشيقتي مِن محاسنها التي بتُّ مُدمِنًا عليها. للحظة تمنَّيتُ لو أولغا هي مثل زوجتي، أي تكتفي بالقليل ولا تطلبُ سوى ما هو ضروريّ، إلا أنّني ضحكتُ لتلك الفكرة، فليس هناك مِن مُقارنة بينهنَّ!
تجاهُلي لزوجتي وإبني وبيتي كان قد صارَ فاضحًا، وكذلك عدَم تمكّني مِن إعطاء أفراد عائلتي الصغيرة نمَط عَيش مُحترَمًا. فتأخَّرتُ عن دفع قسط ولدَي في المدرسة، الأمر الذي سبَّبَ له سماع تهديدات بالطرد مِن قِبَل الإدارة. لماذا كلّ تلك الجلبة بشأن قسط مدرسيّ؟ فأولغا كانت أحقّ بمالي، أو بالأحرى بسطي معها وقضاء أوقات أكثر مِن مُمتِعة معها. علِمَت زوجتي في آخِر المطاف أنّ لي عشيقة، فالأمر كان فاضحًا بدءًا بغياباتي الدائمة وتأخّري ليلاً ورائحتي الزكيّة حين أعودُ إلى البيت، وقصر المال طبعًا. فهي طلبَت منّي التوقّف عمّا أفعله وإلا أخذَت إبننا ورحلَت. مع ألف سلامة! لَم أُصدِّق أنّها لفظَت تلك الكلمات، فشجّعتُها على تركي، إذ لَم أكن مُستعدًا للتوقّف عن شيء. وصَلَ الأمر بي إلى إجبارها على النظَر إلى صوَر عشيقتي، حتى الجريئة منها، قائلاً لها:
- أرأيتِ؟ أُنظري جيّدًا إلى تلك المخلوقة الرائعة! هي لي! وتظنّين صدقًا أنّني سأتخلّى عنها مِن أجلكِ؟ ما هذا الكمّ مِن الغباء؟!؟ عودي إلى أهلكِ ودعيني أستمتِع بحياتي يا وجه الشؤم!
أعرفُ ما تقولون عنّي الآن، وأنتم على حقّ: إنسان بغيض وقبيح وبائس. لكنّني كنتُ بالفعل مُقتنِعًا بالذي قلتُه، وأنتظرُ بفارغ الصبر أن أستعيد حياة اعتبرتُ نفسي أضعتُها يوم تزوّجتُ وأنجَبت زوجتي.
...أخذَت زوجتي ولَدنا وراحَت إلى أهلها وأنا طرتُ مِن الفرَح! ركضتُ أزِفُّ الخبر لأولغا طالبًا منها ترك مهنتها للعَيش معي حصريًّا. إلا أنّها رفضَت قائلة:
ـ لا، فسأخسرُ الكثير مِن المال بهذه الطريقة. فلقد تعوّدتُ على نمَط حياة لا تستطيع توفيره لي.
ـ مَن قال ذلك؟ سترَين، سأُعطيكِ كلّ ما تريدينَه! لكنّني أُريدُكِ لي فقط!
رحتُ أستدين المال يمينًا وشمالاً، وأبحثُ عن تلك الأعمال الصغيرة التي تأتي بالمال السريع. ولأفعل ذلك، تركتُ عمَلي الذي كان يأخذُ الكثير مِن وقتي. يا إلهي، ساعدني للمُحافظة على أولغا!
صرفتُ على عشيقتي كلّ المال الذي وضعتُ يدي عليه، وذلك في غضون شهرَين. فقصدنا أفضل الأماكن وأكَلنا ألذّ أكل وألبستُها الملابس والحُلى الباهظة... ثمّ نفَذَ المال. المال نفسه الذي كان عليّ إعادته، مع فائدة! وسرعان ما بدأ المُرابون يُطالبوني بحقّهم، فطلبتُ بدوري مِن أولغا أن تُعطيني الحلى لأبيعها وأٌسكِت هؤلاء الناس الغاضبين. إلا أنّها رفضَت طبعًا ونعتَتني بالأبلَه، لاعتقادي أنّها ستقبل وهدّدَتني بطردي مِن حياتها.
- لا! كلّ شيء إلا هذا! أمهليني بعض الوقت، أرجوكِ! صرختُ لها.
ركضتُ أُرهُن بيتي، أي أثمَن شيء أملكُه، وصرفتُه عليها ناسيًا طبعًا أن أُعيدَ المال لأصحابه. فكان يكفي أن أقضي ليلة واحدة مع عشيقتي لأنسى العالم بأسره. وعندما لَم أعُد قادرًا على تلبية طلباتها، فضّلَت أولغا شخصًا غيري أكثر ثراء، وتخلَّت عنّي.
تركَتني أولغا وحيدًا مع ديوني ومرارتي على خسارتها وعلى العودة إلى الصفر، أتخبَّطُ لإيجاد طريقة للعَيش بلا قسط مِن الكرامة. قصدتُ أهلي الذين وبّخوني لأقصى درجة، وقبِلوا أن يستضيفوني لوقت مُحدّد شرط أن أستعيدَ نفسي وعائلتي. وعدتُهم بأنّني سأتحسّن، إلا أنّني لَم أفكِّر سوى بالتي أخذَت عقلي وكياني. عمِلتُ ليلاً نهارًا في أماكن عدّة، لأُعيدَ المال الذي استلَفتُه مِن أناس باتوا يُشكّلون خطرًا على حياتي. لَم أسأل عن زوجتي أو إبني على الاطلاق، فما بالي وبالهما؟!؟ بعتُ سيّارتي وصرتُ أتنقّل مشيًا على الأقدام، مُعتقدًا أنّ أحوالي ستتحسّن وسأستعيدُ حياتي الصاخبة. إنتهى المطاف بي فقيرًا ومُحبطًا وانتكسَت صحّتي... بعدما علِمتُ أنّ أولغا سافرَت بعيدًا مع عشيقها الثريّ وأنّها لن تعود. فكّرتُ بالانتحار حقَّا، فما نفع حياتي مِن دونها، مَن سيفهمُني مثلها، مَن سيُعطيني تلك اللذة التي لطالما حلِمتُ بها؟
أنقذَني العلاج النفسيّ الذي قدّمَه لي أخي الأكبر، بعدما فهِمَ الجميع أنّني على شفير قتل نفسي أو الغوص في الجنون. هو هدّدَني بطردي مِن بيت أهلي إن لَم أوافِق على تلك الجلسات. ومع المُعالِج فهمتُ أسباب ركضي وراء اللذة ووراء أولغا. لن أكذِبَ عليكم، وأقول إنّني شفيتُ كلّيًّا، لكنّني بتُّ أرى الأمور بوضوح ومنطق. وجدتُ عمَلاً لا بأس به، لأنّني إنسان كفوء، وبدأتُ أبعثُ المال إلى زوجتي وإبني الذي صرتُ أراه بين الحين والآخَر. خجلتُ منه كثيرًا لأنّه صارَ بسنّ يفهم ما يجري مِن حوله، ووعدتُه بأنّني سأكون إنسانًا مسؤولاً حين أشفى تمامًا. أمّا بالنسبة لزوجتي، فكانت تُريدُ الطلاق لأنّها لَم تعُد تطيقُ التواجد معي لا بل رؤيتي، ولا أستطيع لومها. أخشى أن تجِدَ رجُل غيري، وأخسَر ولَدي الذي سيُقارِن بيني وبين زوج أمّه ويرى كَم أنّني كنتُ جاحِدًا بحقّه.
لا تزال تُراودني تلك الأفكار السيّئة بين الحين والآخَر، لكنّني صرتُ أعرفُ كيف أٌسكتُها: بالمنطق والصلاة. فلقد عُدتُ شيئًا فشيئًا إلى إيماني، وطلبتُ مِن الله أن يُساعدني على استعادة كرامتي وكياني وطيبتي.
كيف أضعتُ عقلي وعائلتي وعمَلي وأملاكي مِن أجل بائعة هوى لا تكنّ لي أيّ شعورٍ؟ دمَّرتُ نفسي وحياة زوجة صالحة وإبن بريء. لكنّني لن أفقِد الأمَل، فيحقُّ لي أن أُمنَح فرصة ثانية.
حاورته بولا جهشان