حياة زوجتي السريّة

لدى رؤية زينة لأوّل مرّة، صُعِقتُ ليس فقط بجمالها، بل خاصّة بالثقة بالنفس التي كانت تحيطُ بها. فحركاتها وصوتها ونظراتها دلَََّت على أنّ تلك المرأة إنسانة مُهمّة بحدّ ذاتها ولها خبرة في الناس والحياة. كنتُ آنذاك قد انفصَلتُ عن زوجتي، لأنّها بقيَت تتصرّف كالفتاة الصغيرة ولا تُريدُ تحمّل أيّة مسؤوليّة، وحمَدتُ ربّي على أنّنا لَم نُرزَق بأولاد وإلّا كانت كارِثة كبيرة. ومع زينة، وجدتُ الأمان والرصانة وكلّ ما تمنَّيتُ إيجاده بامرأة. لكنّ زينة لَم تلقَ الترحيب وسط معارفي، إذ أنّ شخصيّتها أخافَتهم. فهم كانوا أناسًا عاديّين ذوي اهتمامات يوميّة بسيطة، مُقارنةً بثقافة حبيبتي الواسِعة وعمق تفكيرها. لَم يهمّني الأمر على الاطلاق، فكانت زينة أهمّ شخص في حياتي. تزوّجنا وسكَنّا في البيت الذي سكنَت فيه زوجتي الأولى، بعد أن غيّرَت زوجتي الجديدة كلّ ما بإمكانه أن يُشير إلى أنّ امرأة غيرها عاشَت في ذلك المكان.

ثمّ اتّضَحَ أنّني السبب في عدَم الانجاب، وقبِلَت زينة بالأمر مِن دون تفكير، لأنّها تُحبُّني كثيرًا وتُريدُني كما أنا، فافتخَرتُ بهكذا زوجة، أيّ بامرأة تقبَل أن تُحرَم مِن الانجاب باسم الحبّ. كنتُ أعيشُ بالفعل داخِل إحدى تلك القصص التي تُقرأ للأطفال قَبل النوم، وتمنَّيتُ لكلّ الرجال أن يجِدوا امرأة رائعة كزينة.

كان لزوجتي عمَل، لكن عبر الانترنت، فهي كانت عميلة في شركة تأمين كبيرة وتهتمّ بالزبائن ومُلاحقة البوالِص. فهي كانت تجلسُ أمام حاسوبها في ثياب النوم إن شاءَت، ومِن على أريكتنا المُريحة، وتجني الكثير مِن راتبها والعمولة عن كلّ بوليصة تجلبها للشركة. حسدتُها على عمَلها هذا، إذ كان عليّ النهوض باكِرًا والذهاب إلى وظيفتي، بعد قضاء حوالي الساعة على الطريق بسبب زحمة السَير.

ومع الوقت، صِرتُ أٌفضِّل رفقة زينة على أيّ كان، بسبب قوّة وجودها وثقافتها. فإلى جانبها، كان باقي الناس يبدون سخيفين وسطحيّين. شيء آخَر علّقَني بزوجتي، وكان حياتنا الحميمة، إذ أنّها كانت تعرفُ تمامًا ما أُريدُه، لِدرجة أنّني صِرتُ مهووسًا بجسدها، وأحلمُ به ليلًا نهارًا. سألتُها يومًا كيف لها أن تفعل بي ما تفعله، فأجابَت أنّ كلّ ما يلزم هو الانتباه لأحاسيس الشريك واستنتاج ما يروقُ له الأكثر. إمرأة عظيمة تفعل جهدها لاستباق رغبات زوجها مِن كلّ النواحي!

لكن كانت هناك أمور غامِضة لدى حبيبتي، وأهمّها عمَلها. فكان حاسوبها منطقة مُحرَّمة وتحميه بكلمة سرّ وعدَد مِن الوسائل، كَي لا يدخله أحَد. أحبَبتُ مرارًا أن أعرِف المزيد عن الأمر، على الأقلّ اسم الشركة التي تعمَل لدَيها، إلّا أنّها كانت تُغيّر الموضوع في كلّ مرّة. إحترَمتُ ما أسمَيتُه "حديقتها السّريّة"، فما شأني؟ ألَم أكن سعيدًا؟ لماذا يخربُ المرء سعادته بِيَده؟

لكن في احدى المرّات، جاء اتّصال هام لزينة، فأخذَت هاتفها وخرجَت على الشرفة ظانّة أنّني لا أزال أستحِمّ، لكنّني كنتُ في المطبخ أعدُّ لنفسي فنجانًا مِن القهوة. خرَجتُ مِن المطبخ ومرَرتُ قرب الحاسوب، فرأيتُه مفتوحًا. نظرتُ إلى الشاشة ورأيتُ... صفحة موقِع حسّاس جدًّا، إذ كانت هناك صوَر لفتيات وسيّدات بأوضاع مُحرِجة. لَم أُصدِّق عَينَيّ، فالتقطُّ بسرعة صورة عن الشاشة بواسطة هاتفي، ورحتُ إلى المطبخ وأحدَثتُ ضجيجًا سمِعَته زينة التي دخلَت بسرعة إلى الصالون وأقفلَت حاسوبها. تصرّفتُ بشكل طبيعيّ إلى حين استطعتُ أن أجِدَ نفسي لوحدي لأفحَص الصورة التي التقطُّها.

كان ذلك الموقع مُخصّصًا للتعارف... الحميم. وفي أعلى الصفحة، رأيتُ اسم المستخدِم الخاص بزوجتي: "اللبوة الحنونة". إنتابَني حزنٌ عميق، ورفضتُ أن أُصدِّق أنّ زوجتي مِن روّاد ذلك الموقِع، بل خطرَت ببالي مئة حجّة مفادها أنّ الصفحة ليست لها، وأنّ زينة فتحَتها لصديقة ما، أو أنّها تلعَب ولا تقصد شيئًا جدّيًّا. لَم أنَم في تلك الليلة وأنا أُفكِّر بالموضوع.

في الصباح، حين وصلتُ الشركة التي أعمَل فيها، أسرعتُ بالانتساب إلى ذلك الموقِع، واتّخذتُ لنفسي اسم مُستخدِم: "البحث الدائم"، واختَرتُ صورة شاب سرقتُها مِن حساب آخَر. ثمّ بدأتُ أُفتِّش عن زينة بواسطة الأوصاف الجسديّة، والسنّ والموقع الجغرافيّ. بدأ قلبي يدقُّ بسرعة فائقة حين رأيتُها، أو بالأحرى صوَرها التي كانت مُستفِزّة للغاية، لأنّها بدَت فيها مُتبرَّجة كثيرًا ومُرتدية ملابس داخليّة وحسب! دفعتُ مبلغًا مِن المال للموقع لأتمكَّن مِن التحدّث مع زينة، فأرسلتُ لها جملة مفادها أن مفاتنها مُغرية للغاية، وأنّني مُستعِدّ لفعل أيّ شيء للتعارف عليها. لَم يأتِني أيّ جواب... إلّا بعد ساعات طويلة. فهي قالَت:

ـ التعارف عليّ مُكلِف جدًّا... هل لدَيكَ الامكانيّات المادّيّة لذلك؟

 

ـ أجل! فأنا رجُل أعمال ناجِح... أطلبي ما تُريدينه!

 

ـ لن نتلاقى، بل سنبقى هنا على الموقع، فأنا مُتزوِّجة. نستطيع فعل ما تُريدُه عبر الفيديو.

 

ـ وهل لدَيكِ أولاد؟

 

ـ لا... فالحَمل سيُغيّر قوامي، والانجاب سيشغلُني.

 

ـ مُتزوّجة تقولين... وهل تُحبّين زوجكِ؟ أعذريني على هذا السؤال، لكن وجودكِ هنا...

 

ـ فهِمتُ قصدكَ. ليس للحبّ دخلًا بذلك... فأنا أحِبّ المال وهنا أجني الكثير منه... ولقد اعتَدتُ على هذه الإثارة ولا أحَد يُمكنه اعطائي هذا الشعور.

 

ـ وماذا لو طلَبتُ رؤيتكَ شخصيًّا وقضاء يوم أو ليلة معكِ مقابِل مبلغ كبير جدًّا؟

 

ـ ما قدر المبلغ؟

 

ـ أنتِ قرّري قدره، فأنا مُستعِدّ للدّفع.

 

ـ دَعني أٌفكِّر بالأمر.

 

لَم أُصدِّق عَينَيّ! زوجتي الحبيبة تبيعُ خدمات حميميّة عبر الانترنت!!! هل كنتُ وسط حلم مُزعِج أمّ كانت تلك حقيقة؟ في المساء، حين عدتُ إلى البيت، تحجَّجتُ بوعكة صحّيّة لأتفادى التكلّم مع زينة، لأنّني كنتُ مُحتارًا ومُشمئزًّا منها. يا إلهي... ماذا أفعَل؟ فكنتُ أحبُّها كثيرًا!

صِرتُ أتبادَل الأحاديث مع زينة عبر ذلك الموقع، وهي أرسلَت لي صوَرًا حميمة دفعتُ ثمنها عبر حساب مصرفيّ أجهل وجوده أعطَتني رقمه. أردتُ معرفة الحدّ الذي بإمكانها الوصول إليه، فعُدتُ وعرَضتُ عليها أن نجتمِع في مكان حميم لبضع ساعات ومُقابِل مبلغ تُحدِّده هي. لكنّها بقيَت ترفضُ... إلى حين قبِلَت أخيرًا! عندها، علِمتُ أنّ زواجي انتهى. فلو هي رفضَت، لاستطعتُ ربّما اصلاح الأمور بأخذها إلى طبيب نفسيّ لنُعالِج ما إعتقدتُه مَيلًا مرَضيًّا لإظهار مفاتنها علَنًا، أو حبّاً مُفرَط للمال بسبب ربّما فقر مرَّت به حين كانت صغيرة. فالحقيقة أنّني لَم أكن أعلَم الكثير عن حياتها، ولَم أسأل عنها أحَد قَبل الزواج بها. أسِفتُ كثيرًا لأنّني كنتُ سأُطلِّقها وأخسَرها، فهي كانت بالفعل زوجة مُمتازة. فكيف لي أن أبقى مُتزوّجًا بخائنة قليلة الأخلاق؟

أعطَيتُ زينة موعدًا في فندق أنيق لتظنّ أنّني بالفعل رجُل ثريّ، وانتظرتُها في الغرفة. وحين هي دقَّت على باب الغرفة وفتَحتُ لها، تفاجأت كثيرًا وأرادَت أن تعودَ أدراجها، لكنّني أمسَكتُها بذراعها وأدخلتُها. هي خافَت أن أؤذيها لكنّني طمأنتُها بأنّني لن أفعَل. جلسَت على السرير صامِتة فسألتُها:

ـ هل أحبَبتِني يومًا؟

 

ـ أجل... لكن ليس كفاية، على ما أظنّ. في البدء، قرَّرتُ أن ألغيَ اشتراكي في ذلك الموقع، لكنّني تراجَعتُ، فأنا بالفعل أُحِبّ ما أفعله وبحاجة إلى تلك الإثارة.

 

ـ أنتِ مريضة، يُمكنكِ رؤية أخصّائيّ، سأُرافقُكِ إن شئتِ.

 

ـ لا... لن أرى أحَدًا. قُل لي، ماذا ستفعل الآن؟ ستُطلّقني؟

 

ـ أجل، للأسف، مع أنّي أحبَبتُكِ كثيرًا. قولي لي... هل كان بإمكاني فِعل أيّ شيء ولَم أفعَله؟ أنا بحاجة لإجابة.

 

ـ لا، لَم يكن بمقدوركَ فعل أيّ شيء لإيقافي، إطمئنّ.

 

طلّّقتُ زينة وقلبي يبكي وحفظتُ سرّها لأنّني رجُل مُحترَم. لَم أنسَ زينة أبدًا، ففي قلبي لها حنين ومِن فترة لأخرى، أتصوَّر لو أنّني استطَعتُ إعادتها إلى الطريق الصحيح بطرق مُختلفة.

ماذا حلَّ بها؟ أعترِف أنّني اشترَكتُ بذلك الموقع مُجدَّدًا تحت اسم مُستعار جديد، وأدخله بين الحين والآخَر لأرى إن كانت زينة لا تزال نشيطة على الموقع، لأجِد أنّ لا شيء تغيّرَ، فالناس نادِرًا ما تتغيّر.

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button