رغم أن مصطلح "الموضة السريعة" يبدو واضحاً وبسيطاً، فإن فهم سبب انتشار هذه الموضة الواسع يتطلب نظرة أعمق إلى صناعة الأزياء ككل. فبأبسط تعريف، الموضة السريعة هي إنتاج سريع لصيحات الملابس وبيعها بأسعار زهيدة. لكن هذا النهج في الاستهلاك والإنتاج يُحمّل كوكب الأرض والعاملين في هذه الصناعة أعباءً ثقيلة ومتزايدة.
ما هي الموضة السريعة؟
لا يمكن تعريف الموضة السريعة عبر السعر أو نوع المنتج أو حتى عدد المواسم التي تنتجها العلامة التجارية، بل من خلال طريقة الإنتاج والتسويق والبيع.
في الماضي، كانت هناك موسمان رئيسيان للأزياء: خريف-شتاء وربيع-صيف. ومع تطور التقنيات الصناعية وزيادة الطلب على الصيحات الجديدة، بدأت العلامات التجارية بإنتاج كميات هائلة بسرعة كبيرة، مدفوعةً بأدوات جديدة كآلات الخياطة، ما مكّنها من مواكبة الطلب العالمي.
في التسعينيات، قادت بعض الأسماء المشهورة هذا التحوّل نحو تسريع الدورات الموسمية، لتصل إلى أكثر من 52 "موسماً صغيراً" في السنة. اليوم، ومع تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، ظهرت علامات تجارية إلكترونية تنتج تصميمات جديدة خلال أيام معدودة باستخدام خوارزميات متقدّمة، فيما يُعرف أحياناً بـ"الموضة فائقة السرعة".
زيمرمان Zimmermann
لماذا الموضة السريعة مثيرة للجدل؟
تأثير الموضة السريعة على البيئة متعدّد الأبعاد. فبحسب تقرير صادر في مارس 2023 عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، تُساهم صناعة الأزياء بما يصل إلى 10% من الانبعاثات الكربونية في العالم سنوياً.
في جانب الإنتاج، يعتمد عدد كبير من الشركات على أقمشة صناعية مستخرجة من الوقود الأحفوري، مثل البوليستر، الذي يُشكّل حوالي 50% من الإنتاج العالمي للألياف. هذا النوع من الأقمشة لا يتحلل بيولوجياً، ويطلق أليافاً دقيقة تلوث المياه والمحيطات على المدى الطويل.
يضاف إلى ذلك أن الإنتاج الزائد – سواء من الأقمشة الصناعية أو حتى القطن الطبيعي – يستنزف الموارد بشكل مفرط. فالقطن، رغم طبيعته العضوية، يتطلّب كمّيات هائلة من المياه والأسمدة والمبيدات.
إيزابيل مارانت Isabel Marant
تأثير الإنتاج الزائد والنفايات
تُصمّم أزياء الموضة السريعة لتواكب الصيحات، لكن كونها منخفضة الجودة ورخيصة يجعلها تُعامل كسلع استهلاكية موقتة. في عام 2018، استقبلت مكبّات النفايات في الولايات المتحدة أكثر من11.3 مليون طن من المنسوجات. هذا الفائض يُهدّد الصناعات المحلية ويُضعف قيمة الملابس كرمز ثقافي وإنساني.
هيرميس Hermès
حقوق العمال
ليست المواد الرخيصة وحدها ما يجعل الموضة السريعة منخفضة السعر، بل أيضاً ظروف العمل غير العادلة. فغالباً ما يُدفع للعمال وفق نظام الأجر بالقطعة، ما يعني تقاضي مبالغ زهيدة لكل قطعة، قد لا يتجاوز مجموعها الأسبوعي 200 دولار رغم ساعات العمل الطويلة.
في بعض الدول المصدّرة الكبرى لا يتجاوز الحد الأدنى للأجور الشهرية 113 دولاراَ، وغالبية العاملين في هذه الصناعة نساء، غالباً في بيئات تفتقر إلى معايير الأمان والعدالة.