ما بعد الغيث

مهّد بينالي الدرعية للفنّ المعاصر في المملكة العربية السعودية الطريق لحوارٍ مستمرٍّ ومثير للاهتمام بين الفنّانين، والقيّمين، والطلاب والإصلاحيين داخل المجتمع العالمي. والآن، في نسخته الثانية، يبقى المعرض منصة ثابتة تمكّننا من رؤية تغيير ثوري من أجل العمل المستجيب للبيئة.

 

إنّ أصعب قضية نواجهها في هذا القرن هي تلك التي تتعامل مع الاستدامة، وتغيُّر المناخ، والطاقة المتجدّدة، التي تحافظ على الطبيعة الأم، ليس فقط لنا، بل للأجيال القادمة. عندما انعقدت النسخة الأولى من بينالي الدرعية للفنّ المعاصر في المملكة العربية السعودية، مهّد ذلك الطريق لحوارٍ أكبر يربط بين الشرق والغرب، مما أتاح للزوّار والفنّانين المشاركين فرصة استكشاف الثقافة والتقاليد والتراث، إلى جانب الأساليب المبتكرة من أجل التغيير. لم يكن ذلك بمثابة إشارة لبداية جديدة داخل المملكة فحسب، بل كان أيضاً بمثابة حافز لدفع التغيير من خلال الوحدة. تقول آية البكري، المديرة التنفيذية لمؤسسة بينالي الدرعية: "عام ٢٠٢١، كانت فكرة البينالي برمّتها اقتراحاً جديداً نسبياً، ومع ذلك، اجتذبت نسختنا الأولى أكثر من ١٠٠٫٠٠٠ زائر على مدار ثلاثة أشهر، معظمهم من المواطنين السعوديين وكان من بينهم آلاف الطلاب والأطفال. لقد سمحت للمجتمعات المحلية الشابة باختبار الفنّ المصنوع داخل حدودنا، أو خارجها، والتفاعل معه بطريقةٍ جديدة تماماً".

مع مرور الوقت، أصبح الزوّار يختبرون تطوّر التعبير الفنّي في المملكة العربية السعودية، وهو تطوّر يستدعي معالجة القضايا ذات الصلة بالعصر الذي نعيش فيه. وفي نسخته الثانية، اجتمع مائة فنّان من ثلاثة وأربعين دولة لعرض أعمالهم، سبعة وأربعون منها نفّذت على الطلب وأعيد نسخها للمعرض من بين ١٧٧ قطعة معروضة بعدّة أشكال مختلفة. يحتلّ البينالي ست قاعات واسعة وساحات وشرفات فخمة، وهو مكان يلهم العمل ويثير الفكر.

يحمل المعرض عنوان "ما بعد الغيث" وتديره المديرة الفنّية Ute Meta Bauer، ويدور حول موضوع العلاقات بين البشر والطبيعة. يتمّ الكشف عن أعمال كلّ فنّان من خلال منصة متعدّدة الأشكال تتكوّن من ٢٢ لقاء بينالي، وسلسلة من البرامج العامة، وبرنامج أفلام، وورش عمل فنّية، وعروض، ومشاريع بحثية وحوارات، وغيرها.

توضح البكري: "تؤكّد النسخة الحالية على ارتباطنا ببيئتنا الطبيعية، وتلهمنا للتفكير في القضايا البيئية في عصرنا، وتدعونا إلى التفكير في ممارسات مستدامة وتبنّيها في جوانب أخرى من حياتنا"، مشيرةً إلى أن الدورة الثانية حققت نفس نسبة الزيارات تقريبًا للنسخة الأولى خلال ١٩ يومًا فقط من افتتاحها، ما يدّل على فضول الشباب السعودي ويشهد على رؤية البيناليات التي تقول أنها مصممة كمنصة دولية مرتبطة بالسياق الوطني على قدم المساواة. "لقد كان في الواقع ملهماً للغاية بالنسبة لي أن أشاهد فرقنا الفنّية من بلدان أخرى تتنقّل عبر المملكة للتعرّف على ثقافتنا والالتقاء بفنّانين ومجتمعات إبداعية متنوّعة، ثمّ دمج تلك الدروس والمعلومات في كلّ عمل".

يقوم البينالي في منطقة جاكس، وهي منطقة إبداعية ذات تراث صناعي في مدينة الدرعية التاريخية، ويركّز العديد من الأعمال على الاحتياجات الإنسانية الأساسية مثل الماء، والغذاء، والمأوى. توضح البكري: "تطرح كلّ نسخة من البينالي، إلى جانب برامجنا التعليمية العامة، أعمالاً فنّية تهدف إلى إثارة المحادثات وإلهام التفكير حول موضوعات تؤثّر على المجتمعات المحلية والدولية على حدّ سواء"، وبالنظر إلى العمق الذي أدّى إلى حيوية الحدث ليس هناك شكّ في أنّه سيطرح إجابات مثيرة للتفكير على أسئلة حول الأزمة البيئية، والاستدامة، والتراث، والتقاليد الحرفية التي ينفرد بها العالم العربي ككلّ.

 

"بالنظر إلى العمق الذي أدّى إلى حيوية الحدث ليس هناك شكّ في أنّه سيطرح إجابات مثيرة للتفكير على أسئلة حول الأزمة البيئية، والاستدامة، والتراث، والتقاليد الحرفية التي ينفرد بها العالم العربي ككلّ." - آية البكري، المديرة التنفيذية لمؤسسة بينالي الدرعية.

 

يستمرّ بينالي الدرعية حتى مايو ٢٠٢٤، وسيستمرّ معرض "حديقة التعلّم" ـ وهو امتدادٌ رقمي للبينالي ـ إلى ما بعد اختتام المعرض في مايو.

المزيد
back to top button