تعرفوا على الفنانة لانا خياط

في قلب المشهد الفنّي الصاخب في دبي، تبرز لانا خياط كمنارة للإبداع والاستكشاف الثقافي. ترسم أعمالها الفنّية، وهي نسيج نابض بالحياة مُحاك بخيوط تراثها الغني والتأثير العميق لجدّها الأكبر محمد سليمان خياط، صورة لعالم تتلاقى فيه الثقافات وتزدهر الحوارات. بفضل الجوائز التي حصلت عليها مؤخّراً، بما فيها كونها الفنّانة غير الإماراتية الوحيدة التي تمّ تكريمها من قبل وزارة الثقافة في دولة الإمارات العربية المتحدة وبمعارضها البارزة من نيويورك إلى لندن، يتجاوز فنّ لانا الحدود، ويدعونا إلى رحلة عبر متاهة التجربة الإنسانية وسيمفونية الطبيعة. بينما تستعدّ لعروضها القادمة، "Windings of the Labyrinth" مع "مبادرة رزق" والمعارض الفردية في المملكة العربية السعودية وإسبانيا، نتعمّق في جوهر عمل لانا، ومزيجها الفريد من الاستبطان والاعتراف العالمي، وكيف أنّ فنّها يمثّل جسراً بين العالمين...

 

إنّ كونك الفنّانة غير الإماراتية الوحيدة التي اختارتها وزارة الثقافة في دولة الإمارات العربية المتحدة للحصول على تكريم مميّز في برنامج كريستيز للفنّ الإسلامي يُعدّ إنجازاً رائعاً. ماذا يعني لك هذا التكريم، وكيف تشعرين أنّه ينعكس على تأثير عملك على الحوارات الثقافية؟

هذا حقاً دليل تقدير لعملي. إنّه يعكس التأثير العميق لعملي على الحوارات الثقافية. يعدّ فنّي بمثابة جسر بين الثقافات، حيث يدعو المشاهدين إلى التعمّق في تأثيرات الحياة الدقيقة وتحويلها إلى روايات بصرية كبيرة تتحدّث عن التجربة الإنسانية المشتركة. أحاول من خلال عملي المساهمة في فهم أعمق للتنوّع الثقافي وتقديره، مع تسليط الضوء أيضاً على الموضوعات العالمية مثل الحبّ، والوحدة، والسمو التي يتردّد صداها عبر الثقافات والحضارات.

 

يوصف فنّك بأنّه سيمفونية بصرية تلتقط حوارات مع الطبيعة. هل يمكنك توضيح عملية ترجمة هذه "الحوارات الطبيعية" إلى فنٍّ بصري؟

إنّ عملي المتجذّر بعمق في الفلسفة العميقة للشعر الصوفي، ينسج بشكلٍ معقّد شرطات، وعلامات، وضربات صغيرة، مما يعكس الإيقاعات والأنماط الدقيقة الموجودة في نسيج الطبيعة. تتحدّث أعمالي عن الترابط بين كلّ الأشياء، وتنسج قصة تحتفي بالوحدة المتأصّلة بين الإنسانية والطبيعة. أحاول من خلال عملي أن ألهم تقديراً أعمق للحكمة العميقة المتأصّلة في إيقاعات العالم الطبيعي، وأدعو المشاهدين إلى الشروع في رحلةٍ لاكتشاف الذات والصحوة الروحية. وبهذه الطريقة، يصبح فنّي حافزاً للتبادل الثقافي، وتعزيز فهم أعمق لمكاننا على هذا الكوكب والاعتزاز بالتوازن الدقيق للحياة على الأرض وحمايته.

 

إنّ طبيعتك الانطوائية تربطك بعمق بالبرية، مما يؤثّر على فنّك. كيف يمكنك الموازنة بين هذا الاستبطان والجوانب العامة لكونك فنّانة معروفة عالميّاً؟

أنا انطوائية للغاية، وأحبّ أن أكون وحدي في عملي. ولكن مع مرور الوقت تعلّمت أنّ هواة الجمع يحبّون مقابلة الفنّان الذي يقف وراء العمل، ويحبّون سماع السرد الذي أدّى إلى كلّ عملٍ فنّي. لقد تعلّمت بذل جهد والذهاب إلى صالات العرض والمعارض. ومن الرائع أيضاً بالنسبة لي أن أرى كيف يؤثّر عملي على الآخرين، وكيف يجعلهم يشعرون. إنّه احتفال بساعاتي الطويلة في الاستوديو.

 

إنّ فنّك هو احتفال نابض بالألوان والثقافة. كيف يترجم أسلوبك الفريد إلى إحساسك الشخصي بالموضة وخياراتك في التصميم؟

ببساطة، يلاحظ العديد من الأشخاص أنّ أسلوبي الشخصي يعكس أعمالي الفنّية ـ فهو مرح ولكن مع اهتمام دقيق بالتفاصيل. ينبع هذا التماسك من خلفيتي في التصميم، بحيث حصلت على دراستي الجامعية في التصميم، وطوّرت ميلًا لصياغة تصميمات تبدو بسيطة للوهلة الأولى ولكنّها تكشف عن تفاصيل معقّدة عند الفحص الدقيق.

 

هل سبق لك أن فكّرت في المغامرة في تصميم الأزياء أو التعاون مع ماركات الأزياء لإضفاء رؤيتك الفنّية على الفنّ القابل للارتداء؟

في حين أنّ دور الأزياء تواصلت معي، إلا أنّني لا أرى عملي في هذا المجال. إنّ جوهر ما أقوم بإبتداعه يتجاوز مجرّد الموضة ـ فهو يغيّر التجربة الإنسانية نفسها. إن كنت بصدد رسم صورة مرئية، أتصوّر عملي كرحلة أغوص فيها غوصاً عميقاً، وتغلّف كلّ شبر من المتحف، أو الجناح، أو المعرض. وعلى غرار التركيب الآسر الذي قدّمته يايوي كوساما في هارودز لندن الصيف الماضي، فإنّ رؤيتي تدعو الناس إلى الانغماس في مناظر المدينة المليئة بمعالم الطبيعة. يتعلّق الأمر بجذب وإغراء الأفراد ليشعروا بعمق، وليحاطوا بتجربة تمحو الخطوط الفاصلة بين الفنّ والواقع، وتترك انطباعاً دائماً في قلوبهم وعقولهم.

هل تقومين بدمج عناصر من أسلوبك الفنّي في تصميم وديكور مساحات المعيشة والعمل الخاصة بك؟

في منزلي، تجتمع البساطة مع الغرابة، وتمتزج روح البساطة بلمسةٍ مرحة. فهي تحتضن فكرة "الأقلّ هو الأكثر، ولكن المزيد في التفاصيل"، حيث أنّ لكلّ عنصرٍ أهمية. أعتقد اعتقاداً راسخاً أنّ الجمال الحقيقي يكشف عن نفسه في تعقيدات كلّ التفاصيل. أما بالنسبة للاستوديو الخاص بي، فأنا محظوظة لأنّ لدي مساحة عمل واسعة في الهواء الطلق في دبي. خلال فصل الشتاء، أستفيد استفادةً كاملة من هذا المكان، وأستمتع بأشعّة الشمس التي تنير ألوان إبداعاتي النابضة بالحياة. إنّ العمل في الهواء الطلق لا يسمح لي بالانغماس في الطبيعة فحسب، بل يسرّع أيضاً عملية تجفيف أعمالي الفنّية، حيث غالباً ما أعمل على قطعٍ متعدّدة في وقتٍ واحد. في إسبانيا، يتحوّل تركيزي إلى الأعمال الأصغر حجماً، لكن الفوضى الإبداعية تظلّ ثابتة. يمثّل كلا الاستوديوين مشهداً من الألوان والإبداع، وإن كانا فوضويين بعض الشيء في بعض الأحيان ـ يمكنني أن أؤكّد لك ذلك!

 

هل لديك أي هوايات خارج الرسم تساهم في إبداعك أو توفّر استراحة منعشة من مساعيك الفنّية؟

أثناء وجودي في دبي، يُعتبر الباليه بمثابة ملاذي، وأمارسه يوميّاً. من خلال الباليه، لا أجد القوّة البدنية وخفّة الحركة فحسب، بل أجد أيضاً تواصلاً يوميّاً مع ذاتي العميقة والعالم من حولي. بالإضافة إلى ذلك، أثناء وجودي في إسبانيا، أجد غذائي الروحي في المشي العادي والمشي لمسافات طويلة، ويوفّر لي ذلك لحظات من التأمّل والتواصل مع جمال الطبيعة، مما يثري رحلتي الفنّية.

 

هل يمكنك مشاركتنا بعض الطرق المفضّلة لديك للاسترخاء وإعادة شحن طاقتك، خاصةً بعد فترات مكثّفة من الإنتاجية الفنّية؟

إن أتيحت لي الفرصة، أحبّ استضافة ورش عمل حميمة في الاستوديو الخاص بي، خاصةً للفنّانين الشباب الناشئين، مع التركيز بشكلٍ خاص على تمكين الفتيات الصغيرات. كوني أنحدر من خلفية وتربية محافظة حيث كان عليّ أن أشقّ طريقي بنفسي، فمن المهمّ بشكلٍ خاص بالنسبة لي أن أنقل الرسالة إلى هؤلاء الفتيات بأنّهنّ يمتلكن القوّة والكمال المتأصّل. وأنا أسعى جاهدةً إلى غرس الاعتقاد في نفوسهنّ بأنّهنّ قادرات على تحقيق أحلامهنّ بنفس الحماس الذي يفعله نظراؤهنّ من الرجال ـ الإخوة، والأعمام، والآباء. يتعلّق الأمر بتعزيز ثقتهنّ وتذكيرهنّ بإمكانياتهنّ اللامحدودة لتشكيل مصائرهنّ. كما أنّ فعل القراءة يريحني بشدّة، لأنّه يشجّع على الوتيرة البطيئة واليقظة. إنّ قراءة الشعر على وجه التحديد أمرٌ ملهم جدّاً بالنسبة لي، حيث غالباً ما أقوم بتحويل الكلمات التي أقرأها إلى روايات لأعمالي.

 

هل هناك وجهات محدّدة قمت بزيارتها وأثّرت بشكلٍ عميقٍ على فنّك؟

لقد أثّر الوقت الذي أمضيته في نيويورك بشكلٍ عميق وغيّرني كإنسانةٍ وفنّانة. حصلت على شهادتي العليا في مدينة نيويورك، وكنت أقضي كلّ عطلة نهاية أسبوع بمفردي في المتاحف تليها أمسيات في عروض برودواي وخارجها. إنّ الغوص في قطعة زرقاء لـ Yves Klein أو تشريح لوحة Rothko لساعات، ساهم بلا شكّ في تشكيل الفنّانة التي أنا عليها اليوم.

 

لو كان بإمكانك الرسم بلونٍ واحد فقط لبقية حياتك، أيّ لونٍ ستختارين ولماذا؟

الرومي هو اسم مؤنث ياباني ويعني الجمال والتدفّق، وهو يمثّل حجر كريم أزرق اللون يسمّى اللازورد. إن كان لي أن أختار لوناً واحداً، فسيكون بالتأكيد اللون الأزرق اللازوردي. يحمل هذا الحجر الكريم قيمة رمزية في مختلف الثقافات، ويحظى بالتبجيل بسبب لونه الأزرق العميق وارتباطه بالحكمة، والحقيقة، والسلام الداخلي. علاوة على ذلك، يرتبط الرومي بشكلٍ معقّد بالشاعر الفارسي جلال الدين الرومي الذي عاش في القرن الثالث عشر، والذي اشتهر بأشعاره الخالدة ورؤاه العميقة في التجربة الإنسانية. وباعتباره شخصية مركزية في التصوّف الإسلامي، فإنّ شعر الرومي يتجاوز الحدود الدينية والثقافية، ويتردّد صداه بين الأفراد في جميع أنحاء العالم.

المزيد
back to top button