وقعتُ في كمين

أحياناً نقوم بأشياء لم نكن لِنفعلها لو كانت الظروف عاديّة، وغالباً ما تكون نتائجها غير متوقّعة ووخيمة لأنّ منطقنا وتفكيرنا يكون منحجباً بسبب الإنفعال أو الغضب أو اليأس.

ولطالما كنتُ رجلاً عاقلاً ولديّ قِيَم وأخلاق حميدة ولكنّ سُهى دفعَتني لإرتكاب حماقة كانت ستؤدّي إلى هلاكي. فحبّي لتلك المرأة كان عميقاً خاصة بعدما إستمرَّت علاقتنا سنتَين كاملتَين كنتُ خلالها قد طلبتُ منها مراراً أن تتزوّجني ولكنّها بقيَت تردّد أنّها ليست جاهزة بعد لهكذا إلتزام. وصدّقتُها وإنتظرتُها حتى توافق أن نمضي حياتنا سويّاً. ولكنّ سبب رفضها كان وبكل بساطة أنّها تريد أفضل منّي لأنّني لم أكنّ غنيّاً كفاية لأوفّر لها الحياة التي تحلم بها أيّ الصرف مِن دون حدود.

وبما أنّها لم تكن مُقتنعة بي لم تتردّد في البحث على آخر لبل آخرين. وبالطبع لم أكن أعلم أنّها وعندما كانت تتوارى عن الأنظار كانت تذهب للقاء أحد ما على أمل أن يكون ذلك الشخص أنسَب منّي. ولكن ما مِن شيء يبقى مخفياً وكان لا بدّ أن أعرف الذي كان يجري. وحصل ذلك صدفة عندما إلتقَيتُ عند أحد أصدقائي وخلال حفل عشاء برجل أخَذَ يتكلّم عن حياته الشخصيّة وروى لنا أنّه يواعد إمرأة جميلة وذكيّة إسمها سُهى. عندها قلتُ له أنّني أيضاً على علاقة مع أحد يحمل نفس الإسم وضحكنا وبدأنا نقارن الإمرأتين. ولكن سرعان ما إكتشفنا أنّنا نتكلّم عن الشخص ذاته وسادَ جوّ مُثقَل بالصمت والنظرات المليئة بالتساؤلات. وبعد بضعة دقائق تركتُ منزل صديقي مُحرَجاً وقصدتُ سُهى لأسألها عمّا علِمتُ به. وتفاجأتُ بها تؤكدّ لي بلا خجل أنّها تواعد فعلاً ذلك الرجل. كنتُ أوّد أن تنكر ذلك أو أن تقدّم لي حججاً وتطلب منّي السماح واعدة أنّها لن تكرّر خطأها. لِذا لم أقل شيئاً فماذا أقول لإنسانة ضَرَبَت عرض الحائط حبّي ووفائي لها؟

وصعدتُ بِسيّارتي أجول الطرقات مِن دون هدف معيَّن أفكّر بالذي حصلَ لي وشعرتُ بغضب كبير وشعور بالغبن ملأ قلبي. وفي تلك اللحظة بالذات رأيتُ إمرأة واقفة في وسط الليل إلى جانب الطريق. ومِن ملابسها ونظراتها لكل سيّارة تمرّ بِقربها علِمتُ أنّها مومس. ولأوّل مرّة في حياتي قرّرتُ أن أقلّ هكذا إمرأة معي ربمّا لأنتقم مِن سُهى ومِن نفسي لأنّني أحببتُها بإخلاص تام. ركنتُ السيّارة قرب المرأة وسألتُها إلى أين هي ذاهبة فجاوبَت: "إلى حيث تأخذني." عندها قلتُ لها أن تصعد وفَعَلَت. ولقلّة خبرتي في هكذا مواضيع لم أتفوّه بكلمة وإكتفيتُ بالقيادة بِصمت. وبعد دقائق قالت لي:

 


ـ أرى أنّكَ لم تعاشر أناس مثلي مِن قبل... أم أنّني مُخطئة؟

 

ـ صحيح ذلك... ما الذي عليّ فعله؟

 

ـ عليكَ أن تدفع لي مسبقاً... هكذا تجري الأمور.

 

ـ وكم تريدين؟

 

ـ أريد ألف دولاراً أميركيّاً.

 

ـ ماذا؟ هل فقدتِ عقلكِ؟؟؟ أوّلاً ليس لديّ هذا المبلغ وثانياً لا أظنّ أنّ الأمر يستحقّ هذا المبلغ.

 

عندها إقتربَت منّي وهمسَت في أذني:

 

ـ ستدفع ما أريده... أنظر في المرآة... أصدقائي موجودون في السيّارة التي خلفكَ.


ونظرتُ في المرآة ورأيتُ مركبة تقود ببطء خلفي. فسألتُها:

 

ـ ما الذي سيحصل؟

 

ـ ستأخذني إلى مكان أدّلكَ عليه وستتوقّف. وسيأتي أصدقائي ويتكلّمون معكَ.

 

ـ أقسم لكِ أنّني لا أملك ألف دولاراً...

 

ـ مَن تخالني؟ لديكَ سيّارة فخمة وملابسكَ أنيقة.

 

ـ إشتريتُ سيّارتي بالتقسيط لأنّني لا أملك سعرها بالكامل وثيابي هذه أرتديتها لأنّني كنتُ مدعوّ للعشاء... أنا موظّف بسيط... صدّقيني!

 

ـ المهمّ أن يصدّقكَ مَن في السيّارة خلفكَ... أنا لستُ سوى طعم للأغبياء مثلكَ... كفى كلام الآن! خذ هذه الطريق ثم إنعطف على اليمين!

 

وفعلتُ كما أمَرَتني لأنّ الطرقات كانت خاليّة مِن الناس وكنتُ متأكدّاً أنّ لديها سلاح في حقيبة يدها وأنّ أصدقاءها لن يتردّدوا بالحقاق بي وقتلي إن قاومتها. وعادَ الصمت يسود السيّارة وأخذتُ أحدّق بالمرأة الجالسة بقربي فرأيتُ آثار جروحات على ذراعيها ورجليها. ورأتني كيف أنظر إليها فضحكَت وقالت:

 

ـ أجل... لقد مررتُ ورأيتُ أشياء كثيرة... فلا تعتقد أنّ رجل مثلكَ يستطيع إستعطافي ببضعة كلمات... لا قلب لي... ولايهمنّي سوى المال... مالكَ ومال كل هؤلاء الأغبياء أمثالكَ!

 

وفهمتُ أنّها لا تتحلّى بذرّة إنسانيّة ولنّ تتردّد على إيذائي إن لَزِمَ الأمر. ثم سألتُها:

 


ـ هل ستقتلوني؟

 

ـ ربمّا... إن أجبرتنا على ذلك.

 

وبدأ قلبي يخفق بقوّة ورجليّ ترتجفان لِدرجة أنّني لم أعد قادراً على القيادة فأبطأتُ سرعتي ما أغضبَ المرأة التي صرَخَت لي أن أسرع فجاوبتُها:

 

ـ لستُ قادراً على ذلك... خاصة بعدما قلتِ لي أنّكم قد تقتلوني... سأفعل جهدي.

 

وبدأتُ أحاول إيجاد مهرباً وبأسرع وقت أي قبل أن تأخذني المرأة إلى مكان لا يكون فيه شهود على ما ينوون فعله بي ولكنّني لم أجد أحداً على طريقي سوى محطّة للوقود تبعد بضعة أمتار عنّا. وعندما قالت لي المرأة "إنعطف بعد المحطّة وخذ الطريق الضيّق على اليمين" علِمتُ أنّها فرصتي الأخيرة. ومع أنّني لم أتصوّر يوماً أنّني سأضرب إمرأة لكنتُها بكل قوّتي على وجهها وبينما كانت تصرخ وتمسك أنفها الذي فرَّت منه الدماء إنحنَيتُ وفتحتُ بابها ودفشتُها خارجاً. وتدحرجَت على الإسفلت وكادَت السيّارة التي تتبعني أن تدوسها فإضطَّرت على الوقوف. فإستغنمتُ الفرصة وأسرعتُ إلى المحطّة ودخلتُها قائلاً بأعلى صوتي للموظّفين: "أطلبوا الشرطة وبسرعة! هؤلاء الناس يريدون قتلي!" وأقفلَ عامل جميع الأبواب بينما إتصلَ آخر بالسلطات. وعندما رأى اللصوص أنّني أصبحتُ بأمان أخذوا شريكتهم وفرّوا. وبعد دقائق جاءَت سيّارة شرطة وأخذوني إلى القسم للإدلاء بشهادتي وقالوا لي أنّني لستُ الوحيد الذي تحصل معه هذه الأشياء ولكن ما مِن أحد إلاّ وأعطاهم إمّا مالاً وإمّا سيّارته خاصة أنّ الذين كانوا يلحقون بي كانوا مسلّحين. وأضافَ الشرطي أن أحد الشبّان تلقّى ضربة رصاص في رجله عندما حاولَ مقاومتهم بعدما أخذوه إلى مكان معزول. وقبل أن أغادر القسم سألَني الشرطي:

 

ـ ولماذا رجل وسيم مثلكَ يحاول إصتحاب مومساً عن الطريق؟

 

ـ لأنّني لم أكنّ أفكرّ بوضوح وأرَدتُ الإنتقام مِن التي أحببتُها مِن كل قلبي بعدما علِمتُ أنّها كانت تخونني.

 

ـ وهل هذه المرأة تستاهل أن تموت مِن أجلها؟

 

ـ لا...

 

ـ أرأيت؟ كل المشاكل تزول عندما نواجه أخطر منها... إذهب إلى منزلكَ وبدءً مِن صباح الغد إبحث عن مَن يستحقّكَ فعلاً.

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button