من يلعب بالنار...

لم أكن أحبّ عريسي. فالحقيقة كانت أنّني قبِلتُ به لأنتقم مِن فادي خطيبي الأوّل الذي فرّ مع أخرى ومع قلبي. فأصبحتُ بلا شعور، لا أفرح ولا أهتم لشيء. وبقيتُ على تلك الحالة حتى أن تقدَّمَ لي جلال، شاب وسيم وطيّب وذو مدخول ثابت وجيّد، أي العريس المثاليّ.

في البدء رفضتُه بتهذيب، فلم أكن مستعدّة للإرتباط بعد صدمتي، ولكنّني غيّرتُ رأيي بعد أن حثّني الجميع على القبول به، وخاصّة بعدما علِمتُ أنّ العريس يعرف خطيبي الأوّل معرفة قديمة.

كان الرجلان قد افترقا بعد الجامعة، وعلِمتُ ذلك مِن صفحة جلال على الفيسبوك حيث كان قد وضَعَ صورة قديمة تعود إلى أيّام الدراسة وعلَّقَ عليها بالتالي: "أيّام جميلة لا تنتسى". كنتُ قد وجدتُ سبيلاً للانتقام مِن فادي ولأريه أنّني مرغوبة مِن الرجال، ومن الجيّدين منهم.

وتزوّجنا ولم أكن عروسة سعيدة، ولكنّ قلبي كان مليئًا بأمل مِن نوع آخر: استرجاع كرامتي المُهانة.

وفور عودتنا مِن شهر العسل، طلبتُ مِن زوجي أن يُنزل على صفحته صوَر فرحنا وسفرتنا. أرَدتُ أن يعلم فادي بأنّني تزوّجتُ وأنّ يرى التي تركَها وهي تبتسم بين ذراعَي رجل آخر. كنتُ أعرفه جيّدًا وكنتُ متأكّدة مِن أنّه سيغار ويُحاول معرفة المزيد.

ولم أكن مخطئة. فمِن التعليقات المهنّئة، كتَبَ فادي على صورة زفافنا: "هنيئًا لكَ يا صديقي... تبدو سعيدًا مع عروستكَ الحسناء... اشتقتُ إلى جلساتنا المرحة... سنتلاقى قريبًا."

وضحكتُ في سرّي وافتخرَتُ بذكائي ودهائي. ولم يمضِ الشهر حتى قال لي جلال:

 

ـ صديق لي ينوي زيارتنا مع زوجته... ستحبّينَه كثيرًا فهو جدّ مرح والجلسة معه جميلة جدًّا.

 

ـ ما إسمه؟

 


ـ فادي س. كنّا زملاء في الجامعة وبقينا على اتصال عبر الإنترنِت.

 

ـ أهلاً به وبزوجته.

 

كنتُ قد بذَلت جهدي كي لا يرى زوجي إرتباكي حين سمعتُه يلفظ اسم خطيبي القديم. كانت دقّات قلبي قويّة إلى درجة خفتُ معها أن يرى جسمي وهو يرتجف، لذا ركضتُ إلى المطبخ وصَرَختُ له مِن هناك:

 

ـ هل مِن طبق معيّن عليّ تحضيره؟

 

ـ إفعلي ما تشائين، حبيبتي... فكلّ شيء مِن يديكِ لذيذ.

 

ولم أعُد قادرة على النوم لكثرة حماسي وخوفي. لم أكن أعلم ما سيحدث لكلَينا عندما نتقابل، فبدأتُ أبني السيناريوهات على أنواعها لأكون مستعدّة لكلّ الإحتمالات.

وفي المساء المقرَّر، إرتدَيتُ أجمل فستان لديّ لأبدو أجمل مِن تلك الزوجة التي سَرَقَت منّي حبيبي. وحين فتحتُ الباب لهما، نظَرَ فادي وزوجته إليّ بإعجاب لكثرة أناقتي وإشراقي.

ماذا أقول عن تلك السهرة؟ ادَّعى فادي أنّه لم يرَني في حياته، وبقيَ يُوجّه لي الحديث بجدّية تامة وأنا أجيبه بالطريقة نفسها. أمّا الزوجة فكانت أكثر مِن عاديّة مِن حيث الشكل والمضمون، وسألتُ نفسي لماذا فضَّلها عليّ، واستنتجتُ أنّها قد تكون صاحبة أملاك أو ثروة. أمّا زوجي فكان فرحًا جدًّا بصديقه وكان يضحك عاليًا كلّما أخبرَنا فادي دعابة ما.

لم أكن مرتاحة أبدًا، ولولا فرحتي بنجاح خطّتي لتمنَّيتُ أن يرحل ضيفَانا لأستطيع التنفّس. فالحقيقة أنّ ذكريات الماضي عادَت إليّ كلّها وكذلك الألم الذي تلاها.

وفي اليوم التالي اتصل بي فادي:

 

ـ شكرًا على استقبالكِ الجميل لنا البارحة... كنتِ مشرقة وأحبَّتكِ زوجتي كثيرًا.

 

ـ زوجتكَ... نعم... إنسانة لطيفة... وليس أكثر.

 

ـ أعلم ما ستقولينه... لماذا هي وليس أنتِ؟

 

ـ صحيح ذلك... لماذا؟ كيف تتركني مِن أجل إمرأة عاديّة جدًّا؟ ماذا تملك أكثر منّي؟ أنا جميلة وذكيّة... أنا...

 

ـ المشكلة معكِ كانت تلك الـ " أنا"... فقد كانت طاغية في أمور كثيرة، لذلك عندما تعرّفتُ إلى رغدة أحببتُ بساطتها.

 

ـ تحبّ النساء الغبيّات إذًا... ربما عليّ أن أشكركَ على تركي لأنّني لا أستطيع أن أكون بسيطة.

 

ـ ما عنَيتُ ببساطتها أنّها لا تعقّد الأمور وترى الأشياء كما هي... لا تغشّكِ المظاهر، فرغدة تعرف تمامًا ما تريد وما لا تريد، ولا تتردّد في رفض ما يُزعجها... ولكنّها تفعل ذلك بطريقة سلسة بدون أن تغضب أحدًا.

 

ـ كفى كلامًا فارغًا... لو كنتَ تحبّها وتقدّرها لما دعَوت نفسكَ إلى بيتنا.

 

سكَتَ فادي وأسَرَعَ بإقفال الخط. علِمتُ أنّني انتصرتُ عليه، وأنّه في طريقة ما لا يزال يشعر بشيء تجاهي.

 


وبالطبع لم أقل لزوجي أنّ صديقه اتصل بي، فلم أكن أحسب له أيّ حساب، ولو راجعتُ نفسي قليلاً لوجدتُ أنّ طريقتي بالتعامل مع الرجال هي التي تعكّر صفو حياتي العاطفيّة.

 

ولم يعد ببالي سوى أن أحمل فادي على الندم على تركي، وبشتّى الطرق. لِذا خابرتُه بعد يومَين طالبة منه أنّ نلتقي لنتكلّم. بدا متردّدًا فقلتُ له لإقناعه:" لم أعهدكَ هكذا... هل تخاف مِن زوجتكَ؟

وهكذا جلسنا في مقهى بعد أن ارتدَيتُ مرّة أخرى ملابس لا تقاوَم، وتكلّمتُ بطريقة ناعمة ومثيرة لأحّرك مشاعر خطيبي القديم. وبدأتُ أذكّره بأيّام الماضي الذي كان يجمعنا وأمسكتُ بيَده ونظرتُ في عَينَيه، ورأيتُ للحظة نظرة حبّ فيهما فابتسَمتُ منتصرة. لم يكن يهمّني أبدًا أن يحبّني فادي مِن جديد، كلّ ما كنتُ أريده هو أن يشعر بالنّدم لأتحرّر مِن الحزن الذي ولّدَه هجره لي. لم أكن أريد سوى اعتراف ولو غير مباشر بأنّني إنسانة لا تُستبدل بأخرى.

وعندما افترَقنا، سمعتُ منه الجملة التي كنتُ أنتظرها منه:" كم اشتقتُ إليكِ."

 

وعدنا والتقَينا مرّات عديدة في المقهى نفسه، وفي كلّ جلسة كنتُ أزيد مِن درجة الدّلال حتى وصلتُ إلى هدفي الأوّل والأخير: إعتراف فادي بأنّه لا يزال يُحبّني وبأنّه نادم على تركي.

وفي لحظة أصفها بالمجنونة، عرضتُ عليه أن يترك زوجته وأنا زوجي لنكون سويًّا. لم أكن أنوي ما قلتُه، ولكنّ الأمر بدا لي كتتمّة منطقيّة. فالحقيقة أنّني لم أعد أحبّ فادي ولم أكن أحبّ زوجي أيضًا، فأنا لم أعد قادرة على حبّ أحد. وقَبِلَ فادي عرضي بحماس، الأمر الذي منعَني مِن التراجع، على الأقل على الفور. وبدأنا نخطّط للهروب سويًّا، وكأنّنا مراهقَان ينويان الخروج سرًّا مِن المدرسة.

ولكن عندما عدتُ إلى البيت، أدركتُ أنّني لا أريد أبدًا العودة إلى فادي وأنّ اللعبة بلغَت درجة لم أكن أريدها. وقرّرتُ وضع حدّ للقاءاتي به قبل أن أدخِل نفسي في مأزق يصعب الخروج منه. وخطَرَت زوجة فادي ببالي، وسألتُ نفسي ما ذنب تلك المسكينة لتمرّ بالذي مرَرتُ به مع فادي؟ لو كنتُ أحبّه لوجدتُ لنفسي عذرًا. لِذا نمتُ في تلك الليلة بعد أن اتخَذتُ قرار ترك فادي وزوجته بسلام.

ولكنّني لم أتوقّع أبدًا ما كان سيحصل بعد يوم واحد. فقد انقلَبَت لعبتي ضدّي حتى بعدما انسحبتُ منها. كان عليّ أن أفكّر بالعواقب قبل أن أحاول أن أشفي غليلي مِن الذي تركَني.

فعندما عادَ جلال مِن عمله في اليوم التالي، دخَلَ البيت غاضبًا ورمى بوجهي هاتفه صارخًا بي:

 

ـ تنوين تركي والهرب مع صديقي القديم أيتّها السافلة؟؟؟

 

نظرتُ إليه باندهاش تام، فكيف عَلِمَ بالأمر وما دخل هاتفه؟ عندها أكمَلَ زوجي كلامه:

 

ـ أرسَلَ إليّ فادي تسجيلاً بمحادثاتكما خلال لقاءاتكما العاطفيّة! اسمعي ما فيه!

 

أخَذتُ الهاتف واستمعتُ لما كان يدور بيني وبين فادي. كان الخبيث قد سجَّلَ كلّ شيء ولا أدري حتى اليوم لماذا فعَلَ ذلك.

وأمام هذه الدلائل الفاضحة، لم يسَعني أن أقول شيئًا للدفاع عن نفسي، عالمة تمام العلم أنّ زوجي لن يُصدّقني إن قلتُ له إنّني كنتُ ألعب فقط. لِذا دخلتُ بصمت غرفة النوم ولملَمتُ أمتعَتي وخرجتُ مِن البيت، مِن دون أن أنظر إلى جلال الذي كان جالسًا في الصالون.

عدتُ إلى أهلي، وهناك أيضًا لم أجد الطريقة المناسبة لشرح ما حدَثَ، واكتفيتُ بالقول إنّني لم أتّفق مع زوجي. ولكنّهم علِموا بما كنتُ أخطّط له مِن زوجي حين قدَّمَ دعوى الطلاق بسبب الخيانة الزوجيّة. وبالرّغم مِن أنّني أنكرتُ وبقوّة خيانتي لزوجي، لم يُصدّقني أحد.

وشعرتُ بالمرارة. كان فادي قد تركَني مِن أجل أخرى وعاد وخان ثقتي به. كان يجدر بي أن أعرف أنّ مَن يفعل ذلك مرّة سيُعيد الكرّة.

وأسفتُ على زوجي الذي كان رجلاً صالحًا. صحيح أنّني لم أحبّه ولكنّني، لو أردتُ ذلك، كنتُ تعلّمتُ حبّه وتقدير ما كان يفعله مِن أجلي. يا ليتَني لم أجرّه إلى تلك المغامرة الفاشلة، فهو الآخر بات مجروح الفؤاد ولن يثق بامرأة بعدما فعلتُه به. كبريائي دمَّرَ حياتي وحياته.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button