من المذنب؟

كنتُ مِن الأوائل الذين ركضوا إلى المشفى حين وُلِدَت نجوى، ورأوا وجهها الجميل وهنّأوا الوالدَين. وفي ذلك النهار، لا شيء كان يُنذرُ بأنّني سأقعُ لاحقًا في حبّ إبنة أعزّ صديق لي والتي تصغرُني بثلاثين سنة. لا أتكلّمُ عن أيّ حبّ، بل عن شغف إمتلَكَني لسنوات طويلة ولَم يتركني حتى اليوم. كيف يكون ذلك مُمكنًا؟ إليكم قصّتي:

لطالما عرفتُ ناجي والد نجوى، فكنّا زملاء الدراسة في المدرسة أوّلاً ولاحقًا في الجامعة حيث تخصّصنا في الهندسة. لِذا صارَت حياتنا مُرتبطة بشكل شبه يوميّ حتى بعدما تزوّجَ هو ولاحقًا أنجَبَ. كنتُ أنظرُ إليه كأخ توأم وأسفتُ كثيرًا على ما حدَثَ مِن ضرر لعلاقتنا بسبب إبنته.

فعلى مرّ الزمَن، كبرَت نجوى لتصبح بنتًا جميلة وخفيفة الظلّ، وكنتُ أذهب إلى بيت صديقي مُحمّلًا بالألعاب وأجلسُ معها نلعبُ لساعات. لَم يرَ أحدٌ أي رَيب في ذلك، حتى أنا في ذلك الوقت لَم أنظر لنجوى نظرة خاصّة. كانت فقط بنتًا أحبُّ إغراقها بالهدايا وكأنّها إبنتي. فالحقيقة أنّني لَم أتزوّج، ربمّا لكثرة إنشغالي، فكنتُ قد أصبحتُ مُهندسًا مطلوبًا مِن الطبقة المُخمليّة وذلك بالرغم مِن صغر سنّي. كنتُ موهوبًا وحسب. عرفتُ بعض الفتيات لكنّني لَم أُغرَم بأيّة منهنّ، ولَم أكن مُستاءً مِن الأمر بل كنتُ على يقين مِن أنّني سأجدُ يومًا التي تجعلُ قلبي يدقّ بقوّة.

بعد سنوات، صارَت نجوى مُراهقة فائقة الجمال والقوام وكان أهلها فخورَين بما صنعاه، لكنّها أصبحَت أيضًا صعبة المزاج كسائر المُراهقات اللواتي تعرفنَ مدى جمالهنّ. لِذا كان ناجي يطلبُ منّي مرارًا المرور ببيته للتكلّم مع إبنته وإقناعها بفعل شيء ما أو عدَم فعله. وكانت تلك الصبيّة تقتنعُ بسرعة بما أقولهُ لها، وكنّا نجلس في غرفتها وأُعطيها نصائح مهمّة. وذات مساء... شعرتُ بشيء غريب تجاهها.

 


كنتُ قد استُدعيتُ إلى غرفة نجوى لإقناعها بعدم الذهاب إلى سهرة لَم تكن مُناسبة لها، وهي بقيَت مُصرّة على قرارها بل افتعلَت شجارًا كبيرًا وحبسَت نفسها في غرفتها مُهدّدةً بالأسوأ. ركضتُ إليها كالعادة وجلستُ معها وهي تبكي وتصرخ وتتأسّف على ولادتها بين أهل يكرهونها. وبعد أن نشّفتُ دموعها بطريقة لبقة، نظرَت إليّ الفتاة وقالَت: "حسنًا، إن كنتم لا تُريدوني الذهاب إلى ذلك الحفل، خذُني أنتَ إلى العشاء!". فرِحتُ لأنّني استطعتُ تغيير رأيها، وطلبتُ الإذن مِن ناجي وزوجته لاصطحاب ابنتهما إلى مطعم جميل فقبلا بسرور. لَم أكن أعلم أن نجوى ستلبس فستانًا مُغريًّا وتضع المساحيق للخروج معي. كان شكلها وكأنّها أكبر ممّا هي، وحين جهزَت ونظرتُ إليها... وقعتُ بحبّها. وخلال ذلك العشاء، قضيتُ وقتي بإزالة تلك الصورة مِن رأسي، والتذكّر أنّها لم تكن سوى فتاة في الخامسة عشرة مِن عمرها... وإبنة أعزّ صديق لي. لكنّني حلمتُ بها في تلك الليلة حلمًا لا يمتُّ للبراءة بصلة.

في الفترة التي تلَت، تجنّبتُ زيارة صديقي في بيته، الأمر الذي أثارَ استغرابه وسألَني لماذا هذه المُقاطعة، فتحجّجتُ بكثرة العمل واعدًا بزيارة قريبة.

إعتقدتُ أنّ تلك الفترة كانت كافية لِمحو ما كان قد دار في رأسي، إلا أنّ افتتاني بنجوى عادَ، وبقوّة، لحظة رأيتُها مُجدّدًا. عندها علِمتُ أنّني في ورطة كبيرة بعد أن استوعَبتُ أنّني واقع في حبّ فتاة تصغرني بثلاثين سنة ومُحرّمة عليّ إلى الأبد. فكيف لناجي أن يقبل بخيانتي لثقته؟ هذا طبعًا لو شاطرَتني نجوى مشاعري! فكان مِن الواضح أنّني بالنسبة لها لَم أكن سوى "عجوز" تعرفُه منذ ولادتها وهو بمثابة عمّ لها وحسب. لِذا كتَمتُ مشاعري وقرّرتُ إيجاد امرأة تُناسبُني أكثر وتُنسيني ما أمرُّ به.

بحثتُ كثيرًا ووجدتُ الكثيرات، فالجدير بالذكر أنّني كنتُ آنذاك رجلاً جذّابّا وأنيقًا وأجني الكثير مِن المال. لكنّني كنتُ في كلّ مرّة أقارنُ التي تعرّفتُ إليها بنجوى، التي ببراءتها وجمالها اليافع أخذَت عقلي وقلبي إلى الأبد.

تخلَّيتُ عن فكرة استبدال نجوى بعد سنتَين مِن المُحاولة، فذلك كان مضيعة للوقت، واستسلَمتُ لأحلامي ورغباتي السرّيّة واعدًا نفسي ألا أبيّن لأحد ما يدورُ بداخلي. إلا أنّ نجوى كانت تعلمُ حقيقة مشاعري، فالمرأة تشعرُ بهكذا أمور حتى لو لَم يكن لدَيها خبرة بالحبّ والحياة. وصارَت تلك الصبيّة تتلاعبُ بأحاسيسي عمدًا، كالقط الذي يلهو بالفأر قبل قتله. بدأَت نجوى ترتدي الملابس القصيرة والمُغرية كلّما تعرفُ أنّني آتٍ للزيارة، وتطلبُ منّي مُرافقتها إلى أماكن عدّة وتركبُ سيّارتي وتتدلّع عليّ وأنا أقودُ. بقيتُ أدّعي أنّني لا أنتبه إلى ما يحصلُ إلى أن قالَت لي في إحدى المرّات:

 

ـ ما بكَ تتجاهلُني هكذا؟ ألستَ رجلاً حقيقيًّا؟ هل تفضّل الرجال على النساء؟ لا تخجل مِن ذلك فلَن أُخبر أحدًا.

 

ـ ما هذا الكلام؟ بالطبع أحبّ النساء!

 

ـ إذًا لماذا لا تحبُّني؟ ألا أُعجبُكَ؟

 


وقفزَت على حضني وقبّلَتني بشغف. أردتُ إزاحتها عنّي لكنّها بقيَت مُتمسّكة بي بقوّة. عندها استسلمتُ لِما اعتبرتُه هديّة مِن القدر الذي كان يُكافئني على صبري كلّ ذلك الوقت. ما حصَلَ بيننا لَم يكن ممارسة للجنس بكلّ ما للكلمة مِن معنى بل شبيهًا به. وعندما أوصَلتُها إلى بيتها قلتُ لها:

 

ـ سننسى ما حصَلَ يا نجوى... أنا آسف لأنّني لَم أستطع تمالك نفسي.

 

ـ لِما ننسى؟ ألا تحبُّني؟

 

ـ بلى، وكثيرًا، لكنّني أيضًا رجل عاقل وصديق أبيكِ. لن أراكِ مُجدّدًا.

 

ـ بل ستفعل! لن أقبل بغير ذلك!

 

وصرنا نتلاقى كلّ فترة في سيّارتي ويحصل ما يحصل، مع تركيزي على عدَم تخطّي الخطّ الأحمر كي لا أدمّر مُستقبل تلك الصبيّة. فكنتُ أعلم أنّها لا تُحبُّني بل تلهو بي، وأنّها ستملّ منّي يومًا فمشاعري لها كانت غير منطقيّة ولا مُستقبل لها. لكنّني لَم أتصوّر أن تنقلب نجوى ضدّي كما فعلَت لاحقًا.

فبعد أكثر مِن سنة على لقاءاتنا السرّيّة، حصَلَ أن تعرّفَت نجوى إلى شاب مِن سنّها وأحبَّته. عندها اشمأزَت مِن الذي كانت تفعله معي بعد أن أدركَت فارق العمر بيننا، إلى جانب فظاعة ما حصل.

ولتحميَ نفسها وحبّها الجديد، راحَت نجوى تُخبر أهلها بأنّني كنتُ أتحرّش بها باستمرار وأُرغمها على فعل أشياء جنسيّة تحت وطأة التهديد. وبدأ كابوسي، فكيف لي أن أُقنع ناجي بأنّ ابنته تهوى الجنس واللعب بمشاعر وعقول الناس؟ كنتُ الأكبر والأوعى وأنا الذي وقع بفخ مُراهقة! بالطبع لَم يُصدّقني أحد وانتهى المطاف بي في القسم أمام مُحقّق لأنّني، وحسب قولهم، أرهبتُ قاصرًا بغرض الحصول على خدمات جنسيّة. وكّلتُ مُحاميًا بارعًا وهو برهَن للمحقّق أنّ لا دليل حسيًّا أو أيّ شيء آخر يُؤكّد أقوال نجوى، فهي كانت لا تزال بتولاً ولَم يظهر عليها أيّ أثر للتعنيف أو حتى للإضطراب النفسيّ. حاوَلَ أيضًا المُحامي إقناع نجوى بقول الحقيقة، إلا أنّها بقيَت مُصرّة على ما أسمَته "خيانة ثقتها والإستفادة مِن ضعفها".

بقيَ ناجي على موقفه منّي، أي أنّه صارَ يكرهُني ويتمنّى لو يستطيع قتلي على ما فعلتُه بصغيرته، وأنا اختفَيتُ عن الأنظار.

كيف كان شعوري تجاه نجوى بعد الذي فعلَته بي؟ للحقيقة إستأتُ جدًّا لفقداني صداقتي مع ناجي، إلا أنّني لا أزال أفكّر وأحلمُ بالذي حصل بيني وبين نجوى في السيّارة وكأنّ تلك الذكريات مطبوعة إلى الأبد في ذهني. صحيح أنّني أستطيع الذهاب إلى طبيب نفسيّ، إلا أنّني أحبّ تلك الأفكار ولا أريدُها أن تختفي مِن ذهني. أعلمُ أنّني قد أكون مريضًا في عقلي، لكنّ ذلك لَم يحملني يومًا على التحرّش بأيّة فتاة لأنّني لا أريدُ سوى نجوى ولا أحدًا غيرها.

اليوم صرتُ بالستين مِن عمري ولا أزال عازبًا، فكيف لي أن أتزوّج وأنا أحلمُ وأتوق إلى لمسة نجوى؟ عَملي هو سلوَتي الوحيدة ولقد جلبتُ قطّة وكلبًا إلى بيتي كي لا أشعرُ بالوحدة. أمّا بالنسبة لنجوى، فلقد تزوّجَت وأنجَبت ونسيَت حتمًا ما فعلَته بي. فذلك كان بالنسبة لها دلَع مُراهقة وحادثة مؤسفة لا لزوم لتذكّرها.

ماتَ صديقي بنوبّة قلبيّة منذ سنتَين، وأسفتُ لأنّني لَم أكن إلى جانبه وأنّه فارقَ الحياة وهو يكرهُني.

مَن هو المذنب الحقيقيّ في هذه القصّة؟ هل الأهل الذَين أفسحا لرجل ناضج بالبقاء لوحده مع مُراهقة؟ أم المُراهقة اللعوب التي عرفَت مدى تأثيرها عليَّ ولهَت بي عالمة أنّ الكلّ سيقفُ في صفّها؟ أم أنا؟

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button