معركتي مع طليقة زوجي

لقد نبّهوني مِن متاعب الزواج مِن رجل لدَيه أولاد، لكنّني قبِلتُ بذلك الشخص المُطلَّق لأنّني أحببتُه مِن كلّ قلبي. للحقيقة كان جهاد إنسانًا طيّبًا للغاية إلا أنّه تزوّجَ مِن سيّدة لا تتحلّى بأقلّ قدر مِن الأخلاق ولا تحبّ سوى نفسها. هما أنجَبا سويًّا إبنة واحدة، وما لبِثَت الفتاة أن بلغَت العاشرة مِن عمرها حتى تركَت أمّها المنزل لتعيش قصّة حبّ بدأَتها قبل أكثر مِن سنة مع رجل ثريّ أجبرَته على ترك زوجته ليكون ملكها الحصريّ.

حاوَلَ جهاد إسترجاع زوجته فقط مِن أجل إبنتهما، فهو بالطبع لَم يعُد يكنُّ لها أيّة محبّة بعد اكتشافه لخيانتها له، إلا أنّها ضحِكَت في وجهه قائلةً:

 

- سأتركُ لكَ عبء تربية حنان، فلقد قمتُ لمدى عشر سنوات بواجباتي تجاهها وتجاهكَ... حان الأوان لأستمتع بحياتي مع رجل يعرفُ كيف يُعامل سيّدة.

 

- ألَم أُعاملكِ جيّدًا؟!؟

 

- للحقيقة لا... فإمكاناتكَ محدودة وما اريدُه لا تستطيع تأمينه لي. الوداع.

 

- ستصلكِ أوراق الطلاق بأقرب وقت.

 

عانَى جهاد كثيرًا مِن كثرة حزنه على ابنته حنان، التي لَم تفهَم طبعًا لماذا وكيف تركَتها أمّها حتى مِن دون أن تودّعها أو تشرحَ لها سبب رحيلها، الأمر الذي ولّدَ لدَيها مرارة كبيرة.

مضَت ثلاث سنوات قبل أن يُقرَّرَ جهاد أنّ له الحقُّ في أن يجِد رفيقة ولِما لا زوجة، فأعَلن لأصحابه وأقربائه عن نيّته هذه. وصلَني الخبَر بواسطة معارف مُشتركين رأووا أنّنا قد نكون مُناسبَين لبعضنا. مِن جهتي، كنتُ قد بلغتُ الثلاثين مِن عمري ولَم أتزوّج بعد لكثرة انشغالي بأمّي التي توفَّيت بعد سنوات مِن العذاب مِن جرّاء مرَض عضال. كنتُ قد فقدتُ أبي، وكانت اختَاي تعيشان في الغربة، في كلمة، كنتُ صرتُ وحيدة في الدنيا.

دبَّرَ لي هؤلاء المعارف موعدًا مع جهاد، ومنذ اللقاء الأوّل شعرتُ بارتياح وانجذاب له. هو الآخر أحسَّ بالشيء نفسه فانطلقَت علاقتنا التي أرَدناها جدّيّة. لَم تُعجِب حالة جهاد أختَيّ وحاولتا إقناعي بعدَم الزواج منه بسبب إبنته لكنّني لَم أسمَع منهما. حياتي كانت ملكي وحدي، خاصّة بعدما هدَرتُ معظمها بينما هما كانتا قد تدبّرتا أمرهما وصارَ لهما عائلة.

لَم تُسَرّ حنان بخبر زواج أبيها ولَم تُحبّني يوم تعرّفَت إليّ. كانت ردّة فعلها طبيعيّة، فقرَّرت العَيش مع أمّها في بيتها الفخم. أسفتُ لذلك، فكنتُ بالفعل أودّ أن تبقى حنان معنا، وحاولتُ وجهاد إقناعها بالعدول عن قرارها، مِن دون جدوى.

شعرتُ بأسى جهاد، خاصّة عندما تزوّجنا وسكنتُ معه، فقد كان وجود إبنته ينقصُه، وخفتُ أن يندَم على اقترانه بي مما أدّى إلى فقدان إبنته الوحيدة.

 


لكن سرعان ما عادَت حنان إلى البيت مع أمتعتها، لأنّها لَم تحبّ المكوث مع والدتها بتاتًا ومع زوجها الجديد الذي لَم يكن، حسَب قولها، له طَعم أو لون. فرِحتُ وجهاد للغاية وذهبنا نحن الثلاثة إلى المطعم للإحتفال. بعد عودتنا، دخلتُ إلى غرفة إبنة زوجي وأكّدتُ لها أنّني لا أنوي أخذ مكان أمّها أو التصرّف معها وكأنّني أمّها، وأنّني أرجو أن نتعاون سويًّا لبسط مناخ تفاهم ومحبّة في البيت، فذلك لمصلحة الجميع. أجابَتني حنان أنّها ستفعل جهدها للتعاون معي. قبّلتُها وعدتُ إلى أشغالي فرِحة وفخورة بنفسي.

تصرّفَت حنان معي، على الأقلّ في البدء، بلطف، لكن سرعان ما بدأَت تفعل ما بوسعها لإغضابي وإثارَت المشاكل خاصّة بعدما تُنهي مُكالمتها الهاتفيّة مع أمّها. كان مِن الواضح أنّ زوجة جهاد الأولى تنوي حَملي على ترك البيت، لكن لأيّ هدَف؟ فهي تزوّجَت مِن إنسان قيلَ إنّه يُسعدُها ويُعطيها ما تعذَّرَ على جهاد. هل لأنّها تعتبرُه مُلكًا أبديًّا لها أم لتحمي إبنتها منّي؟ ألَم تقل لها هذه الأخيرة إنّني أًعاملُها بلطف واعتبرُها وكأنّها أختي الصغيرة؟ قرّرتُ عدَم الإستسلام، فالسنوات التي قضَيتُها مع مرَض أمّي علّمَتني المُثابرة والعناد. إضافةً إلى ذلك، لَم أكن مُستعدّة للتراجع أمام مُراهقة! أطلعتُ جهاد على ما يجري، فتصرّفات إبنته كانت تدورُ دائمًا أثناء غيابه، فبوجوده كانت ملاكًا هادئًا ومُحبًّا، وهو وعدَني باجراء حديث معها وأعرَبَ عن أسفه لِما أتحمّلُه وعن شعوره بالذنب لإقحامي بهكذا تجربة. أكّدتُ له أنّني لستُ نادمة على الإطلاق، وأنّ حبّي له لَم يتأثّر بتاتًا بأيّ شيء.

بعد فترة قصيرة، عُرِضَ عليّ عملاً جيّدًا في إحدى الشركات، ورأيتُ بذلك فرصة لاستعمال شهادة جامعيّة وضعتُها في الدرج مِن جهة، والإبتعاد قليلاً عن أجواء البيت مِن جهة أخرى، فبذلك كنتُ سأعودُ إلى المنزل في آن واحد مع جهاد ولا أرى حنان إلا خلال وجبة العشاء وقليلاً في فترة ما قبل النوم. أطلعتُ زوجي على عرض العمَل الذي تلقَّيتُه لكنّني تفاجأتُ بردّة فعله، فهو رفَضَ قطعًا ولَم يدَعني أُكمِل حديثي حتى. نظرتُ إليه بدهشة، فلَم يسبق أن تصرَّفَ هكذا. ثمّ استعادَ هدوءه قائلاً:

 

- ما أجنيه يكفينا، أليس كذلك؟ لا أحبّ أن أراكِ تعمَلين.

 

وانتهى الحديث. حزنتُ كثيرًا وجلستُ في المطبخ لوحدي حين دخلَت حنان قائلة:

 

- تودّ أمّي التعرّف إليكِ.

 

- لماذا؟ لتبخَّ سمّها مُباشرة عليّ بعدما فشلَت بذلك بواسطتكِ؟

 

- آه... تتكلّمين عن تصرّفاتي معكِ؟

 

- أجل!

 

- إذًا عليكِ فعلاً التكلّم مع أمّي... هي بإمكانها إطلاعكِ على ما عليكِ فعله بشأن أبي.

 

- لو قدِرَت على التفاهم معه لمَا رحلَت، أليس كذلك؟

 

- لدَيكِ الحقّ... إسمعي، أنا لا أكرهُكِ.

 

- بلى!

 

- لن يدعكِ أبي تعملين.

 

- وهل تسترقين السمَع؟

 

- لَم أحتَج لذلك فصوته كان عاليًا للغاية، لكنّني لَم أسمَع صوتكِ... أين ذهبَت شجاعتكِ؟

 

- تُشجّعيني على الوقوف في وجهه كي يتركني؟ طبعًا هذا ما تحلمين به، لكنّ هذا لن يحصل!

 

- سترحلين بنفسكِ، سترَين.

 

- أفهَم مِن ذلك أنّكِ تريدين رحيلي... هذا لن يحصل! أنا باقية!

 


- لِنعقُد اتّفاقًا... أكفُّ عن مضايقتكِ إن اجتمَعتِ بأمّي.

 

- تعترفين إذًا أنّكِ قصَدتي حَملي على الرحيل؟

 

- أجل، كلامكِ صحيح مئة بالمئة!

 

- سأقبلُ الاتّفاق بشرطَين: الأوّل هو أن ألتقي بوالدتكِ في مكان عام، كمقهى مثلاً، والثاني أن أبعثُكِ إلى بيتها بصورة نهائيّة لو أخلَّيتِ بالإتّفاق.

 

- ممتاز! لكن إيّاكِ أن تُخبري أبي بالأمر!

 

لَم يعلَم جهاد بالاتفاق لأنّني كنتُ متأكّدة مِن أنّه سيرفضُ أن أجلسَ مع التي أسماها الخائنة وأنّه سيخافُ عليّ منها. لكنّني كنتُ مُتحضّرة تمامًا لِما كانت ستقوله تلك المرأة الشرّيرة. على كلّ الأحوال، لَم يكن لدَيّ ما أخسره في ذلك اللقاء. يوم لقائي بطليقة زوجي، تفاجأتُ برؤية سيّدة ناضجة وهادئة وأنيقة، وهي دخلَت في صلب الموضوع مُباشرة:

 

- لقد اتّصلَت بي حنان فورًا بعد سماع حديثكِ مع جهاد بشأن العمَل وطلبتُ منها أن تُدبّر لنا لقاء... فتاة ذكيّة وقويّة، على خلافي والحمد لله.

 

- ماذا تُريدين منّي؟

 

- أُتركي جهاد.

 

- كنتُ أتوقّع سماع ذلك منكِ. هل تزالين تحبّينَه؟ أم هو بالأحرى حبّ التملّك؟

 

- لا هذا ولا ذاك، ما أقولُه هو مِن أجلكِ. أُتركيه قبل أن يتمكّن منكِ خاصّة إذا أنجبتِ منه.

 

- أهذا كلّ ما وجدتيه لتقولينَه عن زوجي؟ فهو ألطَف...

 

- أنتِ لا تعرفين حقيقته، أصبري قليلاً أو حتى عانديه بشأن العمَل وسيظهرُ وجهه الآخر. أعلَم ما يقوله عنّي مِن أكاذيب بشِعة ولا أبالي، فأنا صرتُ بعيدة عنه. كنتُ أوّدُ أخذ حنان معي حين رحلتُ عنه لكنّه وعدَني بأذيّتها، فتركتُها معه ولَم أكفّ عن الإطمئنان عليها ومُراقبتها عن بعد. بعد ذلك وجدتُ رجلاً طيبًّا بالفعل.

 

- ذهبَت جنان إليكِ بعد زواجي مِن جهاد... وعادَت.

 

- أجل هي عادَت مِن أجلكِ، فأنا بعثتُها إليكِ. لو سكتُّ عن عنف وتنمّر جهاد، أُصبِحُ شريكته. إرحلي وإيّاكِ أن تُنجِبي منه فسيستعمل طفلكما لابتزازكِ.

 

- أنا آسفة لكنّني لا أصدّقُك، لقد خُنتِه وأهنتِ كرامته وتزوّجتِ مِن عشيقكِ.

 

- هذا ما قالَه لكِ ولمحيطه لكن هل لدَيكِ أثبات على ذلك؟ هل تأكَّدتِ مِن روايته؟

 

كانت المرأة على حقّ، كانت تلك روايته وحسب. إلا أنّني لَم أُصدّق كلمة مِن الذي قالَته وعدتُ إلى البيت مُستاءة لأنّها، ولكثرة براعتها، أدخلَت الشكّ إلى عقلي. يا لَيتني لَم أقبل بذلك الموعد!

بقيَت حنان على وعدها لي وصارَت بُمنتهى اللطف، وشعرتُ أنّها ارتاحَت كثيرًا بعد أن قابلتُ أمّها. لَم نتكلّم في شيء يخصّ زواجي أو زواج أمّها مِن أبيها وعمَّ الهدوء البيت. لكنّ موضوع العمَل بقيَ عالقًا، فأطلعتُ زوجي على نيَّتي قبول العرض مؤكّدة له أنّني لن أهمِلَ واجباتي الزوجيّة وأنّ لا علاقة للموضوع بإمكانه تأمين المال لي أو لا بل بحاجتي للشعور بالإنتاج. حضرّتُ نفسي لبعض المُناقشة وكنتُ مُتاكّدة مِن أنّ حجَجي مُقنعة. لَم تحصل أيّ مُناقشة بيننا لأنّ جهاد، وبكلّ بساطة، صفعَني بقوّة قائلاً:

 

- هل ستكفيّن عن الكلام بالعمَل أم لا؟!؟

 

عندها توقّفَ الزمَن بالنسبة لي، فوقفتُ قبالة جهاد أُحاولُ استيعاب ما حصَل، إلا أنّه خرَجَ مِن الصالون وكأنّ شيئًا لَم يحصل.

ركضَت حنان وسحبَتني إلى غرفتها قائلة:

 

- تعالي... ألَم تُنبّهكِ أمّي؟!؟ هل تأكّدتِ الآن مِن كلامها؟

 

- هذا الرجل مجنون!

 

- كانت أمّي المسكينة مُرتعِبة منه... وأنا كذلك لكنّه لَم يمدّ يدَه عليّ يومًا.

 

- لماذا لَم تُنبّهيني منه مِن قبل؟

 

- وهل كنتِ ستصدّقيني؟

 

- بالطبع لا

 

في اليوم التالي جمعتُ أمتعتي وعدتُ إلى منزلي. ذهبَتَ حنان هي الأخرى إلى أمُها، فلَم يجد جهاد أحدًا عند عودته مِن العمل واتّصَلَ بي على الفور. وبعد حديث هاتفيّ حاد ومُناقشة عنيفة مليئة بالتهديدات حينًا والكلام المُطمئن حينًا آخر، إعترَفَ جهاد أخيرًا بأنّه كذِبَ بشأن زوجته السابقة فهي حقًّا لَم تخُنه يومًا. إنتهى به بوعدي بأن يتغيّر ويُحافظ على أعصابه، وأقسَم أنّه لن يمدّ يده عليّ مُجدّدًا لو عدتُ إليه. لكنّ هكذا رجال لا يُمكن أن يتغيّروا فكنتُ قد سمعتُ الكثير عن التعنيف المنزليّ. طلبتُ منه الطلاق وهو عادَ إلى تهديداته بإيذائي بشكل فظيع لو لَم أعُد، الأمر الذي أكّدَ نظريّتي. لَم أستسلِم، فقلتُ له إنّني سأرفعُ دعوى ضدّه بمساعدة زوجته السابقة وابنته اللتَين كانتا ستشهدان معي حتمًا. عندها فهِمَ ذلك الوحش أنّه لن ينالَ منّي.

حصلتُ على طلاقي بسرعة فائقة وارتاحَ بالي، فقضيتُ فترة عصبية خشيةً أن ينتقمَ منّي، إلا أنّه لَم يفعل لأنّ الجبان فقط هو مِن يُعنّف النساء.

اليوم أنا سيّدة عاملة وسعيدة. لَم أجِد بعد الحبّ لكنّني مُتأكّدة مِن أنّ ذلك سيحصل قريبًا. وبانتظار ذلك الحدَث، أقضي مُعظم وقتي مع حنان وأمّها بعد أن صِرنا أعزّ الصديقات. لن أشكر كفاية تلك المرأة التي قرّرَت مُساعدتي، فمَن يدري ما كان سيحصل لي لولاها؟

أيّها الناس، لا تصدّقوا رواية سمعتموها مِن طرَف واحد، فقليلون هم مَن يعترفون يحقيقتهم أمامكم، بل سيعملون جهدهم لتبييض صفحتهم وتشويه سمعة الآخرين. هكذا هي طبيعة البشر، فاحترسوا!

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button