كدت أعلق في مصيدة الانترنت!

تبدو اللّقاءات سهلة جداً وفورية على الشبكة، لكن حذارِ من النوايا السيئة والمظاهر الخادعة. "حاولي وسترين، إنّ الخيارات لا متناهية! ستقعين حتماً على شخصٍ مناسب".

بلغتُ الخامسة والثلاثين من عمري وفقدت الأمل في أن أجد رجل حياتي. لذا، شجّعتني صديقاتي فقبلت بتسجيل اسمي على موقع للتعارف. في البداية، كنت متحفّظة على الموضوع ومحرجة من الظهور أمام الناس كما لو أنّني فشلت ورحت أحاول بشتى الوسائل حتى وصل بي الأمر إلى الانترنت. لكن في الحقيقة لم يكن عندي خيار آخر. لهذا السبب، أتممت كلّ إجراءات الانتساب وأرفقت صورة لي وأعطيت التفاصيل المتعلقة بمظهري وذوقي ورغباتي وما أريده من الشخص الآخر.

عندئذٍ، بدأ الاستعراض، وفاض عليّ الزاعمون بالمئات! كان من الجيد لي أن أحسّ بأنّه مرغوب فيّ ولو كان الأمر وهمياً من قبل رجالٍ يتوزّعون في كلّ أنحاء العالم. استمتعت كثيراً لدرجة أنّني أصبحت متعلّقة شديد التعلّق بهذا الموقع فرحت أزوره من المكتب وحتى من هاتفي المحمول.

بعد مرور بعض الوقت، كان عليّ أن أختار واحداً، فكان ألفريد، رجل وسيم وجذّاب للغاية وعمره مناسب تماماً ومثقّف وكان يعمل مهندساً مثلي وعلاوةً على كلّ ذلك كانت روحه مرحة. كنّا نتقابل يومياً عبر الانترنت وأنتظره بفارغ الصبر وأطير فرحاً في كلّ مرة يظهر فيها على الشبكة.

من الغريب جداً أن نتعلّق بشخص لم نقابله يوماً! حين أعطيته رقم هاتفي، اتّصل بي على الفور. كان صوته رائعاً وحديثه ممتعاً لدرجة أنّنا تحدّثنا لساعات طويلة. لم يبقَ أمامي سوى رؤيته وجهاً لوجه، وانتظرت بفارغ الصبر لحظة وجودي برفقته أخيراً.

حدّدنا موعد اللقاء في الأسبوع اللاحق. حين وصل اليوم المنتظر، كنت متوتّرة جداً مثل المراهقات وأمضيت ساعات طويلة وأنا أنتقي ملابسي وأتخيّل كل المواقف المحتملة. حين وصلت إلى المقهى حيث اتّفقنا، كان قلبي يخفق بسرعة كبيرة... لحسن حظي لم يكن قد وصل بعد فهذا يمنحني الوقت كي أسترجع هدوئي. بعد مرور لحظات قليلة، وبينما بدأت أخاف من أن أكون ضحية خدعة، وقف رجل كان يجلس على الطاولة المجاورة واقترب منّي قائلاً:

 

- مرحباً! هذا أنا.


- عفواً؟!


- أنا ألفريد، عندنا موعد معاً.

 

حدّقت جيداً بهذا الشخص الذي يستحيل أن يكون الرجل ذاته الذي حدّثته يومياً لمدة أسبوعين كاملين. فهذا الواقف أمامي قبيح جداً وطريقة لبسه رديئة جداً ويبدو متعالياً.

 

- من المؤكد أنّك مخطئ فأنت لا تشبه البتة الشخص الذي أنتظره.


- أنا هو.

قالها وهو يجلس على طاولتي.

 

- لكن بهدف السرية لم أضع صورتي الحقيقية على الموقع.

 

شعرت بأنّني مخدوعة جراء هذا الاعتراف الخطير، أنا من كنت صادقة جداً حين وضعت صورتي.

 

- لقد أحببتِ حديثي والطريقة التي أنظر بها إلى الأمور وصوتي، إذاً، لمَ لا توافقين على الباقي؟

قال هذا بإلحاح.


- وبرأيك ألا يهمّ أنّك كذبت عليّ واستعملت صورة شخص آخر؟ أنا آسفة. في المرة المقبلة، أنصحك بأن تكون صادقاً مع النساء كي تُجنّب الجميع مثل هذه الصدمات البشعة.

 

حين وقفت، حاول إمساكي بذراعي لكنّني نجحت في التخلّص منه وخرجت مسرعة. كنت غاضبةً جداً وخائبة الأمل بعدما ظننت أنّني وجدت أخيراً رجل أحلامي.

عند المساء، اتّصل بي ألفريد فأخبرته بوضوح أنّني أريد وضع حدّ نهائي لعلاقتنا. فراح يبعث لي الرسائل القصيرة.

ثمّ، في أحد الأيام، توقفت كلّ المحاولات فظننت أنّه استسلم أخيراً! شعرت بالارتياح إلى أن رأيته داخل سيارة مركونة أمام منزلي لدى خروجي من المبنى للذهاب إلى العمل. لم يكن عدائياً بل على العكس كان يبتسم وحاول أن يكون ودوداً.

أصبت بالذعر فعدت أدراجي ودخلت إلى المنزل وأقفلت الباب بسرعة. ترقرق الدمع في عينيّ.

كيف عرف عنواني؟ على الأرجح، لحق بي يوم تقابلنا.

استرقت النظر من النافذة من غير أن يراني فوجدت أنّه ما زال مكانه. قرّرت الاتصال بالمكتب واعتذرت عن الحضور لأنّني مريضة. بقيت سيارته مركونة في المكان عينه طيلة النهار وقسم من اللّيل فلم يغمض لي جفن لأنّني كنت مشغولة البال. في الصباح الباكر، شعرت بالارتياح، فقد رحل.

كدت أنسى المسألة لكن عند المساء وأنا عائدة إلى المنزل وجدت سيارته في المكان نفسه. فقررت مواجهته لإنهاء القصة:

 

- ماذا تفعل هنا؟

 

سألته بنبرة صارمة.


- كنت أنتظرك لأنّك لا تجيبين على اتصالاتي وأنا أحتاج للتحدث معك.


- إن كنت لا أجيب فهذا يعني أنّي لا أريد التكلّم معك.


- لكنّني أرغب في التعرف إليك أكثر! بدأت علاقتنا بنحو جيد ولا أفهم تصرّفك...


- لقد كذبت عليّ وأنت لا تعجبني. وأظنّ أنّه سبب كافٍ.


- امنحيني فرصة أخرى وأنا واثق من أنّك ستُعجبين بي.


- لا تلحّ! اتركني بسلام ولا تحاول الاتصال بي ولا المجيء إلى هنا.

 

دخلت إلى المبنى وهو رحل.

في اليوم التالي، كان ينتظرني عند الباب وأنا خارجة من عملي وقد كان جالساً على مقعد يقرأ الصحيفة. لم يحدّثني ولم ينظر إليّ حتى. في تلك اللحظة، أدركت أنّه لن يدعني بسلام.

لم أعد أخرج إلاّ برفقة أحد ما. ووفقاً لنصائح المقربين منّي، أعلمت الشرطة لكن لم يكن بيدها حيلة فمن حقّه أن يكون في شارعي وبالقرب من عملي ما دام لا يؤذيني.

قرّرت أن أحلّل الوضع. بما أنّ القانون يسمح له بملاحقتي، فلمَ لا أعامله بالمثل! لا شك في أنّه يسكن في مكان قريب وعنده عمل وعائلة. قبل زميل لي أن يقوم بالمهمة ويتبعه ليستعلم عنه. منذ هذه اللحظة، أدركت أنّني سأصطاد الصيّاد.

بعد مرور يومين، صرت أعرف كلّ تفاصيل حياته. اسمه الحقيقي، عنوانه ومهنته. وأنّه متزوّج وعنده ولدان. لهذا السبب لم يتجرّأ على وضع صورته وبدّل اسمه ومهنته.

في اليوم التالي وعند خروجي من المكتب، كان لا يزال هناك يقرأ الصحيفة وفي يده فنجان قهوة. توجّهت نحوه قائلةً:

 

- سامر، من المقلق أن أراك هنا، ستتأخر عن عملك في المصرف. كذلك، لا تمضِ الأمسية بطولها بالقرب من منزلي فلا بدّ من أنّ نجوى والولدين ينتظرونك بفارغ الصبر. إلاّ إن كنت تفضّل أن أخبرهم كيف تمضي أوقاتك...

 

اندهش وكاد يختنق وهو يحتسي قهوته. لم يتمكّن من التلفّظ بكلمة واحدة فقد كانت شفتاه ترتجفان. تمتم عبارة "أنا آسف" ثمّ اختفى.

منذ ذاك الحين لم أعد أرى صورة وجهه وانتهى الكابوس!

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button