كانت الشر بحد ذاته...

صحيح أنّ العلاقات العائليّة أمر هام للغاية ويجب الحفاظ عليها، إلا أنّ البعض منها يتخطّى نطاق المقبول مهما كانت الدوافع. أتكلّم عن العلاقة التي تربطُ زوجي بأخته، ولقد عانَيتُ الكثير مِن هذَين الشخصَين وكادَت حياتي ان تفلِتَ منّي. إليكم قصّتي:

عندما تعرّفتُ إلى مالِك، أحبَبتُه على الفور وكان ذلك الشعور مُتبادلاً. وكما تجري الأمور عادةً، قرَّرنا أن يُعرِّف كلّ منّا الآخر إلى عائلته لترسيخ علاقتنا واعطائها طابعًا رسميًّا، فكان مِن الواضح أنّنا وُلِدنا لنكون سويًّا ونقضي باقي حياتنا مع بعضنا. كنتُ قد علِمتُ مِن حبيبي أنّ عائلته صغيرة للغاية، على خلاف عائلتي التي تتألّف مِن أبي وأمّي وأخوَتي الخمسة. أمّا هو، فكان له أختٌ واحدة وحسب، فوالداه كانا قد فارقا الحياة باكرًا جدًّا. للحقيقة إرتَحتُ لهذا الواقع إذ كنتُ قد سمعتُ ورأيتُ الكثير عن علاقة الحمى بكنّتها، وكَون أمّ مالِك مُتوفّاة، فذلك كان سيُوفّر عليّ الكثير مِن المتاعِب... ويا لَيتها كانت على قَيد الحياة! فما لَم أكن أعلمه آنذاك هو أن زهرة، أخت مالِك، كانت إنسانة غضوبة ومُتعجرفة ومُعتادة أن تُطاع.

أخَذَني مالِك إلى بيته وعرّفَني إلى زهرة التي تكبره بسنوات عديدة. كان اللقاء عاديًّا لكن ناشفًا بعض الشيء مِن جهّتها، وردَدتُ الأمر إلى عدَم معرفتها لي. لَم ينشغِل بالي كثيرًا، فلطالما كنتُ إنسانة محبوبة مِن الناس. وعدَني حبيبي بأن يُنظِّم لقاءات أخرى مع أخته بعدما لاحظَ برودة زهرة معي، وطمأنَني قائلاً:

 

- إنّها إنسانة مُحبّة وحنونة وأنا مُتأكّد مِن أنّكما ستصبحان أعزّ صديقتَين قريبًا. إنّها كلّ ما تبقّى لي في هذه الدنيا، أعني بالنسبة للعائلة، فأرجو أن تُحبّيها أيضًا، إنّه لأمر مهمّ لي.

 

وعدتُه بأن أعتبرها بمثابة شقيقة لي وتعانقنا وبدأنا نتكلّم عن مُستقبلنا... الذي لَم أتصوّره مقرونًا بوجود زهرة الدائم. فما لَم أكن أعلمه بعد، هو أنّنا سنعيشُ في بيته الذي تسكنُه أيضًا اخته، أي أنّها ستكون جزءًا لا يتجزّأ مِن المُعادلة. وحين أطلعَني على ما في رأسه، كان قد فاتَ الأوان إذ أنّنا حدَّدنا موعد الفرَح ودعَونا الناس إليه. هل هو اختارَ ذلك التوقيت عن قصد أم كانت صدفة بحتة؟

للحقيقة لَم أتصوّر أنّ شخصًا سيتقاسَم حياتي الزوجيّة اليوميّة، إلا أنّني كنتُ أعلم كَم أنّ مالك وزهرة مُتقاربان، وخفتُ أن أكون التي تُفرّق بينهما. على كلّ الأحوال، كنتُ أقضي نهاري كلّه في عملي، ما يعني أنّني لن أرَ أخت زوجي إلا في المساء قبل أن أدخل ومالِك غرفة نومنا.

تزوّجنا ورحتُ وزوجي إلى فندق جميل لأيّام قليلة، واستقرّيتُ في البيت الذي لن يكون يومًا حقًّا لي. لكن بعد أيّام على ذلك، قالَت لي زهرة بينما كان مالِك يستحمّ:

 


ـ إسمعي... مالِك أخي الوحيد وليس لدَيّ سواه في العالَم... أنا لَم أتزوّج بعد أن قمتُ لسنوات بدور الأم بالنسبة له... أردتُه طبعًا أن يجد الحبّ ويتزوّج ولاحقًا أن يُنجبِ لكن حسب شروطي أنا.

 

ـ شروطكِ؟

 

ـ هذا بيتي، أجل بيتي لأنّني أملكه قانونيًّا وأنتِ تعيشين عندي... وهذا أخي. أنتِ دخيلة وضيفة وأتمنّى ألا تنسي ذلك أبدًا. سأهتمُّ بالبيت كما فعلتُ دائمًا ولا أُريدُكِ أن تدخلي المطبخ أبدًا، فمالِك مُعتاد على مأكولاتي ويُحبُّها. لن تُنجٍبي إلا طفلاً واحدًا فأنا لا أهوى الأولاد بشكل خاصّ، لكنّني أعي أنّ لأخي أن يحظى بذريّة.

 

ـ ما هذا الكلام الذي لا معنى له؟ هل أنتِ جادّة؟!؟

 

ـ بُمنتهى الجدّيّة.

 

ـ إذًا أنتِ مجنونة! ومَن قال لكِ إنّني سأقبل بشروطكِ هذه أو حتى مالِك؟ إنّه رجل مُعتدل ومُتوازن وما سردتِه الآن لا منطق فيه. يا ليتكِ تزوّجتِ وأنجبتِ لابتعدتِ عن تلك الأفكار السخيفة. هذا أيضًا بيتي وسأتصرّف فيه كما يحلو لي وأٌنجِبُ ما أُريدُه مِن أطفال. على كلّ الأحوال، كل ما علينا فعله هو إيجاد مكان آخر للعَيش فيه وترككِ لوحدكِ مع شروطكِ. مجنونة أنتِ بالفعل!

 

في الليلة نفسها، أطلعتُ مالِك على ما دارَ بيني وبين أخته مِن حديث، وهو استمَعَ إليّ ثمّ قال لي إنّه سيتصرّف. نمتُ سعيدة لأنّ زوجي إنسان يُمكنُني الإتّكال عليه عند مواجهتي لأيّ مُشكلة... أو هكذا ظننتُ. لَم أكن أعلَم أنّني وقعتُ ضحيّة شخصَين غير مُتوازنَين إطلاقًا. هل كانت هناك دلائل لَم أرَها تدّل على خلَل ما؟ لا أعتقدُ ذلك، فلَم يُلاحِظ أحدٌ شيئًا على مالِك، والكلّ شجَّعَني على الإرتباط به والبعض حسَدَني عليه.

وعندما استفقتُ في الصباح، كانت قد تغيّرَت حياتي أو بالأحرى، إنقلَبَت رأسًا على عقَب. فما كان يُحاك لي كان أبعَد مِمّا يتوقَّعه أيّ إنسان، وعندما نهضتُ مِن السرير وتوجّهتُ إلى المطبخ لتناول الفطور ككّل صباح، تفاجأتُ بمالِك وزهرة وبعيونهما شرّ مُطلَق. وقال لي زوجي بصوت لَم أسمعه مِن قبَل:

 

ـ ستعمَلين كما تأمرُكِ أختي وإلا...

 

ـ وإلا ماذا؟ ما هذه النبرة التهديديّة يا مالِك؟

 

جوابه لكلامي كان أكثر مِن واضح إذ أنّه صفعَني بقوّة رهيبة لِدرجة أنّني شعرتُ بألَم حادّ وبالدم يملأ فمي. وقبل أن أستوعِب ما يحصلُ حقًّا، قامَت زهرة مِن مكانها وأخذَت المكنسة وضربَتني بها على ظهري. عندها وقعتُ أرضًا وانهالَت دموعي وأنا أُتمتِم: "لماذا... لماذا؟؟؟". فقدتُ وعيي وحين استفقتُ وجدتُ نفسي في سريري وزوجي إلى جانبي. حاولتُ النهوض والهروب مِن كثرة خوفي لكنّه قال لي بصوت هادئ:

 

ـ أنا آسف حبيبتي على الذي جرى... لدى زهرة تأثير كبير عليّ، وذلك منذ مذ كنّا طفلَين... إلى جانب ذلك، أنا مُدينٌ لها بكلّ شيء... لا أدري ما الذي دهاني... آملُ أن تُسامحيني وأعدُكِ بأنّ الأمر لن يتكرّر أبدًا. قولي لي إنّكِ تسامحيني، أرجوكِ.

 

وأمام هذا الحديث النابع مِن القلب، غفرتُ لزوجي ما فعلَه شرط أن نبحثَ عن مكان آخر للسكن فيه، أي بعيدًا كلّ البُعد عن زهرة. أمّا بالنسبة لهذه الأخيرة، فلَم أوجِّه الكلام لها بعد ما فعلَته بي، وصرتُ أتصرّف وكأنّها غير موجودة. هي أيضًا تجاهلَتني وكنتُ ممتنّة مِن ذلك الوضع. لَم أقُل شيئًا لأهلي خوفًا مِن أن أشوّه صورة مالِك لدَيهم، فما حصَلَ كان حادثًا مُنفرِدًا.

حادث مُنفرِد؟ وهل الذي يرفَع يدَه على امرأة لا يُعيد الكرّة؟ الجواب معروف، لكنّنا نُقنِع أنفسنا بأنّنا سنكون الإستثناء على القاعدة.

مرَّ الوقت ولَم يبحَث مالِك حقًّا عن مسكن جديد بالرغم مِن سؤالي له عن الموضوع مرارًا، وأظنُّ أنّه سئِمَ مِن التظاهر فقال لي في إحدى المرّات غاضبًا:

 


ـ ما بالُكِ لا تُفكّرين إلا بالرحيل؟!؟ ها هي زهرة تدعُكِ وشأنكِ! ماذا تُريدين أكثر مِن ذلك؟ نحن نعيشُ في بيتها ومِن حقِّها أن تفرض علينا قوانينها! ألا تخجلين مِن نفسكِ؟ يجدرُ بكِ الإعتذار منها!

 

ـ الإعتذار منها؟!؟ بعد أن ضرَبَتني؟!؟ هل فقدتَ عقلكَ؟ لا أدري أيّ نوع من السّحر هي تُمارسه عليكَ يا عزيزي، فمِن الواضح أنّكَ فقدتَ قراركَ الحرّ والقدرة على التفكير ذاتيًّا. أُريدُ الرحيل مِن هنا! أنا لَم أُوافِق على العَيش مع أحد، وخاصّة مع مَن يضَع لي شروطًا على عدد الأطفال الذين سألدهم منكَ!

 

وفي غضون لحظة، صَرَخَ مالِك: "يا زهرة!" وظهَرَت أخته مِن حيث لا أدري وبدآ يُبرّحاني ضربًا سويًّا. عندها استسلَمتُ لهما عالمةً تمام العلم أنّني غير قادرة على الإفلاة منهما. ثمّ نزعَت زهرة حزام ثوبها وقيّدَتني به، بينما وضَعَ زوجي شيئًا في فمي ليمنعَني مِن الصراخ. للحقيقة خلتُ نفسي وسط كابوس لاستحالة حدوث ما يحصل، لكن سرعان ما عدتُ إلى الواقع حين قالَت زهرة لأخيها:

 

ـ ماذا سنفعل بها الآن؟ لماذا جلَبتَ لنا هذه الفاجرة؟ هل أنتَ سعيد الآن؟!؟

 

ـ كيف لي أن أعلَم أنّها بهذه الطباع؟ كلّ ما عليها فعله هو الإنصياع لأوامركِ.

 

ـ عليّ تهذيبها... كما فعلتُ بكَ... أنظر إلى نفسكَ الآن، لقد صِرتَ رجلاً مُحترمًا ومُهذّبًا وتعرفُ تمامًا كيف عليكَ التصرّف.

 

لمحتُ نظرة حزن خاطفة في عَينَي مالِك عندما ذكرَت زهرة "تهذيبها" له، وأدركتُ أنّه عانى الكثير على يدها خلال السنوات التي قضاها لوحده معها. تلك المرأة كانت بالفعل مجنونة!

حمَلَني زوجي وأخته ووضعاني في سريري مُقيّدةً وخَرَجَت زهرة مِن الغرفة. جلَسَ مالِك إلى جانبي ينظرُ إليّ وكأنّه يراني لأوّل مرّة. ثمّ قال لي:

 

- لا يسعُني الإفلات منها... حاولتُ ذلك مرّات عديدة مِن دون جدوى... لكن ما ذنبكِ أنتِ؟ عليّ التحمّل لوحدي... أرَدتُ إنشاء حياة جديدة لنفسي معكِ وقد فشلتُ... أجل، فشلٌ آخرٌ في مسيرة حياتي... أعلمُ أنّني سأبقى أسيرها إلى الأبد، هكذا هي تريدُ... مصيرانا مرتبطان ببعضهما... إسمعي، سأُخرِج المنديل مِن فمكِ لكن إيّاكِ أن تصرخي وإلا عادَت إلى هنا... ها أنا أُزيلهُ... حسنًا... إبقِ صامتة... سأفكّ رباطكِ أيضًا... وعندما ألحقُ بزهرة في غرفتها لأتكلّم معها عمّا سنفعله بكِ، أُريدُكِ أن تهربي مِن الباب الكبير... لا تأخذي شيئًا معكِ ولا تنظري وراءكِ... فقط أركضي بعيدًا ولا تعودي... إنسِني... سأبعثُ بأمتعتكِ عند أهلكِ بعد أيّام... الذنب ذنبي... الذنب ذنبي! 

 

فعلتُ كما قال لي مالِك وركضتُ ليلاً إلى أهلي وأنا أبكي كلّ دموعي مِن خوفي مِن الذي حصَل والذي كان سيحصل، وعلى مالِك المسكين.

وصلَتني أمتعتي وأوراق طلاقي بعد فترة قصيرة ولَم أسمعَ مِن مالِك أو أخته بعد ذلك. أرادَ أهلي مُقاضاة زوجي السابق واخته إلا أنّني منعتُهم مِن ذلك.

بعد أشهر قليلة سمعتُ أنّ مالِك قتَلَ نفسه. هو ارتاح هكذا، فحياته كانت مُنتهية أصلاً.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button