فضول الخالة فيوليت

كنتُ أعتقدُ أنّ الخيانة خصلة ذكوريّة بامتياز، وأنّ قلّةً مِن النساء تجرؤ على اجتياز الخط الأحمر وهي تفعل ذلك بالسرّ وبِتحفّظ ولأسباب قاهرة، مثل إساءة الزوج لهنّ أو بخله أو إهماله. كنتُ مُخطئًا طبعًا، فالنفس البشريّة هي نفسها عند الجنسَين. كيف استنتَجتُ ذلك؟ بعد أن خانَتني زوجتي وسبَّبَت لي الحزن والألم.

عندما وصلَتني تلك الرسالة الهاتفيّة خلتُ أنّ قلبي سيتوقّف عن الخفقان. فهي كانت مُرسلة مِن هاتف سهام زوجتي وتقول: "كم اشتقتُ لِمعانقتكَ يا حبيبي توفيق... سأراكَ الليلة في الساعة المُعتادة."

كنتُ في مكتبي فركضتُ أُغلقُ الباب قبل أن ينتبه أحد موظفيّ إلى ارتباكي. هل يُعقَل أن يكون لزوجتي حبيب؟!؟ لَم أستطع الانتظار حتى انتهاء عملي، فركبتُ سيّارتي وتوجّهتُ إلى البيت كالمجنون. وجدتُ صديقة سهام عندنا فاضطرِرتُ لانتظار رحيلها حتى أقولُ لزوجتي:

 

ـ جئتُ أسألكِ سؤالاً واحدًا وآمل أن تُجيبي بمُنتهى الصراحة.

 

ـ ما الأمر يا حبيبي؟ لماذا جئتَ باكرًا هكذا؟ هل حصَلَ لكَ مكروه؟

 

ـ أجل! مكروه كبير! ما هذه الرسالة ومَن هو توفيق؟!؟

 

أرَيتُ الرسالة لسهام وهي ضحِكَت عاليًا وقالَت:

 

ـ ما أوسمَكَ عندما تغار عليّ!

 

ـ وتمازحيني؟!؟ يا لوقاحتكِ!

 

ـ حبيبي... أنا لَم أُرسِل هذه الكلمات لأحد بل صديقتي فعلَت. فأهلها يرفضون علاقتها بحبيبها وزواجها منه، لِذا هي تستعملُ هاتفي أحيانًا للتواصل معه. ومِن الواضح أنّها أرسلَت كلماتها إليكَ خطأً. كَم أنت سخيف! هل يُعقل أن أحبّ غيركَ؟

 

طمأنَني كلام سهام وكدتُ أبكي مِن كثرة ارتياحي، إلا أنّني تمالكتُ نفسي واستطعتُ العودة إلى المكتب بعد أن قبّلَتني زوجتي بشغف لتُثبتَ لي أنّني الرجل الوحيد في حياتها.

 


لدى عودتي إلى الشركة أخذتُ أضحكُ على ردّة فعلي المُبالَغ بها، فكيف لِسهام أن تخونَني بعد أقلّ مِن سنة على زواجنا؟ فهي لَم تكن مُجبرة على ربط حياتها بي وكنّا مُتحابَّين جدًّا. للحقيقة كنّا نشكّلُ ثنائيًّا جميلاً، فأنا كنتُ رجل أعمال ناجح، وهي امرأة جميلة ومُثقّفة. طردتُ الأفكار السيّئة نهائيًّا مِن رأسي، وقرّرتُ التعويض لِسهام عن تصرّفي الصبيانيّ.

لَم تخرج زوجتي طبعًا في تلك الليلة بل حضرَّت لي عشاءً لذيذًا، الأمر الذي أخجلَني إلى أقصى درجة. نمتُ نومًا هنيئًا مليئًا بالأحلام الجميلة.

في الأيّام التالية جلبتُ لِسهام هدايا قيمّة وأخذتُها إلى أماكن جميلة لأريح ضميري. وأبشَع ما في الأمر، انّ سذاجتي وصلَت إلى أن أساعد نوال، صديقة سهام، على التواصل والالتقاء بحبيبها، أي أنّني سمحتُ لزوجتي أن تُرافقها إلى مواعيدها والتغطية عليها. لَم أكن أعلَم طبعًا أنّني ساهمتُ في لقاء زوجتي بِعشيقها. لا بدّ أنّهم ضحكوا عليّ كثيرًا وأسموني بالغبيّ والمُغفّل واستغلّوا ثقتي بعروستي. ولقد أغضَبَني هذا الأمر لوقت طويل بعد أن اكتشفتُ ما كان يجري مِن وراء ظهري.

لَم أُقابل ذلك الرجل الذي ادّعى أنّه حبيب نوال، فكلّما طلبتُ رؤيته كنتُ أصطدم بِحجَج مُختلفة، لِذا لَم أصرّ على الأمر بل احترمتُ خصوصيّات تلك المرأة. ففي آخر المطاف لَم يكن ذلك مِن شأني.

لكن حدَثَ أن سافرَت نوال إلى الولايات المتحّدة بشكل نهائيّ، الأمر الذي أزعجَ طبعًا زوجتي. فبرحيلها، كانت قد أخذَت نوال معها أيّ فرصة لأنّ تلتقي سهام بتوفيق. ولَم أتصوّر أبدًا أن تأتي زوجتي بعشيقها إلى بيتنا خلال غيابي. فهذا كان أفظَع ما يُمكن حصوله لزوج أو حتى زوجة. فللبيت الزوجيّ قدسيّة لا يجوز خرقها مهما كان السبب.

مضَت أشهر طويلة على لعبة سهام ولَم أُلاحظ شيئًا. فقد كان العشيق يأتي بعد ذهابي إلى العمل ليرحَل قبل عودتي. هو كان يقضي ساعات طويلة عندنا، وتصوّرتهما لاحقًا كيف أنّهما تصرّفا كزوج وزوجة... كيف أكلا سويًّا وناما في سريري. توفيق قد يكون ارتدى حتى لباس نومي أو برنس الحمّام الخاص بي.

علمتُ بِحقيقة ما يجري مِن جارتنا، وهي عجوز تعيشُ لوحدها في الشقّة المُقابلة. كنتُ وسهام نضحكُ عليها بسبب فضولها، فهي كانت تُراقبُ جميع سكّان المبنى مِن شبّاكها، وتعرف كلّ تحرّكاتنا مِن خلال لصق عَينها على ثقب الباب. اليوم أحمدُ ذلك الفضول الذي وضَعَ حدًّا لممارسات زوجتي الشنيعة.

فذات مساء وأنا أركنُ سيّارتي تحت المبنى، نادَتني الخالة فيوليت مِن شبّاكها: "تعالَ... أريدُ أن أكلّمكَ... مرّ بي قبل أن تدخل شقّتكَ... الأمر بغاية الأهمية!"

ضحكتُ في سرّي، فماذا كانت تُريدُ منّي تلك العجوز سوى أن تُكلّمني عن الجيران وإزعاجهم لها. فهكذا كانت، دائمة التذمّر.

كانت الخالة فيوليت قد تركَت بابها مفتوحًا لي، وتنتظرُني في صالونها المليء بالتحف. كانت تلك أوّل مرّة أدخلُ بيتها وكان فعلاً كما تصوّرتُه.

قالَت لي العجوز:

 

ـ أدخل وأغلق الباب وراءكَ. إجلس بالقرب منّي واشرب كوبًا مِن الشاي. لقد حضرّتُه خصيصًا لكَ.

 

ـ لكنّه بارد!

 

ـ ما ذنبي أنا؟ أنتَ تأخّرتَ في المجيء إلى بيتكَ!

 

ـ حسنًا... ما الأمر؟

 

ـ أعلم أنّكم تصفوني بالفضوليّة... كلّكم! وأنتم على حقّ، فهكذا أنا. إضافة إلى ذلك، أشعرُ بالوحدة خاصّة بعدما ماتَت هرّتي. أنوي جَلب أخرى قريبًا فتلك المخلوقات هي...

 

ـ جلبتِني للتكلّم عن الهرر؟!؟

 

ـ لا تكن سخيفًا! أريدُ مُساعدتكَ، فأنتَ رجل طيّب تعمل بكدّ ولَم يصدر منكَ أيّ ازعاج، على خلاف باقي سكّان المبنى. فالذين يسكنون في الطابق الأوّل...

 

ـ ماذا تُريدين منّي يا خالة؟ أنا تعبٌ وأريدُ أن أستريح بعد يوم شاق. إضافة إلى ذلك، تنتظرُني سهام لتناول العشاء.

 


ـ سهام! هي محوَر حديثنا!

 

ـ ما بها؟ هل حصَلَ لها مكروه؟!؟

 

ـ بالعكس يا عزيزي... بالعكس... فهي بألف خير! إسمَع يا بنَي... آه ما أجمل هذه الكلمة... زوجتكَ تستقبل عشيقها إلى البيت خلال غيابكَ.

 

ـ لا أسمحُ لكِ بالتكلّم عن زوجتي هكذا! لَم يكن يجدرُ بي دخول وكركِ أيّتها الأفعى!

 

ـ لن أزعَل منكَ لأنّ الخبَر مُزعج للغاية. لكن سهام هي الأفعى وليس أنا.

 

ـ عليّ الرحيل مِن هنا وعلى الفور!

 

ـ إسمه توفيق.

 

عندما سمعتُ ذلك، عدتُ وجلستُ على الأريكة. وقلتُ بِصوت خافِت:

 

ـ توفيق هو حبيب نوال، لا بدّ أنّه أتى في أحد الأيّام لرؤية تلك الصديقة.

 

ـ كان هنا اليوم مثلما كان هنا البارحة واليوم الذي قبله.

 

ـ ربما يأتي للسّؤال عن نوال.

 

ـ يقضي النهار بأسره عند زوجتكَ. أنا آسفة... فكّرتُ مليًّا قبل إخباركَ لكنّني لَم أعد أتحمّل هذَين الوقحَين، فهما بالكاد يُخبّئان علاقتهما.

 

ـ قد تكونين مُخطئة، فلَم تعودي شابّة يا خالة فيوليت وقد يكون نظركِ أو...

 

ـ أو عقلي؟ عقلي بألف خير! نظَرُكَ وعقلكَ أنتَ غير نافعَين. إسمع... غدًا لا ترحل إلى العمل بل تعالَ إليّ وسأريكَ ما يحصل.

 

ـ لا أحبّ ذلك... عليّ الوثوق بزوجتي.

 

ـ لقد وثقتَ بها وهي استفادَت مِن ذلك. هناك فرق بين الثقة والسذاجة.


لدى دخولي البيت عملتُ جهدًا كبيرًا لعدَم الإفصاح عن شعوري ولَم تُلاحظ سهام شيئًا. قضَيتُ الليل أفكّر بكلام الخالة، ولَم أكن مصدّقًا بعد أنّ زوجتي خائنة لكنّني لَم أرَ مانعًا لِخطّة جارتنا.

لِذا توجّهتُ إلى شقّة جارتنا في الصباح الباكر وأخَذنا ننتظرُ سويًّا. بعد حوالي الساعة، صرَخَت العجوز: "ها هو أتى! أعرفُ صوت قدَمَيه!". نظرتُ مِن ثقب الباب ورأيتُ شابًّا وسيمًا واقفًا أمام باب شقّتنا وهو يقرعُ عليه بنعومة. فتحَت له سهام بلباس النوم وأدخلَته بعدما عانقَته مطوّلاً.

منعَتني الخالة فيوليت مِن دخول بيتي لِمفاجأة العشيقَين بالجرم المشهود خوفًا عليّ، فربّما تقَع مصيبة قد أندَم عليها إذ كنتُ بحالة غضب لا توصَف. بدلاً مِن ذلك، إتّصلتُ فورًا بالمحامي ليُحضّر أوراق الطلاق. ثمّ جلستُ على أريكة العجوز وبدأتُ بالبكاء.

بقيتُ عند الخالة فيوليت حتى حان موعد رجوعي مِن العمل. كانت جارتي قد أخذَتني إلى غرفتها لأنام قليلاً لكثرة تعَبي مِن البكاء. حين استيقظتُ، وجدتُ طعامًا لذيذًا بانتظاري لَم آكل منه سوى القليل. شكرتُها ثمّ رحتُ أواجه زوجتي وأُخبرها بأنّها ستتطلّق على الفور.

حاولَت سهام أن تنكر أمر خيانتها، إلا أنّها اعترفَت أخيرًا بعدما قلتُ لها إنّني شاهدتُ ما يحصل. عندها تحوّلَت إلى إنسانة حقودة ومريرة وصرخَت في وجهي:

 

ـ أجل أحبُّ توفيق وأُريدُه بكلّ جوارحي! أحببتُه مذ كنتُ مُراهقة.

 

ـ ولماذا لَم تتزوّجيه؟!؟

 

ـ لأنّه غير نافع، ليس لدَيه عمل ثابت ويُقحمُ نفسه في مشاكل شتّى. أردتُ زوجًا يُؤمّن لي الراحة المادّيّة.

 

ـ وإلى متى كنتِ ستستمرّين بهذه العلاقة؟

 

ـ إلى أن يجد توفيق طريقة لجني المال! أحبُّه! الا تفهم ذلك؟!؟

ـ

ألَم تُحبّيني قط؟

 

ـ لا.

 

ـ ألستِ آسفة ولو قليلاً؟

 

ـ لا.

 

طردتُ سهام على الفور وبعثتُ أمتعتها إلى أهلها في اليوم التالي. لَم يسألني أيّ مِن عائلتها عن سبب طلاقي لها وأظنّ أنّهم كانوا على علم بعلاقة ابنتهم بتوفيق، فلقد استغلّوني جميعًا.

الوحيدة التي وقفَت إلى جانبي كانت الخالة فيوليت التي اهتمَّت بي إلى حين صرتُ قادرًا على تقبّل ما حصَل. جلبتُ لها هرّة صغيرة لتتسلّى بها ولأشكرها على ما فعلَته مِن أجلي. فتلك المرأة لَم تكن فضوليّة كما اعتقدتُ، بل لدَيها حسّ كبير بالعدالة والحقّ وقلب كبير للغاية.

لَم أتزوّج بعد، لكنّني أعلم أنّني سأطلبُ رأي الخالة فيوليت عندما أجد المرأة المُناسبة... فحدسها لا يُخطئ!

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button