فرقتني زوجتي عن ولدي

لم تظهر مدى قباحة زوجتي إلا عندما باشرتُ بمعاملات الطلاق. لماذا أردتُ إنهاء زواجي بها؟ لأنّها اختارَتني بسبب ثرائي. بالطبع لم أكن أحسب أنّ نجلاء بهذا الكم مِن الخبث، وأحببتُها فعلاً واعدًا نفسي بفعل المستحيل لإسعادها هي وولدَينا. كانت عائلتنا مثاليّة، على الأقل حسب اعتقادي.

وبعد تشاجرات عديدة وعنيفة جدًّا واستهتار واضح مِن جانب زوجتي تجاه كل ما يُمكنه الحصول لي، جلستُ معها لنتكّلم عن مصير زواجنا الذي وصَلَ إلى القعر بعد أقلّ مِن خمس سنوات. تبادلنا التهم ولم تعترف نجلاء بأخطائها، لكنّنا اتفقنا على محاولة إنجاح أخيرة باءَت بالفشل بعد أيّام قليلة.

لِذا كلّمتُ والدَيَّ اللذَين كلّما بدورهما والدَي زوجتي، لأنّهم كانوا جميعًا أصدقاء منذ زمَن بعيد. خلتُ أنّني بهذه الطريقة سأتجّنب خلق المشاكل والفضائح، إلا أنّ هؤلاء الناس أرَونا وجهًا لم نتصوّره موجودًا لديهم. فقد كانت لهم شروط تعجيزيّة تفوق الخيال والمنطق وكأنّهم بذلك يُحاولون الإستفادة، لآخر مرّة، مِن مالي وتعَبي. أوشكتُ على القبول بهذه الشروط، فقط لأنهي تلك المهزلة وأعود إلى حياة هادئة حيث لا تكون نجلاء موجودة هي ونكَدها وطلباتها اللامتناهية، إلا أنّ صديقًا مقرّبًا منّي نصحَني بالتروّي واستشارة أحد المحامين البارعين في مسائل متشابهة.

ذهبتُ أنا وصديقي لرؤية الأستاذ ماهر الذي هزّ برأسه وأنا أروي له قصّتي، ثمّ قال لي بنبرة جدّية لا يملكها سوى المحاميّن:

 

ـ إنّها بالفعل قصّة معقّدة، فلولا وجود ولدَيكَ لأخَذَ حلّها أيّامًا قليلة، إلّا أنّ السيّدة زوجتكَ لها الحق الشرعيّ بإبقاء ابنكَ الصغير معها نسبة لسنّه، ولا أظنّ أنّ مِن الصائب تربية الأخَوين منفصلَين هكذا... أمّا بما يخصّ تلك الشروط التي قدّمَها الجانب الآخر، فهي عمليّة نصب بحت تهدف إلى تجريدكَ مِن معظم ما تملك... لا عليكَ... سأقول لكَ شيئًا... لقد تعلّمتُ خلال مسيرتي المهنيّة شيئًا مهمًّا جدًّا، وهو أنّ ما مِن أحد ليس له سرّه، وتعلّمتُ أيضًا كيف أجد ذلك السرّ واستعملُه لكسب قضايايَ... أحذّركَ مِن أنّني قد أستعمل طرقًا، لنقل غير تقليديّة مِن أجل ذلك، وما سأكتشفُه قد لا يُعجبكَ... هل أنتَ موافق؟

 


ـ بالطبع أنا موافق، كلّ ما أريده هو إبعاد تلك المخلوقة الجشعة وأهلها عنّي واستعادة ولدَيَّ.

 

للحقيقة، وبالرّغم مِن إجابتي هذه، كنتُ قلقًا، ربّما بسبب نبرة صوت المحامي وانتقائه لكلماته، لكنّني لم أتصوّر أن أكتشف أنّ أشياءً بشعة كانت تدور مِن خلف ظهري وأنّ فضح نجلاء سيجلب لي الويلات.

فما وجَدَه المحامي ورجاله كان أنّ زوجتي لها عشيق أحبَّته قبل زواجها منّي، وسبب عدم ارتباطها به كان سوء سمعته ورفض أهلها القاطع له. لِذا، فضّلَت إبقاءَه بحياتها بينما تنصاع لرغبة ذويها وتصرف مالي عليه. وقد صُدِمتُ كثيرًا لمعرفة كلّ ذلك، فبالرغم مِن مزاج نجلاء المتقلَّب وطلباتها غير المعقولة ونكدها اليوميّ، لم يبدُ عليها أبدًا أنّها تواعد رجلاً آخر. ولزِمَ براعة ذلك المحامي لتعقّب آثارها والتقصيّ عنها لكشف حقيقة مُرّة جدًّا. تقبّلتُ الوضع لأنّني كنتُ سأتخلّص مِن الخائنة خلال وقت قصير، ولم أذرف ولو دمعة واحدة على نفسي حتى بعدما علِمتُ أيضًا أنّ زوجتي لها حساب مصرفيّ غذَّته مِن سحبها لمالي بواسطة بطاقتي المصرفيّة، وبَيعها لأغراض من البيت لم أنتبه لاختفائها لكثرة انشغالي بالعمل لإسعاد عائلتي.

كلّ ذلك كان مؤلمًا ولكن ليس بقدر أخذها لابني الأصغر الذي كان قطعة منّي لا أستطيع العَيش مِن دونها. وبانتظار توقيعي على شروطها، أخَذَت ذلك الولَد تاركةً الولد الآخر معي للذهاب إلى أهلها. لحظة رحيله كانت مأساويّة عليّ وعلى أخيه الأكبر، وذرفنا دموعًا لن أسامح زوجتي عليها. إلا أنّني أقسمتُ بأن أستعيد ولدَي بأيّ طريقة كانت.

فبواسطة المحامي، أبلَغنا الطرف الثاني أنّنا لن نوافق على لائحة الشروط، وقدّمنا دلائل على خيانة زوجتي لي، الأمر الذي كان سيمنعها مِن الفوز بحضانة الولد. لكنّ رد نجلاء وأهلها كان أنّ الرجل لم يكن عشيقها، بل إنسان عزيز عليها كانت تزوره بداعي الشفقة بسبب إصابته بداء عضال، الأمر الذي كان، وللأسف، حقيقيًّا، أعني بذلك القسم المتعلّق بالمرض.

وبذلك عدنا إلى نقطة الصّفر، واضطرِرتُ للمضيّ بالطلاق لكن مِن دون استرجاع إبني. بدأتُ أدفع نفقة وما يلزم لزوجتي لتربيته، لكنّ ذلك لم يكن شيئًا بالنسبة لِما طلَبَته في البداية.

عشتُ فترة عصيبة جدًّا، أحاول خلالها التغلّب على حزني وغضبي على فقدان إبني، ومِن جهة أخرى شرح ما يحصل لابني الثاني الذي لم يعد قادرًا على العيش مِن دون أخيه.

 


في تلك الأثناء، كانت نجلاء قد عاودَت رؤية عشيقها، وكانت تصحب معها إبني الصغير وتضعه في غرفة مجاورة للتي كانت تمارس فيها فجورها مع ذلك الرجل. وفي إحدى المرّات التي سُمِحَ لي رؤية إبني، علِمتُ منه ما كان يجري، أو بالأحرى استنتجتُ ذلك مِن كلماته وتعابيره الولاديّة. لن أقدر أن أصف مدى غضبي لفكرة أنّ ذلك الولد الصغير كان عليه سماع أمّه تمارس الجنس مع رجل، ويراهما يتداعبان ويتدلّعان. لِذا، عُدتُ إلى المحامي صارخًا:

 

ـ أريد إنهاء تلك المهزلة! أريد إعادة إبني لي بأيّة طريقة!

 

ـ حسنًا... هل أنتَ مستعدّ لدفع مبلغ كبير مِن المال؟

 

ـ سأدفع كل ما يتطلّبه الأمر!

 

كان المحامي قد قال لي إنّ لكل إنسان سرًّا واكتشفتُ في تلك المرّة أنّ لكلّ إنسان ثمنًا. فبعد أسبوع واحد على لقائنا، إتّصل بي المحامي طالبًا رؤيتي، مضيفًا أنّ لدَيه أخبارًا سارّة لي.

كان الرجل قد استعمل مبلغًا كبيرًا لتحقيق المطلوب وكان فخورًا بنفسه:

 

ـ قصدنا ذلك العشيق الذي، كما تعلم، إلى جانب معاشرة زوجتكَ السابقة، هو أيضًا مريض. وعرضنا عليه أن نتكفّل بمصاريف علاجه كاملة مع بوليصة تأمين على حياته ضخمة سيستفيد منها أهله لو توفّى، مقابل شهادته بالمحكمة. فكما تعلم، لقد استأنفتُ قرار تسليم ابنكَ للسيّدة نجلاء، والعشيق سيكون مفتاحنا للقضيّة. فالناس، يا سيّدي، تحبّ نفسها أكثر بكثير مِمّا تحب بعضها، بالرغم مِن ادّعائها العكس. فالحياة لها طعم لا مثيل له.

 

ـ هل أنتَ واثق مِن فوزنا بالقضيّة؟

 

ـ بنسبة مئة بالمئة... العشيق سيتكلّم بالتفاصيل عن علاقته بزوجتكَ السابقة، وسيذكر أيضًا جلبها لابنكَ معها إلى بيته. أريد أن أعلم إن كنتَ موافقًا على خطّتنا التي ستكلّفكَ مبالغ باهظة... فقد يطول عمر ذلك الرجل.

 

- لا يوجد شيء أثمَن وأغلى مِن إبنَيَّ يا أستاذ، أنا مستعدّ حتى لو كلّفَني الأمر أكل الخبز والماء وحسب، والنوم على الأرض. سأعطيكَ ما يلزم.

 

ربحتُ القضية بسهولة فائقة، ولم تصدّق نجلاء عَينَيها وأذنَيها عندما أدلى العشيق بإفادته التي أرادها مفصَّلةً جدًّا.

إنتقَلتُ للعيش مع ولدَيَّ عند أهلي، لأتمكّن مِن العمل بجهد للصرف على عائلتي وعلى الرجل المريض الذي فارَقَ الحياة بعد حوالي الست سنوات.

لزمَني وقت لاستعادة ثقة إبني الصغير، بعدما عمِلَت نجلاء جهدها لحمله على كرهي وكره أخيه، إلا أنّني، مرّة أخرى، تفوّقتُ على مكرها. هي مِن جانبها، وجَدت بسرعة عشيقًا آخر أقنعَته بالزواج منها. بالطبع اختارَته ثريًّا وعمِلَت جهدها على تجريده مِن كل ما يملك. وحاولَت أيضًا الإنتقام منّي على ما فعلتُه بها، فتعرَّضَ منزلي للسرقة والتخريب بشكل وحشيّ، ومِن ثمّ زارَت إبني الصغير في مدرسته لتحمله مجدّدًا على كرهي. إلا أنّها لم تفلح بذلك، لأنّه كان قد كبر وأدركَ كم أنّ أمّه فاسدة، فهو لم ينسَ ما كان يجري في بيت عشيقها، حتى بعد جلسات العلاج النفسيّ العديدة التي خضَعَ لها.

علمتُ أنّ زوج نجلاء الثاني طلّقها، وهي اليوم مخطوبة لرجل آخر. متى ستكتفي تلك المخلوقة الشرّيرة وتهتدي إلى الله تائبة؟ أظنّ أنّ ذلك لن يحصل أبدًا، فجوع هكذا أناس هو أكبر مِن أيّ شيء آخر.

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button