سلوى اللعينة (الجزء الثاني)

بعد رحيل حماة سلوى بعيدًا، أحسَّت هذه الأخيرة بحرّيّة مُطلقة، إلا أنّها لَم تحسِب حساب مُطالبة زوجها بِولَد، إذ أنّها لَم تعُد تملكُ أيّة حجّة للتأجيل. لِذا قبِلَت، ولأوّل مرّة في حياتها، أن تحمِل في أحشائها مخلوقًا لَم تكن تُريدُه.

في الفترة نفسها، لاحظَت سلوى كيف أنّ ماهر، أخ فريد زوجها، كان يرمقُها باستمرار. كانت تعلَم ما تعني تلك النظرات، فهي مُعتادة أن تكون محطّ رغبة الرجال، فرأَت أنّ لا مانع لدَيها مِن التودّد لماهر، فحليف إضافيّ في البيت هو أمرٌ مُفيدٌ. ردَّت سلوى لماهر إبتساماته ونظراته، وهو فهِمَ أنّ زوجة أخيه لا تُمانع مِن تقرُّب قد يؤدّي إلى ما في رأسه. لِذا، صارَ الرجل يتركُ عملَه خلال النهار ليعود إلى البيت، ويجلسُ مُطوّلاً مع سلوى ويروي لها عن جمالها ودلالها وكيف أنّ أخاه لا يُدركُ مدى حظّه بهكذا زوجة. أسلوبه كان وقحًا ويدلُّ على عدَم مُبالاته للوفاء والإخلاص لأخيه، الأمر الذي أعجَبَ سلوى، فذلك كان يعني أنّه يُشبهُها. هي لَم تُرِده فعلاً بل فقط أرادت إستغلاله. ويومًا بعد يوم، ولِدَت بينهما شراكة بكلّ ما للكلمة مِن معنى، وحصَلَ الذي أرادَت سلوى أن يحصل، بغياب العاملة التي كانت تذهبُ لشراء حاجيات المنزل حين يأتي ماهر.

يوم علِمَت سلوى أنّها حامل، زفَّت الخبر السارّ لفريد... وماهر، وأخبرَتهما على حدة أنّ كلّ واحد منهما هو أب جنينها. أجل، هكذا كانت سلوى، تغتنمُ أيّ فرصة للتلاعب بالناس فقط للتسالي والمنفعة. عندما علِمَ ماهر أنّه سيكون أبًا فرِحَ للغاية، فهو كان يتوق إلى الأبوّة شأن فريد، فعرَض على سلوى ترك زوجها للإقتران به. هل أنّ ماهر كان فعلاً يُحبّ سلوى أم أنّه أرادَ، لسبب مجهول، أن يأخذ مِن أخيه ما يملكه؟ لستُ أدري. لَم تُعطِ سلوى جوابًا قاطعًا لعشيقها، بل لمحَّت له أنّ ترك فريد سيعني ترك ثروة هي بحاجة إليها. هزّ ماهر برأسه ووعدَها بإيجاد حلّ.

لَم آتي على ذكر الأخ الثالث لأنّ دوره في مجرى الأحداث لَم يحِن بعد، إلا أنّه سيكون عاملاً فعّالاً لاحقًا.

 


هل القدَر لعِبَ دوره أم أنّ الصّدَف خدَمَت مصالح سلوى؟ لا أملكُ الجواب، لكنّ فريد سافَرَ إلى أفريقيا لِعقد صفقة تجاريّة مهمّة وأوكلَ طبعًا أخوَيه بالإنتباه إلى زوجته الحامل. فرِحَ ماهر للغاية، فكانت تلك فرصة ذهبيّة للإستفراد بعشيقته. وفور رحيل فريد، الذي كان سيدوم شهرًا كاملاً، طردَت سلوى العاملة لتأتي بأخرى تُنظّفُ المكان وتُعِدّ الطعام ثمّ تعودُ إلى بيتها. فلا أحد كان يريدُ شهودًا على ما كان يحصلُ ويُقال في البيت. لكنّ ماهر وسلوى نسيا أمر خليل، الأخ الثالث، لأنّه كان ذات طابع هادئ يُحبّ ملازمة غرفته حين يعودُ مِن عمله. فبالكاد كان أحدًا يراه... إلا أنّه كان يرى ويسمَع الكثير.

خطَّطَ العشيقان للإستفادة مِن فريد قدر المُستطاع قبل أن يعيشا حبّهما على سجّيتهما، فالجدير بالذكر أنّ زوج سلوى هو مَن يملكُ المال وأخواه ليسا سوى موظّفَين لدَيه، ممّا خلَق امتعاضًا وغيرةً لدى ماهر الذي نسيَ أنّ على المرء أن يعمل بكدّ ومُثابرة لينجَح. على كلّ الأحوال، كان ماهر وسلوى مُتشابهَين للغاية في نواحي عديدة.

إقترحَ العشيق على شريكته إبتزاز فريد بالولد الذي سيولد، إمّا بفضح عدَم أبوّته له أو بأخذه بعيدًا عنه. فالكلّ كان يعلمَ مدى حبّ فريد للأولاد. وجدَت سلوى أنّ تلك الخطّة ضعيفة ولا تدرّ الكثير، فمهما كان المبلغ الذي سيدفعه زوجها، لَم يكن سوى قسمًا صغيرًا مِن ثروته، وهي كانت تُريد كلّ شيء! فذات ليلة، قالَت الماكرة لعشيقها:

 

ـ على فريد أن يموت!

 

ـ أن يموت؟!؟ يا إلهي... إنّه أخي!

 

ـ الآن تذكَّرتَ ذلك؟ إنّكَ تُعاشر زوجته سرًّا وأنتَ أب جنينها!

 

ـ أجل ولكن...

 

ـ أين كان ضميركَ حين سكتَّ عن إرسال أمّكَ إلى الولايات المُتحّدة؟ أنا التي دفعتُ فريد إلى طردها بعدما اختلَقتُ مسألة الخرَف... هي لَم تفعل شيئًا على الاطلاق... هكذا يُخطّطُ مَن يُريدُ أن ينجَح يا عزيزي... إسمع... ليس لدَيكَ ذرّة ضمير فلا تلعَب دور الأخ الحنون!

 

ـ هذا شيء والقتل شيء آخر!

 

ـ سيبدو الأمر وكأنّه حادث أو إنتحار... سنُقرّرُ لاحقًا، أريدُ أن أعرِفَ الآن إن كنتَ جاهزًا أم لا.

 

ـ للحقيقة أنا...

 

ـ تصوّر ما يُمكننا فعله بثروة فريد... الأماكن التي سنزورُها... تصوّر أنّكَ لن تعمل يومًا بعد ذلك. ستشتري كلّ ما تحلمُ به... أيّ شيء على الإطلاق! وما هو أهمّ، أنّكَ ستتزوّج منّي وأكون لكَ أمام العالم بأسره.

 

ـ ألَن يُثيرُ ذلك الشبهات؟

 

ـ لا، فالكثير مِن الأرامل تتزوّج مِن أخ المرحوم. لا عليكَ... فقط قلّ لي إن كنتَ موافقًا على الخطّة.

 

ـ حسنًا.

 


سمِعَ خليل الحديث بكامله، ليس لأنّه قصَدَ إستراق السمَع بل لأنّه كان موجودًا ليس بعيدًا عن العشيقَين وهما لَم ينتبِها له. إمتلأ قلبه بالغضب تجاه سلوى والخَيبة تجاه أخيه، فقرّرَ طبعًا إطلاع فريد على الذي جرى ويجري مِن نفي أمّه إلى قارّة بعيدة، مرورًا بأبوّة الجنين إلى مشروع قتله ووَضع اليَد على ماله. لكنّه كان يعلم مدى تعلّق فريد بزوجته وكيف أنّه لن يُصدّقه بسهولة، لذلك قرَّرَ أن يُثبِت له صحّة معلوماته. كلّ ما كان عليه فعله هو أن يأخذ للعشيقَين صورًا وهما في وضع حميم. لَم يكن الأمر صعبًا، فبغياب الزوج والعاملة، كان ماهر وسلوى يقضيان معظم وقتهما في غرفة النوم، ظانَّين أنّ خليل مشغول مِن ناحيته ولَم يحدث أنّه أزعجَهم مِن قبل.

إنتظَرَ خليل حتى وجَدَ الفرصة المُناسبة والمشهد الأكثر تعبيرًا، والتقَطَ صورًا تُثبتُ ما كان سيقوله لأخيه المُسافر.

عادَ فريد مِن سفره مُحمّلاً طبعًا بالهدايا للجميع وخاصّة لأمّ جنينه، وعبَّرَ عن شوقه لها بتقبيلها مئة قُبلة. حزِنَ خليل مِن مدى مِكر ماهر الذي عانَقَ أخاه بقوّة وفي باله قتله ببرودة.

في المساء ذاته، طلَبَ خليل التحدّث مع فريد على انفراد، لكن ليس في البيت بل أخذَه إلى سيّارته المركونة في الخارج تحت ذريعة ما. لَم يسمَع العشيقان صرخة الزوج حين علِمَ بما يجري بعد أن رأى الصوَر.

حين عادَ الرجلان إلى البيت، شعَرت سلوى أنّ شيئًا لَم يكن على ما يُرام، إلا أنّها ردَّت الأمر إلى مُشكلة ما في العمل أطلعَه عليها خليل. تذرّعَ فريد بالإرهاق مِن جرّاء السفَر فنام مِن دون أن يلمسها. وللحقيقة هو لَم يكن قادرًا على الإقتراب مِن التي تُخطّط لهلاكه.

أرادَ فريد أن يُعيد أمه إلى البيت بعد أن علِمَ حقيقة ما حصَلَ، إلا أنّه فضَّلَ أن ينتظر ريثما يتخلّص مِن سلوى أوّلاً. لِذا، في اليوم التالي، جَمَعَ فريد سكّان البيت حول مائدة الفطور. وبعد أن أكلوا وتحدّثوا بأمور ليست مُهمّة، قال لهم:

 

ـ سلوى، أعلَمُ أنّكِ اختلَقتِ مسألة خرَف أمّي لإبعادها وأنا صدّقتُكِ بدلاً مِن أن أُصدّقَ التي أعطَتني الحياة، وأنا أخجلُ مِن نفسي الآن. ماهر، أعلمُ أنّكَ تمارسُ الفحشاء مع زوجتي وأنّكَ أب الجنين الذي في بطنها... سلوى وماهر، أعلمُ أنّكما تُخطّطان لقتلي.

 

حاوَلَ العشيقان نكران ذلك ونظرا إلى خليل بِحقد كبير. إلا أنّ فريد تابَعَ:

 

ـ لن أشوّه إسمنا الكريم ولن أرمي كلّ ما عملتُ مِن أجله بإلقائكما في السجن أو أخذ ثأري بيَدي. ستُغادران بيتي والبلد بأسره. أمامكما يومَان لتختفيا كليًّا، بعد ذلك، إن علِمتُ أنّ أحدكما لا يزالُ في البلد، سأبعثُ وراءه الشرطة.

 

صرَخَت سلوى:

 

ـ ليس لدَيكَ أيّ دليل عمّا قلتَه!

 

ـ لدَيّ شهادة خليل وهذه الصوَر! إخرسي أيّتها الفاجرة واذهبي لجَمع أمتعكِ... وإيّاكِ أن تأخذي أيّ شيء مِن الذي أهدَيتُه لكِ فسأُفتّشكِ قبل مُغادرتكِ البيت! وأنتَ؟!؟ ألا تزال هنا؟ إذهب أنتَ الآخر! تُريدُ قتل أخاكَ؟!؟ هيّا!!!

 

ركضَ ماهر وسلوى خارج غرفة الطعام وبدآ بجمع أمتعتهما. فتّشَ فريد حقائب سلوى، إلا أنّه وجَدَ مجوهراتها مُخبّأةً في حقائب ماهر. أخذَها منهما ورمى الماكرَين خارج البيت.

غاصَ فريد في حزن عميق، إلا أنّه لَم يعلَم أنّ أمّه ماتَت منذ أشهر بنوبة قلبيّة. كانت العجوز قد أوصَت أختها بعدَم اخبار أولادها إن حصَلَ أن ماتَت لكثرة امتعاضها مِن تخلّيهم عنها. كان فريد قد خسِرَ أمّه وأخاه وزوجته في آن واحد وصارَ انسانًا مكسورًا. حاوَلَ خليل مُساعدته قدر المُستطاع، لكن مِن دون نتيجة.

بعد فترة، كتَبَ فريد البيت لخليل وأعطاه قسمًا كبيرًا مِن ماله وسافَرَ إلى أفريقيا حيث بقيَ حتى مماته بعد حوالي العشر سنوات. في تلك الفترة، حاوَلَت سلوى اقناع فريد بأنّه الأب الحقيقيّ لابنها إلا أنّه لَم يقَع في فخّها هذه المرّة.

إنتشرَت القصّة بين الناس عن طريق خليل الذي أرادَ أن يُعاقَب العشيقَين ولو مِن قِبَل الناس ويعرفَ الجميع حقيقة ما حصَل في ذلك البيت الجميل الذي كان بالفعل وكر أفعتَين. لَم يتزوّج خليل خوفًا مِن أن يقَع على مَن تُشبه سلوى وماتَ هو الآخر بعد سنوات.

ماذا حصَلَ لسلوى وماهر وابنهما؟ الله وحده يعلم لكنّني مُتأكّدة مِن أنّ سلوى تركَت عشيقها لتبحث عن ضحيّة جديدة. هل أخَذَت ابنهما معها؟ لا أظنّ ذلك، فتلك المرأة لا تُجيد حبّ أحد سوى نفسها.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button