سرقت صديقتي زوجي مني!

تَرَكني زوجي لأربّي لوحدي إبننا الرّضيع، ولم يتكبّد حتى عناء التكفّل بمصروفه أو دراسته، وأحمد ربّي لأنّني كنتُ موظّفة لدى شركة، الأمر الذي منعَني أنا وابني مِن أن نموت جوعًا. وخلال محنتي، لم يقف أحد إلى جانبي سوى صديقتي زينة التي رافقَتني منذ الصغر إلى حين سافَرَت وأهلها إلى بلد مجاور. وبالرّغم مِن المسافة، بقينا على تواصل شبه يوميّ عبر الانترنت، وكانت تحثّني دائمًا على المواصلة والتفاؤل.

 

ومرَّت الأشهر ومِن ثمّ السنوات إلى أن تعرّفتُ على سليم مِن خلال الفيسبوك. كان ذلك الرجل مِن الجنسيّة السعوديّة، وتردَّدَتُ كثيرًا قبل فتح قلبي له ليس فقط بسبب الاختلاف بالتقاليد، ولكن أيضًا لأنّني لم أنسَ الجرح الذي خلّفَه زوجي بعدما تركَنا ليلحق بامرأة ثانية.

وأخبَرتُ سليم قصّتي، طالبة منه الابتعاد في حال كان مِن هؤلاء الذين لا يُحسنون الالتزام بامرأة واحدة. ولكنّه طمأنَني قائلاً:

 

ـ لا تخافي... إن بقيتُ عازبًا حتى اليوم، فذلك بسبب رغبتي بانتقاء زوجتي جيّدًا... لا أريد ولا أقبل أن أخطئ بالاختيار.

 

وتابعنا تعارفنا حتى عَرَضَ أن يأتي ليراني. كان الأمر سهلاً عليه لأنّه كان ثريًّا ولا يأبه بالمصاريف. كلّ ما كنتُ أريده منه هو أن يحبّني ويحبّ ابني، فالمال لم يكن يومًا غاية لدَيَّ.

 

وأحبَبتُه مِن أوّل نظرة بعد أن أحبَبتُ طريقة تفكيره، وهو بادلَني ذلك الشعور الجميل. وما هو أهمّ مِن كلّ ذلك، هو أنّ سليم أحبّ ابني الذي كان قد بلَغَ السادسة مِن عمره وقرَّر أن يُعامله وكأنّه منه بعدما نتزوّج. وأنا عندها سمعتُ تلك الكلمات تخرج مِن فمه، ارتاحَ قلبي لأنّني خفتُ أن يعتبرني علاقة عابرة ينساها حالما يعود إلى بلده.

 


واتفقنا على التفاصيل كلّها، أيّ أن نتزوّج على الفور وننتظر حتى يُنهي ابني سنته الدراسيّة لنسافر إلى السعوديّة ونعيش هناك بصورة دائمة. ومِن جهته، كان يلزم لسليم بعض الوقت أيضًا لتسوية أوراقنا القانونيّة.

 

تزوّجنا وقضينا وقتًا رائعًا في شهر عسل ملوكيّ. وكي أتمكّن مِن السفر مع زوجي، جاءَت زينة خصّيصًا لتبقى مع ابني وتتعرّف طبعًا إلى عريسي.

وعندما سألتُها رأيها به قالت لي:

 

ـ ألف مبروك يا حبيبتي... كم أنا مسرورة لأجلكِ... وأخيرًا وجَدتِ الحب الذي تستحقّينه... إذهبي مع زوجكِ إلى شهر العسل ولا تخافي على صغيركِ فهو بين أيدٍ أمينة.

 

وبعد رجوعنا مكثَ سليم بضعة أيّام معي ثم عادَ إلى بلاده.

وأصبَحَ زوجي يبعث لي مبلغًا شهريًّا "لأشتري لنفسي ولابني كلّ ما تشتهي نفسنا" وهكذا فعلتُ. وبعد شهرَين، عاد سليم ليشتري لي شقّة كي يكون لنا مكان نقصده كلّما جئنا لقضاء العطلات. كانت حياتي أشبه بتلك القصص التي سمعتُها وأنا صغيرة، وكِدتُ لا أصدّق ما أنا فيه.

 

ودعَتنا زينا إلى قضاء بضعة أيّام في البلد التي تعيش فيه، ورأيناها فرصة لنقوم بالتعرّف إلى أماكن جديدة. أخَذنا ابني معنا طبعًا ومكثنا عند أهل زينة الذين استقبلونا بكلّ حفاوة.

 

وافترَقنا مِن جديد على أمل أن نتلاقى في السعوديّة بعد أشهر قليلة وبدأتُ بالتحضيرات. كنتُ أخشى أن يُؤثّر علينا الاختلاف بين بيئتي وبيئة زوجي، لذا قرَّرتُ أن أفعل ما بوسعي للتأقلم وتقبّل حياتي الجديدة، لأنّ سليم كان يستحقّ فعلاً كلّ التضحيات.

ولكن في أوّل الشهر، لم تصلني الحوالة، أي المبلغ الشهريّ الذي كان يبعثه لنا سليم، فسألتُه عنه ليس مِن باب الطمع بل خفتُ أن يكون قد حَصَل خطب في التحويل. عندها قال لي زوجي:

 

ـ ليس هناك مِن خطب... أنا لم أرسل لكِ شيئًا.

 

ـ هل تعاني مِن نقص في المال؟ هل تواجه مشاكل في الشركة؟

 

ـ أبدًا... أنا فقط لا أرى داعيًا لأرسل لكِ شيئًا، وخاصة لابنكِ الذي ليس منّي.

 

ـ سليم! ما هذا الكلام؟ ما الأمر؟ ما الذي حَصَلَ لكَ خلال شهر؟ لم أعد أعرفكَ!

 

ـ الموضوع بمنتهى الوضوح: لن ترَي منّي قرشًا بعد اليوم... خاصة ابنكِ هذا!

 

ـ إذا كنتَ تريد أن أنجب لك ولدًا فالأمر سهل جدًّا، حبيبي.

 

ـ لا أريد شيئًا منكِ ولا أريد اعطاءكِ شيئًا!

 


وأقفَلَ الخط، ولم أفهم أبدًا سبب كلامه الجارح وغير المنطقيّ.

 

قرَّرت إعطاءه بعض الوقت ليهدأ وردَدتُ الأمر إلى مشاكل في عمله. وعندما عاودتُ الاتصال به، لم يُجب واكتشفتُ أنّه حذفني مِن كل وسائل التواصل الاجتماعيّ. عندها بكيتُ كالطفلة وركضتُ أتصل بزينة لأطلعها على الذي يحصل، وبدأنا نحاول سويًّا إيجاد تفسير لتصرّفات سليم، ولكنّنا لم نتوصّل إلى نتيجة بسبب قلّة المعطيات. لِذا نصحَتني صديقتي بأن أصبر فقد تكون تلك غيمة عابرة في سماء حبّنا.

 

ومرَّت الأشهر بدون أن أسمع مِن سليم، وانتهَت السّنة الدراسيّة وحان موعد سفري إلى السعوديّة، واستنتجتُ أنّ زوجي لا يُريدني أن أذهب إليه. كنتُ في حالة يُرثى لها وفي حيرة لا مثيل لها، حين وصلَني خبر بأنّ أحدهم رأى زوجي في بلد مجاور، البلد نفسه الذي تعيش فيه زينة.

 

في البدء لم أرَ الصّلة بين سليم وزينة، إلى حين بدأتُ أفكّر بأحداث صغيرة حصَلت لم أعطِها أهميّة آنذاك، مثل النظرات والابتسامات وقبول سليم المكوث في بيت أناس لا يعرفهم. وكانت هناك نصائح صديقتي بالصّبر وعدم محاولة الاتصال بزوجي وتركه وشأنه حتى يُقرَّر هو التواصل معي.

وبالرّغم مِن كلّ ذلك، رفضتُ تصديق أنّ صديقة العمر سَرَقَت منّي زوجي. وكي أزيل الشك مِن ذهني، قرَّرتُ السفر إلى ما وراء الحدود لأرى بنفسي إن كان زوجي فعلاً هناك بصحبتها.

 

وضعتُ ابني عند جيراني وسافرتُ وقلبي مليء بالخوف، فلم أكن أريد أن أخسر صديقتي بعدما خسرتُ، على ما يبدو، زوجي.

 

ولكن عند وصولي إلى الحدود، مُنِعتُ مِن دخول الأراضي، وقيل لي إنّ صديقتي رفَعت ضدّي قضيّة إبعاد وإنّني أعرّض نفسي للسجن إن بقيتُ مصرّة على الدخول.

 

وأصِبتُ بذهول لا مثيل له. هل يُعقَل أن تكون صديقتي بهذا المكر والأذى؟ أكلنا وشربنا سويًّا ونمنا في السرير نفسه وضحكنا وبكينا ولعبنا وكبرنا معًا... هل أخَذَت سليم منّي بسبب ماله أم لأنّها تكنّ لي بغضًا خفيًّا؟

 

فور عودتي، إتصلتُ هاتفيًّا بزينة لأحصل على الأجوبة، وتفاجأتُ بهدوئها وخِلتُ نفسي وسط كابوس مزعج:

 

ـ نعم حبيبتي... سليم معي... وهذا أمر طبيعيّ بعدما تزوّجنا... لا تخافي سيُطلّقكِ قريبًا.

 

ـ كيف تفعلين ذلك بي؟؟؟ أنا صديقتكِ!

 

ـ أعرف ذلك حبيبتي ولكن أنا لستُ صديقتكِ... على الأقل ليس بعد الآن... إسمعي... الحياة غابة وعلى كلّ منّا أن ينقضّ على الفرص حين تتسنّى له وإلا سبقَه الآخرون... سأطلب منكِ عدم الاتصال بي مجدّدًا فلدَيَّ زوج أهتمّ به... على عكسكِ.

 

وأقفلَت الخط بوجهي. كنتُ أريد أن أقول لها رأيي بها وأن أصرخ وأهدّد، ولكنّها لم تعطِني الفرصة لذلك.

 

وبعد فترة وصلَتني أوراق الطلاق، ولم أعد أسمع مِن سليم أو مِن زينة. إكتشفتُ أيضًا أنّ البيت الذي اشتراه لي سليم لم يكن مسجّلاً باسمي بل باسمه، وذلك عندما جاءَني الأمر بإخلائه. إنتقلتُ وابني إلى شقّة صغيرة بالإيجار، وتابعتُ حياتي ببؤس وحزن، وبالطبع لم أعد أفكّر بشيء اسمه "رجل" بعد أن خُذِلتُ مرّتَين ببشاعة.

 

اليوم أركّز اهتمامي كلّه على ابني وعلى عملي، وأصلّي أن أبقى في تلك الوظيفة كي لا يأتي يوم وأضطرّ إلى أن أجوب الشوارع بحثًا عن تعاطف الناس.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button