زوجة أبي حاولَت قتلي

ذَنبي الوحيد كان أنّني إبن إمرأة ثانية لِذا إعتبرَتني ربيعة مِن الأوّل تهديداً لها وعبئاً لم تكن تريده رغم وعدها لأبي بأنّها ستهتمّ بي بعد زواجهما. ولكنّها لم تنوِ يوماً تنفيذ وعدها بل إنتظرَت لحظة وصولها إلى منزلنا حتى بدأت تنكيد حياتي. ولأنّني كنتُ لا أزال في الرابعة مِن عمري فلم أكن قادراً على الدفاع عن نفسي أو حتى إيجاد طريقة لِفضح ما كانت تعمله. لن أتوقّف طويلاً عند السبل التي إستعملَتها معي والتي كانت تتراوح بين الشتم والعقاب والضرب لأنّ ما حصلَ لاحقاً كان أفظع بكثير.

وكبرتُ في ظلّ أب غائب وضعيف وصورة أمّي المتوفّاة التي كنتُ أخبّؤها في أماكن عديدة خوفاً مِن أن تجِدها ربيعة وتمزّقها كما فعَلَت بالصور المتبقّية. وكلّما كان يتسنّى لي أن أنظر إلى وجه التي أعطَتني الحياة وتركَتني رغماً عنها كنتُ أردّد لها: "سيأتي يوم وأصبح رجلاً قويّاً وثريّاً وسأغيّر حياتي."

وبعد بضعة أعوام لحِقَ أبي بأمّي ووجدتُ نفسي لوحدي مع تلك المرأة الشرّيرة التي لم تنجِب ربما لكثرة جفاف قلبها. والشيء الذكي الوحيد الذي فعَله والديَ كان أن كتبَ لي المنزل قبل أشهر مِن وفاته بعدما بدأ يدرك أنّ زوجته لا ولن تحبّني وأنّها قد ترميني خارجاً حالما تتسنّى لها الفرصة. وكونها أصبحَت تقيم عندي زادَ مِن كرهها لي ومِن نيّتها بالتخلّص منّي بشتّى الطرق.

ولكنّني كنتُ قد أصبحتُ مراهقاً قويّاً وعنيداً وإزددتُ إصراراً على مواجهة أيّ أذى يأتي منها. والسبب الوحيد الذي أبقاني معها هو عدم قدرتي على العيش دون المال الذي ورثَته مِن أبي والذي كان بتصرّفها وحدها. فركّزتُ على دراستي لأنّه كان السبيل الوحيد لتحقيق أحلامي وتكوين نفسي بالشكل الذي تصوّرته. والشيء الوحيد الجميل في ربيعة كان يُمنى إبنة أخيها التي كانت تأتي دائماً لِزيارتها والتي سكَنَت قلبي منذ اللحظة الأولى. ولكنّني كنتُ أخاف أن تكون مثل عمّتها لذا لم أفصح لها عن مشاعري رغم إعجابي الواضح بها الذي لم يغِب عن إنتباه زوجة أبي التي رأت في ذلك فرصة في إيذائي. وقد يتصوّر المرء أنّها حرّضَت يُمنى عليّ أو حَمَلَتها على إغرائي لِتحطيم قلبي ولكن ما فعلَته يفوق كل ذلك بأشواط ويدلّ على شرّ لا يوصَف وكره لي لاحدود له.

 


راحَت ربيعة تقول لأخيها أنّني عاشرتُ إبنته وأنّها لم تعد عذراء وقد تكون حتى حاملاً منّي. وكانت تعلم أنّ ذلك الرجل صغير العقل ويتأثّر كثيراً بالقيَم والأخلاق وكلام الناس وأنّ الشرف فوق كل إعتبار. ولم تكتفِ زوجة أبي بذلك بل حرّضَته على قتلي وأيضاً على قتل يُمنى لِمحو العار الآتِ. ولم أكن لأعلم بالذي يحصل لولا دخَلَ الأب إلى بيتي مهدّداً يقسم بأنّه سيجعلني أدفع ثمن توسيخ شرفه. وبالكاد إستطعتُ رَميه خارجاً وإقفال الباب وراءه بالمفتاح. والذي حصَلَ مع يُمنى علِمتُ به لاحقاً منها.

فبعد أن غادرَ منزلي ركضَ الرجل ليقتل إبنته بواسطة سكيّناً كبيراً. ولكنّ زوجته وقَفَت في وجهه وإختبأت إبنته المسكينة في الحمّام تبكي وتقسم بأنّني لم ألمسها يوماً. ولم يهدأ الأب إلاّ حين إقترَحَت عليه زوجته بأن يأتيا لإبنتهما طبيب ليكشفَ عليها ليتأكدّا إنّ الخبر صحيح. وجاء الطبيب وقال لهما أنّ يُمنى لا تزال عذراء وأنّها لم تمارس الجنس يوماً. عندها هَدِأ الأب وأدركَ أنّ أخته كادَت أن تسبّب لهم مصيبة كبيرة ولكنّه لم يفهم لماذا فعَلَت ذلك. فقرّرَ أن يسألها بنفسه.

وعندها جاء يقرع الباب وفتحتُ له خلتُ أنّه عاد ليقتلني ولكنّه طلَبَ أن يتحدّث مع ربيعة. وركضَتَ هذه الأخيرة ظانة أنّه قتَلَ إبنتَه وأنّه يودّ إنهاء حياتي وتفاجأَت به يشتمها ويضربها بقوّة هائلة وهو يردّد: "كيف تحرّضينَني على قتل إبنتي؟ كيف؟ ألستِ عمّتها؟ كيف؟ كيف؟." ولم يرحل إلاّ بعدما فقدَت وعيَها وبقيَت على أرض الصالون. ولم أحاول منعه مِن ضربها أو حتى إستدعاء الإسعاف لها لكثرة سعادتي أنّها وأخيراً ذاقَت طعم الذي كانت تفعله بي منذ صغري. وتركتُها تتعافى لوحدها وخلتُ أنّها فهِمَت الدرس وأنّها ستدعَني وشأني. ولكنّها كانت تريد المنزل لوحدها ولم تتصوّر العيش معي حتى آخر أيّامها خاصة بعدما رأت أنّني لا أكنّ لها بأيّة رحمة أو شفقة.

 


وفي هذه الأثناء قصَدتُ أهل يُمنى وطلبتُ منهما الإذن بالتقرّب منها وأنّ نيّتي شريفة. ولأنّ أبوها كان يشعر بالذنب تجاهي لأنّه كادَ أن يقتلني أسرعَ بالقبول خاصة أنّه بهذه الطريقة سيسكِتُ أيّ كلام قد يُحكى عن إبنته. وبدأتُ أتعرّف على يُمنى ووجدتُها تماماً كما تمنّيتُها وعكس عمّتها الكريهة. وحدّدنا موعد الزفاف ولكنّ شيئاً بداخلي كان غير مرتاحاً لسكوت ربيعة. فلم يكن بعادتها أن تبقى وقتاً طويلاً دون أن تحاول إيذائي خاصة بمناسبة مهمّة كزواجي لأنّها كانت تعلم أن حين ستدوس رجل يُمنى المنزل سيكون عليها الرحيل. ولكنّها هذه المرّة إرتأَت أنّ الوصول إليّ صعب فقرّرَت أن تؤذي نفسها لكي لا أطردها مِن البيت وليكون لها الوقت الكافي والفرَص المؤاتية للتفكير بشيء أفضل.

فبينما كانت توّضب أمتعتها بعدما طلبتُ منها أن تفعل ذلك كنتُ أنا مع خطيبتي نبحث في تفاصيل الفرح. وعندما عدتُ إلى المنزل على أمل أن تكون ربيعة قد تركَته أخيراً وجدتُ تجمّع في وسط الطريق. وعندما إقتربتُ لأرى ما الأمر وجدتُ زوجة أبي ملقاة على الأرض تصرخ مِن ألم في رجلها. سألتُ أحد المارّة الذين توقّفوا لمساعدتها عمّا جرى فأجابَني أنّها ولسبب ما ركضَت أمام سيّارة كانت تمرّ على الطريق. وعندما قصدتُ السائق الذي توقّف بعد إصتدامه بها إن كان صحيح أنّها هي التي ألقَت نفسها أمامه فأجابَ:

 

ـ أجل ولِحسن الحظ لم أكن مسرعاً... جاءَت مِن طلقاء نفسها ووقفَت أمامي ودستُ بسرعة على الفرامل ولكنّني لم أستطع تفادي هذه السيّدة... أنا مستعدّ لدفع تكاليف المستشفى... أنا متأسّف جدّاً.


وحملوها للمعالجة وذهبتُ لرؤيتها لا لأنّني كنتُ مشغول البال عليها بل لأقول لها:

 

ـ لقد إستنفذتِ الحِيَل إذاً... لم يعد لديكِ أحداً لتؤذيه سوى نفسكِ... لو أحببتيني ولو بعض الشيء عندما تزوّجتِ مِن أبي ولو عاملتيني بلطف وحنان لكنتُ إعتبرتُكِ أمّي الثانية وردّيتُ لكِ كل ما كنتِ فعلتيه مِن أجلي... بدلاً عن ذلك أهَنتيني وضربتيني وحاولتِ قتلي... لماذا كل هذا الغضب وما نفعه؟ سأترككِ الآن حيث أنتِ ولا تظنّي أنّني سأستقبلكِ في بيتي مهما كانت حالتكِ... لن أدعكِ تبثّي سمّكِ عليّ أو على يُمنى بعد الآن...

 

ـ أين تريدني أن أذهب؟ أنظر إليّ!

 

-لدَيكِ مال أبي... أصرفيه على نفسكِ... سأجد عملاً وكذلك زوجتي... الإنسان الطموح لا بدّ له أن ينجح... قطَعتُ وعداً لِأمّي وسأوفيه... الوداع.

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button