حاولت صديقتي سرقت زوجي مني

لماذا يستاء بعض الناس مِن سعادة الآخرين؟ لماذا لا يتركونهم بسلام، بل يعملون جهدهم لتخريب أجمل ما عندهم مِن دون وخزة ضمير؟ فلقد مرَرتُ بتجربة مريرة بسبب صديقة لي لم تتحمّل رؤيتي سعيدة مع زوجي، لأنّها اختارَت شخصًا سبّبَ لها التعاسة وتركَها مِن أجل غيرها.

هذه قصّتي معها:

كانت نجاة فتاة مرحة تحبّ الحياة والناس. وشاء قدرها أن تتعرّف إلى شاب أساءَ معاملتها بعد الزواج، الأمر الذي أدّى إلى طلاقهما. حزنتُ كثيرًا مِن أجلها، لأنّني رأيتُ كيف فقدَت بهجتها وباتَ الحزن يسكنُ قلبها. أحَطُّها وعملتُ جهدي للترفيه عنها، لكن في أحد الأيّام إختفَت نجاة فجأة وعلِمتُ لاحقًا أنّها سافرَت إلى أوروبا عند خالتها. وبالرّغم مِن شوقي إليها، فرحتُ مِن أجلها لأنّها ابتعدَت عن كلّ ما بإمكانه تذكيرها بزواجها الفاشل وتمنَّيتُ أنّ تعود إنسانة جديدة.

مرَّت السنوات وتعرّفتُ إلى توفيق وتزوّجنا، بعدما تأكدّنا مِن أنّنا وُلِدنا لنكون سويًّا لنؤسّس عائلة جميلة ومتينة... هذا قبل أن تعود نجاة.

فصديقتي فاجأتني بزيارتها لي في بيتي الزوجيّ، ولكثرة فرحتي بها لَم يخطر ببالي سؤالها كيف علِمَت أين أسكن. بل سألتُها ألف سؤال عن حياتها في الغربة، وهي أخبرَتني عن مغامرات لطيفة حصلَت لها. علِمتُ أنّ لها حبيبًا بقيَ في بلده، وأنّه ينوي اللحاق بها إلى هنا بعدما يُنهي بعض الأعمال، لكنّهما سيتزوّجان في أوروبا ويعيشان هناك بصورة دائمة. أضافَت أنّها تمكثُ حاليًّا في البيت الذي ربحَته مِن الدعوى التي أقامَتها ضد زوجها السابق. كانت تبدو نجاة سعيدة واطمأنَّ قلبي عليها أخيرًا. عرَضتُ عليها أن تبقى حتى موعد العشاء لتتعرّف إلى توفيق، إلّا أنّها رفضَت بتهذيب لأنّ لدَيها زيارات أخرى. فهي كانت قد عادَت إلى البلد منذ أيّام قليلة، وأرادَت استعادَت ذكرياتها القديمة. سألتُها عن والدَيها، وعلِمتُ منها أنّهما لحقا بها إلى أوروبا بعد سنة مِن رحيلها، وأنّهما يُحضّران لزواجها القادم وينتظران قدومها بفارغ الصبر.

في تلك الليلة نمتُ والبسمة على وجهي، أوّلًا لأنّني رأيتُ صديقة عزيزة، وثانيًا لأنّها كانت قد تغلّبَت على حزنها.

ومنذ ذلك اليوم، صرتُ أرى نجاة مرّات عدّة في الأسبوع، أي كما كنّا نفعل في ما مضى. كان زوجي سعيدًا لرؤية حماسي، ولأنّني كنتُ قد وجدتُ أخيرًا سلوى، لأنّه كان يقضي ساعات طويلة في عمله ويكره أن يتركني وحيدة طوال الوقت.

صحيح أنّ كان لدَيّ صديقات أخروات، إلّا أنّني لم أكن أراهنّ كثيرًا لأنهنّ كنّ تعملنَ، على عكسي. لِذا فوجئتُ بإحدهنّ تتّصل بي لتقول لي إنّها انفصَلت عن زوجها، وإنّها بحاجة للتكلّم مع أحد في الأمر. ركضتُ أراها وأواسيها، وأسفتُ لأنّ زواجًا ناجحًا فشِلَ بسبب الخيانة. فلقد أخبرَتني تلك المرأة أنّها اكتشفَت أنّ زوجها على علاقة مع أخرى وفضّلَت تركه. بالطبع حاولتُ حملها على مسامحته والبدء مِن جديد معه، لكن مِن دون جدوى.

 


في المساء، أخبَرتُ توفيق بالأمر، وجعلتُه يُقسم لي ألّا يخونني، خاصّة أنّنا كنّا ننوي الإنجاب لتثبيت زواجنا إلى الأبد. طمأَّنَني زوجي بأنّه يُحبّني أكثر مِن أيّ شيء أو أحد وأنّه لن يفعل شيئًا يؤذيني.

تفاجأت نجاة بخبر طلاق صديقتنا، لكنّها عادَت وقالت إنّ الرجال سواء ولا يجدر بأيّة امرأة تصديق كلام جنس لا يعرف سوى الكذب والغشّ. لم أتأثّر بكلامها، لأنّني كنتُ واثقة مِن زوجي، ولأنّني أعلم أنّ نجاة تتحدّث عن تجربة شخصيّة آلمتها كثيرًا.

إنقضَت الأيّام بهدوء، وكلّ ما كنتُ أفكّر به كان حبَلي بعدما اكتشفتُ أنّني أحمل في أحشائي ثمرة حبّي لزوجي وحبّه لي. ذهبتُ مع نجاة لشراء ما يلزمُ للطفل، وزيّنّا غرفته لتكون جاهزة عند ولادته.

في تلك الفترة بالذات، جاءَني إتصال مِن الصديقة التي طلّقَت زوجها، وأملتُ أنّها تخابرني لتقول لي إنّها أصلحَت زواجها. لكنّ الخبر كان مُغايرًا تمامًا، إذ أنّها قالَت لي إنّ صديقة أخرى لنا طلّقَت بدورها، وللسّبب نفسه. أضافَت أنّ عليّ الاحتراس مِن زوجي ومراقبته جيّدًا لأنّ لا أمان للرجال إذ أنّهم خونَة.

ما بال تلك النساء؟ هل باتَ الطلاق سهلًا لهذه الدرجة؟ ماذا لو خان الرّجل زوجته بسببها؟ ألا يجدر بهنّ محاولة معرفة دوافع وطرق علاج الخيانة؟ شكرتُ ربّي على نزاهة ووفاء توفيق لي، ووعدتُ نفسي بأن أكون دائمًا أفضل زوجة على الإطلاق.

بعد ذلك، بدأَت تتسارع الأمور، وأعترفُ أنّ الأحداث حيّرَتني إلى أقصى درجة، وحالَت دون قدرتي على فهمها وتفسيرها في أوانها.

ففي أحد الأيّام وأنا برفقة نجاة في مشوار تسوّقي، مرَرنا قرب منزلها الأبويّ. كان قد حلّ الليل ورأيتُ غرفًا مضاءة في البيت وأشخاصًا قرب النوافذ. إستغربتُ الأمر وقلتُ لصديقتي:

 

ـ هناك لصوص في بيت أهلكِ! هيّا، إتصلي بالشرطة!

 

ـ إهدئي، فلقد أجَّرَ والدايَ المكان فور رحيلهما إلى أوروبا.

 

لا أدري لماذا لم أصدّقها، ربمّا لأنّها لم تذكر لي ذلك مِن قبل، أو لأنّني لمحتُ خيالات مألوفة خلف النوافذ. لم أقل لنجاة شيئًا خوفًا مِن أن أغضبها لكنّني لم أكن مرتاحة للأمر. لِذا، في اليوم التالي، فعلتُ شيئًا لم أكن أتصوّر نفسي أفعلُه، وهو أنّني رحتُ أدقّ على باب هؤلاء المستأجرين. عمّا كنتُ أبحث بالذات؟ لم أكن أعلم، لكنّ تفاصيل صغيرة متعلّقة بنجاة كان قد بدأَت تجتمع ببعضها لتخلق صورة تدعو لتساؤلات كثيرة.

فتحَت لي الباب أمّ نجاة وصرختُ لرؤيتها. ضحِكَت المرأة وسألَتني إن كنتُ قد رأيتُ شبحًا، ودعَتني للدخول فقد كان مضى على لقائنا الأخير بضع سنوات. سألتُها عن سفرها ومتى عادَت هي وزوجها، لكنّها قالَت لي إنّها لم تبارح البلد. أجبتُها:

 

ـ آسفة سيّدتي، قد أكون قد أسأت فهم نجاة. هل قالَت لكِ إنّها اتّصلَت بي فور عودتها وإنّنا عُدنا كما في السابق؟

 

ـ إبنتي كثيرة الأسرار ولا تحب مشاركتنا أخبارها، خاصّة بعد فشل زواجها.

 

ـ ولكنّها أفضل الآن بعدما وجدَت مَن يُنسيها الحزن. أتمنَّى لها التوفيق مع زوجها الأوروبيّ.

 

ـ ماذا تقصدين؟

 

وعلِمتُ مِن المرأة أنّ ابنتها ليست مخطوبة، وأنّها لم تمكث في أوروبا سوى أشهر قليلة عادَت مِن بعدها إلى البلد لتنزوي في غرفتها. ومنذ ذلك الحين لم تبارح البلد أبدًا.

 


غادَرتُ ذلك منزل وفي رأسي أسئلة كثيرة وشعور كبير بالإنزعاج. لماذا كذبَت نجاة عليّ؟ لماذا قالَت إنّ أهلها في الخارج وإنّها عادَت للتوّ؟ لماذا اختلقَت قصّة العريس الأجنبيّ وأنّها تعيش في شقّة لوحدها؟

عندها فعلتُ ما كلّ زوجة عاقلة عليها فعله، وهو إخبار توفيق بالذي علِمتُه. فأنا أؤمِن بشدّة أنّ الأسرار أو حتى الأشياء الذي لا تُقال عمدًا أو سهوًا تولّد المشاكل. لِذا تعوّدتُ أن أشاركَ زوجي بكلّ الأمور وطلبتُ منه فعل الشيء نفسه معي.

وبعدما انتهَيتُ مِن سرد اكتشافاتي، قال لي توفيق:

 

ـ هذه المرأة مُحاطة بالكثير مِن الغموض، ولقد كذِبَت بشأن أمور ليست مهمّة، ممّا يعني أنّ عليكِ الإحتراس منها بل الإبتعاد عنها. أعلمُ أنّها تعني الكثير لكِ، لكنّها ستسبّب حتمًا المشاكل لكِ.... ولنا.

 

عندما قال جملته الأخيرة، تذكّرتُ على الفور الصديقَتين اللتَين طلقّتا فجأة، وقال لي صوت في داخلي إنّ لنجاة دخلاً بالموضوع. كان مجرّد إحساس، لكن ما مِن ضرر في التأكّد منه. فخابَرتُ الأولى لأسألها إن كانت نجاة قد اتّصلَت بها في تلك الفترة أو لا زَمتها، فجاء الجواب بوضوح تام: "أجل، لا بل هي التي كشفَت خيانة زوجي لي، وأشكرُها على ذلك!". الصديقة الثانية أكّدَت بدورها مدى تأثير نجاة على قرارها، وتثبَّتَت شكوكي. لَم يبقَ لي سوى مواجهة الغدَّارة. إتصلتُ بنجاة ودعوتُها إلى الغداء، فلبَّت الدعوى بسرور. وبعدما انتهينا مِن الأكل قلتُ لها:

 

ـ لقد زرتُ والدتكِ التي لم تغادر يومًا إلى أوروبا، وعلِمتُ منها أنّكِ لستِ مخطوبة وأنّكِ عدتِ إلى البلد منذ فترة طويلة.

 

ـ أجل... أعذريني على هذه الأكاذيب... تعلمين كيف هي حياتي وحالتي النفسيّة... تمنَّيتُ أن يحصل لي ذلك وعلى ما يبدو أصبحتُ أؤمِن بأنّها حقيقيّة.

 

ـ لماذا لَم تتّصلي بي فور عودتكِ، أي منذ سنوات؟

 

ـ كنتُ مُنشغلة بعض الشيء.

 

ـ بهدم زيجات صديقاتكِ؟

 

ـ ما هذا الكلام؟ وما دخلي أنا؟

 

ـ دخلكِ أنّكِ فعلتِ جهدكِ لتصبح صديقَتاكِ مثلكِ بدلاً مِن أن تحاولي الإصلاح بينهما وزوجيهما. ولن أستغرب أبدًا إن كانت رواية الخيانة أيضًا مِن نسج خيالكِ.

 

ـ الخيانة موجودة، وأنصحكِ بمراقبة زوجكِ عن كثب... فلقد رأيتُه يومًا...

 

ـ إخرسي! لن أدعكِ تبثّين سمّكِ في أذنيَّ! زواجي شأني أنا وحدي. توفيق يعمل بشقاء ليؤمّن لي ولولدنا حياة كريمة، ولن أسمح لأيّ كان بتشويه سمعته.

 

ـ وهل أنتِ متأكّدة مِن أنّه يبقى في عمله طوال الوقت؟

 

ـ قلتُ لكِ أن تخرسي أيتُها الشرّيرة! لن أبرّر لكِ شيئًا ولستُ مدينة لكِ بأيّ تفسير. ستغادرين منزلي على الفور، ولن تعودي إليه وإلا كسرتُ رجليكِ. وإن علِمتُ أنّكِ تنوين تدمير زواجي بأية طريقة، سأدمّركِ بنفسي! هيّا.

 

أوّل شيء فعلتُه بعد مغادرة تلك الأفعى، كان الإتصال بزوجي لأخبرُه بالذي حصل، ومِن ثمّ بصديقتيّ لأعطيهما موعدًا سريعاً للتحدّث بظروف طلاقهما. هناك علِمتُ منهما أنّهما لم تحصلا على أدلّة قاطعة على حدوث خيانة، بل فقط إيحاءات مِن نجاة وتفسيرات لا ركيزة لها. وعندما أخبرتُهما عن الذي كانت تفعلُه نجاة، سادَ صمت طويل. عندها قلتُ لهما:

 

- مِن السّهل خلق شكوك في ذهن الناس، فالإنسان بطبعه يخاف مِن فقدان أغلى ما لدَيه، لِذا يجب علينا التأكّد بنفسنا وعدم الإستماع إلى الأقاويل. إنّ الشرّ موجود حولنا وقد يأخذ حتى شكل صديقة أو قريبة. فبعد أن نجحَت خطّة نجاة معكما، حان دوري. فهي فتّشَت عن عنواني وصارَت تلحق زوجي أينما ذهب، فلقد قال لي توفيق منذ قليل إنّه كان قد لاحَظَ سيّارة تتعقّبُه في المساء، لكنّه لَم يعر الأمر أهميّة إلى أن أطلعتُه على حقيقة نجاة. مَن يدري ما كانت ستفعل بزواجي؟ يا إلهي، أشعرُ وكأنّني في فيلم أميركيّ! هيّا، إذهبا إلى زوجَيكما وأصلحا الأمور معهما.

 

وُلِدَ إبني وأسمَيتُه صالح لأنّني أريدُه أن يكون أفضل الرجال. صحيح أنّ نجاة كانت قد اختلقَت روايات عديدة، إلا أنّ الكثير مِن الرّجال يُسيئون فعلاً معاملة زوجاتهم حتى ارتكاب الخيانة، الأمر الذي لا يُمكن أن أقبل أن يفعلُه إبني، بل أريدُه مثل أبيه: أفضل رجل في العالم!

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button