جعلَني زوجي خادمةً له

يا ليتَني كنتُ مِن اللواتِ تستعملنَ عقلهنّ أكثر مِن قلبهنّ عندما تقعنَ في الغرام لكنتُ قد وفّرتُ على نفسي متاعب كثيرة. وتعلّقي بِسامر لا بدّ أنّه أتى مِن غياب أبي عن المنزل بعد أن رحلَ مع إمرأة أخرى إلى جهّة مجهولة وتركَنا أنا وأمّي لوحدنا. فباتَ لديّ خوف مِن أن يهجرَني رجل ولم أجرؤ حتى على التكلّم مطوّلاً مع أحد إلاّ بعد ما بلغتُ الثانية والعشرين مِن عمري. وأظنّ أنّني وجدتُ بِسامر ما فقدتُه سنين طويلة أيّ الشعور بالأمان. لِذا قرّرتُ أن أثقَ به كليّاً وأن أسلّمه زمام الأمور لأرتاح مِن ثقل الحياة ولو لمرّة. وهكذا تعوّدتُ أن أنفّذ كل ما يطلبه منّي مُقتنعة بأنّه الصواب أمّا هو فكان في المرحلة الأولى مِن علاقتنا محطّ ثقة ومسؤوليّة. ولأنّه أدركَ مدى تأثيره عليّ أخَذَ يمارس عليّ ضغوطات نفسيّة وإجتماعيّة حبّاً بذلك وليعلم إلى أيّ حدّ يمكنه التمادي.

وللحقيقة لم أنتبه إلى شيء وإعتبرتُ تصرّفاته رجوليّة لبَل كنتُ معجبة بهكذا حبيب. فكان مثلاً يبقيني أنتظر لساعات مكالمة منه او حتى موعداً لأشعر بالإمتنان عندما يقرّر أنّه حان الوقت ليتواصل معي. وصحيح أنّني كنتُ أصدّق جميع تبريراته التي لم تكن لتقنع أحد ولكنّني ضمنيّاً كنتُ أتمنّى لو كان ألطف معي. وفي المناسبات كعيد ميلادي كان يغمرني بالهدايا واللفتات اللطيفة وكنتُ أشكر ربيّ أنّه أرسلَ لي أنساناً كهذا. وأقنعَني بطريقة غير مباشرة أنّني لا أستطيع فعل شيء مِن دونه وأنّه الوحيد القادر على مساعدتي حتى بأدنى الأمور.

وهكذا أستطاع السيطرة بشكل تام على قلبي وعقلي وإرادتي. ولأنّني كنتُ بالنسبة له المرأة التي ستريحه وتستجيب له قرّرَ أن نتزوّج. وبالطبع شعرتُ بإمتنان كبير لأنّه إختارَني أنا وليس أحد سواي وأسرعتُ بالقبول قبل أن يغيّر رأيه. الجميع كان سعيداً لي ما عدا صديقة ليّ كانت قد حذّرَتني منه مراراً بعدما رأت معاملته لي:

 

ـ هذه ليست رجولة يا عزيزتي بل إستغلال... يريدكِ كيفما يشاء ويلعب بكِ وكأنّكِ دمية متحرّكة... أين شخصيّتكِ؟ أين قراركِ؟

 

ـ ولماذا أقرّر أن كان هو على حقّ؟

 

ـ لا يمكن لأحد أن يكون دائماً على حق... وعلى العلاقات أن تُبنى على المشاركة بين الأثنين... صحيح أنّ المرأة تحبّ أن تتّكل على الرجل ولكن ماذا إن كان هذا الأخر شريراً أو غبيّاً أو أنانيّاً؟

 

ـ سامر ليس هكذا... يحبّني ويريد الأفضل لي.

 

ـ غياب أبوكِ عنكِ أعمى تفكيركِ... أرجوكِ أن تتراجعي عن الزواج مِن سامر.

 


ولكنّي لم أسمع منها طبعاً وإلاّ لما حصل لي كل تلك متاعب التي كانت ستظهر فور عقد قراننا. فخلال حفل زفافنا غاب عنّي عريسي وأخذتُ أفتشّ عنه في كل مكان حتى أنّ المعازيم بدأو يضحكون ويتهامسون وسمعتُ أحدهم يقول:"لقد فرّ منها مِن أوّل يوم." حزنتُ كثيراً لسماع ذلك وعدتُ إلى مكاني أحبس دموعي. وبعد حوالي الساعة عادَ سامر وكأنّ شيئاً لم يحصل وحين سألتُه أين كان وإن كان بخير لم يأبه حتى ان يجاوب وأخذَ يدي وسحبَني إلى حلبة الرقص. وفي اليوم الثاني ذهبنا إلى شهر العسل في فندق في الجبل بالرغم أنّني كنتُ أفضّل لو زرنا بلداً غريباً. ولكنّني قبلتُ بخياره لأنّه أقنعَني أنّ لا داعي للسفر بعيداً لأنّ بلدنا مليء بالأماكن الجميلة. قضينا وقتاً ممتعاً مع أنّه لم يترك هاتفه ولو للحظة بذريعة أنّ العمل لا يعرف الراحة ومِن ثمّ عدنا إلى شقتّه.

ومِن بعدها بدأت حياتنا الزوّجية ولكن سرعان ما أدركتُ أنّني لم أكن مِن أولويات زوجي بل أنّني آتي بعد كل شيء. فكان هناك عملَه وعائلتَه وأصدقائه وحاجاته الشخصّية ومِن بعدها أنا. وعملتُ جهدي لكي أكون الزوجة المثاليّة أنظّف المنزل بتأنّي كما علّمَني أن أفعل وأطهو الأطباق التي يحبّها هو وأهتمّ بثيابه بدقّة. أمّا فيما يختّص بالجنس فكان يبلغ النشوة قبلي ثم يستحمّ وينام ويتركني لوحدي أفكرّ بما حصل أو بالأحرى بالذي لم يحصل.

 

وبدأت الأيّام تمرّ هكذا وشعرتُ بالوحدة العميقة لأنّني لم أجد في زوجي مَن يهتمّ بي فعلاً أو حتى يسمعني عندما أخاطبه لأنّه كان يرجع في ساعة متأخرّة وينام بعدما يتناول العشاء. أردتُ التكلّم مع صديقتي وأخبرها بما أشعر به ولكنّني كنتُ أعلم أنّها ستقول لي:"ألم أنبّهكِ ؟" لِذا سكتُ ورجَوتُ أن يتغيّر الوضع. ولكنّه سَاء يوماً بعد يوم فإلى جانب تجاهله لي بدأ سامر يحقرّني بشكل ملحوظ.

صحيح أنّه طالما كان يشعرني أنّني مِن دون فائدة ولكنّه أصبحَ يهزأ منّي ويوبخّني قائلاً:"لا تجيدين فعل أيّ شيء..." أو"أيجب أن أقول لكِ كيف تفعلين ذلك؟" أو "كم أنتِ غبيّة... لو علِمتُ ذلك قبل الزَواج..." وكنتُ أبكي أمامه الأمر الذي كان يثير إشمئزازه.

ولكن بعد حوالي الستّة أشهر على زواجنا جاءَ سامر في ذاك ليلة وأخبرَني بكل بساطة أنّه يفكرّ في تركي لأنّه لم يكن ممنوناً مِن خدماتي. شعرتُ أنّ عالمي بأسره ينهار فكيف كنتُ سأعيش مِن دونه؟ فبدأتُ أتوسّل له بأن يبقى معي وأكّدتُ له أنّني مستعدّة لفعل أيّ شيء يطلبه منّي. هزّ برأسه وقال:

 

 

ـ حسناً... ولكنّني أنوي أن أقابل نساء أخروات... أجل سمعتِ جيدّاً... أن كنتِ ستسبّبين لي المشاكل فمِن الأفضل أن ننفصل...

 

ـ ولكن...

 

ـ كنتُ أعلم أنّكِ لن تقبلي... حسناً سأتّصل بالمحامي.

 

ـ لا! أرجوكَ لا تفعل لن أقول شيئاً... أفعل كما تشاء.

 


لا أدري كيف قبلتُ بهذا الوضع لأنّني لطالما كنتُ أغار عليه ولا أحتمّل حتى فكرّة أن ينظر إلى أخرى ولكنّني خضعتُ كالعادة إلى أرادته. وهكذا أصبحتُ مسؤولة عن أدارة منزله بينما هو يسهر ويتسلّى مع غيري. وكلّ ما كنتُ أطلبُه ضمنيّاً هو أن يرجع لي في الليل لأشعر وكأنّه لا يزال يحبّني. أعلم أنّ هناكَ نساء كثيرات في هذا الوضع البشع ولكنّهنّ وبالرغم مِن ذلك لا تزالنَ في أفضل حال مِن حالي لأنّ سامر كان أنساناً بغيضاً لا يتمتّع بأدنى درجة مِن الأخلاق خاصة تجاهي لأنّه كان يرى فيّ الضعف و الإستسلام ما جعلَه يكرهني ويحتقرني. فبالنسبة له لم أعد موجودة كزوجة بل كخادمة وطاهية لذلك عادَ في ذاك ليلة إلى المنزل ومعه فتاة. لن تتصوّروا أبداً شعوري عندما رأيتُها واقفة أمامي معه تسأله:

 

ـ أهذه زوجتُكَ؟

 

ـ أجل

 

ـ معكَ حقّ... أنّها جدّ عاديّة.

 

نظرتُ إليهما وهما يتحدّثان عنّي وكأنّني غير موجودة ورأيتُهما يدخلان غرفة الطعام بعدما سألَني إن كان العشاء جاهزاً. حينها أدركتُ فعلاً ما كان يحدث لي فقمتُ مِن مكاني ودخلتُ المطبخ وسخّنتُ الطعام ثمّ جلبتُه إليهما. ولكن بدل أن أسكبه في الأطباق أفرغتُه عليه وهو ساخن. وأخذَ سامر يصرخ مِن كثرة الألم ويوَلوِل كالديب الجريح. عندها خافَت الفتاة وركضَت خارجاً دون أن تنظر وراءها. وإبتسمتُ وسألتُ زوجي الحنون:

 

ـ هل الطعام ساخن كفاية ياحبيبي؟

 

ـ أنتِ مجنونة! ماذا فعلتِ؟ كيف تجرؤين؟ سأ...

 

ـ ستطلّقني؟ بكل سرور يا عزيزي... وإن لم تفعل فسأفعل أنا... صحيح أنّني تحملّتُ الكثيرَ منكَ ولكن كان لا بدّ أن أصحو يوماً مِن تأثيركَ البشع عليّ... دستُ على كرامتي مِن أجل الحبّ فجعلتَ منّي أضحوكة... كفى!

 

ـ ستندمين على كل هذا!

 

ـ أنا نادمة فعلاً... ولكن على الوقت الذي أضعتُه معكَ... تهدّدني؟ لم تعطِني شيئاً كي تأخذه منّي... ياعزيزي! أنا ذاهبة الأن... لا تتأخرّ في الطلاق فأنا أريد أن أطوي صفحتكَ بسرعة.

 

نظَرَ سامر إليّ بتعجب فلم يتصوّر أبداً أن أكون بهذه القوّة. حتى أنا لم أكن أعلم أنّ بأستطاعتي الوقوف بوجهه هكذا. ومنذ تلك اللحظة بالذات أدركتُ فعلاً مَن أكون. كنتُ بكل بساطة أنسانة حرّة تتمتّع بحقوق عديدة أوّلها الحقّ بالسعادة والأحترام.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button