المُساعِدة المجنونة

لستُ كسولة، بل على العكس تمامًا، فلقد أسَّستُ عائلة جميلة أفتخر بها وأعدَدتُ لزوجي وولدَيّ بيتًا يحلو العيش فيه.

ولكن خطأ طبيًّا سبّب لي متاعب صحيّة جمّة، ووجدتُ نفسي غير قادرة على القيام بأمور عديدة. كان الألم الدائم وزياراتي للأطبّاء والعمليّات الجراحيّة المتكرّرة، تستحوذ على وقتي كلّه وتفرغني مِن النشاط المتبقّي لي. لِذا اضطرِرتُ لجلب مُساعِدة بالرغم مِن أنّني كنتُ أرى في الأمر تعدّيًا على حياتنا الخاصّة.

كان مِن المعروف عنّي أنّني أعامل تلك المُساعِدات بلطف وكَرَم، لأنّني أدرك تمامًا أنّ حاجتهنّ إلى المال حملتهنّ على ترك بلادهنّ وعائلتهنّ وأحبابهنّ، وأنّ علينا تأمين مناخ جيّد لهنّ. تتالَت المُساعِدات على مرّ السنوات، ولم أواجه معهنّ مشاكل تُلحظ بل بعض المسائل البسيطة تتعلّق باختلاف شخصّية الواحدة عن الأخرى. ولكنّ الأمر كان مغايرًا كلّيًّا مع آخرهنّ: سارة.

جاءَت سارة في وقت كنتُ قد اعتدتُ على وجود المُساعِدات في بيتي وأعرف كيف أدير الأمور. ولكن سارة كانت مختلفة إذ لاحظتُ عليها تودّدها إلى زوجي.

في البدء لم أثر الموضوع، بل أخذتُ أراقب سارة لأتمكّن مِن السيطرة على الوضع. كنتُ متأكّدة مِن أنّ زوجي لن يُبادلها الاهتمام، فلطالما كان رجلاً رصينًا ووفيًّا، ولكنّني كنتُ أخشى أن تعتقد تلك المرأة أنّ لها أملاً في أن تكون محبوبة أو مرغوبة مِن ربّ البيت.

بالطبع لاحَظَ زوجي حركاتها، ووجَدَ الأمر مضحكًا. وتكلّمنا بالموضوع واتفقنا على تجاهل الأمر حتى يزول مِن تلقاء نفسه. وهكذا حصل، فبعد فترة لم تعد سارة مهتمّة بزوجي. ولكن ما لم نحسب له حسابًا هو أنّها سترمي شباكها على ابني الذي كان شابًّا وسيمًا ورياضيًّا، أي جذّابًا لأيّ فتاة أو امرأة.

 


ولكن في تلك المرحلة، لم تكتفِ سارة بالابتسام أو النظر إليه بدلَع، بل كانت تتصرّف أمامه بإيحاء جنسيّ واضح، خاصّة عندما يبقى لوحده معها في البيت. فإبني لم يشأ مصارحتنا بالذي يحصل كي لا يتسبّب لها بالطرد والعودة إلى بلدها فقد قرّرَ هو الآخر تجاهلها. ولكن صار الأمر لا يُحتمَل بعدما بدأَت سارة تتمشّى أمامه شبه عارية مصدرة أصواتًا وتنهّدات توحي بأمور كثيرة فأخبرَني ولَدي بالذي يحصل، وحزنتُ جدًّا عليها وعلى نفسي إذ أنّني بطردها سأضطرّ لجلب امرأة أخرى .

ويا ليتَني طردتُها على الفور، إلا أنّ تربيتي علَمتني أن أعطي فرصة ثانية وثالثة للناس خاصّة المحتاجين منهم، وتقدير ظروفهم الصّعبة في وقت كان الله قد أنعَمَ عليّ بحياة رخاء واكتفاء.

جمعتُ عائلتي، أي زوجي وابني وابنتي، وتكلّمنا بالموضوع واتفقنا أن نحاول قدر المستطاع اعادة سارة إلى الطريق الصحيح. لِذا تقَّرَرَ أن يقصد إبني بيت جدّته التي تسكن في المبنى نفسه كلّما كان سيتواجد لوحده معها، وذلك إلى حين تهدأ تلك الأخيرة كما حصل سابقًا مع زوجي.

ولكنّني لم أكن مطمئنّة، ولم أتوقّف عن مراقبة سارة التي بدورها لم تتوقّف عن إطلاق العنان لأحلامها الجنسيّة تجاه ابني. ولكنّها لم تعد قادرة على الافصاح عنها أمامه واضطرَّت لكبتها، الأمر الذي أثّر بشكل دراماتيكيّ على باقي الأحداث.

ففي ذلك اليوم الرهيب، أخذتُ سارة إلى محلّ الاتصالات الدوليّة لتخابر ذويها كما اعتدتُ أن أفعل بانتظام. وبعد أن طمأنَت أهلها واطمأنّت عليهم، بدَت عليها علامات الفرح وابتسمَت أخيرًا، الشيء الذي لم يحصل منذ فترة. ولأشجعّها على الاستمرار بالابتسام، إشترَيتُ لها مِن المكان نفسه بعض الحاجيّات الخاصّة والجميلة، وعدنا إلى البيت فرحتَين.

لم يحصل شيء يُلحظ في الساعات التي تلَت، بل اهتممَنا بالبيت كالعادة، أي أنّ سارة نظّفَت المكان وأنا أعدَدتُ وجبة الغداء. إجتمعَت العائلة حول المائدة، ومِن ثمّ أخَذَ زوحي ولدَينا ليشتري لهما بعض الأمور وأنا دخلتُ غرفتي لأنام قليلاً. كنتُ بحاجة إلى تلك القيلولة اليوميّة لأريح جسدي الذي تعِبَ مِن صحّة متأرجحة، ولكن كثرة الأدوية التي كنتُ أتناولها يوميًّا كانت تمنعني مِن الاسترخاء. لِذا أخذتُ كعادتي أقراصًا منوّمة وغرقت في النوم.

وبسبب الأقراص تلك لم أكن واعية أبدًا على الذي حصل تاليًا. وكلّ ما أعرفه هو أنّني استيقظتُ على صوت ابني يُنادي بأعلى صوته: "ماما! ماما! هل ما زلتِ على قيد الحياة؟!؟"... وراح يخضّني بقوّة.

قد تظنّون أنّني أفرطتُ باستعمال المنوّم ولم أعد قادرة على الاستيقاظ، ولكنّ الأمر كان أفظع بكثير.

فتحتُ عينَيَّ ونظَرتُ إلى ابني باستغراب. وبعد ثوانٍ قليلة صرختُ قائلة: "ماذا حصل؟ هل وقعَ حادث لأحدكم؟ أين أختكَ؟ أين أبوكَ؟!؟"

ولكنّ ابني بقيَ صامتًا ينظر إلى عنقي. عندها وضعتُ يدي حيث كان يُحدّق، وشعرتُ بمادّة لزجة عليها: كانت يدي مغطّاة بالدماء.

 


عانقَني إبني مطمئنًّا، ووعَدني بأن يحكي لي ما حصل بعد قليل. ثمّ تركَني وخرجَ إلى الشرفة وصَرَخَ: "إنّها على قيد الحياة!"

في تلك الأثناء كنتُ قد نهضتُ مِن السرير وتوجّهتُ إلى المرآة، فرأيتُ جرحًا كبيرًا في عنقي وكِدتُ أقَعَ أرضًا لشدّة الصدمة.

سمِعتُ أصواتًا عالية في البيت، وعلِمتُ مِن ابني أنّ زوجي وابنتي عادا برفقة سارة، ولكنّني كنتُ كالضائعة لا أفهم ما حصل وما يحصل. فقال لي ولَدي:

 

ـ كنّا عائدين إلى البيت حين رأينا سارة تمشي في الطريق وبيدها سكين مغطّىً بالدماء. أوقَفَ أبي السيّارة بسرعة، لأنّنا أدركنا أنّ مصيبة حصَلَت لكِ، فلَم يكن هناك سواكِ في البيت معها. ترجَّلَ والدي وأمسكَ بسارة قبل أن تهرب، وجلَسَ معها على المقعد الخلفّي بينما قادَت أختي إلى هنا. أمّا أنا، فجئتُ ركضًا إليكِ... يا إلهي... لن تتصوّري أبدًا كم خفتُ عليكِ يا ماما... توقّعتُ حقًّا أن أجدُكِ ميّتة.

 

بكينا كثيرًا، ومِن ثم جاء لي ابني بما أداوي به جرحي الذي كان سطحيًّا. في تلك الأثناء كان زوجي يُحقّق مع سارة في الصالون. وعندما خرجتُ أخيرًا مِن الغرفة مع ابني، رأيتُ تلك المرأة تنظر إليّ وكأنّ شيئًا لم يحصل.

ما فهمَه زوجي منها هو أنّها كانت تنوي ذبحي أثناء نومي، لأنّني أضايقها بمنعها مِن تحقيق أحلامها الجنسيّة. ولكنّها غيّرَت رأيها في آخر لحظة عندما تذكَّرَت أنّني أشترَيتُ لها في اليوم نفسه أشياء جميلة.

كان مِن الواضح أنّ المرأة مريضة، فمَن يُقدم على ذلك خاصّة أنّها خرجَت مِن البيت حاملة السكين ومتجّهة إلى مكان يعجّ بالناس؟ وتصرّفها الهادئ وشبه الودّيّ معنا في الصالون أثناء اعترافها بما كانت تنوي فعله، كان خير دليل على جنونها.

 

لم أكن أريد المزيد مِن المشاكل، ففضّلتُ أن تُرحَّل ساره إلى موطنها. ولكنّ المكتب الذي جلب سارة أرادوا الاستفادة مِن وجودها في البلد بتوظيفها في بيت آخر. إلا أنّها هناك أيضًا حاولَت التحرّش بربّ العائلة، وبطريقة مباشرة جدًّا إذ دخلَت غرفة نومه وزوجته ليلاً وفرضَت نفسها عليه. إرتعَبَ الرجل وأعادها فورًا إلى مكتب المُساعِدات، حيث بقيت حتى ترحيلها بعدما تبيّن أخيرًا أنّها مريضة وتشكلّ خطرًا على الناس.

 

عندما أفكّر بالذي حصل معي، أجد صعوبة باستيعاب أنّني كدتُ أموت خلال نومي وأترك ورائي حزنًا عميقًا في قلب زوجي وولدَيَّ.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button