إسمي حياة

لقد انتصَرتُ على أكبر أعداء للمرأة: الزّوج الخائن وعائلة الحمى وسرطان الثدي. لم تكن المعركة سهلة ولم أكن مهيّأة لها، ولكنّ حبّي للحياة حملَني على المقاومة. الحياة... هل كانت صدفة أم قدَرًا أن يكون اسمي حياة؟ لستُ أدري، ولكن مهما كان اسمي فَمِن حقّي أن أرفض الغرق في اليأس والاستسلام والموت. مِن حقّي أن أقول لا وأتّخذ قرارات جريئة ومؤلمة. فلا معركة أو انتصار مِن دون إصابات.

كان زميلي في العمل عبد، شابًا رصينًا ومسؤولاً، وهذا ما أعجبَني به بعدما رأيتُ كيف هم بعض الرجال، أي يُكثرون مِن العلاقات في آن واحد ثم يرمون تلك الفتيات المسكينات الواحدة تلوَ الأخرى. مع عبد إستعملتُ عقلي، فهو أحبّني أمّا أنا فلَزِمني وقت أطول لأدخله قلبي.

تزوّجنا وسكنّا في شقّة صغيرة جدًّا فوق بيت أهله، وما أن وطِئت قدَمايَ ذلك المكان حتى بدأَت العائلة التدخّل بشؤوننا. لم يكن لنا أي خصوصيّة، فقد كان لدَيهم مفتاحٌ لشقّتنا ويدخلون علينا ساعة شاءوا وتحت أيّة ذريعة. وكان عليّ الالتزام برأيهم في إدارة زواجي مِن جميع النواحي حتى الحميمة منها. هو لم يوقفهم عند حدّهم، وأنا اختَرت الطريقة السلميّة خوفًا مِن إحداث المشاكل. كنتُ أعاملهم بالحسنى واساعدهم، لا بل كنت أخدمهم على أمل أن يأتي يوم ويرَون أنّني لستُ عدوّتهم أو حتى غريبة عنهم. ولكن كلّ ذلك لم ينفع بل ساهَمَ في تعزيز ازدرائهم لي. بكيتُ كثيرًا لأنّ تلك لم تكن فكرتي عن الزواج، وأدركتُ أنّني سأعيش هكذا لباقي حياتي، فأحوالنا لم تكن تسمح لنا بالانتقال إلى مكان آخر.

في كلّ الأحوال، زوجي كان سعيدًا بقربه مِن أهله، ولم يخطر بباله ولو للحظة أن يبتعد عنهم.

 


أنجَبتُ ابنتي الأولى، وصبَبتُ اهتمامي عليها وعلى زوجي، ولكن في إحدى المرّات اكتشفتُ أنّ عبد يدخل إلى مواقع التعارف والزواج وله صديقات على المسنجر.

صُعِقتُ بالأمر، فلطالما كان رجلاً عاقلاً ويكنّ لي حبًّا قويًّا، ولم يكن هناك بيننا أيّ تصادم أو خلاف. وعندما واجهتُه فَعَل كباقي الخوَنة، أي نكَرَ واستنكَرَ ووجَدَ لنفسه أعذارًا سخيفة، وادّعى أنّه زارَ تلك المواقع بدافع الحشريّة، وأنّ تلك الفتيات ليست سوى معارف سطحيّة لا معنى لها. ووصَلَت وقاحته إلى اتّهامي بالغيرة المفرطة وغير المبرّرة... وانزعَجَ مِن ملاحظاتي.

ولكنّه لم يوقف تلك الممارسات بالرّغم مِن قراري بمسامحته وبقيَ "يلهو" على الانترنت. شعرتُ بالظلم بعد كلّ الذي فعلتُه وأفعله مِن أجله وأجل أهله والتفاني الكبير الذي بذَلتُه لإسعاده. كيف يملّ منّي بعد سنتَين فقط من زواجنا؟ أين ذهب الرّجل الرّصين الذي اختَرتُه زوجًا لي؟

وبكيتُ كلّ دموعي على حالتي التي لم أتصوّرها يومًا، وانتكسَت صحّتي مع كلّ اكتشاف جديد، وأدرَكتُ أنّ عبد لم يكن مستعدًّا أبدًا لأن يتوقّف عن البحث عن غيري. كنتُ قد قلتُ له في إحدى المرّات أنّ ما يقوم به سيجلب لي المرض، وكنتُ على حق. فلقد أعلَنَ جسدي التمرّد، فخسَّ وزني بشكل سريع ومريع، وكلّ ما وجَدَ زوجي ليقوله لي كان:" أنظري إلى نفسكِ... ما هذا الشكل؟".

حتى شعرتُ في أحد الأيّام بكتلة في ثديي، فركضتُ عند الطبيب وأجريتُ فحوصات وأخذوا عيّنة مِن الكتلة. وبالرّغم مِن أنّني كنتُ أعلم في قرارة نفسي نوعيّة مرضي، لم أتحمّل أن يُقال لي إنّني مصابة بسرطان الثدي بدرجته الثانية. لعَنتُ زوجي وأهله، إذ لا بدّ أن يكون لمعاملتهم لي دخل بما أصابَني، خاصّة أنّني قلتُ لعبد في ما مضى إنّ خياناته ستجلب لي المرض.

وربما شعَرَ بالذنب، لأنّه بقيَ إلى جانبي حين استأصلوا جزءًا مِن ثديي وبدأتُ جلسات العلاج الكيماويّ.

وكغيري مِن المرضى، تساقَطَ شعري وتبدّل حالي. تحمّلتُ ألمي مِن أجل أولادي، فلم أكن أبكي أمامهم بل أترك العنان ليأسي للمساء حين لا يراني أحد.

وبعدما انتهى العلاج، إكتشفتُ أنّ زوجي لم يفهم مدى تأثير خياناته عليّ، فكان خلال مرضي يتبادل مع إحداهنّ الرسائل الإباحيّة. ولشدّة ألَمي وخيبة أملي، أُدخِلتُ قسم الطوارئ ولم يجد زوجي شيئًا ليقوله إلا أنّها هي التي أغوَته.

وشفيتُ تمامًا وعدتُ كالسابق وخلتُ أنّني سأستعيد زوجي وتنتهي المآسي، ولكن شعرتُ في داخلي أنّ عبد يُحضّر لشيء بغيض جدًّا. ولم يطل الوقت حتى اكتشفتُ، أو بالأحرى علِمتُ مِن عبد نفسه، ما كانت تلك المصيبة: كان قد اختارَ عروسًا جديدة، وقصَدَ أهلها واتّفَقَ معهم وخطَبها. ولن تفهم شعوري بتلك اللحظة سوى اللواتِي مرَرنَ بذلك الخذلان الذي لا مثيل له. بكيتُ وهدّدَتُ وتوسَّلتُ ولكنّه لم يُغيّر رأيه وتزوّجها.

 


عندها تركتُ البيت والتجأتُ إلى أهلي، ولكنّني عدتُ بعد أيّام مِن أجل أولادي.

وأسكَنَ عبد زوجته الجديدة في شقّة قبالتي، بعد أن اتضَحَ أنّه كان قادرًا على شراء منزل آخر، وكلّما كان يذهب إليها كنتُ أشعر وكأنّ سكاكين تُغرَس في قلبي. يا ليتَ الرّجال يُدركون كم مِن أسىً يخلقون عند زوجاتهم عندما يتزوّجون عليهنّ وكم هي عميقة المرارة! حاولتُ الانتحار لأنهي عذابي ولكنّني لم أفلح. عندها قرَّرتُ إخبار أهلي بما فعلَه زوجي بي. كنتُ قد أخفَيتُ الخبر عنهم كي أجنّبهم الحزن والهمّ، ولكنّني لم أعد قادرة على تحمّل لوحدي هذا الكمّ مِن الظلم. أمَروني بالعودة إليهم فقرَّرتُ أخيرًا الرحيل. ولدى سماعه ذلك، تحوّلَ زوجي فجأة وبدأ يتوسّل إليّ بعدم تركه.

قال لي إنّه نادم على الزواج وإنّه سيُنهي ما أسماها "غلطته الكبيرة". وليُثبت لي حسن نيّته، أرجَعَ تلك المرأة إلى أهلها وبكى أمامي كالطفل لأسامحه على نزوته وأبقى معه.

ولكنّني لم ألِن وبقيتُ مصرّة على الابتعاد عن ذلك الزوج اللعوب. خانَني وأنا صحيحة ومِن ثمّ وأنا مريضة، وجاء بامرأة ثانية وأسكنها أمامي وصار يذهب إليها بكلّ وقاحة... لا! ماذا فعلتُ له أو لأهله لأنال هذا الجزاء؟ لا شيء. عبد كان مِن هؤلاء الرجال الذين لا يحتاجون إلى عذر لممارسة "حقّهم". وماذا عن تلك الزوجة؟ لعِبَ بها واستغلّها لبضعة أشهر ومِن ثمّ أعادَها كالبضاعة غير النافعة. هكذا كان زوجي... يلعب بالنساء حتى يسأم منهنّ.

عندما عُدتُ إلى بيت أهلي، حَدَثَ بي تغيّر واضح صحيًّا وشكليًّا بعدما استرجَعتُ ذاتي. إستَوعَبتُ أنّني امرأة عاملة، أي مستقّلة ماديًّا واجتماعيًّا ولست ملزمة على العيش بالذل.

اليوم أنا سعيدة. يأتي زوجي ليأخذ أولاده ويبكي في كلّ مرّة، يُحاول إقناعي بالعودة وبات يخاف منّي لأنّه رأى أنّني بأفضل حال مِن دونه.

ما يُحزنني هو حال أولادي الذين اشتاقوا لأبيهم. قد أعود إلى عبد ولكن تحت شروط معيّنة، أي أنّني أريد بيتًا جديدًا وقطع العلاقات مع أهله، فلن اقبل بعد اليوم أن أكون خادمة عنده أو عند ذويه. إنتهَت "حياة" القديمة وحلَّت مكانها امرأة قويّة وعازمة. لقد تغلّبتُ على أخبَث مرض وأخبَث رجل، فماذا سيوقفني الآن؟

أعلم أن توسّلات وبكاء زوجي قد تتوقّف عند رجوعي إليه، ولكنّني لا أخاف مِن حدوث ذلك لأنّني لم أعد أبالي إن عاوَدَ خيانتي، خاصّة أنّ أمّي ستَبني لي شقّة صغيرة. وحتى لو أنّ تلك الشقّة لم تكن موجودة، فلن يُؤثّر عليّ رجل خائن بعد الآن، لأنّ في صدري قلب لبؤة مستعدّ للانقضاض على كلّ مَن يُحاول تحطيمه. أنا امرأة قويّة، ولن أذرف ولو دمعة واحدة بعد اليوم، فدمعي أثمَن مِن أن يُذرف على مَن لا يستحقّه.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button