إبنتي شيطان مخفيّ!

كنت أرملة وعندي فتاة كبيرة لكنّ ذلك لم يمنع وليد من الزواج بي. حذّرته والدته من أنّه قد يواجه بعض المشاكل مع ابنة زوجته البالغة من العمر 18 عاماً ولكن، لكونه معلّماً تربوياً، كان مقتنعاً بأنّه قادر على فهمها ودفعها إلى أن تحبّه.

كانت إليز فتاة جميلة تشبه والدها إلى حدٍّ كبير. وكان وليد يغار بعض الشيء من ذاك الرجل. كان من الصعب عليه أن يتنافس مع ذكرى رجل ميت... في البداية، بدا أنّ إليز قد تقبّلته أو على الأقلّ رضيت بوجوده، إلى أن اكتشف وليد ما كانت تفعله في النهار بدلاً من الذهاب إلى الجامعة. صدفةً في أحد الأيام، قابل وليد زميلةً قديمة له تعلّم في الجامعة فسألها عن إليز وأجابته بأنّها لم ترها يوماً وأنّها على الأرجح غير مسجّلة في الجامعة... وقبل أن يطلعني على الأمر، قرّر أن يتأكّد بنفسه فأخذ يوم عطلة وتبعها من النهار إلى المساء.

بعد أن تناولت الفطور معنا كما جرت العادة، خرجت من المنزل وعلى كتفها حقيبتها متمنّيةً لنا يوماً سعيداً. ولكن ما إن وصلت إلى آخر الشارع حتى بدّلت مسارها وذهبت للقاء فتاتين كانتا تنتظرانها عند المفترق. شاهدهنّ وليد وهنّ يركبنَ في سيارة ويتوجّهنَ إلى مقهى حيث كان في انتظارهنّ مجموعة صغيرة من الشبّان. دخل إلى المقهى لكنّه لم يجدهم في الداخل. لا بد أنّهم كانوا في الغرفة الخلفية حيث لا يمكنه الدخول، ولم يخرجوا منها إلاّ قرابة الظهيرة للذهاب إلى مطعم. كان هذا مشروعهم اليومي على ما يبدو!

وكي لا أقلق، صمّم وليد على أن يحلّ المشكلة بنفسه فدخل إلى غرفة إليز ليكلّمها. في البداية أنكرت بشدّة لكن حين أدركت أنّ وليد مطّلع على المسألة جيداً اعترفت في النهاية:

- لا أنصحك بإخبار والدتي فقد تندم على ذلك. لا تستخفّ بي فأنا قادرة على فعل الأسوأ. يكفيني أنّني بالكاد أحتمل وجودك!

- لن أقول أيّ شيء إذا وعدتِني بالتوقّف عن كلّ شيء والعودة إلى الكلية. لا تظنّي أنّ فتاة صغيرة تخيفني. لقد عرفت ما هو أسوأ.

- آه لا، صدّقني أنت لا تملك أيّ فكرة عمّا أنا قادرة على فعله. اهتمّ بشؤونك ولا تتدخّل في حياتي. أنت لست والدي. أنت لا أحد، لا أحد أبداً.

اعتبر وليد أنّ ردّة فعل إليز كانت من باب الغيظ ليس إلاّ وأمل أن يؤتي حوارهما ثماره ولكنّه كان مخطئاً.

لم أكن على علم بأيّ شيء ممّا حصل ففوجئت حين رأيت ابنتي في اليوم التالي مرتميةً بين ذراعيّ وغارقةً بالدموع. بكت كثيراً لدرجة أن تطلّب منّي الأمر بعض الوقت لأفهم ما المشكلة.

- أمّي لا يسعني أن أسكت، يجب أن تعرفي ليتوقّف كلّ شيء.

- اهدئي يا حبيبتي وأخبريني بكلّ شيء.

- وليد زوجك ينتظر أن نكون بمفردنا حتّى...

- حتّى ماذا؟ قلت مذعورة.


- ليتحرّش بي. يقوم بذلك منذ زواجكما. لم أشأ إخبارك بالمسألة لكي لا أجرحك ولكن ما عدت أستطيع التحمّل! أرجوك أمّي لا تدعيه يلحق بي الأذى أكثر!

لم أفكّر يوماً أنّ وليد قادر على فعل ذلك. لكن لدى التفكير ملياً أدركت كم أنّه يحاول كسب ثقتها والتقرّب منها والتكلّم معها بلطف ومساندتها. لطالما اعتبرت هذا السلوك متعاطفاً ولكن الآن مع توضّح الصورة صار عندي شكوك. تحت تأثير الصدمة والغضب منه ومن نفسي لأنّني سمحت للوحش بالدخول إلى حياتنا، حزمت أمتعتنا واصطحبت إليز إلى بيت شقيقتي. فقد كان مستحيلاً أن أرى ذاك المجرم مرّة ثانية!

عند المساء حين جاء وليد ولم ير أحداً في المنزل اتّصل على هاتفي المحمول فاستفدت من الفرصة لأصبّ عليه كلّ غضبي ناعتةً إيّاه بالشاذّ الذي يحبّ الأولاد. لقد كان مصدوماً ولم يقل شيئاً فأكملت وقلت له إنّني لا أرغب في رؤيته من جديد وإنّه ملزم بترك المنزل على الفور وإنّني أطلب الطلاق وعليه منحه لي في أسرع وقت ممكن وإلاّ لجأت إلى المراجع المختصّة. لقد تحمّست لفكرة رؤيته مذلولاً ومرميّاً في السجن.

حين تأكّدنا من أنّ وليد قد غادر المنزل عدنا إليه ورحت أمضي كلّ أوقات فراغي بالقرب من صغيرتي الغالية لكي أجعلها تنسى ما عانت منه.

مرّ أسبوع على هذه الحال إلى أن وجدت في صباح أحد الأيام وليد أمام المبنى وهو ينتظرني في سيّارته.

- اصعدي، عليّ أن أريك شيئاً، قال.

رفضت قطعاً إذ بات يخيفني وما عدت أدرك ما هو قادر على فعله. لقد تحوّل إلى شخص غريب ومريض.

- أتخافين منّي؟ أرجوك! حبّاً بالله... اركبي في السيارة وأعدك أنّها ستكون المرة الأخيرة التي ترين فيها وجهي.'

قبلت لكنّني لم أعرف لمَ. ركن السيارة عند زاوية الشارع ورأينا إليز وهي تمرّ أمامنا فتبعناها ورأيناها تنضمّ إلى أصدقائها في المقهى بدلاً من الذهاب إلى الكلية. عندئذٍ شرح لي وليد كلّ القصة. لم أشعر بجسمي في لحظتها. نزلت من السيارة ودخلت إلى المقهى ودفعت باب الغرفة الخلفية. حاول الموظّف منعي لكنّ وليد الذي تبعني ضربه وصدّه. هنا، رأيت ابنتي وسط فتيات أخريات تتعاطى الكوكايين. نظرت إليّ نظرة غباء فأمسكتها بكتفها ودفعتها إلى الخارج ورميتها على المقعد الخلفي للسيارة.


- آسفة لأنّني شككت بك حبيبي ولكن...

- الذنب ليس ذنبك. هي ممثّلة بارعة. فماذا ستفعلين الآن؟

- بدايةً، علاج لإزالة السموم من جسمها ومن مصلحتها أن تستقيم. لا أصدّق ما يحدث! ماذا فعلت لكي أنال هذا العقاب؟

- ليس الأهل مذنبين على الدوام فالرفقة السيئة والشخصية الضعيفة قد تؤدّيان إلى هذا النوع من المواقف. لم يفت الأوان لأنّها لا تزال شابة. هل تريدين أن أختفي من حياتكما؟

- أبداً على الإطلاق! ستكون سندي، وأظنّ أنّ إليز تحتاج إلى وجود رجل في المنزل. أنا واثقة من أنّها ستكون شاكرة لك في المستقبل لأنّك أنقذتها.

هكذا بدأ الكفاح الطويل في وجه المخدِّرات... إلى أن صارت إليز "نظيفة" تماماً بالرغم من أنّها ما زالت هشّة نوعاً ما. والآن نعيش نحن الثلاثة على أمل أن تكون تلك القصّة قد صارت خلفنا.


    حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button