أعاقة إبنتي سببها الجهل

كلّما بكَت إبنتي المعاقة وركضتُ أرى ما تحاول قوله لي أشعر بالأسى العميق لها لأنّ حالتها كانت نتيجة جهل وظلم جدّتها أيّ أمّي التي تسبّبَت لها بتشّويه في الدماغ وفي الجسد سيرافقها طوال حياتها.

حدث ذلك عندما علِمَت والدتي بأنّني حامل مِن إبن جيراننا الذي أغراني قبل أن يسافر إلى الولايات المتّحدة. ولأنّني كنتُ في الخامسة عشر مِن عمري ولم أكن أعلم شيئاً عن أمور الجنس صدّقتُه عندما أكَّدَ لي أنّه مِن الطبيعيّ أن أدعَه يلمسني وأنّ كل الناس يفعلون ذلك عندما يُعجَبون بِبعضهم وكنتُ جدّ معجبة بذلك الشاب الوسيم الذي كانت تتهامس عنه كل فتيات الحيّ وتنتظر منه ولو نظرة واحدة. وشعرتُ بفخر كبير عندما إختارَني أنا بالذات وبدأ يعطيني مواعيد سرّيّة في بيت مهجور في أوّل البلدة. وكنتُ أتحجّج بصديقة لي وأذهب لأراه ليقول لي كم أنا جميلة وجذّابة. وأعرف الآن أنّه وجَدَ فيّ الضحيّة المثاليّة لإشباع رغباته خاصة أنّ موعد سفره كان يقترب وكان يعلم أنّ لا أحد سيلحق به إلى تلك القارة البعيدة.

وهكذا بدأنا نمارس الجنس وبالرغم مِن أنّني لم أشعر بأيّة لذّة بقيتُ فخورة بنفسي خاصة بعدما أهداني عقداً جميلاً عربون ما أسماه "حبنا الأبدي." وبالطبع لم يُطلعني على نيّته في مغادرة البلاد خوفاً مِن أن أفضحه و أرغمه على البقاء والزواج منّي. وحين لم أعد أسمع منه أو ألمحه في الحيّ سألتُ عنه أمّه التي إبتسمَت وقالت: "إبني؟ رحَلَ إلى الولايات المتحّدة عند خاله..."

وأتذكّر تماماً مدى حزني عند سماعها تقول ذلك وكيف ركضتُ إلى مكان موعدنا المعتاد أبكي غيابه. ولكنّني لم أتخيّل أبداً أنّني كنتُ حاملاً منه لأنّ الأمر لم يخطر على بالي ولو للحظة. وكانت أمّي أوّل مَن إكتشَفَ المصيبة التي وقَعتُ بها حين لاحظَت تأخّراً في ميعادي وبدأت تراقب وتترقّب حتى أن فهمَت ما يجري. عندها أخذَتني جانباً وسألَتني:

 

ـ هل لَمَسكِ أحد؟

 

ـ ماذا تعنين؟

 

ـ هل لَمَسكِ شاب أو رجل؟ أجيبي!

 

وعندما رأتني أبكي مسَكَتني وهزّتني تسأل عن أسمه. عندها قلتُ لها أنّه إبن الجيران فصَرَخَت:

 

ـ هذا الذي سافَر إلى أمريكا؟

 

ـ أجل...

 

وصَفعَتني بقوّة وقالت:

 

ـ أيتها الغبيّة! أنتِ حامل منه!

 


ولم أستوعب تماماً ما قالَته أو حتى مدى غضبها إلاّ عندما شَرَحَت لي أنّ هناك طفلاً في أحشائي. ولأنّني كنتُ لا أزال صغيرة فرِحتُ أنّ جزءً مِن حبيبي كان حيّاً بداخلي وكأنّه تذكار منه. وبدأَت أمّي تخبط على صدرها وتردّد:"يا للمصيبة!" حتى أن إستوعبتُ أنّها فعلاً مصيبة.

وفي اليوم التالي أخذَتني إلى المدينة عند طبيب نسائي الذي أكّدَ لها أنّني حامل. ومنذ تلك اللحظة تغيّرَت حياتي وحياة الطفل الذي كان في داخلي. فلحظة عودتنا إلى المنزل دخلنا الغرفة وفتحَت والدتي الخزانة وأخَرَجَت شرشفاً ومزّقَته وربطَته على بطني وقالت لي:

 

ـ إيّاكِ أن تنزعيه عنكِ... ستنامين وتفيقين به... ولن تخرجي إلاّ بعدما أتفقّده... أفهمتِ؟ وإلاّ أقسم بالله أنّني سأقتلكِ بيديّ!

 

وبدأ عذابي ففي كلّ صباح كانت أمّي تشدّ الحزام بقوّة وهي تتمتم شتائم ووعود بالإنتقام. وبدأَت تفتّش لي عن عريس يقبل بفتاة حامل مِن غيره الأمر الذي كان شبه مستحيل. ومرَّت الأسابيع والأشهر وكِدنا نفقد الأمل حتى أن جاءَت والدتي في أحد الأيّام والبسمة على وجهها:

 

ـ أظنّ أنّني وجدتُ مَن يغسل عاركِ!

 

ـ مَن؟

 

ـ إبن خالتي... تعرفينه... رأيتيه مرّة عندنا... إسمه سعيد...

 

ـ ذلك العجوز القبيح؟

 

ـ ليس عجوز... بالكاد يبلغ الأربعين مِن عمره... وليس قبيح.

 

ـ الأربعين؟ هل جننتِ؟

 

ـ لا... لم أجَن... ولكنّه الوحيد الذي قَبِلَ بكِ وبحالتكِ... إحمدي ربّكِ عليه... إنّه مخلّصكِ.

 

ـ لا أريده! أفضّل الموت!

 

ـ ستموتين بالفعل إن لم تتزوّجي منه... صحيح أنّني أربط الحزام جيّداً حول بطنكِ ولكنّ يوم سيأتي وتولدين... عندها سيقتلكِ أبوكِ... صدّقيني!

 


وجاء العريس وبدأتُ بالبكاء بينما كان هو فرحاً بالفتاة اليافعة التي كان سينال منها حتى لو كان الثمَن أن آتيَ له معي بطفل مِن رجل آخر. أقامَ أهلي لي حفلاً كبيراً ليرى الجميع أنّ إبنتهما تزوّجَت فعلاً وأرسلوني مع سعيد بعيداً كي لا يحسب أحد الأشهر الباقية على الولادة.

 

وحينها فقط إستطعتُ نزع الحزام الذي كان يسبّب لي ألماً شديداً وأخّرَ نموّ الجنين. ولكي لا يعاشرني عريسي تحجّجتُ بأنّ علينا الأنتظار حتى أن أولِد وأتعافى لبدء حياتنا الزوجيّة كما يجب. ولكن عندما جاءَت إبنتي إلى الحياة ورأى سعيد حالتها خافَ مِن الإنجاب منّي وقرّرَ عدم لمسي بتاتاً. أمّا أنا فحمَلتُ طفلتي بين ذراعيّ وقبّلتُها وطلبتُ منها السماح. فضغطَ الحزام أثّر على إكتمال جسدها وعقلها وكانت ستبقى صغيرة الحجم ومتأخّرة عقليّاً مدى حياتها. وعندما أريتُ صغيرتي لأمّي صَرَخَت وقالت:"هذا ما يحصل عندما تقترفين الحرام!" نظرتُ إليها وأجَبتُها:

 

ـ لا... هذا ما يحصل عندما لا يطلعون الأهل فتياتهم على أمور الحياة وعندما لا يعلمّون صبيانهم على إحترام البنات... هذا ما يحصل عندما تربّون أولادكم في الظلام والجهل وتحاولون تغطية أخطاءكم بطرق همجيّة... لم تأخذين يوماً جانباً لِتُخبريني عن الجنس والحمل... حتى أمر الميعاد إكتشفتُه بنفسي وخلتُ أنّني سأموت... ولم يعلم أبي بأمر حملي لأنّكِ خفتِ أن يقتلني وكأنّني حيوان ما... أين محبّة الأهل؟ أين إحترامكِ للحياة عندما كنتِ تشدّين بكل قواكِ على بطني آملة أن تخنُقي وتسحقي ما بداخلي لكي لا يشير إليكِ أحد بالأصابع؟ ما ذنب طفلتي؟ وما ذنبي أنا؟ جهلكم جميعاً دمّرَ حياتنا إلى الأبد. يا ليتكم أحببتوني فعلاً... يا ليتكم أحببتوني أكثر مِن خوفكم على سمعتكم... سأعيش مع طفلة معاقة وزوج إشمأزَّ منّي ومِن المصيبة التي أوقعتوه بها... إذهبي الآن فلم أعد أريد رؤيتكِ ودعيني أتدبّر أمري بنفسي.

 

وقرّرتُ أن أصبح امرأة قويّة ومسؤولة لأنّ إبنتي كانت بِحاجة أن أكون هكذا. تكلّمتُ مطوّلاً مع زوجي وأخبرتُه ما الذي حدثَ فعلاً حتى أنجبتُ طفلة معاقة وخيّرتُه بين الرحيل أو البقاء إلى جانبنا ولعب دور الزوج والأب. وبقيَ معنا وتدبّرنا أمرنا بِمساعدة إرشدات الأطبّاء وأصبحَ سعيد يحبّ الطفلة وكأنّها فعلاً منه. عندها بدأت فعلاً حياتنا الزوجيّة وأنجبنا ولداً سليماً جسديّاً وعقليّاً علّمتُه حبّ إخته وإحترام حاجاتها.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button