أرادت زوجتي التخلص مني

يوم أصبحَت ليلى زوجتي، شعرتُ أنّني أمتلك الدنيا بأسرها. كنتُ قد أُغرِمتُ بها حين كنّا على مقاعد الدراسة، واعدًا نفسي أنّني سأمضي حياتي معها. هي لم تكن تدري حتى بوجودي لكثرة شعبيّتها بين التلامذة، ولم تكن لتنظر إلى شخص عاديّ مثلي لولا إصراري وصبري.

وكي ألفتَ انتباهها، بدأتُ أجتهد حتى أصبحتُ أوّل دفعتي، الأمر الذي جلَبَ لي التهاني وصِرتُ مثالاً لكلّ مَن أرادَ التقدّم بالحياة. عندها، ابتسمَت لي ليلى، وعلِمتُ أنّني خطَوتُ خطوة هامّة في مخطّطي. عَرَضتُ على تلك الصبيّة الجميلة أن أساعدها في مادّة الرياضيات التي لم تكن تحبّها أو حتى تفهمها، وهكذا بدأنا نجلس سويًّا باستمرار، الأمر الذي قرّبنا مِن بعضنا بشكل كبير.

بقينا أصدقاء حتى دخولنا الجامعة، وعندما اقترحتُ على ليلى أن نتزوّج بعد تخرّجنا، شعرتُ أنّها قد تقبل عرضي. لِذا أغرقتُها بالهدايا والدّعوات للخروج إلى أماكن جميلة، بفضل العمل الذي وجدتُه في إحدى المكتبات. كانت تعلم أنّ مستقبلي واعد لأنّني كنتُ تلميذًا بارعًا وفائق الذكاء، وراهنَت على ذلك للحصول على حياة هنيئة بعدما عانَت مِن القلّة في بيت أبيها.

تخرّجتُ وبدأتُ العمل في إحدى شركات الهندسة في العاصمة، وتقدّمتُ بسرعة ملحوظة. إحتفلنا بخطوبتنا وبدأتُ أدفع أقساط شقّة جميلة تليق بأميرتي. وبعد ثلاث سنوات أصبحَت ليلى زوجتي.

عشنا سنوات جميلة محاطَين بالأصدقاء والأهل، ورُزقنا ولدًا يُشبهنا نحن الاثنَين وحملَت ليلى ببنت إنتظرتُها بفارغ الصبر. مسيرتي المهنيّة كانت ممتازة واستقبلنا ابنتنا بفرح لا يوصف.

إلا أنّني وقعتُ بعد خمس سنوات ضحيّة حادث سيّارة مروّع أبقاني مشلولاً. لن أستطيع وصف حالتي النفسيّة عندما أخبرَني الطبيب أنّني سأبقى سجين سريري لمدّة غير محدّدة، فشللي لم يكن يقتصر فقط على رجليّ بل على كامل جسدي. بكيتُ كثيرًا، سائلاً نفسي كيف سأتمكّن مِن إعالة عائلتي الحبيبة والقيام بواجباتي الزوجيّة.

طمأنَتني زوجتي بأنّها لا تبالي بتداعيات ما حصل لي، وأنّ عافيتي هي ما يهمّ وأنّنا سنجد حلاً لوضعي مهما كلَّفَ الأمر.

 


وهكذا عدتُ إلى بيتنا مكسور الخاطر وبدأ عذابي اليوميّ. كان يأتي ولدَيَّ إلى السرير ليناما بالقرب منّي ويشعرا بدفء حناني، لكنّني لم أكن قادرًا على مداعبتهما أو اللعب معهما. أمّا ليلى فكانت تحاول الترفية عنّي باخباري عن عملها الجديد الذي كان سيُساعدنا على عدم مدّ اليد إلى أحد.

عيّنَت لي شركة التأمين معالجًا فيزيائيًا كان يأتي إليّ يوميًا، ويُمسّد جسدي ويُرغمني على القيام بتمارين بدَت لي مستحيلة. كان طلال شابًا قويّ البنية ويتمتّع بتفاؤل لا حدود له. وبفضله عادَ لي الأمل بأن أستعيد، ولو قليلاً، حَرَكتي.

أصبَحَ طلال فردًا مِن العائلة، وكنّا جميعًا نسعد لمجيئه، ولكنّني كنتُ أمتعض حين أراه يلاعب ولدَيَّ ويُحدّث زوجتي. كان يفعل ذلك بدافع اللطافة، لأنّه كان يُمضي وقتًا طويلاً عندنا لشدّة حالتي، فالجدير بالذكر أنّه كان يُساعدني بتغيير ملابسي وقضاء حاجاتي الخاصّة.

بعد حوالي السنة شعرتُ بتحسن ملحوظ، فأصبحت أمشي قليلاً ولكن بواسطة عكازات وكأنّني طفل صغير. وبالرّغم مِن ذلك التقدّم الخجول، كنتُ بدأتُ أرى الضوء في آخر النفق. صحيح أنّ الأطبّاء قالوا لي إنّني قد أتمكّن مِن المشي واستعمال أطرافي مِن جديد، إلا أنّني لن أستعيد يومًا حركتي السابقة.

ما كان يُحزنني بشكل كبير كان عدم قدرتي على العمل وتأمين ما يلزم لعائلتي، وشكرتُ ربّي لأنّه أعطاني زوجة متفهّمة، إلى حين لاحظتُ مِن جانبها بداية انزعاج مِن الوضع الذي كنّا فيه. لم أستطع لومها، فالعيش مع زوج كسيح لم يكن سهلاً أبدًا، فكلّ أحلامها كانت قد انهارَت بلحظة واحدة. لِذا تحمّلتُ مزاجها المتقلّب وإيحاءاتها المؤذيّة بصبر لم أكن أعلم أنّني أمتلكُه.

على مرّ الأيّام، ساءَت الأمور أكثر فأكثر، ولم تعد زوجتي تهنّئني كلّما احرزتُ تقدّمًا، بل صارَت تقول لي باستهزاء: "منظركَ وأنتَ تمشي مضحكٌ... عُد إلى سريركَ فهذا أفضل"، أو "لا داعٍ لكلّ هذا المجهود فلقد تعوّدتُ على غياب رجل البيت."

كنتُ أبكي لوحدي في سريري، وأسأل الله ماذا فعلتُ له كي يُنزل عليّ عقابًا كهذا. فقد كانت عائلتي تبتعد عنّي وشعرتُ بيأس لا مثيل له. وحده طلال كان يُواسيني ويدعمني طوال الوقت ويدفعني إلى المثابرة على المحاولة. كان ذلك الشاب سنَدي الأوحد في جوّ مِن العزلة التامّة.

ستقولون لي "أين أهلكَ وأصدقاؤكَ؟" للحقيقة هم أحاطوا بي في البدء، ولكن سرعان ما عادَ كلّ منهم إلى حياته وأشغاله. إلى جانب ذلك، التواجد مع رجل كسيح ليس مسليًّا بل يجلب الكآبة والخوف إلى قلوب الناس.

سمعتُ مِن إحدى جاراتنا التي كانت تأتي مِن وقت لآخر لزيارتي أنّ الناس تتكلّم عن وجود شاب في بيتنا، لكنّني أسكَتُها قائلاً: "لن أسمح لأحد بأن يمسَّ بشرف زوجتي أو يشكَّ بإخلاص طلال لي". غادَرت المرأة وهي تهزّ برأسها وسمعتُها تتمتم: "الزوج آخر مَن يعلم".

ومع أنّني لم أصدّق الخبر صرت، ولكثرة ملَلي، أراقب زوجتي ومعالجي عندما يكونا سويًّا، ولا أنكر أنّ ثمّة مودّة كانت بينهما تترجَمت بنظرات خاطفة وتلامس خفيّ جدًّا. هل كنتُ قد تأثّرتُ بكلام الجارة أم أنّ الناس رأوا أشياء فعلاً موجودة؟

طردتُ تلك الفكرة مِن رأسي، لأنّني كنتُ ممتنًا لزوجتي لجلب القوت إلى البيت ولطلال لمساعدتي بالتحسّن.

 


إلا أنّ حديثًا غيّر المعطيات كلّها ومجرى حياتي بكاملها. فذات يوم دخَلَ ابني إلى غرفتي واستلقى جنبي في السرير، وقال لي بكل براءة:

 

ـ بابا... هل ستبقى في البيت عندما تتزوّج الماما مِن طلال؟

 

ـ ماذا؟ مَن قال لكَ ذلك؟

 

ـ لا أحد... إنّه مجرّد سؤال.

 

ـ حبيبي... أنا زوج الماما وطلال هو معالج يأتي لمساعدتي وليس أكثر.

 

ـ أعرف كل ذلك ولكن...

 

ـ لكن ماذا؟ تكلّم يا حبيبي.

 

ـ سمعتُ الماما تتكلّم مع طلال عن زواجهما... كنتُ مختبأً وراء الباب لأنّني رأيتُهما يتهامسان ولم أكن أريد أن يظنّا أنّني أختلس السمع.

 

ـ وماذا بعد؟

 

ـ قالَت الماما لطلال: "متى ستخلّصني منه؟ تصرّف بسرعة أرجوكَ!"

 

قبّلتُ إبني وطمأنتُه إلى أنّ ما سمعَه هو مجرّد دعابة، لكنّني كنتُ جدّ خائف، فلا مصلحة لابني الصغير بأن يخترع مثل هذا الحديث، خاصّة أنّ القلق كان بيّنًا على وجهه.

بعد أيّام قليلة عَرَض عليّ طلال على غير عادة أن يأخذني بسيّارته في نزهة، لأنّني، حسب قوله، كنتُ بحاجة إلى الخروج مِن المنزل. لا أدري لماذا لكنّني رفضتُ الذهاب، الأمر الذي أزعجَه إلى أقصى حدّ. ردّة فعله هذه أثارَت شكوكي، لِذا طلبتُ مِن مكتبٍ للخدم أن يُرسل لي احدى موظّفاته.

مجيء تلك السيّدة أثارَت غضب زوجتي، التي صَرَخَت بأنّنا لا نملك المال الكافي لتوظيف أحد، خاصّة أنّها كانت تتعب كثيرًا لتأمين المأكل والمشرب. أمّا طلال فاستاءَ كثيرًا لما أسماه "عدَم تقديري لمهاراته". إلا أنّني لم أتراجع بل طلبتُ مِن مساعدتي الجديدة ملازمة جنبي وعدَم تركي مهما كان السبب. فعندما حاولَت زوجتي إرسالها خارج البيت خلال فرصة نهاية الأسبوع، لم تلقَ تجاوبًا منها.

هل كانت زوجتي وعشيقها ينويان التخلّص منّي بأبشع الطرق؟ بقيَ السؤال يُقلقني إلى أن جاءَني الجواب مِن السيّدة التي استخدمتُها. فهي قالَت لي في أحدّ الأيّام:

 

ـ سيّدي... فهمتُ لماذا لا تريدني أن أتركَكَ ولو لدقيقة واحدة... هناك شيء بغيض يجري في هذا البيت... عليكَ الرّحيل بعيدًا أو إعطاء زوجتكَ حريّتها ... أعلم أنّ الأمر لا يعنيني لكنّني أخشى الأفظع.

 

ـ ماذا تعلمين؟

 

ـ لن أتكلّم فلا أريد أن أظلم أحدًا، فلربّما أكون قد أخطأتُ الفهم... إنّه شعور أكثر مِن يقين.

 

تكلّمتُ مع زوجتي مطوّلاً وعرضتُ عليها تطليقها، فوافقَت بسرعة شرط أن تأخذ المنزل والأولاد. قبلتُ معها لكنّني أصرَّيتُ أن أستعيد حقّي في الحضانة يوم أعود إلى حياتي العمليّة. لم تمانع ليلى لأنّها لم تعتقد أنّ ذلك ممكنًا.

جاءَ أخي الكبير وأخَذَني إلى بيته بعد أن ودّعتُ ولدَيّ. هناك عيّنَت لي شركة التأمين معالجًا جديدًا يتمتّع بمهارة فائقة. بعد شهر واحد تزوّج طلال مِن ليلى وسكَن في بيتي ونام في سريري.

لم أحزن على ما حصل، لأنّني كنتُ متأكّدًا مِن أنّ هذَين الماكرين أرادا أذيّني، فلم يكن بمقدور ليلى تطليق معوّق، وحتى ولو فعلَت كانت ستخسر البيت وولَدَينا.

بقيتُ أتحسّن حتى استطعتُ الذهاب إلى عملي السابق ولكن كمستشار، وصِرتُ أرى ابني وابنتي مِن جديد وأجلبهما إلى شقّتي الجديدة.

أعلم أنّني سأجد المرأة المناسبة لي، وأعرف أخيرًا السعادة وذلك بفضل أمَلي بالحياة وثقتي بخالقي الذي ومِن دون أدنى شكّ، أبقاني على قَيد الحياة ونجّاني مِن مكيدة لعينة لسبب ما.

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button