بعد وفاة الأب من الطبيعي أن تغمر الأم أبناءها بالعاطفة والحنان تعويضًا عن النقص الناتج عن فقدان عاطفة الأب، الذي يعتبر السند والقوة للأبناء، ولكن قد تبالغ بعض الأمهات في تقديم دلالهن وعاطفتهن المفرطة لأبنائهن، وخاصة الأبناء الصغار في العمر، الذي يمكن أن تكرس في نفسه الإحساس بالغربة والاختلاف، وكذلك الشعور بالعجز والنقص، والذي من شأنه أن يهزم معنوياته وطموحاته واستعداه لقبول الحياة والتعامل معها. فما هي نتيجة التدليل الزائد من قبل الأم لأبنائها بعد وفاة الأب؟
أكد الأستاذ أحمد عبدالصبور، الإستشاري النفسي، في مؤسسة الشارقة للتمكين الاجتماعي، أن التدليل العاطفي الزائد للأبناء من قبل الأم، لايساعد على تكوين شخصية متميزة ومستقله للطفل، بل تنتج عنه شخصية إتكالية تعتمد على الأسرة والأم في كافة مناحي حياته، بحيث يعتمد الطفل على والدته في تلبية حاجاته، وبالتالي يصعب عليه الانسجام في العالم الخارجي، ويفتقد للكثير من مهارات التواصل، وقد تحدث له الكثير من المشكلات، كالإنطواء وقلة الثقة بالنفس، وضعف في تقدير الذات، عدا عن فقدان المسؤولية تجاه ما يتعرض له الأبناء من مواقف وقد يكون عاجزاً في كثير من الأحيان في إتخاذ القرار المناسب أو حتى حل مشكلة يتعرض لها.
التعويض عن غياب الأب
إذن كيف تستطيع الأم تعويض ابنائها عن فقدان الأب؟ يجيب الأستاذ أحمد عبدالصبور، ويقول: " إن التعامل مع الأبناء الأيتام بعد فقدان الأب هو موضوع في غاية الأهمية من حيث أساليب التعامل النفسية، حيث يشعر الأبناء بعدم الأمان النفسي نتيجة غياب الأب، وعلى الأم هنا أن تبذل الجهد الكبير في محاولة توفير الجو النفسي الآمن والمستقر داخل نطاق الأسرة، وعليها أيضاً مراعاة التوازن في العلاقة بين الأبناء، ومحاولة احتضانهم بما يحقق للأبناء نوعاً من الشعور بالإستقرار، وعليها أيضاً أن تراعي أن لكل مرحلة عمرية حاجاتها واهتماماتها وعليها مشاركة الأبناء اهتماماتهم ونشاطاتهم الترفيهية وتنظيم علاقاتهم بالآخرين".
الفرق بين الحنان والتدليل
ثمة فرق بين الحنان والتدليل، يوضحه الإستشاري النفسي، ويقول: "الحنان هو طبيعة بشرية وهبها الله سبحانه وتعالى للناس ليتراحموا فيما بينهم، وتظهر ملامحها جلية في سلوك الأمهات تجاه الأبناء، وهو سلوك محمود يحبه الأبناء ويلينون به، ولذلك ينصح في تعامل الأمهات مع الأبناء أن يتوافر الحنان والحب وأن يكون أسلوب حياه، فالقسوة والغلطه في التعامل مع الأبناء، لا تنشيء جيلاً من الأبناء يمتاز بصحة نفسيه جيده. أما التدليل هو نوع من الأساليب التي تلجأ إليها الأمهات في التربية نتيجة الحب الزائد والخوف على الأبناء، ومحاولة تيسيير أمور الحياة لهم، وفي كليهما الحنان والتدليل الزائد يتطلب تقديمها للأبناء بتوازن دون زيادة أو نقصان".
لضمان حياة نفسية مستقره للأبناء، يدعو الإستشاري النفسي الأمهات إلى ضرورة الإلمام بأساليب التعامل مع أبنائهن بعيداً عن الدلال الزائد أو القسوة المفرطة، ويقول: "قد يلجأ الكثير من الأمهات إلى استخدام اسلوب التدليل للأطفال الصغار في مراحل الطفولة المبكرة والمتأخرة، وقد يلجأ الكثير إلى التقليل أو الحد من استخدامها مع الكبار من البالغين والمراهقين من الأبناء، وقد يرجع ذلك إلى حداثة عمر الصغار وقلة خبراتهم والخوف القلق عليهم في حين يستطيع المراهق الإعتماد على نفسه في أساليب حياته وحاجاته، بالإضافة إلى أن حياة المراهقين والمراهقات من الأبناء تكون مليئة بالأحداث التي قد تؤرق الأم أو تحدثاً نوعاً من التجاذب في العلاقة بين الأبناء والأمهات، وعلى أي حال فجميع مراحل العمر للأبناء تتطلب أن تكون الأم على درايه بأساليب التعامل معهما حتى تضمن حياة نفسيه مستقره للأبناء".
الأنانية والاتكالية
يقول الخبير التربوي الدكتور يوسف شراب، من مركز الدعم وإتخاذ القرار في شرطة دبي: "بغض النظر عن عمر الطفل والحالة الاجتماعية التي يعيشها، يجب على الأم معاملة طفلها بموضوعية دون مبالغة بالتدليل أو حتى قسوة مفرطة، فالتدليل يخلق من الطفل إنسان اتكالي غير منتج، في المقابل المعاملة بالقسوة تحرم الطفل من العاطفة التي يحتاجها كل طفل في كل مرحلة من حياته، وخاصة الطفل اليتيم الذي حرم من عاطفة الأب.
ويشير شراب إلى أن المعاملة بالعاطفة لها أضرار كثيرة، وتنعكس بشكل كبير على شخصية الطفل وسلوكه خاصة عندما يكبر، حيث يصبح أكثر اتكالية وغير معتمد على نفسه، كذلك يجد صعوبة في اتخاذ القرارات واختيار التخصص العلمي، فالدلال الزائد يجعل الإنسان وخاصة الذكر إنسان اتكالي وغير مبالي ولا يهتم بمستقبله ولا يعي قيمة الوقت والمسؤولية.
الدلال البديل!
أوضح الدكتور يوسف شراب إلى أن وفاة الأب تدفع في بعض الأحيان الجدة أو العمه إلى تقديم الدلال الزائد للابن اليتيم، ويقول: " إن الدلال الزائد من طرف غير الأم له عواقب سلبية تتفوق عن سلبيات تقديم الأم لدلالها لأبنائها، لأن الطفل عندما يشعر أن جدته أو أي شخص غير عن والدته تقدم له الدلال أكثر من والدته هنا سوف سيبدأ في الابتعاد عن والدته، ويعتقد عندها أنها لا تحبه، وممكن أن يؤثر ذلك على شخصيته في المستقبل".
وينصح شراب الأمهات بضرورة خضوعهن لتوجيه وإرشاد أسري، في طريقة تعاملهن مع أطفالهن، خاصة أن لكل مرحلة في سن الطفل خصوصية في التعامل، على سبيل المثال، الطفل قبل سن الست سنوات يحتاج إلى عناية واهتمام محفوفة بالعاطفة، وبعد هذا السن تتطلب تربيته إلى استخدام اسلوب الحزم والانضباط، وتأني مرحلة المراهقة التي يجب فيها مراعاة مشاعر الإبن واتباع اسلوب اللين والحزم في آن.
تحقيق رنا إبراهيم