حوار مع مريم الفلاسي

مؤسِّسة أيريس برودجكتس في ميزا، إماراتية الأصل، مناصرةٌ للحفاظ على التراث الثقافي. تجمع رؤيتها وعملها بين الفنّانين الناشئين والمجتمع، وترتقي بفنّ الخليج المعاصر ليحظى بمساحةٍ أوسع على الساحة العالمية. إنّ تجسيد الرؤية ليس مهمةً سهلةً على ذوي القلوب الضعيفة، بل يتطلّب شجاعةً وعملاً دؤوباً وقناعةً راسخة تسعى إلى تحقيق غايةٍ أسمى. بالنسبة لرائدة أعمال شابة مثل مريم الفلاسي، كان الهدف هو خلق "ثقافة جمع" للحفاظ على التراث والهوية والتقاليد، مما يتيح للفنّانين وجامعي التحف الفنّية فرصةً لسرد الهوية الثقافية لمنطقة الخليج. تقول: "أسّستُ أيريس برودجكتس خلال سنتي الجامعية الأخيرة. كانت رؤيتي إنشاء منصّةٍ تدعم المشهد الفنّي الإقليمي، وتُبرز أصوات الفنّانين المعاصرين، وتعكس نبض اللحظة الثقافية الراهنة".

في خضّم جائحة كوفيد-١٩، أطلقت مريم معرضاً ووكالة للفنّ المعاصر لتؤمّن التواصل بين هواة الجمع والفنّانين. ما بدأ كمنصّة إلكترونية تجريبية نما وأدّى في النهاية إلى تقديم الاستشارات الاستراتيجية، وبناء مجموعات للشركات والحكومات، وتكليف الفنّ العام والمعارض واسعة النطاق. خرّيجة شابة من جامعة السوربون في أبو ظبي، كانت مريم تدرس تاريخ الفنّ وعلم الآثار عندما اتخذت الخطوة الأولى، ثمّ القفزة الأكبر التالية. تقول: "عام ٢٠٢٤، أطلقت مساحة معرضنا في M_39 ـ رأيت فجوة في النظام البيئي في أبو ظبي، وأنشأت أول معرض تجاري في حي ميزا الثقافي". وتشير إلى أنّ النظام البيئي المتطوّر كان مشهداً مختلفاً تماماً حتى قبل عقد من الزمن، عندما كان من النادر رؤية فنّانين من دول مجلس التعاون الخليجي يعرضون أعمالهم في المعارض الفنّية العالمية. اليوم، هناك تمثيل أكبر بكثير، ويظلّ الحفاظ على الصلة المتجذّرة في التاريخ جزءاً أساسياً من التعبير الثقافي. وتضيف قائلة: "أشعر أنّه من المهم أن ننشئ أنظمة تناسب سياقنا الخاص، ولغتنا، ومن خلال عدساتنا الخاصة، مع الاستمرار في المشاركة في لحظات الفنّ العالمية".

على مدى السنوات القليلة الماضية، عزّزت مريم علاقاتها وأكّدت التزامها بدعم الفنّانين الذين يضيفون شيئاً إلى نسيج الفنّ، مع إعادة تفسير التقاليد من خلال وجهات نظر حديثة. أما بالنسبة لها، فهي تواصل تنمية مجموعتها الشخصية، بالإضافة إلى الدعوة إلى الحفاظ على التراث الثقافي في منطقتنا. إحدى المبادرات التي تفخر بها أكثر من غيرها تشمل أرشيفاً يلتقط المشهد الفنّي في دولة الإمارات العربية المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي من الخمسينيات وحتى اليوم. يحتوي على كتالوغات المعارض، والمجلات الفنّية، وقصاصات الصحف، التي يتمّ إعارتها للمعارض والمتاحف. وتقول: "يضمّ الأرشيف أيضاً مجموعة معالي بطي بن بشر للصور الفوتوغرافية من الخمسينيات فصاعداً، بما فيها أول أرشيف رقمي للصور الفوتوغرافية من تشكيل دولة الإمارات العربية المتحدة (١٩٦٨-١٩٧٨)". هنا، تفتح مريم قلبها لمجلة ELLE Arabia حول بعض أهمّ التحديات واللحظات العميقة من رحلتها.

 

ما هي بعض التحدّيات التي اضطررتِ إلى التغلّب عليها للوصول إلى ما أنت عليه اليوم؟ 

ليس من السهل أبداً إطلاق عمل تجاري ـ ربما كمنت الصعوبة في البدء فيه أثناء دراستي الجامعية، فقد خفّف ذلك من الضغط الذي يرافق الإحساس بضرورة النجاح، وكنّا محظوظين بتأمين عدد من عملاء الشركات الذين قدّروا ما فعلناه. عندما انطلقنا عام ٢٠٢٠، لم أتوقّع سرعة النمو ولا أنّني سأطلق معرضاً في غضون خمس سنوات. لقد كانت رحلة تعلّم شاقة من حيث اللوجستيات التجارية وإدارة الأفراد، ولكن منذ البداية عملت مع أشخاص موهوبين بشكلٍ لا يصدّق، من الفنّانين الذين كلفّناهم أو ضممناهم إلى قائمتنا، إلى الشركاء والعملاء وأصحاب المصلحة الذين تعاونّا معهم. لقد عزّز كلّ معرض، وكلّ عرض فنّي، وكلّ مشروع، الدور الذي يمكننا القيام به، والحاجة إلى الاستمرار في مناصرة ودعم الفنّانين الإقليميين الذين نمثّلهم.

 

أخبرينا قليلاً عن الفنّانين العرب الذين تمثّلينهم. كيف تتداخل رحلتهم مع رؤيتك؟ 

أفخر بتمثيل ثمانية فنّانين إقليميين في أيريس برودجكتس حالياً، وهذا العدد في ازدياد مستمر مع معارفي بمواهب جديدة من جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي. أول فنّان عملت معه كان الفنّان الإماراتي جمعة الحاج. وكان عمله أيضاً من أوائل الأعمال في مجموعتي الفنّية الشخصية. تنبع ممارسة جمعة الفنّية من حاجته المتأصّلة للانتماء، وتُجسّد سعيه الفطري لإيجاد شعور بالسلام. كلّفته شركة "بيئة" مؤخراً بصنع عمل فنّي على شكل سجادة لمعرض "نسيج: خيوط الأمل"، وهو معرض يُعيد تصوّر السجادة كلوحة فنّية لسرد القصص المعاصرة. سيتمّ بيع السجّاد في مزاد خيري لأغراض إنسانية مع مبادرة فاطمة بنت محمد بن زايد.

 

هل لديك أي معارض حديثة يمكنك إخبارنا عنها؟ 

أحدث معرض في صالة العرض في أبو ظبي هو سلسلة من الأعمال الجديدة للفنّان عبد الله العثمان، المقيم في الرياض. أعمال عبد الله مستوحاة من بحث معمّق في مواضيع متنوّعة، كالفيزياء، والتاريخ، والثقافة، والعمارة، والتخطيط العمراني، والأنثروبولوجيا، وعلم الاجتماع. تتمحور كلّ قطعة من أعماله حول سردية محدّدة، إما قائمة مسبقاً أو من ابتكار الفنّان نفسه، ويستخدمها كمنهج لتحليل التجربة الإنسانية. كما نمثّل عدداً من الفنّانات الإماراتيات، مثل اليازية آل نهيان وشمسة العميرة.

 

ما هي بعض أهم الإنجازات التي تفخرين بها أكثر؟ 

إنّ وجود أعمال فنّية لفنّانين أمثّلهم، ضمن مجموعة رئيس دولة الإمارات العربية المتّحدة، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، كان بالتأكيد لحظة فارقة بالنسبة لي. أؤمن بشدّة بأنّ الدول بحاجة إلى ثقافات جمع حقيقية لدعم فنّانيها المحليين، وهذا شيء سعيت إليه بنشاط منذ إطلاق وكالة إيريس ـ من مساعدة الأفراد على وضع الاستراتيجيات وبدء المجموعات، إلى المساعدة في بناء مجموعات حكومية وشركات. كما أفخر بتمثيل فنّانين مثل الفنّان السعودي ناصر السالم، الذي تُعرض أعماله حالياً في متحف اللوفر أبو ظبي، وعبد الله العثمان، الذي عُرض عمله "مانيفستو: اللغة والمدينة، ٢٠٢١" في بينالي ليون قبل أن يبتكر عملاً خاصاً بالموقع لجناحنا الافتتاحي في معرض آرت دبي لهذا العام.

 

اصطحبيني في جولةٍ على بعض أثمن مقتنياتكم

من أعمالي المفضّلة "شجرة الغاف" للفنّان الإماراتي محمد أحمد إبراهيم. تُجسّد هذه الشجرة خصوصيةً خاصة في وطننا، فهي نوعٌ أصليٌّ ومحميٌّ من الأشجار، ينمو طبيعياً في الإمارات. أركّز حاليّاً على الفنّانين الناشئين. من المثير بالنسبة لي مقابلة هؤلاء الفنّانين ورؤيتهم ينمون بالتوازي معي. لديّ بعض أعمال سارة المهيري في مجموعتي. تعرّفتُ على أعمالها في أول معرضٍ فرديٍّ لها في "فنّ أبو ظبي" مع صالة عرض Carbon 12. يستكشف فنّها مواضيع الهوية، واللغة، والمادية، والذاكرة، وأنسب لها الفضل في دخولي إلى عالم التجريد والفنّ البسيط.

 

ما هي رسالتكِ لروّاد الأعمال الشباب والطلاب؟ 

انغمسوا في المشهد الفنّي. احرصوا على حضور افتتاحات المعارض، وزيارة معارضنا الفنّية المحلية ـ أبو ظبي للفنّ ودبي للفنّ ـ وتعرّفوا على الفنّانين المقيمين هنا، وحاولوا الانضمام إلى أي محاضرات أو زيارة استوديوهات. أحيطوا أنفسكم بأشخاص يلهمونكم، ولكن أيضاً بمن يتحدّون أفكاركم ويسعدون بمرافقتكم في هذه الرحلة. كروّاد أعمال شباب، عليكم أيضاً التعلّم والتكيّف باستمرار حتى تتحقّق رؤيتكم.

 
المزيد
back to top button