أستغنيت عن الزواج ثانيةً بسبب إبني... ولكنه دخل حياتي!

عندما توفيَ زوجي وتركني مع طفل صغير كنت متأكدّة أنّ حياتي قد إنتهت. فبمجتمعنا من شبه المستحيل أن تجد المرأة رجلاً يقبل بولد من غيره. فرضختُ لواقعي وعملتُ على التركيز على إبني فقط ووضعتُ حياتي العاطفيّة جانباً. وكان طبعاً الكل ممنوناً بي وبالمنحى الذي أخذته حياتي أي الوحدة والتفاني، بينما كانوا هم ينعمون بحنان الشريك وحياة عائليّة طبيعيّة.

ومرّت السنين على هذا النحو، أقسم وقتي بين عملي ومنزلي، أتباهى بعفّتي أمام الجميع وأتلقّى التهاني على هذه التضحية العظيمة. فلِما أرتبط بزوج يسيء معاملة وحيدي ويدير شؤون بيتي كما يريد؟ ومع سماع هذا مراراً إقتنعتُ بنظريّة الزوج الطاغي الذي سيفرّق بيني وبين ولدي طارق. ولكن كان من المكتوب أن ألتقي بسامي، الذي سيجعل قلبي يدقّ من جديد. فلقد وصل إلى الشركة التي أعمل فيها مدير جديد وبعد أن سأل عن الموظفين جميعاً إختارني أنا ﻷكون مساعدته الخاصة. وعندما دخلتُ ﻷوّل مرة مكتبه علمتُ فوراً أنّه سيكون جزءاً مهماً بحياتي وهو أيضاً شعر بإنجذاب كبير إليّ. ولكن علاقتنا في البدء بقيَت مهنيّة فقط فكلانا لم نكن نعلم حقيقة شعور الآخر. كنتُ أعرف أنّه مطلّق منذ فترة بسبب الأحاديث التي كانت تُطلق عنه كونه وسيم وأعزب فباتت جميع الموظفات تأملنَ أن يقع الإختيار عليهن. لم يخطر على بال أحد أنّه سيحب أرملة لديها ولد، فلم يأخذنَ حذرهنّ منّي.

وبعد بضعة أشهر تجرّأ أخيراً سامي بطلبه الخروج معي:

- آنسة ندى ... لديّ عشاء ولا أريد الذهاب لوحدي... هل تقبلين دعوتي؟ بكل إحترام طبعاً... فأنا أقدّركِ كثيراً وأعلم أنّكِ ستكونين الرفيقة المثاليّة لهكذا مناسبة.

عند سماع هذا بدأ قلبي يخفق بسرعة وبالكاد إستطعتُ لفظ كلمة "نعم". ضحِك وأضاف:"كم أحب خجلكِ هذا."

وذهبتُ معه إلى ذلك العشاء وقضينا سهرة ممتعة وعندما أوصلني إلى البيت طلبتُ منه ألا يُعلم أحد في الشركة عن هذه الأمسية تفادياً للثرثرة وشرحتُ له كم أنا حريصة على سمعتي. وعَدَني ألا يتفوّه بكلمة واحدة. وبعد أسبوع عاد وطلب منّي مرافقته ثانية ولكن هذه المرّة كنّا سنكون وحدنا:

- لن أكذب عليكِ... أفكّر فيكِ بإستمرار ومنذ الأسبوع الفائت وأنا أحاول إيجاد طريقة لأكون معكِ على إنفراد... لا تسيئي فهمي... لوحدنا في مكان عام... ووجدتُ أن قول الحقيقة هي أفضل وسيلة. ندى... أظنُّ أنني مغرمٌ بكِ!"

هنا إحمرّ وجهي لدرجة أنني خلتُ أنّه سيغمى عليّ. جلستُ على الكرسي وقلتُ بصوتٍ خافت:" في أيّ ساعة ستمرّ عليّ؟"

وهكذا بدأنا نتواعد وولد بيننا حبٌّ قويّ وجميل حتى أنّه عرض عليّ الزواج. وبدل أن أفرح إنتابني حزنٌ عميق فأجبته:

- سامي... يشرّفني أن أكون زوجتك ولكن... هناك طارق إبني... وقد بلغ الخامسة عشر من عمره ولا أظنّ أنّه سيستوعب دخول رجل غريب حياته. فلقد ترعرع على ذكرى أب توفيَ وهو صغير ويرى فيه البطل والرجل المثالي. ومن جهّة أخرى لا أعلم إن كنتَ أنتَ مستعدّ لتحملّ مزاج مراهق يمرّ بفترة إثبات الذات. قد يقع صراع بينكما ولا أريد أن يأتي يوم أضطر للإختيار لأنني سأختار حتماً إبني.

- أفهم تماماً ما تقولينه... لقد فكرّتُ أنا أيضاً مليّاً بهذا الموضوع قبل أن أطرح عليكِ السؤال ووجدتُ أنّ حبّي لكِ هو الذي سيجعلني أتحمّل أي تصرّف من طارق. ولا تنسي أنّه ليس لديّ أولاد فهذه قد تكون فرصة لي لكي أذوق طعم الأبوّة بعض الشيء.

- لم لا نبقي علاقتنا على ما هي؟

- لا يا ندى... أريدكِ معي كل الوقت وفي كل مكان... أريدكِ أن تحملي إسمي وأن أفتخرَ بكِ بدل أن نختبىء عندما نتلاقى.

- دعني إذاً أفكّر في الأمر!

قلتُ له أنني سأفكّر ولكنني كنتُ أعلم أنّ جوابي لن يتغيّر. لم أكن مستعدّة لأن أسبّب التعاسة لإبني. كنتُ سأضحّي بكل شيء لأنّ لا دخلَ له بموت أبيه أو مغامرات أمّه العاطفيّة.

ولكن لم أحسب حساب سامي الذي كان رجلاً يعرف كيف يحصل على ما يريده. فمن دون أن يخبرني بات يذهب إلى مدرسة طارق وينتظره حتى يخرج بعد إنتهاء الدروس ويتكلّم معه "من رجل إلى رجل". لا أعرف ما كان يقول له بالذات ولكن في ذاك نهار عاد إبني من المدرسة سألني سؤال غريب:

- ماما... هل أنتِ سعيدة في حياتكِ؟

- أجل يا حبيبي... جدّ سعيدة طالما أنتَ في خير وسلام. أنتَ سعادتي!

- لو لم أكن موجوداً... لِنتخايل هذا... هل كنتِ ستكونين سعيدة؟

- إن لم تكن موجوداً معاذ الله... لا... لا أعتقد هذا...ليس لدي أحد وسأشعر بالوحدة.

- ولكن عندما أكبر ويكون لي عائلة ستجيدين نفسكِ وحيدة.

- أجل ولكنني سأكون كبرت في العمر وهذا لن يعود يهمّني.

- بالعكس يا ماما... لا يجب أن تكوني وحيدة خاصة إن كنتِ متقدّمة في السن... لذا أريدكِ أن تتزوّجي من سامي.

- سامي؟ من أين تعرفه؟ وكيف علمتَ أنّه يريد الزواج بي؟

- إنّها قصّة طويلة. إسمعي... لمَ لا نذهب جميعنا إلى الغذاء في عطلة نهاية الأسبوع ونتكلّم سويّاً بالأمر؟ إنّه إنسان لطيف وأعتقد أنّه يحبّكِ فعلاً ويريد سعادتكِ وسعادتنا كلّنا. ماما... هل تظنين فعلاً أنني لا أرى الحزن والملل في عينيكِ؟ وهل تعتقدين أن هذا لا يؤلمني؟ أريد أن أراكِ تضحكين وتمزحين. ما رأيكِ؟ وإذا لم يعجبنا الأمر سننسى أمر الرجل. موافقة؟

بالطبع كنتُ موافقة! لم أتخيّل يوماً أنّ إبني هو الذي سيسعى إلى تزويجي. كم أنّ الحياة غريبة... حين نفقد الأمل يأتي شيء أو شخص ويجلب معه السعادة.

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button