يا لَيتني لم أتزوج! (الجزء الثاني)

إكتشافي لرحيل زوجتي آسا الحامِل بجنيني، سبَّبَ لي حالة هلَع قصوى، فإن هي عادَت إلى بلَدها، سيستحيل عليّ إرجاعها! إتّصَلتُ بكلّ مَن بإمكانه معرفة مكانها، لكن مِن دون جدوى. هاتفها كان مُقفلًا طبعًا، فانتظرتُ يومًا بكامله على أمَل أن تعودَ زوجتي بعد أن تهدأ. بعد ذلك، ركضتُ كالمجنون إلى صديقي وزوجته، وخاصّة عامِلتهما التي هي قريبة آسا. هناك بدأتُ بالبكاء لكثرة ارتباكي وخوفي وحيرتي. نظرَت العامِلة إليّ بعدما استمعَت إلى ما جرى، وقالَت:

ـ سيّدي... أعذرني لكن... ألَم تنتبِه أنّ اسم عائلة أخيها مُختلِف عن اسم عائلة آسا؟

 

ـ لا، لَم أنتبِه إلى ذلك.

 

ـ سامحني، فلَم أقُل لكَ الحقيقة كامِلةً... ذلك الرجُل الذي قبَضَ تحويلاتكَ ليس شقيقها، بل عشيقها.

 

ـ ماذا؟!؟ لماذا قلتِ لي إنّه أخوها إذًا؟

 

ـ خفتُ أن تؤذيها لو علِمتَ بالأمر، فلا تنسَ أنّني قريبتها. فإن كنتُ لا أُوافِق على ما هي تفعله، فهذا لا يعني أنّني أُريدُها أن تتأّذّى.

 

ـ إذًا هي راحَت إلى بلدها لتتزوّج مِن ذلك العشيق ويعيشان مِن مالي!

 

ـ ليس مِن المؤكّد سيّدي...

 

ـ أنتِ تعلمين شيئًا! تكلّمي أو بلَّغتُ الشرطة عنكِ! فالمسألة خطيرة جدًّا إذ أنّ زوجتي خطفَت جنيني!

 

ـ أرجوكَ سيّدي! لا دَخل لي بما حصَلَ لكَ، أقسمُ بذلك!

 

ـ تكلّمي فأنا جادّ للغاية!

 

ـ حسنًا... فلقد اتّصلَت بي آسا فور تركها بيتكَ... وأنا أعلَم أين هي.

 

دلََّتني العامِلة على عنوان البيت الذي التجأَت إليه زوجتي، ورحتُ وصديقي إلى ذلك المكان الذي هو بمثابة بيت آمِن للعامِلات. وحين رأتني آسا، إختبأت وراء رفيقاتها لكثرة خوفها، فقلتُ لها:

ـ لن أؤذيكِ، فهذا ليس مِن شِيَمي! لماذا الكذِب يا آسا؟ ولماذا الهرَب؟ إن كنتِ لا تُحبّيني، فأقبلُ ذلك، لكنّ جنينكِ هو منّي ولا يجِب أن تحرميني منه.

 

ـ أنتَ رجُل بخيل!

 

ـ وهل هذا كلّ ما يهمّكِ؟

 

ـ أجل! لماذا تعتقِد أنّني تزوّجتُكَ؟ كلّ ما يهمّني هو المال! المال فقط!

 

ـ حسنًا... إن كان ما تُريدينه هو المال، فسآتي لكِ بالكثير منه.

 

ـ هل أنتَ جادّ؟

 

ـ أجل، خذي هذا الآن.

 

وأخرَجتُ مِن جيبي بعض المال وكذلك فعَلَ صديقي وأعطَيناه لزوجتي التي ابتسمَت ابتسامة عريضة. إضافة إلى ذلك، أعطَيتُها ساعة يَدي، فأخذَتها بسرعة وخبّأَتها في صدرها وكأنّني سأسترجِعُها منها في الحال. هدأَت آسا فجأة وقالَت: "أنا آسِفة، لَم أقصد ما قلتُه عن بخلكَ... و... وأنا أحبُّكَ كثيرًا! سأعودُ معكَ إلى البيت."

بالطبع لَم أُصدِّق ما قالَته لي، خاصّة أنّني علِمتُ أنّ لدَيها عشيقًا، لكن كلّ ما أرَدتُه هو ألّا تغيب عن نظري قَبل ولادة جنيني، وكنتُ مُستعدًّا لفعل أيّ شيء لإبقائها معي. وعدَني صديقي أنّه سيمدُّني بالمال اللازم لِتلبية طلبات آسا في تلك الفترة، فإلى جانب محبَّته لي الصادِقة، هو كان يشعُر بالذنب لأنّني تعرّفتُ إلى زوجتي مِن خلاله.

الأشهر التي تلَت كانت صعبة جدًّا، إذ أنّني مثَّلتُ دور الزوج المُحِبّ والذي يُدلِّل زوجته ولا يرفضُ لها طلَبًا، بينما كنتُ بالفعل أعدُّ الأسابيع التي تفصلُنا عن الولادة. مِن جانبها، كانت آسا أسعَد النساء وهي ترتدي الفساتين والأحذية والحُلى الجديدة. كنتُ أراها وهي تُراسِلُ عشيقها خفيةً عنّي، وأسمعُها تُكلّمه همسًا لكن في لغّتها التي لا أفهَمها.

في تلك الأثناء، بقيَت عامِلة صديقَيّ تزوّدُني بالمعلومات عن تحرّكات زوجتي، بعد أن خافَت أن أشتكي عليها عند الشرطة. وهكذا علِمتُ أنّ آسا حين تتكلّم عنّي معها تنعتُني بالساذِج، وتقولُ لها كيف هي تكرهُني وتبقى معي فقط مِن أجل ما بإمكانها الاستفادة منه. أسِفتُ كثيرًا على موقفها منّي، فكنتُ بالفعل أظنُّ أنّها تزوّجَتني لأنّها أحبَّتني كما أحبَبتُها، وتمنَّيتُ لو سمِعتُ مِن كلّ مَن حذَّرَني مِن تلك الزيجة.

حانَ وقت الولادة وكنتُ مُضطرِبًا للغاية. فمِن ناحية كنتُ مُتشوِّقًا لرؤية ابني، وحيدي، والذي سيحملُ اسمي. ومِن ناحية أخرى، كنتُ أعلَم أنّ ولادة ذلك الطفل ستزيدُ مِن ألَمي لو حرَمَتني منه آسا يومًا. فكنتُ أُدرك أنّني لَن أستطيع تلبية رغباتها لمدّة طويلة، خاصّة أن حالتي النفسيّة الأخيرة منعَتني مِن التركيز على أعمالي ومِن السفَر، لأنّني خفتُ أن أعودَ ولا أجِد زوجتي أبدًا. وُلِدَ ابني بصحّة كامِلة والحمدالله، فحمِلتُه بحبّ وفخر، ووعدتُه ضمنيًّا بأنّني سأهتمّ به وأحميه حتّى مماتي.

عُدنا إلى البيت وقرّرتُ أنّ أُحاوِل استرجاع حبّي لزوجتي مِن أجل ابني، كَي لا يربى في أجواء غير سليمة، هذا لو أنّها كفَّت عن مُراسلة عشيقها وركّزَت عليّ وعلى زواجنا.

لكنّ خبَرًا فظيع وصلَني مِن عامِلة صديقَيّ وهو... أنّ ابني ليس منّي!

كانت قد مرَّت على ولادته حوالي الستّة أشهر، حين اتّصَلَ بي صديقي طالِبًا رؤيتي في بيته لأمر مُهمّ. ولدى سماعي ما قالَته العامِلة، لَم أُصدِّقها، بل صرَختُ بها وكنتُ فظًًّا معها للغاية. بعدما هدأتُ، قدّمتُ لها اعتذاري وسألتُها مئة سؤال. فعلِمتُ منها أنّ آسا لا تزال تتكلّم عنّي بازدراء وتُسمّيني بالأهبَل... لأنّني أعتقِد أنّ الطفل منّي. فتبيَّنَ أنّها عاشرَت لفترة قصيرة رجُلًا محلّيًّا تعرّفَت عليه عبر الانترنِت، حين كنتُ مُسافِرًا لأجلبَ لها المال وتكون راضية عنّي. بالفعل أنا أهبَل! سألَني صديقي ما أنوي فعله، فأجبتُه أنّني سأتأكّد أوّلًا مِن ذلك الخبَر ثمّ أُقرِّر.

وهكذا، تحجَّجتُ بأنّني أنوي أخذ ابني في نزهة، لأركضَ به إلى المُختبَر حيث أخذوا مسحة مِن داخل خدَّيه وعيّنة منّي. ثمّ أعَدتُه إلى البيت بسرعة كَي لا تشكّ آسا بشيء. بدأ انتظاري للنتيجة، وبدأَت حيرتي لِما سأفعله إن كان ذلك الولَد حقًّا ليس منّي. فلقد تعلَّقتُ به حين كان في بطن أمّه وبعد ولادته، ولَم أعُد أتصوّر الحياة مِن دونه. فهو أعطاني الأمل والقوّة والنشاط، لأعودَ إلى عالَم الأعمال وكنتُ قد أحرَزتُ نجاحات قد تُخرِجني مِن ديوني.

بعد عشرة أيّام وصلَني التقرير وتأكّدَت مخاوفي: لَم أكن الأب.

يا إلهي... ما العمَل؟

لَم أُفكِّر كثيرًا، لأنّ الجواب كان يكمُنُ في الوعد الذي قمتُ به للطفل يوم ولادته. عدتُ إلى البيت وأوّل شيء قلتُه لزوجتي كان:

ـ أريدُكِ أن تبيعي لي ابننا.

 

ـ لَم أفهَم.

 

ـ كَم تُريدين مُقابِل الولَد؟ حدّدي السعر... أريدُه لي وحدي بعدما أُطلّقُكِ.

 

ـ هل جُنِنتَ؟!؟

 

ـ أعلَم أنّه ليس منّي، فها هو التقرير. لكنّني أُريدُه. كَم تُريدين؟ هيّا، أجيبي!

 

جلسَت آسا على كرسيّ وفكّرَت مليًّا وقالَت:

ـ تريدُ ولَدًا ليس منكَ... وتعلَم أنّني خنتُكَ وأخونُكَ.... وأنّني لا أحبُّكَ... أيّ رجُل أنتَ؟

 

ـ كَم تُريدين؟ أُريدُ جوابًا!

 

ـ وإن لَم أقبَل عرضكَ؟

 

ـ سأُطلّقُكِ وتجدين نفسكِ مِن دون مال وطفل على يدَيكِ... مَن سيقبَل بكِ وبه؟ عشيقكِ الذي في البلَد، ذلك المُستفيد الفاشِل؟ خذي مالي وعيشي حياتكِ حرَّة كما يحلو لكِ. إنّه لعرض مُغرٍ.

 

وكما توقّعتُ، طلبَت آسا مبلغًا كبيرًا جدًّا، وكنتُ أعلَم مِن أين سآتي بالمال. فبِعتُ منزلي، أيّ كلّ ما تبقّى لي، وطلّقتُها بعد أن تنازَلت نهائيًّا عن ابنها لي. إستأجرتُ شقّة صغيرة ووضعتُ الولَد عند صديقَيّ ليربى في الفترة الأولى مع أولادهما، أيّ ريثما أقِف على رجلَيّ مِن جديد.

لَم يفهَم صديقي لماذا فعلتُ ذلك، فقلتُ له:

ـ ذلك الصغير هو أمَلي في الحياة، فصارَ لدَي مَن أُكافِح مِن أجله. هو ليس منّي؟ وماذا لو لَم أعلَم أبدًا أنّ زوجتي خانَتني وحمِلَت به مِن غيري؟ هناك الملايين مِن الرجال في العالَم يُربّون أولادًا ليسوا منهم مِن دون أن يدروا. سيكون بالفعل ولَدي، وأنا أبوه، وسأُعطيه كلّ ما بإمكاني إعطاؤه لأنّ لا ذَنب له بما حصَل. أليس ذلك أفضل مِن أن يبقى مع أمّ مثل آسا، إمرأة بلا أخلاق أو شرَف أو مبادئ؟ سأسدي له خدمة عظيمة، وهو مِن جانبه سيُعطي لحياتي طعم الحبّ والمُثابرة والتضحية، ونَبني معًا حياة جميلة، أنا واثق مِن ذلك.

 

إختفَت آسا ولَم أسأل عنها وهي لَم تسأل عن ابنها، كما توقّعتُ. وبعد بضع سنوات، إسترجَعتُ ابني مِن عند صديقَيّ بعد أن بنَيتُ نفسي مِن جديد، وعمِلتُ ليلًا نهارًا لاستعادة سمعتي في عالَم الأعمال.

اليوم صارَ ولَدي مُراهِقًا وسيمًا وذكيًّا ومُثقّفًا وهو يعلَم أنّني لستُ والده، فقد أخبرتُه الحقيقة حين كبَر كَي لا يعرفها مِن غيري. لكنّه يعلَم كَم عانَيتُ مِن أجله، وذلك هو عربون كافٍ عن حبّي الحقيقيّ له.

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button