هل كانت مديرتي تغار من علاقتي بزميلي؟

الطريقة الوحيدة لكي أجد المال لدفع أقساط جامعتي، كانت العمل كموظفّة إستقبال في أحد الفنادق الفخمة في العاصمة. في البدء لم أحظَ بموافقة أهلي، لكنّهم سرعان ما رضخوا للأمر الواقع لإستحالة وجود طريقة أخرى لتحصيل علمي. ونبّهوني من الأجواء التي تعمّ أحياناً في هكذا أماكن. فالفنادق، تستقبل أناساً من شتّى الجنسيّات ومن أقاسي الكرة الأرضيّة والبعض منهم يأتي بقصد المرح وتمضية الوقت. أجبتُهم أنني فتاة واعية رغم صغر سنّي وأنّه لا خوف عليّ من أحد. وهكذا بدأتُ العمل ليلاً ليتسنّى لي الذهاب إلى الكليّة في النهار. تعبتُ جداً خلال أوّل فترة، ثم تأقلَمتُ على هذا النمط الجديد.

أحببتُ عملي، خاصة تدفّق موجات السيّاح وتعلّمتُ لغات جديدة وتعرّفتُ إلى أناس لم أكن لأراها لولا وجودي هناك.

كان الجميع لطيفاً معي خاصة رائد الشاب المسؤول عنّي. حضنَني لحظة وصولي وعلّمني أسرار وأصول المهنة. كنتُ أشعرُ أنّه معجب بي ولكنّه لم يفصح عن أحاسيسه تجاهي، لذا بقيتُ أتصرّف وكأنني لم أكن على علم بشيء. ولكن كلّ شيء تغيّر بعد قدوم بهيّة إلى الفندق. جاءت تلك المرأة الأربعينية القاسية الملامح والطبع مكان المسؤول عن الموارد البشريّة القديم، الذي ترَكَ العمل بسبب حالة مرضيّة مزمنة. أقمنا له حفلة وداع وإستلمَت هي مكانه وبدأت تُحدِث تغييرات في الموظفين وشروط عملهم. للحقيقة لم أتأثّر فعليّاً بهذه التغييرات، على عكس بعض الزملاء الذين بدأوا يشتكون منها. فإنضممتُ لهم وبدأتُ أشعرُ بالبغض تجاه بهيّة.

أما المتضرر الأكبر، فكان رائد وأظنُّ أن إعجابي به هو الذي حملني على كره مديرتنا الجديدة. فمِن مسؤول عن الموظّفي الإستقبال، أُحيل إلى مراقبة أعمال المطبخ وكان هذا بمثابة نفي له. ولكن رغم إنتقاله إلى قسم آخر، إستمرَّ رائد بالمجيء إلى مكتب الإستقبال كلّما أُتيحَت له الفرصة وللإطمئنان علينا وعلى الزبائن. فكان محبوباً من النزلاء الذين كانوا يسألون عنه فور وصولهم إلى الفندق، لأنّه كان يعلم كيف يرضيهم بتلبية طلباتهم الخاصة بكل واحد منهم. وفي يوم من الأيّام، دعاني رائد إلى الخروج معه، فقبلتُ طبعاً وبكل سرور. ذهبنا إلى مطعم فخم وأمضينا وقتاً ممتعاً نتحدث عن أنفسنا. ومن بعدها، أعربَ عن نيّته برؤيتي مجدداً وشاطرته رغبته. ولكن سرعان ما طلبَتني بهيّة إلى مكتبها وحين دخلتُ، رأيتُ على وجهها علامات الإستياء. قالت لي من دون مقدّمة:

- العلاقات بين الموظفين ممنوعة.

- لا أعلم عمّا تتحدّثين.

- لا تدّعي الغباء... أنا أعلم بكل ما يجري هنا... فهذا عملي.

- حسناً... ولكن لا أرى أي مانع في...

- ليس مطلوب منكِ أن ترين أي شيء... هناك قوانين وعليكِ إتباعها... أفهمتِ؟

- أجل سيّدتي...

وخرجتُ بسرعة قبل أن أبدأ بالبكاء. يا للمرأة البغيضة! ما دخلها بحياتي الشخصيّة؟ أو أنّها تغار من رؤية إثنين يحبّان بعضهما لأنّها كانت هي لا تزال عزباء تقضي كل وقتها في العمل؟

أخبرتُ رائد بالذي حصل وإستاء كثيراً وقال لي:

- لا أدري لماذا تكرهني إلى هذا الحد... ولا أدري من قال لها أنّنا نتواعد. علينا الإنتباه... سنتقابل عندي في البيت فهناك لا أحد يرانا.

- ولكن... أعني أنني لا أدري إن كان من اللائق أن أزوركَ في بيتكَ فأنتَ تسكن لوحدكَ...

- هل تخافين منّي؟ ربما ما زلتِ صغيرة... أو أنّكِ لا تحبّينني...

- لا... لا! لا تقل ذلك... حسناً سأفعل كما تريد...

- حبيبتي... نحن مجبرين على الإختباء... لو رجِعَ الأمر لي لأخذتكِ الآن إلى أفضل مكان عام.

وبعد ساعة من حديثنا وبينما كنتُ آخذ إستراحتي، جاءت بهيّة ووقفت أمامي:

- أراهن أنّكِ مستاءة جدّاً منّي... أليس كذلك؟

- لا... أبداً...

- بلى... لأنني برأيكِ أقفُ بوجه حبّكِ لرائد... أنتِ بأفضل حال بدونه... صدّقيني...

- وما أدراكِ به؟ أنتِ جديدة هنا... كيف لكِ أن تعرفي الناس جيّداً؟

- لأنّه لديّ خبرة طويلة في المهنة والحياة. أنتِ فتاة طيّبة وبريئة أمّا هو...

- هو يحبّني وأنتِ تغارين من علاقتنا!

ضحِكَت بهيّة مطوّلاً وجاءت نحوي ووضعَت قبلة على جبهتي ثم رحلَت. لا أنكر انّ ما قالته عن رائد أقلقني وقررتُ أن أرجأ زيارتي له في منزله إلى حين أتأكّد من نواياه تجاهي. وفوجئتُ كثيراً لردّة فعله عندما أخبرتُه بقراري فمِن الشاب الهادئ والمرح، تحوّل إلى إنسان عدائي:

- أنتِ مضيَعة للوقت! كنتِ موافقة ما الذي جعلكِ تغيّرين رأيكِ؟ صحيح أنّكِ غير ناضجة ولا تستحقّين اي عناء!

- لماذا هذا الكلام؟ لما أنتَ غاضب إلى هذه الدرجة؟ ما الذي كان يدور بفكركَ عندما دعيتَني إلى منزلكَ؟

- هل أنتِ ساذجة إلى هذه الدرجة؟ أم أنّكِ تدّعين الغباء؟ هل يوجد بعد فتيات مثلكِ؟ إذهبي الآن ولا تكلّمينني مجدّداً!

هربتُ من غرفة الإستراحة وركضتُ ألجأ إلى التي كنتُ أكرهها والتي كانت على حق في تنبيهي من رائد. أخبرتُها بما جرى فقالت لي:

- إسمعيني... ولكن عليكِ القسم بألا تخبري أحد بما سأقوله لكِ... مدير الموارد الإنسانيّة السابق لم يترك العمل بسبب حالته الصحيّة، بل لتفادي ملاحقات قد تطاله... هناك شبكة تعمل في الفندق... شبكة تؤمّن فتيات للنزلاء... نعم دعارة... وعندما وصلتُ إلى هنا إكتشفتُ أنّ رائد له ضلع في هذه القضيّة ولكنني لم أجد بعد الدليل القاطع. قررتُ إبعاده عن مكتب الإستقبال ونفيه في المطبخ ريثما أتأكد من تورطه.

لم أصدّق أذنيّ! رائد يؤمّن نساء للزبائن؟ وبلحظة واحدة أدركتُ سرّ تعلّق بعض النزلاء بِ"صديقهم" كما كانوا يسمّونه وفهمتُ سبب إصرارهم على أن يهتمّ هو شخصيّاً بأمورهم وتأكّدتُ أنّ بهيّة على حقّ. والذي أخافني أكثر، هو أنّه كان ينوي تحويلي إلي إحدى "فتياته". كان أهلي على حق. أمّا أنا فلم أكن قويّة وواعية كفاية، فلو لا بهيّة لا أدري ما كان حصلَ لي. وبعد فترة قصيرة، جاءَت الشرطة وقبضَت على رائد وكل من إشتركَ معه. أمّا أنا، فبقيتُ حتى إنتهاء السنة الجامعيّة، ثم إسقلتُ لأعملَ في مجال إختصاصي، مبتعدة عن الفنادق وكل ما يمكن أن يحصل في هكذا أماكن.

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button