العيش مع إنسان بخيل كان صعباً عليّ، بعدما ترعرعتُ ببيت معروف بكرمه. ولكنني أحببتُ مروان من كل قلبي وتغاضيتُ عن هذا العيب، آملة أن يتغيّر مع الوقت. ولكن تعلّمتُ، أنّه من المستحيل تغيير إنسان أو معرفة ما يخبّئه في قلبه.
بعد زواجنا، بدأ عذابي وراح يتصاعد مع الأيّام عكس ما تمنيّتُ. كان مروان يمسكُ مصروف البيت ولا يعطيني أي مال وكان يذهب من دوني للتحوّج ويرجع مع مشتريات تكفي بالكاد لشخص واحد. وعندما كنتُ أشتكي له من قلّة المواد لتحضير الأكل، كان يقول لي:
- عليكِ تعلّم كيفيّة الإقتصاد، فأنا لا أذهب للعمل من الصباح حتى المساء، كي تصرفي المال كلّه على بطنكِ... إن كان هذا لا يكفيكِ، يمكنكِ طلب مساعدة أهلكِ، فهم مرتاحين ماديّاً وهم الذين أنجبوكِ وليس أنا. و يمكنكِ أيضاً التفتيش عن عمل بدل أن تبقي في البيت طول النهار.
لم أتصوّر يوماً أنني سأسمع هكذا حديث وأنّ شخص كهذا موجود خارج القصص التي قرأتها عندما كنتُ صغيرة. ولكنّه كان حقيقيأً وكنتُ ملزمة بالعيش معه حتى آخر حياتي.
لم أقل شيئاً لأحد خوفاً من الشماتة وأخذتُ أتألّم بصمت. فكرة الرحيل خطرَت ببالي ولكن سرعان ما إكتشفتُ أنني حامل فسكتُّ وتابعتُ حياتي. فترة حملي كانت صعبة بسبب سوء تغذيتي. كنتُ آخذ الزيتون الموجود على البيتزا التي آكلها عند أمّي، لأضعه في الصباح التالي مع ساندويتش الجبنة. وبالرغم أنّ الطبيب كان قد وصفَ لي بعض المقويّات، لم أحصل على أيّ منها لأنّ مروان قرّر أنّ فواتير الأطبّاء والفحوصات كلّفته بما فيه الكفايةً. عندها أصبتُ بإكتئاب حاد، حمَلَ أهلي على سؤالي عن السبب. فبحتُ لهم بالحقيقة وصدموا لسماع قصّتي. وعندما قرّر أبي التكلّم مع زوجي بالأمر قال له هذا الأخير:
- إنّها إبنتكم... إصرفوا عليها أو خذوها!
ويا ليتهم أخذوني! ولكنّهم إكتفوا بإعطائي مبلغاً شهريّ ولكن حياتي مع مروان كانت لا تُطاق. لم يعد الرجل الحنون الذي عرفته خلال فترة خطوبتنا، فبالكاد كنتُ أراه في المنزل. كان يأتي في المساء ليتناول العشاء ثم يذهب إلى النوم. وكنتُ أبقى لوحدي حتى أن يغلبني النعاس وأنام معظم الوقت على أريكة الصالون.
وأنجبتُ إبنتي وبدلاً من أن يفرح، إنزعَجَ زوجي لوجود فم إضافي عليه إطعامه.
كنتُ سأبقى هكذا سنين طويلة لولا حدوث معجزة. فبعد أن علمَ أهلي بوضعي، قرر أخي ومن دون أن يدري عمّا يبحث بالتحديد مراقبة مروان. فأخذ إجازة من عمله وبدأ يتبعه كل يوم من الصباح حتى المساء. فعل هذا لمدّة أسبوع ثم جاء إليّ وأطلعني على نتيجة تحريّاته:
- لا تستائي من تدخّلي بحياتكِ الخاصة ولكنني لم أعد أستطيع تحمّل رؤيتكِ تتعذّبي هكذا... عندما علمتُ بوضعكِ إستغربتُ لكون زوجكِ بهذا البخل، فأنا رجل وأفهم الرجال.
- لستُ مستاءة بل أشكركَ على إهتمامكِ بي... أنا فقط لا أريدكَ أن تخسر عملكَ بسببي، فحالتي ميؤوس منها... البخل خصلة لا دواء لها...
- يا أختي العزيزة... زوجكِ فعلاً بخيل ولكن عليكِ فقط.
- ماذا تعني؟
- أعني أنني راقبته... وإكتشفتُ أنّه ينهي عمله أبكر بكثير مما يدّعي... يذهب كل ليلة إلى مكان مشبوه حيث يلعب بالميسر...
- يا إلهي! ولكن... ربما يفعل هذا لكسب المال.
- ليس هذا فحسب... من بعد لعب البوكر، يتوجّه محمّلاً بأكياس مليئة بالمأكولات والمشروبات إلى بيت إمرأة تُدعى رِحاب ويبقى هناك ساعة على الأقل. سألتُ الناطور عن تلك السيّدة، فأخبرني أنّها أرملة تستقبل زوجكِ كل ليلة ومن فترة تعود إلى ما قبل زواجه منكِ.
- لا... لا أستطيع تصديق هذا! لا أشكّ بكلامكَ ولكن هذه الأخبار صعب تصوّرها! تقول لي أنّ مروان يحرمني من كل شيء منذ زمن بعيد حتى يصرف ماله على إمرأة أخرى؟ وماذا عن إبنته؟ هل هو مجرّد من أي عاطفة إلى هذا الحد؟ هل أجهل حقيقته لهذه الدرجة؟ ولماذا تزوّجني إن كان لا يحبّني؟
- أظنّ أنّه فعل هذا طمعاً بمال أهلنا... رهَنَ على أنّهم سيعطونكِ مالاً إذا شعروا أنّكِ في ضيقة، لهذا ضغط هكذا عليكِ. وأعتقد أنّه يخطط لشيء أعظم للحصول على المزيد. عليكِ تركه وحالاً لأنني أخشى أنّه سيلجأ إلى أساليب أكثر قساوة.
- وإبنتي؟
- ما يهمّه هو المال. إعرضي عليه مبلغاً كبيراً وأنا متأكّد أنّه سيقبل أن يتنازل عنها. من ناحيتي سأتكلّم مع أبي وأرى ما يمكن فعله. لا تقلقي... لن نترككِ فريسة لهذا الوحش.
وبعد يومين حضّرتُ حقائبي وأخذتُ طفلتي وهربتُ عند أهلي. عندما عاد مروان إلى البيت ووجده خالياً عَلِمَ فوراً أين أنا ولحقني إلى منزل والديّ. بدأ يصرخ ويهدّد ولكنّه هدأ عندما عرض أبي عليه صفقة تقضي بإعطائي الطلاق والتنازل لي عن إبنتنا مقابل مال وفير. وكما توقّع أخي قبِلَ مروان العرض دون تردد.
مضى على هذه القصّة أكثر من عشر سنوات ولم يسأل مروان يوماً عنّي أو حتى عن إبنته وكأننا لم نكن موجودتان يوماً في حياته. أمّا هو، فتزوّج مجدّداً ومن فتاة ثريّة. المسكينة... أنا لا أحسدُها...
حاورتها بولا جهشان