لفترة إعتقدتُ أنني مجنونة لأنني كنتُ أستفيق في وسط الليالي وكأنني أرى ضوءً قوياً يلمع في عينيّ وأعود الى النوم فوراً. عندما حدث ذلك لأوّل مرّة أخبرتُ زوجي بالأمر معتقدة أن لصّاً أتى في الليل ليسرفنا ولكنّه ضحكَ عليّ مؤكّداً لي أنه بقيَ نائماً بقربي طوال الليل وأنّه لم يأتي أحداً.
وبعد ان تكررّ الأمر بضعة مرّات وفي نفس التوقيت قررتُ الذهاب الى طبيب العيون الذي لم يجد فيّ أي خطب. أصبحتُ قلقة جداً على وضعي وكنتُ أخشى أن يعلم أحد بما يجري لي خاصة أنني أعمل كحاضنة أطفال وهذا العمل يتطلّب صحّة ذهنيّة كاملة ومسؤوليةّ كبيرة. ولكن إنشغالي على نفسي بات واضحاً لمن يعمل معي طوال النهار حتى انّ مدير المدرسة بعث بطلبي الى مكتبه :
- سيّدة مرفت ...أنا قلق عليكِ... نحن كلنّا قلقون للحقيقة... هل لديكِ مشاكل شخصيّة؟ هل أمّكِ بخير؟
عندما سألني عن أمّي قررتُ أن آخذ صحتها المتدهورة كعذر لتصرفاتي الغريبة .
- أنتَ قلتها سيدّي المدير... أمّي مريضة جداً وأنا مشغولة البال... أخشى أن أفقدها. أنا آسفة جداً ولكن تعرف كم أنّ الأم غالية على المرء خاصةً إذا كان الأب متوفي.
- طبعاً طبعاً... أنا خسرتُ أمّي منذ فترة وهذا مؤلم للغاية. لِما لا تأخذين بضعة أيّام للإهتمام بها؟
كان قد أعطاني الفرصة التي كنتُ أنتظرها لإستجماع نفسي وإمكانيّة العودة إلى ما كنتُ عليه. شكرتُه وذهبتُ إلى بيتي.
قررتُ حينها أن أحاول أن أبقى مستيقظة طوال الليل لإكتشاف مصدر هذا الضوء الغريب. فنمتُ ساعات طويلة خلال النهار وشربتُ كميّة هائلة من القهوة. عندما عاد زوجي من عمله وجدني في كامل وعيي ونشاطي بدلاً من أن أكون تعبة بعد نهار في المدرسة. عندما سألني لماذا لم أذهب إلى العمل قلتُ له أنّ هناك لجنة من وزارة التربية آتية إلى الصف للكشف وقدومها لا يستلزم حضوري فأعطوني فرصة لبضعة أياّم. فرِحَ للخبر ونصحني أن أستفيد من هذه الفرصة لأرتاح لكي لا أعود أرى هذه الأضواء الغريبة.
- أنا متأكدّ أن التعب يجعلك ترين كل هذا. بعد بضعة أياّم من النوم ستكونين بخير.
وقبّلني بقوّة. كنت واثقة أن حياتي ستعود كما في السابق ولكنني كنتُ مخطئة. في الليلة نفسها ورغم كل ساعات النوم التي نلتها وكمّيات القهوة التي شربتها لم أستطع البقاء صاحية وإذ بهذا الضوء القوي يسطع في عينيّ مجدّداً. وهذا كل ما أتذكرّه لأنني كالعادة عدتُ فوراً إلى النوم.
لم أخبر زوجي بما حصل ولم أشأ أن يعلم أحد بشيء بعد الآن.
كان علي التصرفّ وبتكتُم. أخذتُ موعداً من طبيب نفسي وذهبتُ إليه.
وبعد أن سمع قصّتي وسألني أسئلة كثيرة قال لي:
-سيدّتي... ما أراه هو أنّكِ تهلوسين أي ترَين أشياء غير موجودة بسبب قلق ربما يعود إلى الطفولة وقد حصل معكِ شيء مؤخراً حرّكَ هذا القلق. أما رؤية الضوء وفي نفس الوقت في الليل ربما عائد إلى حادثة كنتِ شاهدة عليها وعقلكِ يستعيدها الآن. سأعطيكِ حبوب ضدّ الإكتئاب وعليكِ أخذها يومياً للحصول على نتيجة. وسنرى إن كنتِ ستتحسّنين أم لا. عندها سنقرّر مجرى العلاج.
فرِحتُ كثيراً لأنني كنتُ سأتعافى قريباً وينتهي كابوسي. وككل لليلة بعد إنتهائنا من العشاء تناولنا الشاي أنا وزوجي وأخذتُ حبوب الطبيب وخلدتُ إلى النوم.
وفي تلك الليلة لم أرى أضواءً لأنني لم أفق أو بلأحرى كدتُ ألاّ أفيق بتاتاً. ففي الصباح عندما حاول زوجي إيقاظي ككل يوم لم أستجب فطلب الإسعاف وأخذوني بسرعة إلى المستشفى حيث عمِلوا على إنعاشي. وبعد فترة عصيبة إستفقتُ أخيراً. وأثناء ذلك كانوا قد أجروا فحوصات لدمي فدخلَ الطبيب المختص إلى غرفتي وبدا مستاءً:
- سيدّتي... كيف تأخذين حبوب ضدّ الإكتئاب مع حبوب للنوم وبجرعة كبيرة كهذه!
- أنا لا آخذ أبداً حبوب للنوم! أخذتُ فقط التي أعطاني إياها الطبيب النفسي وهي للإكتئاب كما قلتَ.
- النتائج واضحة ولا تكذب. يوجد في دمكِ بقايا منوّم!
عندها نظرتُ إلى زوجي الجالس قرب سريري. لم يتفوّه بكلمة طوال حديثي مع الطبيب بل كان ينظر إلى الأرض. قلتُ له وصوتي يرتجف:
-عزيز... إذا لم آخذ تلك الحبوب... ولا يوجد سوانا نحن الإثنين في المنزل يعني...
بقيَ على صمته. ثم تدخّل الطبيب:
- سيدّي... إن كنتَ أنتَ الذي أعطى مريضتي ذلك الدواء فإعلم أنّك كدتَ أن تقتلها وبإمكاني طلب الشرطة.
حينها صرخ عزيز:
-لا ! أنا لم أرد قتلها... فقط أن تنام بينما أنا مع... عشيقتي...كنتُ أذهب لألاقيها خلال الليل وأرجع في الصباح. والضوء التي كنتِ ترينه هو المصباح الذي كنتُ أوجّهه على عيونكِ لأتأكدّ أنكِ نائمة وأنّكِ لن تستفيقي في غيابي.
من الجيّد أنني كنتُ في المستشفى لأنني كدتُ أن أصيبَ بنوبة عند سماع هذا. عزيز لم يكن يخونني فقط بل كان يخدّرني كل ليلة وجعلني أعتقد أنني مجنونة والأهم أنّه كادَ أن يقتلني! طرده الطبيب من الغرفة وأعطوني مهدّىء وبعد خروجي بأيّام رفعتُ دعوتين: واحدة عند الشرطة والأخرى عند محكمة الأحوال الشخصيّة ونلتُ الإثنين فسجنَ عزيز لإلحاقه الضرر بصحّتي النفسيّة والجسديّة ولوضع حياتي بخطر وحصلتُ على الطلاق بسرعة هائلة. عندما خرج من الحبس جاء ليعتذر منّي ولكنني رفضتُ حتى التكلّم معه. سافر إلى جهّة غير معروفة وأنا أكمّلُ حياتي.
ومن وقت لآخر أرى ضوء ساطعاً في وسط الليل وأستفيقُ مذعورة ولكنني أعود بسرعة إلى النوم واثقة أنّه مجرّد كابوس لأنّ الوحش الذي كان زوجي أصبح بعيداً الآن.
حاورتها بولا جهشان