لم أختار أن تكون لي صحّة مترديّة، فما من أحد يفرح بالدخول إلى المستشفى بإستمرار أو تناول كميّة هائلة من الأدوية يوميّاً. كنتُ أعاني من خلل في كهرباء الرأس، حالة صعبة العلاج وطويلة الأمد. ولم تظهر عوارض مرضي إلا بعد زواجي وإنجاب إبني وإلا لم أكن لأقبل أن يعاني الآخرون معي.
وهكذا بدأتُ أشعر بدوخات مفاجئة، تسبّبُ لي السقوط أينما كنتُ، ما جعلَ من خروجي من البيت أمراً خطيراً، فسجنتُ نفسي بين أربعة جدران وسكَنَني ملل عميق أثّر إلى حدّ كبير على مزاجي.
في البدء لاقيتُ إهتماماً من باسم زوجي ومن عائلته وهذا ساعدني كثيراً، خاصة أنني كنتُ قد أصبحتُ يتيمة الأبوين حين تزوجتُ. ولكن مع مرور الوقت، لاحظتُ أنّ باسم بدأ ينزعج من نوباتي وبدل أن يركض لمساعدتي كما كان يفعل في السابق، أصبح يماطل يوم أكثر من يوم، إلى حين وجدتُ نفسي أطلب الإسعاف لوحدي وأذهب إلى المستشفى من دون أحد. حتى إبني ومنذ صغره، كان يهرب مني عندما أصاب بالصرع ويذهب إلى غرفته ويقفل الباب وراءه. ومن ثم بدأ يخرج من البيت لكي لا يتحمّل صوت أوجاعي. أعلم أنّه من الصعب التعامل مع شخص مريض والعيش معه بصورة مستمرّة ولكن لم يكن لديّ حلّ آخر.
وحصل ما لم أفكّر به يوماً، أي أنّ باسم أصبح لديه حياة أخرى، مع إمرأة أخرى، لأنّها كانت هي تتمتّع بصحّة جيّدة. وعلِمتُ بالأمر منه بعدما جاء وأخبرني بكل بساطة أنّه بحاجة إلى رفقة إنسانة فرحة ونشيطة ليستطيع إكمال حياته، بعدما أصبح الأمر معي صعب جداً.
ولا أدري لماذا ولكنني لم أبكِ عندما سمعتُ الخبر، ربما لأنني أدركتُ أنني لا أستطيع فعل شيء حيال هذا وسألتُ نفسي إن كان سيقبل أن يكون لي حبيب إن كان هو المريض أم أنّ للزوجة وحدها أن تضحّي؟
وبعدما أصبحتُ عبئاً ثقيلاً على زوجي الخائن وإبني الغير المبالي حدثَت معجزة: أعطاني الأطباء دواءً جديداً قضى على جميع أوجاعي والعوارض التي كنتُ أعاني منها وفي غضون أشهر قليلة إسترجعتُ عافية نسيتُ أنّها كانت موجودة عندي يوماً. وتغيّرَت حياتي وأشياء أخرى معها.
في البدء لم أقل لأحد بأنني تحسّنتُ، خوفاً من أن تنتكس صحّتي مجدداً ويخيب أملنا جميعاً. وفي تلك الفترة ومع غيبة الصراع والأوجاع بتُ أرى الأمور والأشخاص بوضوح أكثر، فأدركتُ مدى وحدتي داخل أسرتي الصغيرة وكم أنّ زوجي وإبني هما مجرّدين من أي رحمة أو شفقة، فكنتُ أُترك طوال الوقت من دون أي مساعدة أو مراقبة وكان من الممكن أن يحصل لي شيء دون أن يدري أحد بالأمر.
وبعد أن ثبُتَ أنني تعافيتُ، أخذتُ قراراً بأن أبدأ بالعيش كما يجب. فذهبتُ إلى السوق وإبتعتُ الفساتين والأحذية والجزادين كما لو أنني لم ألبس يوماً أي شيء. ثم ذهبتُ إلى الحلاق وغيّرتُ لون شعري إلى أشقر وطلبتُ قصّة عصريّة وتوجهتُ إلى أخصائية تجميل لأتعلّم كيف أستعمل المساحيق والماكياج. وأخيراً أخذتُ موعداً مع أخصائية التغذية وإشتركتُ في نادٍ رياضي. فعلتُ كل هذا في غضون يوم واحد وعندما دخلتُ البيت في المساء تفاجأ زوجي لدرجة أنّه لم يعد يعرف ماذا يقول:
- آه... تبدين... مختلفة.
- لا حبيبي أبدو كما كنتُ أبدو عندما تعرّفتَ إليّ.
- أستنتجُ أنّكِ تشعرين بتحسّن.
- شكراً لأنّكِ أخيراً سألتَ عن حالتي... نعم أشعر بتحسّن كبير!
ودخلتُ الغرفة منهية الحديث. بعد ساعة، دقّ إبني الباب ودخل ليرى شكلي الجديد:
- أبي قال لي أنّكِ...
- أجل أنا شفيتُ وقررتُ أن أهتم بنفسي... أليس هذا ما كنتُ أفعله طيلة هذه السنين؟ أهتم بنفسي لوحدي؟
وبدأتُ أذهب إلى النادي وهناك أصبح لي أصدقاء جدد، صرتُ ألاقيهم في المقهى حيث كنّا نجلس نضحك ونأكل. أمّا زوجي فلم يعجبه هذا الوضع وحاول توجيه ملاحظة لي بشأن حياتي الجديدة فأجبته:
- إسمع... إيّاك أن تتفوّه بكلمة واحدة! لديكَ عشيقة ولم تخجل للحظة من نفسكَ. تركتَني لوحدي أعاني من مرضي وكذلك فعل إبنكَ الكسول والأناني لأنّه قلّد تصرّفكَ. لديّ حياة وسأعيشها كما أشاء وإن كنتَ لا توافق فيمكننا أن نطلق وسنرى لمن سيعطون الحق يا زوجي الوفيّ!
نظرَ إليّ وكأنني مخلوقة عجيبة وأعتقدُ أنّه لم يتخيّل يوماً أنني سأتعافى وأصبح قويّة كفاية لأحاسبه على أفعاله.
بعد فترة قصيرة وجدتُ عملاً في مكتبة عامة وبدأَت الدنيا تبتسم لي، حتى أنني وقعتُ أخيراً على الذي كان سيصبح حبّ حياتي. وعندما تأكّدتُ من أني وجدتُ الرجل المناسب، واجهتُ زوجي بالأمر وطلبتُ منه أن يعيدَ لي حرّيتي:
- أنتَ لا تحبّني وأنا لم أعد أكنّ لكَ أيّة مودّة لأنني لن أنسَ أبداً معاملتكَ لي أثناء مرضي. لو كان لكَ حيواناً أليفاً لما تركتَه يتألّم وحده كما فعلتَ بي. نعم... مرَّت أوقات تمنّيتُ فيها أن أكون حيواناً لأحظى بعاطفتِكَ... واليوم أريد أن أفتحَ صفحة جديدة ولكن من دونك... أريد الطلاق.
وأدركَ باسم مدى جديّتي وأعطاني ما أردتُه، ثم غادر البلاد مع إبننا. أنا اليوم إمرأة سعيدة، أعيش قصّة حب جميلة مع زوجي الثاني وأسأل نفسي دائماً ما كان سيحصل لي لو لم أشفَ من مرضي...
حاورتها بولا جهشان