مُربّية أطفال خبيثة!

رُزِقنا بطفل جميل وكنتُ فخورًا بنفسي وبزوجتي راغدة. لكنّ المسكينة وجدَت أنّ الأمومة أمرٌ صعب للغاية، خاصّة أنّها كانت امرأة عامِلة. جاءَت حماتي لمُساعدتها في الفترة الأولى، إلّا أنّها عادَت إلى حياتها وعائلتها التي كانت لا تزال بحاجة إليها. غرِقَت راغدة بكآبة ما بعد الولادة وصَعُبَت عليّ كثيرًا، ففتَّشتُ لها عن مُساعِدة ريثما تتحسّن أحوالها. على كلّ الأحوال، كنّا سنضَع ولدَنا في الحضانة لدى بلوغه عامه الأوّل، فكان مِن السهل عليّ استثمار راتِب تلك المرأة مُقابِل إعادة ابتسامة زوجتي لها.

جاءَت إلينا لَميا، إمرأة عزباء في العقد الثالث مِن عُمرها، وأجرَينا معها مُقابلة فنالَت إعجابَنا إذ أنّ سيرتها الذاتيّة مُطَمئنة، وأعطَتنا شهادة امتنان وتقدير مِن مُستخدمتها السابِقة. أحبَّت لَميا طفلَنا حين أرَيناه لها، وأكّدَت لنا أنّها ستهتمّ به جيّدًا. وفي تلك الليلة وبعد أن غرِقَ ابننا في النوم، عانقَتني راغِدة وقبّلَتني مئة قُبلة شاكرة.

للحقيقة، تبيّنَ منذ البدء انّ المُربّية بالفعل مُمتازة، وتعرفُ كلّ شيء عن المولودين الجُدد، فاستطاعَت زوجتي العودة إلى عمَلها وبالها مُطمَئنّ، لكن ليس قَبل أن أُصِرّ على تركيب كاميرات في البيت كلّه، فمِن المستحيل عليّ أن أثِق تمامًا بامرأة غريبة في ما يخصّ وحيدي.

في الواقع، لَم أُلاحِظ أيّ شيء مُريب حين كنتُ أتفرَّج على المُربّية وابني عبر الكاميرات الموصولة على هاتفي، فشعرتُ بوخزة ضمير لأنّني بالَغتُ بشكوكي.

مِن جانبها، صارَت راغِدة سعيدة ومُبتسِمة، تذهب في الصباح إلى عمَلها بعد وصول المُربّية وخروجي مِن البيت باكِرًا. ثمّ كانت تعودُ إلى البيت في حوالي الساعة الرابعة وتستلِم ابننا فترحَل لَميا إلى دارها. وحين كنتُ أعودُ مِن عمَلي في الساعة السادسة، كان كلّ شيء حاضِرًا وهادئًا وابني وزوجتي في أحسَن حال.

لكن بعد فترة، بدأتُ أجِد لَميا عندنا لدى وصولي البيت مساءً، وظنَنتُ في البدء أنّها تبقى بعد دوامها بسبب طلَب ما مِن قِبَل زوجتي. إلّا أنّها كانت تجلسُ معنا في الصالون ونتحدّث سويًّا نحن الثلاثة عن أمور لا علاقة لها بابننا أو بالأولاد عامّة. لَم أقُل شيئًا طبعًا، فهي لَم تُزعِجني ببقائها، لكنّ الأمر كان غريبًا وحسب. لكن بعد فترة، سألتُ راغِدة عن الأمر وهي قالَت لي:

ـ وما المانِع في ذلك؟ فلَميا إنسانة هادئة وظريفة، ألا تظنّ ذلك؟

 

ـ بلى، بلى... لكن أليس لدَيها أعمال خاصّة تقومُ بها في بيتها أو مع أصدقائها؟ فهي عندنا منذ ساعات النهار الأولى.

 

ـ لَميا تشعرُ بالراحة بيننا. هل انزعجَت منها؟

 

ـ لا، لا، لكنّني أُفضِّل لو نقضي بعض الوقت مع بعضنا ولوحدنا، أعني كعائلة.

 

لاحَظتُ أنّ راغِدة لَم تُحِبّ جوابي أو أنّها لَم تفهَم قصدي تمامًا، لأنّها سكتَت ثمّ دخلَت غرفة الولَد. أسِفتُ لذلك، فلَم أقصد ازعالَها واستوعَبتُ أنّها قد تكون بحاجة إلى لَميا كصديقة أو رفيقة تُشاركها الاهتمامات نفسها. لكن ألَم يكن لدَيها صديقات في العمَل أو خارجه؟ بلى، لكنّ الولادة الحديثة قد تُحدِث لدى الأمّ بعض التقلّبات المزاجيّة، فقرّرتُ تجاهل ردّة فِعل زوجتي. بعد ذلك، لَم أعُد أرى المُربّية عندنا لدى عودتي مِن العمَل، وأعترِف أنّني ارتحَتُ للوضع.

لكن صارَت راغِدة تقضي مُعظم وقتها على هاتفها حين نكون جالسَين سويًّا في المساء، وأراها تبتسِم بين الحين والآخَر لهاتفها. في البدء ظننتُها تُشاهد الفيديوهات الطريفة لكن مِن غير صوت؟ إقترَبتُ منها فجأة إلّا أنّها أخفَت الشاشة عنّي، فانشغَل بالي. ماذا كانت تخفي عنّي زوجتي؟ وأوّل شيء خطَرَ ببالي هو أنّها تتحدّث مع رجُل، ردّة فعل طبيعيّة لدى أيّ زوج أو حبيب، فسألتُها مع مَن تتكلّم وهي نظرَت إليّ بتعجّب ثمّ بغضَب قائلة:

ـ وما شأنكَ أنتَ؟!؟

 

ـ شأني أنّني زوجكِ ولدَيّ الحقّ بطرح هذا السؤال!

 

ـ أنا لا أسألُكَ مع مَن تتكلّم عبر هاتفكَ.

 

ـ لأنّني لا ألمِسُ هاتفي على الإطلاق حين أعودُ إلى البيت، بل أُعطيكِ وابننا كلّ وقتي واهتمامي!

 

ـ هذا خياركَ، أمّا خياري فهو الدردشة عبر الهاتف!

 

ـ حسنًا، مع مَن؟

 

ـ أقولُ لكَ إنّ هذا ليس مِن شأنكَ!

 

ـ أُريدُ رؤية هاتفكِ مِن فضلكِ.

 

ـ لن يحدُث ذلك، فهاتفي هو ضمن خصوصيّاتي!

 

تراجعتُ فقط كَي لا أحدِثُ مُشاجرة، لكنّني استَوعبتُ أنّ لدى زوجتي أسرارًا.

لذلك، إنتظرتُ الوقت المُناسب لأرى بنفسي، وخلسةً، ما يوجَد في هاتِف زوجتي. وبما أنّني كنتُ قد رأيتُ مرارًا راغِدة وهي تُدخِل الرمز السرّيّ، لَم يكن مِن الصعب عليّ فتح هاتفها يوم كانت تستحمّ. إكتشفتُ أنّ زوجتي لَم تكن تخونُني، بل تتحدّث مع لَميا على مدار الساعة. وليس ذلك وحسب، بل تروي لها كلّ ما يحدُث في حياتها في العمَل والبيت، وتنقُل لها حرفيًا ما نقوله لبعضنا. والمُربّية، مِن جانبها، كانت تُعطيها النصائح... السيّئة في ما يخصُّني، أيّ تُحرِّضها ضدّي مِن دون سبب، وتحمِلها على الوقوف في وجهي عند أيّ حدَث حتى لو كان صغيرًا. غضبتُ كثيرًا وقرّرتُ التصرّف.

في اليوم التالي، قلتُ لِراغِدة إنّني غير قادِر على الاستمرار بالدفع لِلَميا وأنّ علينا إيجاد حلّ آخَر لمسألة المُربّية. بدأَت زوجتي بالصراخ عليّ بطريقة بشِعة للغاية، فأجبتُها أنّها قادِرة على الدفع لها بما أنّها تعمَل ولدَيها الراتب الكافي لذلك. كنتُ أعلَم أن راغِدة لن تقبَل أن تدفَع لها بنفسها، إذ أنّ المال الذي تتقاضاه مِن عمَلها كان مُخصّصًا لشراء حاجاتها الخاصّة، مِن ملابس وأحذية ومُستحضرات تجميل. فأضَفتُ:

ـ يُمكنُكِ التوقّف عن العمَل والبقاء في البيت كأيّ أمّ أخرى، فلسنا بحاجة مادّيّة لِعمَلكَ.

 

ـ أبدًا! أنا إمرأة عامِلة وأحتاج لتحقيق نفسي!

 

ـ وأنا أتعَب كثيرًا في عمَلي ولَم أعُد قادِرًا على تخصيص مبلغ كهذا للمُربّية. يُمكن أيضًا لأمّكِ أن تأتي وتُجالِس ابننا إلى حين يدخل الحضانة قريبًا.

 

ـ بل أُريدُ لَميا وحَسب!

 

ـ جِدي طريقة إذًا، فهذه مُشكلتكِ.

 

بقيتُ أُراقِب هاتف زوجتي بانتظام، وقرأتُ كيف أنّ راغِدة بقيَت تروي للمُربّية كلّ تفاصيل حياتنا وأحاديثنا، وهذه الأخيرة كانت تُعلِّمها ما تقوله لي خاصّة بشأن الدفع لها. باختصار، حرَّضَت لَميا زوجتي على تهديدي بالانفصال عنّي.

في تلك الأثناء أقنَعتُ حماتي بالمجيء إلى بيتنا يوميًّا، حتّى بوجود لَميا، لتعرفَ المُربّية أنّني جدّيّ بقراري. صارَت زوجتي تكرهُني وتعتبرُني بمثابة عدوّها، وبالكاد تردّ التحيّة عليّ حين أدخلُ البيت. لَم أُبالِ، فكان مِن المُرجّح أن تستعيد زوجتي إدراكها بشأن ما تفعله. حتّى حماتي وجدَت أنّ لَميا تتخطّى حدودها، فهي لاحظَت كيف هي تتعامَل مع ابنتها وتُخاطبها وكأنّها هي المُربّية وليس العكس. حاولَت حماتي الوقوف بين لَميا وراغِدة لكن مِن دون نتيجة، فقد كانت زوجتي تحت تأثيرها تمامًا.

وصَلَ آخِر الشهر ولَم أدفَع راتب لَميا، الأمر الذي أغضَبَ زوجتي لأقصى درجة، فشتمَتني وهدّدَتني. لَم أجِب، بل أدَرتُ ظهري وتجاهلتُها. وفي اليوم التالي، حين دخلتُ البيت مساءً، لَم أجِد زوجتي أو ابني، بل فقط ورقة مكتوب عليها: "أنا رحَلتُ وأريدُ الطلاق". عرفتُ على الفور أين هي، فاتّصلَتُ بها، لكنّها لَم تُجِب وكذلك لَميا. خابَرتُ حماتي التي بدأَت توَلوِل مِن الخوف والأسف، وهي الأخرى حاولَت الاتّصال بابنتها لكن مِن دون جدوى. إنتظرتُ يومَين قَبل أن أتصرّف لأُعطي الفرصة لراغِدة بالعودة إلى البيت، وحين تأكّدتُ أنّ لا منفعة مِن الانتظار، إتّصلتُ بالشرطة وبمحامٍ.

كنتُ أعلَم أنّ زوجتي ستكذِب بشأني، ولَم أكن مُخطئًا، فهي قالَت للشرطة إنّها هربَت منّي لأنّني أُعنِّفُها وإنّها شعرَت بالخوف على نفسها والطفل. لكنّها لَم تكن تعلَم أنّني ألتقطُّ صوَرًا لشاشة هاتفها تُبرِزُ كلّ محادثاتها مع لَميا، وكيف أنّها لَم تقُل أبدًا إنّها خائفة منّي، بل فقط إنّها ملَّت منّي. وبيّنَت الصوَر أيضًا أنّ المُربّية كانت تتلاعَب بها، بِحَملها على كُرهي مِن دون سبب. فاستحالَ على زوجتي أن تُبرِّر خطفها لابني.

لكن ما لَم أكن أعرفُه وبيَّنَه التحقيق، هو أنّ لَميا كانت في ما مضى مُتزوِّجة، وأنّ زوجها طلَّقَها لأنّه اكتشَفَ أنّها تهوى النساء أيضًا، فحرمَها مِن ابنتَيها كَي لا تتأثّرا بميول أمّهما. لِذا أرادَت "المُربّية" بناء عائلة جديدة... مع حبيبة جديدة!

إتَّضَحَ أنّ راغِدة لَم تكن تعرفُ بميول لَميا أو تشكّ بأنّ هدَفها هو مُزدوِج، بل تأثّرَت بها وبتحريضها على "الرجال الطغاة أمثالي" لأنّها وبكلّ بساطة، إمرأة سطحيّة وساذِجة ولا تُحبُّني كفاية للوقوف بوَجه التحريض المجّانيّ. ولدى معرفتها بدوافع لَميا، تراجعَت راغِدة وطلبَت منّي أن أُسامِحها، بل توسَّلت إليّ وبكَت بمرارة.

أرجَعتُ زوجتي إلى البيت، فقط لأنّني بحاجة إليها لتربية ابننا، لكنّ شرطي كان أن تترك عمَلها وتبقى معه لتهتمّ به. إلّا أنّني لَم أعُد أثِقُ بها، إذ اتّضَحَ أنّها سهلة التأثّر بكلام الناس. ومَن يدري، قد يأتي رجُل فيستميلُها وتُقرِّر تركي وأخذ ابني منّي مرّة أخرى. أنا اليوم بالمرصاد لها، وأجبِرُها على مُشاركتي هاتفها يوميًّا، وأعرفُ أنّ ذلك ليس حلًّا مُناسبًا أو حياةً مثاليّة لي ولعائلتي الصغيرة. لم أعُد أعتبرُها زوجةً لي، بل فقط مُربّية لإبني لأنّ لا ذنب لهذا المخلوق الصغير بما حصَلَ لنا. وأعلَم أنّ يومًا سيأتي وأضطرّ لإيجاد حلٍّ جذريّ لمُشكلتي، لكنّني أمُلُ ضمنيًّا أن أستعيدَ حبّي لزوجتي وثقتي بها. تبًّا لكِ يا لَميا، فقد دمَّرتِ حياتي!

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button