ماذا يحدث في بيت أختي؟

عندما توفِيَت أختي الوحيدة إنتابني شعور بالوحدة فكانت كل شيء بالنسبة لي خاصة بعدما فقدنا أهلنا. وبكوني عزباء كنتُ أمضي معظم وقتي الفارغ في بيتها أهتمّ بتدريس إبنتها دلال وأساعدها بعد عودتي من عملي. لم أُحبَّ يوماً زوجها سهيل فكان يشرب الخمر بكثرة ويتشاجر مع كل الناس.

وبعد سنين من المرض رحلَت حبيبة قلبي مطمئنّة أنني سأعتني بإبنتها التي كانت قد بلغَت السادسة عشر من عمرها.

ولكن بعد الجنازة مباشرة جاء إليّ زوجها وقال لي أنّ الأمور ستتغيّر وليس من الضروري أن آتي إلى بيتهم كالسابق:

- رحلَت أختكِ وأنا قادر على إدارة عائلتي دون إشراف أحد. لِما لا تتزوّجي وتنجبين أولاداً وتتركيننا بسلام؟ تحمّلتُ وجودكِ فقط إكراماً للمرحومة.

كنتُ أعلم أنّهُ إنسان غير لائق ولكن لم أتوقّع هذا منه بل إعتقدتُ أنّهُ سيُسرّ بوجودي كونه رجل ولا يدري كيف يتعامل مع مراهقة.

قررتُ إعطائه بعض الوقت ولكن لم يكن وارداً أن أترك إبنة أختي في هكذا ظروف.

وبعد أسبوع قرعتُ بابهما في المساء ولكن لم يفتح لي أحد.

أخذتُ هاتفي وطلبتُ رقم البيت وعندها أجاب سهيل قائلاً:

- ماذا قلتُ لكِ؟

- أريدُ رؤية دلال.

- إنّها نائمة ولن أوقظها.

- نائمة في هذه الساعة؟ إنّها السابعة مساءً! عادة تكون صاحية تعمل على واجباتها المدرسيّة.

- شعَرَت بتوعّك وفضّلَّت أن ترتاح. ستكون بخير غداّ.

وأقفلَ الخط.

إنشغلَ بالي كثيراً على صحّة إبنة أختي ولكنني قلتُ لنفسي أن أبوها قادر على معالجة وعكة صغيرة وربما عليّ الإتّكال عليه أكثر.

ولكن كنتُ مخطئة بأن أثق بهكذا رجل فبعد أسبوع حاولتُ مجدداً الإطمئنان فأَذَن لي بمقابلة دلال ولكن بوجوده ولعشر دقائق فقط. بَدَتْ لي شاحبة وحزينة وكان هذا طبيعي بعد مرضها وفقدان أُمّها. سألتهُا إن كانت بخير فنظَرَت إلى أبيها وقالت "نعم" بصوت خافت. ثُمَّ طلب منّي الرحيل. وعَدْتُ الفتاة أنني سوف أرجع قريباً.

وبقينا نتقابل على هذا الشكل لمدّة أشهر حين ألتقيتُ صدفة بِمُدرِّسَة دلال في السوبرماركت. ركضَت إليّ وسألتني:

- أخبريني... كيف دلال وهل هي سعيدة في منزلها الجديد؟

- ما قصدكِ؟

- بعد موت أمّها جاء السيّد سهيل وقال للمدير أنّهُ سيأخذْ إبنته ويرحلا إلى مدينة أخرى لأن دلال جدّ متأثرة بما حَدَث وعليه إبعادها من كل ما يمكنه تذكيرها بوالدتها.

- ولكن... شكراً لسؤالكِ عنها... الوداع.

وركضتُ أجلس بسيّارتي أحاول إستيعاب ما قالته لي هذه السيّدة. كنتُ أشعر أنّ شيئاً لم يكن على ما يرام ولكن لم أتصوّر أن سهيل يكذب هكذا على إدارة المدرسة ويُبقي إبنته في البيت. ولكن لماذا فعل هذا؟ والأهم من ذلك ما الذي يجري في هذا البيت؟

كنتُ متأكدّة أنني إذا حاولتُ الإستفسار منه سيغضب كثيراً ويطردني فالحل الوحيد كان التكلّم مباشرة مع دلال.

أخذتُ فرصة من عملي وإنتظرتُ خارج بيت سهيل حتى يذهب إلى شغله. وحين رأيتُ سيّارته تبتعد ركضتُ أدّق الباب:

- إفتحي لي أنا خالتكِ!

لم يجب أحد. إستمرّيتُ بقرع الجرس والصراخ لها:

- أعلم أنّكِ في البيت فإلتقيتُ بمُدرّسَتُكِ وأعلم أنّكِ لا تذهبين إلى المدرسة. لن أرحل من هنا قبل أن أراكِ.

حينها سمعتُ صوت أقدام وفُتِحَ الباب ورأيتُ دلال بحالة يُرثى لها. كانت هزيلة ووجهها شاحب وبالكاد قادرة على الوقوف. أخذتُ يدها وأدخلتها فوراً سيّارتي وقدتُها إلى طبيب صديقي. ونحن في الطريق بَدَأَتْ تبكي بصمت وتقول:

- سيغضب كثيراً إن علِمَ أنني فتحتُ لكِ وسيجّن إن عاد ولم يجدني... أرجوكِ خالتي عودي بي إلى البيت... أرجوكِ... أنتِ لا تعرفين ما يمكنه فعله عندما يغضب...

وعندما فحصها الحكيم إكتشفنا كدمات على كامل جسمها تدلّ على ضرب مستمرّ. خفتُ أن يكون سهيل قد إعتدى عليها أيضاً جنسياً ولكن لم يفعل. حينها قررَت دلال الكلام:

- فور موت أمّي وإبعادكِ عنّا قرّر أبي أنني لن أذهب إلى المدرسة لأنني سأهتمّ بالأعمال المنزليّة وأفعل ما بوسعي لتأمين له الراحة كتحضير الطعام له ولأصحابه وصبّ المشروب بكأسه والمكوث بقربِهِ في حال إحتاج لشيءٍ. كان يجعلني أنتظر أن ينتهي من الأكل حتى يسمح لي بأن آكل ما قرّرَ تركه لي وإذا لم يفضَل شيئاً كنتُ أنتظر إلى اليوم التالي لأسدّ جوعي. كان يمنعني من الخروج أو الإجابة على الهاتف. عاملني كالخادمة يضربني بوحشيّة إذا رفضتُ فعل ما يطلبه منّي أو هددته بإخباركِ بالذي يجري حتى أنّه قال أنّهُ سيقتلني ويقتُلكِ إذا فعلتُ.

تركتُ دلال في العيادة وإتّجهتُ إلى أقرب مركز للشرطة لأريهم الصور التي إلتقطتها بواسطة هاتفي تُظهِر وحشيّة صهري. بعثوا فوراً دوريّة إلى عمله ولكنّهم لم يجدوه ولم يكن في منزله أيضاً. رجّحوا أنّهُ عاد إلى البيت خلال النهار وعندما رأى أن إبنته إختفت عَلِمَ أنّها ستوشي عليه فقرّر الفرار.

بحثوا عنه كثيراً في الأيّام التالية ولكن دون جدوى وكان من المؤكّد أنّهُ ترك البلد.

عاشت معي دلال وأرجعتُها إلى المدرسة وعمِلنا سويّاً على إلحاق التأخير في دروسها. لِحسن الحظ لم يسأل أبوها عنها يوماً ولم يحاول الإتصال بها. في البدء خفنا أن يأتي وينفّذ تهديده بقتلنا وكانَت المسكينة تستيقظ في الليل وهي تصرخ. ولكن مع الوقت تعلّمنا كيف نعيش بسلام ونضع وراءنا هذه الذكريات المؤلمة.

والأجمل بهذه القصّة أنني وجدتُ بِدلال الإبنة التي لم أرزَق بها وهي لاقت فيّ حنان الأم الذي حُرمَت منه.

حاورتها بولا جهشان 

المزيد
back to top button