كانت حياتنا هنيئة قبل أن يأتي هؤلاء الناس للعيش في فيلا مقابل مبنانا. كانوا أكثر منّا ثراءً بفضل مهنة الزوج الحرّة والتي كانت تدرّ عليه المال الوفير. أمّا أنّا، فلم أكن سوى موظّف بسيط يجني ما يكفي لإطعام زوجته.
وسرعان ما بدأَت هدى زوجتي تغار مِن جارتها وتحلم بامتلاك ما لدَيها. في البدء كانت تُسمعني تلميحات واضحة جدًّا بشأن ذلك الزوج المحبّ الذي يشتري لزوجته الأفضل والأجمل، ومِن ثمّ صارَت تقضي وقتها تعبس بوجهي وتقلّل مِن الكلام معي. كنتُ أفهم رغباتها، فمَن لا يُحبّ أن يكون لدَيه سيّارة جميلة وملابس أنيقة وشاليه في الجبل أو الشاطئ؟ ولكنّني لم أكن قادرًا على تحقيق أيّ مِن تلك الأحلام.
حاوَلتُ إفهام هدى أنّ لا جدوى مِن أن تعذّب روحها بأشياء لن يحصل وأنّ القناعة هي أثمَن الكنوز، فقد كنّا سعداء قبل ذلك ولا أظنّ أنّ جيراننا كانوا أيضًا سعداء، فأنا كنتُ أسمع أصوات شجاراتهم ولم أرَهم يومًا يبتسمون. ولكنّ زوجتي بقيَت مستمرّة بالتذمّر تارة وبالصّبر تارة أخرى، حتى قرَّرتُ إيجاد عمل ثانٍ على أمل تحقيق جزء بسيط مِن أمنيات حبيبتي.
إلا أنّ ذلك أيضًا لم يكن كافيًا لشهيّة هدى المتزايدة، لأنّها كانت تريد كلّ ما تملكه جارتها بحجّة أنّ تلك المرأة لم تكن تستحقّ أكثر منها خاصة أنّها "متعالية وغليظة وقبيحة".
سألتُ زوجتي لِماذا لا تجد وظيفة، فهي كانت تحمل شهادة جامعيّة تخوّلها العمل، فصَرَخَت بي بأعلى صوتها:
ـ أنا أعمل؟!؟ أنتَ مجبَر على تأمين حياة كريمة لي!
ـ وهذا ما أفعله... عندما تزوّجتِني كنتِ تعلَمين ما ينتظركِ، وهذا لم يمنعكِ من حبّي والقبول بي والتمسّك بي.
ـ هذا كان قبل أن أرى كيف أنّ الرجال الحقيقيّين يُعاملون زوجاتهم! تريديني أن أعمل؟!؟ يا لشهامتكَ!
ـ لو وجَدتِ وظيفة، ستتمكّنين مِن شراء ما تريدينَه والكفّ عن مراقبة جيراننا... لدَيكِ المتّسع مِن الوقت لذلك خاصة أنّ ليس لدَينا أولادًا.
ـ تعيّرني لأنّني لم أنجب؟
ـ أبدًا فهذه مشيئة الله وأنا أحترمها... إسمعي حبيبتي... لدَيَّ وظيفتان وأعمل مِن الصّبح حتى الليل، ولستُ قادرًا على فعل أكثر مِن ذلك... عليكِ تقبّل الوضع.
كان عليّ الاحتراس مِن تغيّر هدى المفاجئ بعد ذلك الحديث، فقد أصبحَت أكثر لطافة ولم تعد تثير موضوع المال بل كانت تشكرني بحرارة كلّ ما جلَبتُ لها شيئًا جديدًا. خلتُ طبعًا أنّها فهمَت أخيرًا أنّ ما يهمّ هو التناغم بين الزوجَين والاقتناع بما هو موجود.
ولكنّ زوجتي كانت قد وجَدَت طريقة لنَيل ما تريد وذلك مِن خلال رجل آخر. لم أتصوّر أبدًا هدى قادرة على خيانتي ومِن أجل المال! كنتُ أظنّ أنّها فعلاً تحبّني وأنّها تتحلّى بالأخلاق اللازمة لعدم بَيع شرفها مقابل راحتها الماديّة. وحتى اليوم أسأل نفسي إلى أيّ مدى يُمكن للمرء أن يصل لينال مبتغاه وإن كان هناك فعلاً حدود لذلك. فزوجتي تخطَّت كلّ الحدود الممكنة واضعة جانبًا إنسانيّتها.
ببقائي خارج البيت للقيام بوظيفَتَيَّ، استطاعَت زوجتي التحرّك كما تشاء. مِن أين تعرّفَت إلى ذلك الشاب وكيف؟ حتى اليوم لا أملك الجواب، ولكن ما أعرفُه هو أنّها اختارَته حسب معايير معيَّنة: كان يصغرها بحوالي عشرة سنوات، وابن رجل أعمال ثريّ ومستعدًّا لتلبية كل ما تطلبه منه، فمِن المعروف أنّ الشبّان بعمره يهوون النساء الأكثر نضوجًا ويقعون تحت تأثيرهنّ لأنّهم يفتقدون الخبرة والتمييز، وكلّ ما يهمّهم هو أن يتعرّفوا إلى الحياة على يدهنّ.
لم يُخبرني أحد بأنّ لزوجتي عشيقًا، ربمّا لأنّها عرَفَت كيف تخبّئ علاقتها أو لأنّهم خافوا مِن ردّة فعلي أو خجلوا عنّي.
وتابَعنا حياتنا كما في السابق وخلتُ حقًّا أنّني استعَدتُ حبّ هدى.
في تلك الأثناء كان العشيق يأتي لزوجتي بالهدايا الثمينة ويأخذها في نزهات جميلة وإلى المطاعم الفخمة، وطبعًا إلى مكان آمن يُمارسان فيه خيانتهما لي.
ولكنّ هدى لم تكن قادرة على التمتّع بالحياة التي حلِمَت بها، فهي كانت تخفي عنّي المجوهرات والملابس والأحذية، وكان ذلك يُزعجها إلى أقصى درجة. كانت ستتحمّل المضيّ بحياتها السريّة لولا رغبتها باقتناء تلك السيّارات الرباعيّة الدفع الباهظة الثمَن، فكيف لها أن تخفيها عنّي؟ وعادَ مزاجها البشع، لأنّني بنظرها كنتُ العائق الوحيد بينها وبين السعادة المطلقة.
لماذا لم تطلب الطلاق لتعيش كما يحلو لها؟ ربمّا لأنّني قبل أن نتزوّج قلتُ لها إنّني أكره الفكرة فهي تُغضب الله وإنّ علينا إيجاد الحلول في حال اختلَفنا يومًا. ولكنّني لم أقصد طبعًا إبقاء زوجتي معي رغمًا عنها خاصة إن كان لدَيها عشيق، فكان مِن المستحيل أن أبقى ولو ثانية واحدة مع امرأة خانَتني مِن دون سبب وجيه بل فقط لتحصل على الحلى والسيّارات.
ولكنّها لم تكن تعرف ذلك، وخافَت أن أبقى عقبة في طريقها، لِذا قرَّرَت وبكل بساطة أن تتخلّص منّي. نعم، أن تتخلّص منّي بكلّ ما للكلمة مِن معنى. واستعانَت بالـ"دمية" الخاصّة بها، أي ذلك الشاب الغبيّ الذي كان مستعدًّا لتنفيذ ما تطلبه منه، خاصّة بعدما أقنعَته بأنّني رجل عنيف أهينُها وأضربها وأشرب الكحول. لعِبَت بعقل وعاطفة عشيقها الذي وافَق على انقاذها مِن مخالبي.
وذات ليلة، بينما كنتُ وزوجتي نائمَين، إستيقَظتُ على صوت في الشقّة. كان معروفًا عنّي أنّ نومي ثقيل للغاية ولكن في ذلك المساء بالذات كنتُ أعاني مِن صداع حاد مَنَعَني مِن النوم جيّدًا. علِمتُ أنّ هناك أحدًا في الشقّة وخلتُ طبعًا أنّه لصّ وأتذكّر أنّني قلتُ لنفسي: "ما مِن شيء يُسرق عندنا"، مستغربًا اختيار السّارق لمسكننا. فَمِن المعروف أنّ اللصوص يُراقبون المنازل وأصحابها قبل دخولها ولا يُخاطرون بسرقة أناس مثلنا.
نظَرتُ إلى هدى النائمة إلى جنبي وفكَّرتُ أن أوقظها، ولكنّني لاحظتُ أنّها لا تصدر أيّ صوت وكأنّها تحبس نَفَسها، ما يعني أنّها لم تكن نائمة بل تدَّعي ذلك. ومع أنّني لستُ فائق الذكاء، علِمتُ أنّ شيئًا مريبًا يتحضّر وأنّ لزوجتي دخلاً به، ولكنّني لم أشك أبدًا بأنّها أرسلَت أحدًا لقتلي.
إحتَرتُ لأمري: هل أترك السّرير لأرى مَن في الشقّة أم أبقى مكاني وأنتظر؟ كان عليّ اتخاذ قرار بسرعة قبل أن يفوت الأوان، فلَم يكن لدَيَّ سلاح أو أيّ شيء أدافع به عن نفسي وأدرَكتُ مدى ضعفي في ذلك الموقف.
ولكن في تلك اللحظة بالذات دخَلَ العشيق الغرفة ووقَفَ أمام السرير. أغمَضتُ عَينيَّ بسرعة مدّعيًّا النوم، ثمّ فتَحتُ عينًا واحدة لمعرفة ما يجري والتمكّن مِن المقاومة.
كان الدّخيل يحمل بيده عصًا كبيرة فاطمأنّ قلبي قليلاً لأنّني خفتُ أن يكون مسدّسًا، فبالعصا كان مُجبرًا على الاقتراب منّي وأستطيع حينها الانقضاض عليه.
لكنّ الشاب بقيَ واقفًا مكانه وطال الانتظار. فكما قلتُ لم تكن زوجتي نائمة ولم تفهم تردّد عشيقها على قتلي. وفجأة صَرَخَت به: "ماذا تنتظر أيّها الغبي؟!؟ أقتله!"
قفَزتُ مِن السرير وهجَمتُ على الشاب. تعاركنا قليلا’ ثمّ فرَّ مثل الأرنب الخائف.
إستدَرتُ نحو هدى التي كانت قد جلسَت في السرير ترتجف مِن الخوف، واقترَبتُ منها وصفَعتُها بكامل قوّتي. لم تبكِ لكثرة حقدها عليّ ولم تحاول الدّفاع عن نفسها أو حتى اعطاء أيّ مبرّر.
إتصَلتُ بالشرطة على الفور وأخذوا هدى للتحقيق ولم يتطلّب الكثير مِن المحقّق لحمل زوجتي على الاعتراف، وذلك لكثرة غضبها منّي ومِن عشيقها "الجبان". تمّ القبض على الشاب أيضًا وحوكما ووُضعا خلف القضبان.
بعد تلك الحادثة أدرَكتُ كم أنّ الخط الذي يفصل بين الخير والشر رفيع جدًّا.
أنا متأكّد مِن أنّ فكرة قتلي لم تكن واردة أبدًا بذهن هدى عندما تزوّجَتني، ولو قال لها أحد آنذاك إنّها ستأخذ لنفسها عشيقًا وتحمله على قتلي لكانت ضحِكَت كثيرًا. هل المبادئ والقيَم هشّة إلى هذه الدرجة؟ هل الانسان كتلة مِن شرّ مكبوت إلى حين يُفتح له الباب؟
لا أملك الأجوبة ولكنّني لم أعد أرى الناس بالطريقة نفسها. هل سأحبّ مجدّدًا؟ بالطبع لا! فكيف لي أن أغمض عَينيَّ ليلاً وإلى جانبي إنسانة لا أعرف ما يدور بعقلها؟
حاورته بولا جهشان