لولا صديقي لكنتُ وقعتُ ضحيّة غِيرة زوجي

هل بإمكان الإنسان السيطرة على غيرته وما هي الحدود التي لا يجب أن يتخطّاها؟ يا ليتَ كان لزوجي أجوبة لهذه الأسئلة، لَعَلِمَ أين يتوقّف.
كنتُ أعلم منذ البداية، أنّ فؤاد يغار عليّ ولكنني كنت أعتبر هذا دليلاً على حبّه وإهتمامه بي. ولكن بعد أن تزوّجنا، بدأتُ أشعر أنّه لا يثق بي إطلاقاً، بالرغم أنني لم أفعل يوماً شيئاً يدعو للشك، فكانت حياتي تقتصر على الذهاب إلى عملي في مكتب محاماة والرجوع إلى البيت. كان لديّ صديقات فقط وليس أصدقاء. فلماذا إعتقدَ أنني أخونه؟ لأنّ عقله مريض طبعاً.
في البدء لم يصارحني بشكوكه وأبقاها بداخله تتفاقم يوم بعد من يوم. لو تكلّم معي بالموضوع، لربما كنتُ هدّأتُ من هذه النار التي كانت تأكله. وبما أنني لم أنتبه إلى شيء، تابعتُ حياتي كالعادة. ولكن في هذه الأثناء، كان فؤاد قد أخبرَ صديقه بما يدور في رأسه، وهذا الأخير نصحَه بمتابعتي كما فعلَ مع زوجته وإكتشفَ أنّ لديها حبيب ما أدّى إلى تطليقها.

أَعجبَت زوجي تلك الفكرة وأخذَ يُفتّش على من يقوم بذلك. وفي هذه الأثناء حدث أمر أثّر بشكل حاسم على باقي التطوّرات: تعطّلت سيّارتي وإضطررتُ للإتصال بسيّارة أجرة من المكتب المجاور لبيتنا، فبعثوا لي بأيمن سائق شاب يتمتّع بروح الفكاهة والحيويّة المسليّة. وباتَ يأخذني مِن وإلى عملي كل يوم لمدّة أربعة أيّام، أي طيلة فترة تصليح مركبتي. كنتُ أحبّ الذهاب معه وبعد يوم على تعرّفنا، أخبرني قصّته مع شريك له كان قد سرق مال مؤسستهما ما أدّى بأيمن إلى التفتيش عن عمل بعيد عن إختصاصه وأصبح يقود سيّارة أجرة. وبما أنني أعمل في مكتب محاماة، أخذتُ أهتمّ من دون مقابل بقضيّته والتفتيش عن وسيلة قانونيّة لإعادة ماله له. شكرَني كثيراً على إهتمامي به وعلى وعدي له أن أتابع الموضوع، حتى بعد أن أستعيد سيّارتي. تبادلنا أرقام الهاتف وذهبَ في طريقه. وقال لي قبل أن أغادر سيّارته:

- أنتِ إمرأة طيّبة... أنتِ لا تعرفينني وتقومين بمساعدتي مجّاناً... أنا أدينُ لكِ بالمعروف حتى لو لم أنل مالي... لا تتردّدي بالإتصال بي إذا إحتجتِ أي شيء.

لحسن حظّي لم يشكّ زوجي بأي علاقة بيني وبين السائق، لأنّه لم يكن يعلم أنني صعدتُ معه في كلّ مرة ولأنّه كان يظنّ أنّني أحبّ أحد محاميّ الشركة.

وشاءت الظروف أنّ يختار فؤاد أيمن بالذات لمراقبتي. فعندما رأى أن أفضل شخص للقيام بهكذا عمل يكون سائق أجرة، ذهبَ إلى أقرب مكتب للتاكسي وأوّل سائق رآه كان صديقي الجديد. عرضَ فؤاد عليه القيام بالمهمّة مقابل مبلغ كبير من المال، فقَبِلَ أيمن دون أن يعرفَ هويّة تلك المرأة الخائنة. ولكن عندما أعطاه زوجي عنوان بيتنا ومقرّ عملي، أدرَكَ السائق أنّها أنا. لم يقُل شيئاً ولم يرفض عرض فؤاد خشيَة من أن يوكّل شخصاً آخراً إن فعَل. بل أخذَ أوّل دفعة من المال وركنَ سيّارته جنب منزلنا وبدأَ يتبعني كما أوصاه فؤاد. أمّا أنا فلم ألاحظ شيئاً، فمَن يخطر على باله أنّ أمور كهذه تحصل خارج القصص البوليسيّة. وبالطبع لم أذهب لأرى أحد، لأنني بكل بساطة كنتُ أحبّ زوجي ولأنني إنسانة شريفة ووفيّة. وعندما قدّمَ السائق تقريره لفؤاد صرخَ به هذا الأخير:

- أنتَ لم تقم بعملكَ جيّداً! أنا متأكّد أنّها تخونني! لا تتوقّف عن متابعتها، فلا بدّ أن تقترفَ خطأً! وإذا لم تأتيني بدليل على ممارساتها، سأطلب من سائق آخر ملاحقتها! أفهمتَ؟

هنا إستوعبَ أيمن مدى مرض زوجي الذي كان مصّراً على ما في باله ولن يهدأ قبل أن يقول له أحد أنّه على حق. فخاف صديقي عليّ من هكذا رجل قد يذهب إلى أيّ مدى تأخذه غيرته إليه، خاصة أنّه لاحظَ أنّ زوجي كان هو أيضاً يلاحقني ولكن من بعد. وقرّرَ أيمن إخباري بما يجري، لكيّ آخذ حذري. فبدَّلَ سيّارته مع سيّارة زميل له وطلب منه الوقوف قرب مكتب المحاماة. وفي هذه الأثناء إتّصل بي وطلبَ منّي ملاقاته في مقهى مجاور وأن أذهب مشياً على الأقدام. إستغربتُ الأمر ولكنّه طمأنَني بالقول أنّها أمور تتعلقّ بقضيّته مع شريكه. فعلتُ كما طلب مني وإلتقيتُ به في المكان المذكور. كان جالساً ينتظرني ويلتفِت حوله بإستمرار. شعرتُ بقلقه وسألته عمّا يجري، فأخبرني بكل شيء. في البدء ظننتُ أنّه يمزح وبدأتُ بالضحك قائلة:

- فؤاد يفعل ذلك؟ من الواضح أنّك لا تعرفه!

ولكن مِن التفاصيل التي أعطاني إيّاها والجديّة التي كانت مرتسمة على وجهه، علِمتُ أنّه يقول الحقيقة. سكتتُ مطوّلاً لأستوعبَ ما سمعتُه ثم سألتُه:

- برأيكَ ... ما الذي يجب فعله؟

- إنّه إنسان مختلّ... أنصحكِ بالإبتعاد عنه... وإذا أردتِ مواجهته فلا تفعلي إلا إذا كان معكِ مرافق... فَلقَد رأيتُ الجنون في عينيه.

شكرتُ صديقي وذهبتُ إلى أخي وأخبرته بكل شيء. وعَدَني بأن يكلّم زوجي في المساء وطلَبَ منّي الذهاب إلى بيت أهلي حتى تُحل هذه القضيّة. وفي المساء لحِقَ بي أخي عند والدَينا وأطلَعني على الذي جرى بينه وبين فؤاد:

- أختي العزيزة... حاولتُ التفاهم معه ولكنّه بدأَ يصرخ بقوّة وينعتكِ بألفاظ مُشينة... وبعد أن أجبرتُه على الكفّ عن شتمكِ هَدِأَ قليلاً ثم عاد يصرخ... ولكثرة دفاعي عنكِ ظنَّ أنّه يوجد علاقة غراميّة بيني وبينكِ!

- ماذا؟؟؟ هل فقَدَ عقله تماماَ؟

- أظنّ ذلك... فمن يقول هذا سوى المجانين؟ أختي... أنصحكِ بالبقاء هنا، فبعد أن رأيتُ بأيّة حالة هو، لا أظنّ أنّكِ ستكونين بأمان معه.

وبقيتُ عند أهلي. في أوّل فترة لم يتّصل بي فؤاد، ثم بدأ يأتي ويحاول التحدّث معي ويقول لأمّي: "أحبّها وأعلم أنّها إنسانة شريفة... أقنعيها بالعودة..." ولكن بعد أن رأى أنني لا أريد أن أراه، بدأَ يهدّد ويشتم ويصرخ. ثم إختفى تماماً ومِن بعدها باشرَ بالطلاق. كيف وصَلَت بنا الأمور إلى هذا الحد؟ بسبب عِقَد نفسيّة كانت مدفونة بداخله وكدتُ أن أصبحَ أنا ضحيّتها.

حاورتها بولا جهشان 

المزيد
back to top button