لم أكن على علم بالذي كان يجري وظننتُ أنّ التغيّر في مزاج زوجي أسعد، سببه إنشغالاته العديدة وإنّها مرحلة مؤقّتة ستزول من تلقاء نفسها، إذا تصرّفتُ كعادتي ولم أسأل أيّ سؤال. ولكنّ موقفي هذا زاد من تعصيبه وأصبح جوّ المنزل متشنّج، ما أثّر على نفسيّة أولادنا الثلاثة. وبعد فترة قررتُ إستشارة حماتي التي كنتُ مقرّبة منها فطمأنتني قائلة:
- هكذا هم الرجال... المرحوم زوجي كان يمرّ بمزاجات مختلفة وكنتُ أعالج الأمر بالسكوت والتغاضي. إبني رجل صالح ومحبّ ولاخوف منه ولا عليه.
ولكنّ الحقيقة كانت مختلفة تماماً عمّا تصورّناه. وبعد أسابيع طويلة من التساؤلات، علمتُ أخيراً ما غيّر طباع أسعد. كنتُ جالسة أمام التلفاز عندما عاد من العمل وطلبَ من الأولاد أن يذهبوا إلى غرفهم وعلمتُ من نبرة صوته أنّ الموضوع كان جديّاً. ثمّ جلسَ على الكرسيّ المقابل لي وقال لي:
- هل خنتيني يوماً؟
- ماذا؟
- سمعتيني جيّداً... هل خلال زواجنا أقمتِ علاقة ولو عابرة مع رجل آخر؟
- أبداً! لماذا هذا السؤال الغريب؟ هل غبتُ يوماً أو لاحظتَ عليّ أنّني أُخفي شيئاً عنكَ؟
- كنتُ أسافر كثيراً في ما مضى وأترككِ لوحدكِ...
- أنا إمرأة شريفة وما تقوله لي الآن مهين جداً ولا أقبله منكَ! هل فقدتَ عقلكَ؟
- سأسألكِ سؤالاً أخيراً... وأريد جواباً قاطعاً... لا داعي للتفسيرات والإستنكار... أجيبي فقط بنعم أولا... هل رامي هو إبني؟
في البدء لم أستوعب ما قاله لشدّة إستغرابي، فلم أكن أتوقّع أبداً أن يشكّ زوجي بأنّ إبننا الأصغر قد يكون من غيره. ثمّ نظرتُ إليه بغضب وأجبتُ:
- نعم هو إبنكَ.
ووقفتُ ودخلتُ الغرفة وأقفلتُ الباب ورائي بالمفتاح. لماذا يسألني هذا السؤال والآن بالتحديد؟ لماذا هذه الشكوك حتى؟ بكيتُ كثيراً وأبقيتُ الباب موصداً طوال الليل ونام أسعد على الأريكة. وفي الصباح عندما دخلتُ المطبخ لأحضّر زوّادة الأولاد، وجدته جالساً هناك يشرب كوباً من العصير. ألقَ التحيّة عليّ ولكنّني لم أجب وباشرتُ بتحضير السندويشات ثمّ إقترب منّي وعانقني بقوّة وهمس:
- سامحيني...
تجاهلته وإنتظرتُ حتى ذهب أولادنا إلى المدرسة لأقول له:
- مضى على زواجنا أربعة عشر عاماً ولم أقترف أيّ خطأ خلال كل هذه السنين... أعطيتُ إهتمامي كلّه لكَ وللأولاد وللمنزل... وأحياناً نسيتُ الإهتمام بنفسي وتأتي اليوم وتتهمّني بالخيانة؟ عليكَ أن تخجل من نفسكَ... إعلم أنّكَ كسرتَ شيئاً مهماً بيننا...
- لا! لا تقولي هذا! أعلم أنّكِ إنسانة رائعة ولم يخطر على بالي أبداً أنّكِ قد تنظري حتى إلى غيري قبل أن... قبل أن أتلقّى هذا.
وأخرج ورقة من جيبه وأعطاني إيّاها لأقرأها وكان محتواها مكتوب على الكمبيوتر ويقول: "ألم تسأل نفسكَ لماذا إبنكَ الأصغر لا يشبهكَ أبداً... إسأل زوجتكَ وستعطيكَ الجواب."
صحيح أنّ الصغير كان شعره أفتح من أخواته وعيونه ملوّنة ولكنّ أبي كان هكذا وكان قد ورث منه تلك الخصائص وكوني إمرأة مثقّفة، لم أستغرب للأمر وظننتُ أنّ زوجي أيضاً سيجد هذا طبيعيّاً. نظرتُ إلى أسعد وقلتُ له:
- أنتَ تعلم أنّ أبي رحمه الله كان أشقر اللون... فكيف تصدّق هذه التفاهات؟ وكيف وصلَت إليكَ الرسالة؟
- عبر الإنترنيت... فتحتُ بريدي ووجدتها... ولم تكن الأولى... في البدء كانت تلميحات فقط... كان المرسل يقول أنّكِ ذهبتِ إلى مكان مشبوه أو أنّكِ تراسلين أحد...
- ماذا؟ وماذا فعلتَ؟
- أخذتُ أفتّش هاتفكِ وأتبعكِ أينما ذهبتِ.
- كيف تفعل هذا؟ أليس لديكَ أيّ ثقة بي؟؟؟ بهذا التصرّف دخلتَ لعبة المرسل ووقعتَ بفخّه، فمِن الواضح أنّه يريد أن يخرّب عائلتنا... هل تشكّ بأحدٍ ما؟
- أبداً...
- لا بدّ أنّه شخص يعرفنا جيّداً... لما لا تجيبه على رسائله لكيّ نعرف مِن أجوبته من هو؟
- ماذا تقترحين؟
- أجبه أنّكَ واجهتني بالحقيقة وأنّكَ تشكره على مساعدته لكَ وأنّكَ قرّرتَ أن تطلّقني... فهذا ما يريده وسنعرف حينها ما ينوي فعله بعدما تصبح حرّاً.
وافق زوجي على الخطّة وبعثَ الرسالة كما أمليتُها عليه وإنتظرنا الردّ الذي لم يأتي إلا بعد أسبوع إلى بريد أسعد الإلكتروني: "حسناً فعلتَ... زوجتكَ ماكرة وخائنة وجعلَتكَ تعتقد طوال سنين أنّ هذا الصبيّ هو منكَ... حان الوقت لكيّ تبدأ حياتكَ من جديد مع إمرأة محبّة ومخلصة."
وحين قرأناها، طلبتُ من زوجي أن يجيب: "ياليتني أجد هكذا إنسانة... فبعد ما فعلَته زوجتي بي لم أعد أثق بالنساء... إن وجدتُ تلك المرأة سأحبّها إلى الأبد وأعطيها كل ما لديّ."
وبدأ الإنتظار، فالجواب على هكذا رسالة كان بإمكانه الكشف عن هوية المرسل. وفي هذه الأثناء ولِدَ بيني وبين أسعد نوع من الرابط القويّ لم نعرفه من قبل، فالتشويق الذي شعرنا به وإثارة الموقف، خلقا حماساً جديداً جعلنا نشعر أننا مراهقين وتمنيّتُ أن تستمرّ هذه اللعبة أطول فترة ممكنة. وبعد أيّام خابرني أسعد من العمل قائلاً:
- لن تصدّقي أبداً من هو المرسل!
- لا تقل لي الآن! أريد ان يستمرّ التشويق! أنتظركَ بفارغ الصبر.
وأعددتُ عشاءً جديداً ولبستُ فستاناً مثيراً وبعثتُ بالأولاد إلى جدّتهم لقضاء فرصة آخر الأسبوع. وعندما سمعتُ الباب يُفتح، ركضتُ لأستقبل زوجي. عانقته بقوّة وأخذتُه إلى المائدة ولم أسمح له بالتكلّم بالموضوع إلّا عندما بدأنا بالحلوى.
- هيّا... قل لي من هو هذا المجرم؟
- مجرمة!
- إنّها إمرأة!
- أجل... ولقد أُعجِبَت بي منذ أوّل مرّة رأتني فيها... تعلمين كم أنا جذّاب!
- أجل... وسيم وذكي... أكمل...
- وقالت لي برسالتها أنّها تعلم أنّها مناسبة لي جدّاً ولا مانع لديها إن بقيَ الأولاد معي بعد طلاقي منكِ...
- يا للتفاني!
- أجل لأنّها تحبّ الأولاد وهي معتادة على التعامل معهم.
- يعني هذا أنّها قد تكون مدرّسة...
- إقتربتِ من الجواب...
- هيّا قل لي!
- إنّها مديرة مدرسة أولادنا!
- تلك العجوز؟ هل أنتَ متأكّد؟
- أجل... فبعد أن بعثَت لي الرسالة، طلبتُ أن أرى صورة لها... أنظري!
وفتح حسوبه المحمول وأراني صورة المديرة. عندها قلت له:
- الآن جاء الوقت لأتصرّف.
وتوجّهتُ في اليوم التالي إلى المدرسة وطلبتُ أن أرى المديرة. وحين دخلتُ مكتبها وجلستُ أمامها، قلتُ لها بِلهجة لا تسمح بالنقاش:
- أمامكِ يوم واحد لِتقديم إستقالتكِ ومغادرة المدرسة وإلّا أخبرتُ الجميع أنّكِ حاولتِ بأسلوب دنيء سرقة زوجي منّي وإيّاكِ أن تحاولي الإساءة إلى أولادي...
لم أعطِها الفرصة لِتجيب أو تنكر أو تبرّر نفسها، بل غادرتُ المكتب فور إنتهائي مِن الكلام. وفي اليوم التالي أخبرني إبني الكبير أنّ المديرة إستقالَت بسبب حالتها الصحيّة وأنّ شخصاً آخراً سيأخذ مكانها قريباً. ضحكتُ وقلتُ لِزوجي:
- أرجو أن يكون رجلاً هذه المرّة!
حاورتها بولا جهشان