لعنة المرأة المتسوّلة

أنا في المبدأ لا أؤمن بالسحر والشعوذة ولكن أحياناً تحصل أشياء تجعلنا نغيّر إعتقاداتنا خوفاً من المجهول .

عندما كنتُ في الثامنة عشر من عمري فعلتُ شيئاً من دون قصد خفتُ أن يأثرّ على باقي حياتي. كنتُ أنا وصديقاتي نعود سيرأً على الأقدام من السينما عندما جاءت إمرأة فقيرة وطلبت منّا مساعدتها بإعطائها بعض النقود لطفلها. كنتُ دائماً السّباقة في التعاطف مع الفقراء ولكن هذه المرّة لم يكن معي فكّة لأعطيها. إعتذرتُ منها ولكنّها كانت قد رأت معي ورقة نقديّة كبيرة. فقالت لي:

- لديكِ المال... رأيتُه... إبني مريض وعليّ شراءُ الدواء لهُ.

- لا أستطيع إعطائكِ كل ما لديّ... لو كان عندي فكّة لفعلتُ.

- ولكن إبني...

- أنا آسفة.

وتابعنا طريقنا إلى البيت ولكنّها لَحِقَت بنا وصرخَت لي:

- إن حصلَ مكروهٌ لإبني فستكونين أنتِ المسؤولة... أُحذّركِ!

كدتُ أن أعود وأعطيها كل نقودي ولكن رفيقاتي منعنتي من فعل هذا:

- لا تأبهي بها فهي تكذبُ عليكِ.

وبعد بضعة ايّام مررتُ في ذات الشارع لشراء بعض الحاجات فرأيتُ تلك المرأة ملفوفة بالأسود. جاءت إليَّ ومسكتني بذراعي وقالت لي وهي تنظر إلى عينيَّ:

- بسببكِ ماتَ طفلي... أنا ألعنكِ... أطلبُ من ربّي أن تنجبي أطفالاً ويموتون مثل ولدي... ألعنكِ!!!

ذُهلتُ لما قالتهُ لي وخفتُ كثيراً وبدأتُ بالركضِ بعيداً عنها. بقيتُ خائفة حتى أخبرتُ صديقتي بالأمر فطمأنتني بأن كل هذا جزء من طريقة هؤلاء الناس لجلب العاطفة وأخذ المال من الناس. فبالطبع نسيتُ الأمر وبعد أيّام وكأنهُ لم يحصل شيئاً خاصةً أنني قررتُ تفادي المرور بالشارع الذي تتواجد فيه عادةً.

ومرّت السنين وإلتقيتُ بالشخص الذي احببتهُ وتزوّجتهُ. وبعد سنة على زواجنا أنجبنا صبيّاً جميلاً أسميناه توفيق. كانت حياتي مثالية وخلتُ أنّ سعادتي ستطول إلى الأبد حتى جاء يوم ومرضَ توفيق. كان عمره لم يتجاوز السنة ولم يكن لديّ خبرة كافية بالأولاد فسألتُ أمّي عن كيفيّة التعاطي مع حرارته المرتفعة. أعطتني الإرشادات اللازمة وطمأنتني بأنّه شيء بسيط. ولكن حرارته بدأت ترتفع أكثر وأكثر وهنا تذكرتُ فجاةً ما قالته لي المرأة الفقيرة. هل كانَ مرض إبني نتيجة اللعنة التي ألقتها عليّ؟ لم أجرؤ أن أخبر زوجي بالأمر فكونه أستاذ جامعة مثقّف كان سيضحكُ حتماً عليّ ويسخر من صغرِ عقلي. أخذتُ طبعاً توفيق عند الطبيب وأعطاه دواء للتحكّم بحرارته. ولكن الفكرة كانت قد ترسّخت في ذهني وحاولتُ البحث عن طريقة لفكّ السحر عنه. سألتُ أناس كثيرة عن من يستطيع مساعدتي فوجدتُ أخيراً رجلاً يُقال أنّه الأفضل في هذا المجال. أخذتُ إبني معي وذهبتُ لأراه. كان منزله في حيّ ضيّق ومُعتِم لا تصل إليه السّيارات فسِرتُ على الأقدامِ حاملة طفلي على ذراعي. صعِدتُ أدراجاً كثيرة ووصلتُ أخيراً إليه. فتحَ لي الباب رجل في الستين من عمره له لحية طويلة وعلى رأسه رباطاً أحمراً. جلسنا وأخبرته قصّتي بالكامل. بقيَ صامتاً حتى الآخر ثمَ ذهب إلى خزانة صغيرة وأخذ منها حنجراً فيه بودرة صفراء وقال لي:

- إنّ هذا السحر قوي جداً فإنّه آتٍ من أمّ خسِرتْ ولدها ولا يوجد لعنة أقوى من هذه. حالة إبنكِ ستسيء وسيموت إن لم تعطه هذا المسحوق. ولكنّه غالي الثمن... لا أدري إن كنتِ تستطعين الدفع ...

- لن يكون أثمن من حياة إبني. أعطني إيّاه!

عندما عدنا إلى البيت كان قد أصبح الوقت متأخراً وكان زوجي ينتظرني مشغول البال. عندما سألني أين كنتُ مع إبننا أجبتُه أننا ذهبنا في نزهة:

- أخذتيه في نزهة وهو مريض؟ هل فقدتِ عقلكِ؟ ألم يقل لكِ الطبيب أنّه يلزمه الدفئ والراحة؟ هل أخذَ دوائه؟

- طبعاً حبيبي... أعطيّتُه إيّاه قبل أن نخرج.

وفتحَ زوجي كيس الأدوية ووجدَ أن العلبة لم تُفتح حتى. نظرَ إليَّ بِتعجّب وصرخَ:

- لماذا تكذبين عليَّ ولماذا لم تعطيه الدواء؟ ألا تريدينه أن يشفى؟ ألا تحبّين ولدنا؟

- أحبّه أكثر من كل شيء في الدنيا! ولكن دواء الطبيب لن يشفيه...

- وهل أنتِ درستِ الطب لتقولي هذا؟

- لا بل أنا التي تسببتُ بمرض توفيق فعليّ ايجاد طريقة لشفائه.

وأخبرتهُ القصّة وأريتُه الحنجر الذي باعني إيّاه الساحر.

نظر إليّ زوجي وكأنّه يراني لأوّل مرّة. كان غاضباً لدرجة أنّه لم يعد يعلم ماذا يقول. بعد ثوانٍ جلس وقال لي بهدوء:

- لا أحد يعلم ما في هذا الحنجر وما هي تلك المادة الصفراء ولكنني متأكّد أنّه لو أعطيتها لإبننا لكان فعلاً مات. كيف تجرئين على أخذ قرار كهذا دون إستشارتي؟ لو أخبرتني بالأمر لكنتُ قد برهنتُ لكِ بالمنطق مدى سخافة هذا المعتقد. ليس هناك من لعنة أو سحر. إبننا لديه حرارة ككل الأطفال ودواء الطبيب سيشفيه حتماً. والشخص الوحيد الذي كان سيقتل توفيق هو أنتِ وتفكيركِ البدائي. وحفاظاً على سلامة إبننا سآخذه إلى أمّي حتى يتعافى. أنا أخاف عليه منكِ.

وأخذه رغم بكائي ولكي لا أبقى وحيدة ذهبتُ إلى أهلي بضعة أيّام.

وفي اليوم التالي وأنا أشتري الخبز لأمّي رأيتُ المرأة المتسوّلة فركضتُ إليها:

- ها أنتِ! لأنني لم أعطيكِ مالاً لعنتِ إبني وكاد أن يموت!

ضحِكَت مُطوّلاً وقالتْ:

- يا حبيبتي... صحيح أنّ عندي أولاد ولكنّهم  كبار وصحّتهم جيّدة... صدّقتِ أنّ لي إبناً مريضاً أطلبُ المال له؟ وصدّقتِ أنني لعنتكِ؟ أنتِ بالفعل غبيّة! لا أحد يقدر أنّ يأخذ حياة أحد سوى الخالق. أنا لم ألعنكِ... أنتِ لعنتِ نفسكِ عندما صدّقتيني... نحن بحاجة لأناس مثلكِ وإلاّ من سيتحنّن علينا!

 حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button