يوم بدأ زوجي بالتكلّم باستمرار عن زميلته الجديدة في العمَل والتغيّب عن المنزل في غير أوقاته، عرفتُ أنّه على علاقة بها. لَم أقُل شيئًا طبعًا، بسبب غياب أيّ دليل، فسكتُّ كَي لا ينعَتني تامِر بالمجنونة، كما يفعلُ عادةً عندما يريدُ التهرّب مِن الجواب أو تبرير شيء فعلَه أو قالَه. لكنّني لَم أكن مجنونة، بل فقط امرأة اعتادَت على قبول أمور لا تقبَلها سيّدة أخرى، بسبب عدَم قدرتي على العَيش مِن دون مُعيل، لأنّني لَم أُنهِ عِلمي ولَم أكن أتحلّى بالشجاعة اللازِمة للوقوف في وَجه صعوبات الحياة. كنتُ إنسانة ضعيفة وهشّة، أي الضحيّة المثاليّة لزوج لا يُريدُ أن يُحاسَب أو يتحمّل المسؤوليّة. كانت لنا ابنة صغيرة اعتبرَتُها محوَر حياتي، فأعطَيتُها كلّ ما لدَيّ وأخذتُ منها الفرحة والحنان. لَم أفتَح قلبي لأحَد في ما يخصّ وضعي، فمَن سيُصدّقني حين الكلّ يعتبرُ تامِر أفضلَ رجُل في العالم، بسبب قدرته على تمثيل دور الزوج المثاليّ حين نكون وسط الناس؟
تابَعَ زوجي علاقته بزميلته، إلى حين سئِمَ منها وأزاَحها مِن دربه، ليُلقي بشباكه على موظّفة أخرى لكن مِن فرع آخَر للشركة التي يعمَل فيها. فالجدير بالذكر أنّه رجُل جذّاب للغاية، وهذا بالذات ما دفعَني لِترك عِلمي وأحلامي لأكون زوجةً لِمَن تتمنّاه كلّ امرأة. ففي أحَد الأيّام، خابرَتني امرأة إسمها ريما لتقولَ لي إنّها كانت على علاقة بتامِر، وهي استغرَبت أنّني لَم أتفاجأ بالخبَر، وشعَرَت بالإحباط لأنّها أرادَت الانتقام منه بإطلاعي على الحقيقة. قلتُ لها إنّها وقعَت في الفخّ كما جرى معي، لكنّها كانت أكثر حظًّا منّي لأنّها لَم ترتبِط به رسميًّا ولَم تُنجِب منه. تبادَلنا بضع معلومات عن الرجُل المُشترَك بيننا ثمّ أقفَلنا الخط. لَم أغضَب ولَم أبكِ ولَم ينشغِل بالي لأنّ زوجي على علاقة بامرأة جديدة، فما عسايَ أفعَل؟ فكّرتُ بريما طوال اليوم ثمّ نسيتُها لكثرة انشغالي بالبيت وبابنتي، فتامِر يُريدُ أن يكون كلّ شيء مُرتّبًا وحاضِرًا حين يعودُ مِن عمَله، وإلّا بدأ بالشتم والسخرية والانتقادات اللّاذِعة بشأني. فتعلَّمتُ بسرعة كيف أتجنَّب الإهانة، وأكون "تلميذة" جيّدة.
بعد حوالي الشهر، إتّصلَت بي ريما مِن جديد وقالَت لي بعد أن سألتُها عمّا تُريد:
ـ لا شيء... فقط أن أطمئنّ عليكِ.
ـ أنا بخير.
ـ أرَدتُ الاعتذِار منكِ... فأنا لستُ إنسانة سيّئة أو سارِقة رجال، صدّقيني.
ـ حقًّا؟!؟
ـ أجل، فهو قالَ لي في البدء إنّكما لستما على اتّفاق وتنويان الانفصال. بعد ذلك، هو لَم يُثِر مسألة طلاقكما، وكلّما سألتُه عن الموضوع، كان يُغرِقُني بالكلام المعسول إلى أن فهِمتُ أنّني قد لا أصبح يومًا زوجته.
ـ لا تأسفي أبدًا، فهو فعَلَ معكِ أكبَر خدمة. إسمَعي، أنا لا أحكمُ عليكِ، فأنتِ لستِ السبب في هذه الخيانة، فلو لَم تكوني أنتِ لكانت امرأة غيركِ.
ـ لِما هذا الاستسلام؟ هل أنّكِ تُعانين مِن مُشكلة صحّيّة خطيرة أو إعاقة مُعيّنة؟
ـ لا! لماذا هذا الكلام؟
ـ لماذا إذًا تقبَلين ما يفعله بكِ تامِر؟
ـ لأنّني أحبُّه ولأنّني زوجته ولأنّني...
ـ مهلًا! هل هو يُحبُّكِ؟ هل هو يتصرّف كما على الزوج أن يتصرّف؟
ـ أخافُ مِن حياتي مِن دونه، فهو كلّ شيء بالنسبة لي... هكذا هو عوّدَني.
ـ ألَم تكن لدَيكِ حياة قبلَه؟
ـ بلى ولكن...
ـ تتكلّمين وكأنّكِ طفلة مُتعلِّقة بأبيها أو أمّها ولا تعرف عن الدنيا شيئًا. غريب أمركِ. على كلّ حال هذه حياتكِ وأنتِ التي تعيشينَها. في حال احتجتِ للتكلّم معي، فاعلَمي أنّني سأكون مُستعِدّة لسماعكِ.
ـ كلام عجيب مِن قِبَل عشيقة زوجي السابِقة!
ـ الدنيا مليئة بالعجائب!
ضحِكنا وأقفَلنا الخط، وأعترفُ أنّني بدأتُ أُعجَب بشخصيّة ريما. وبعد ذلك، حصَلَ أنّني اتّصلتُ بها بضع مرّات وتكلّمنا عن أمور عديدة ومُتفرِّقة، وهي كانت تُعطيني الفرَح وتحملُني على الضحك في كلّ مرّة. ومِن جهة أخرى، فكرةً التكلّم سرًّا مع عشيقة تامِر السابِقة أعطَتني بعض القوّة في ما يتعلّق به، فكان الأمر وكأنّني أتغلََّب لأوّل مرّة عليه، على الذي يعتبرُ نفسه ذكيًّا للغاية وأنا ساذِجة للغاية!
ثمّ أخبرَتني ريما أنّها إنخطبَت لِشاب كان مُعجبًا بها منذ فترة، فقبِلَت به لأنّه حتمًا أفضل مِن تامِر، فبارَكتُ لها وفرِحتُ مِن أجلها لأنّها كانت أقوى منّي، وعرفَت كيف تمضي قُدُمًا في حياتها. آه... لو كنتُ بشجاعتها! لكن مِن جهة أخرى، خفتُ أن أخسرَها حين تتزوّج وتصبح كثيرة الانشغالات، فهي كانت بالفعل صديقتي الوحيدة.
مِن جانبه، تابَعَ زوجي على ما يبدو علاقته مع عشيقته الجديدة، فقد كانت ريما تُزوّدني بالمعلومات بين الحين والآخَر بواسطة صديقة لها في الفرع الثاني. علِمتُ منها أيضًا أنّه بقيَ يدّعي أنّني وهو على وشك الطلاق ليُقنِع ضحاياه بأنّه سيتزوّجهنّ، فسألتُ نفسي لماذا لا يُطلّقني بالفعل طالما هو ليس مُقتنِعًا بي، بل مُحتاجًا دائمًا إلى امرأة غيري؟
والجواب أتى إليّ بعد فترة قصيرة، واتَّضَحَ أنّ المسألة كانت أعمَق وأخطَر مِمّا تصوّرتُها. فانكشفَت اللعبة شيئًا فشيئًا وحتّى اليوم أجِدُ صعوبة باستيعاب كمّيّة المكِر التي كنتُ ضحيّتها. لكن دعوني أعودُ إلى سَردي لقصّتي لتعلَموا بالتفاصيل ما كان يجري.
فذات يوم، خابرَتني ريما باكيةً لأنّها تشاجرَت مع خطيبها، وهو هدّدَها بفسخ الخطوبة وإلغاء الزواج برمّته، لأنّه اكتشَفَ علاقتها السابقة بتامِر أيّ برجُل مُتزوّج. فواسَيتُها وسألتُها كيف يُمكنُني مُساعدتها، وفكَّرنا سويًّا بألف حلّ مِن دون نتيجة. بعد ذلك، طلبَت ريما أن تأتي معه إليّ لأشرَحَ له كيف هي كانت ضحيّة رجُل كاذِب وغشّاش وعدَها بالزواج مُدّعيًا أنّه سيُطلّقني. دموع تلك المرأة نشفَت حين وافقتُ، وحدّدتُ موعدًا لهما في وقت يكون زوجي في عمَله وابنتي في دار الحضانة.
كنتُ مُتحمِّسة للغاية، ليس فقط لمُساعدة صديقتي، بل أيضًا لرؤيتها وجهًا لوجه، فحتّى ذلك الحين لَم أرَ سوى صورتها على الواتساب، واقتصَرَ حديثنا عبر الهاتف أو خطّيًّا. حضّرتُ قالبًا مِن الحلوى والعصير الطازج وانتظرتُ بحماس ضَيفَيّ. رنَّ جرَس البيت وأسرَعتُ بِفتحه، فوجدتُ رجُلًا واقِفًا أمامي مُحرَجًا، فدعوتُه إلى الداخل بعد أن عرّفَ عن نفسه. جلَسنا في الصالون واتّصلتُ بريما لأُخبِرها أنّ خطيبها قد وصَل، وهي أجابَت بأنّها عالِقة بزحمة سَير خانِقة لكنّها في طريقها إليّ، وطلبَت منّي أن أبدأ بالحديث مع ضَيفي عن حقيقة ما حصَلَ بينها وبين تامِر. وهذا ما فعلتُه وبالتفاصيل المُمِلّة، مُستنِدة على مُحادثاتي على الواتساب مع ريما. هزَّ الرجُل برأسه لكنّه بدا لي غير مُقتنِع بكلامي وأرادَ الرحيل، لكنّني منعتُه مِن ذلك قائلة إنّ لريما الحقّ بالدفاع عن نفسها، وإنّ علينا انتظار مجيئها. للحقيقة، غضبتُ منه لأنّه كان يرفضُ التعاون، فعَلا صوتي، إلّا أنّه قامَ مِن مكانه وتوجَّهَ إلى الباب مُتجاهِلًا إصراري على مواصلة جلسة التصالح. لَم أكن أستطيع مَنعِه فعليًّا مِن الرحيل فاستسلمتُ مُضيفةً:
ـ أرَدتُ المُساعدة... فريما إنسانة رائعة تستحقّ فرصة ثانية... أنتَ لا تعرفُ زوجي وكيف له قوّة إقناع هائلة.
ـ وأنتِ لا تعرفين ريما.
ـ أعرفُها كفاية لأتأكّد مِن أنّها ضحيّة بريئة.
ـ أنتِ البريئة يا سيّدتي. دعيني أرحَل بسرعة، أرجوكِ.
رحَلَ الضيف وخابَ أمَلي بأن تصطلِح الأمور بينه وبين ريما، فجلستُ آكلُ مِن قالِب الحلوى الذي تعِبتُ في تحضيره. وإذ بي أرى زوجي يدخلُ البيت بصورة مُفاجئة وهو ينظرُ مِن حوله. للحقيقة لَم أفهَم ما يجري ولماذا هو عادَ بغير وقته، إلّا أنّه سألَني:
ـ مَن برفقتكِ؟!؟
ـ لا أحَد... ألا ترى أنّني لوحدي! أتُريدُ قطعة حلوى؟
هو لَم يجِب، بل جالَ في البيت كلّه بحثًا عن شيء أو أحَد، وعادَ إلى الصالون خائبًا وغاضِبًا، ثمّ غادَرَ كما جاء. لزِمَتني بضع دقائق لاستيعاب ما جرى، وفهِمتُ أخيرًا أنّ زوجي أتى ليضبطني مع رجُل آخَر، وحتمًا خطيب ريما. واستنتَجتُ أنّه قد وجَدَ حديثي مع عشيقته السابِقة على هاتفي، وإلّا كيف له أن يعرف أنّهما قادمان؟ مهلًا... كان مِن المفروض أن تكون ريما مع خطيبها عندي، أيّ أنّ ما مِن شيء ليضبطه زوجي عليّ سوى أنّني أستقبلُ ثنائيًّا في صالوني. لكنّ ريما لَم تأتِ على الاطلاق! وماذا عن تصرّف خطيبها المُريب الذي أرادَ المُغادرة بأيّ ثمَن، وحديثه عن عدَم معرفتي الوثيقة بريما وكيف أنّني البريئة بين الاثنتَين؟ بدأَت الصورة تتوضَّح أمامي واستوعبتُ أخيرًا أنّني كدتُ أقَع في الفخ! لكن لأيّ غرَض فعلَت ريما ذلك بي؟
أخذتُ هاتفي لأسألها هذا السؤال، لكنّها كانت قد حظرَتني على الواتساب وعلى خطّها العاديّ، ولَم تكن لدَيّ أيّ وسيلة أخرى لإيجادها. أسرَعتُ بفتح لقطات الشاشة الموجودة في معرض الصوَر التي خزَّنتُها في حال اضطرِرتُ لمواجهة تامِر يومًا، وأجرَيتُ عبر الانترنِت بحثًا معكوسًا لصورة ريما. وكَم كانت مُفاجأتي كبيرة حين اكتشَفتُ أنّ صورة البروفايل التي كانت لها، هي بالفعل صورة عامّة موجودة بمتناول الجميع! مَن تكون ريما حقًّا؟؟؟ فالشيء الوحيد المُؤكَّد كان أنّها بالفعل امرأة لأنّنا تكلّمنا مرارًا عبر الهاتف، لكن مِن الواضح أنّ شكلها مُختلِف وأنّ خط هاتفها كان على الأرجَح خطًًّا مؤقّتًا وأنّ اسمها ليس بالضرورة ريما.
عادَ تامِر كعادته في المساء وبقيَ صامِتًا إلى حين غادَرَ في الصباح. ضحكِتُ في سرّي، لأنّه كان مُستاءً لِفشَل خطته و"ريما"، لكن بقيَ هناك سؤال لَم أكن أعرف جوابه: لماذا لا يُطلّقني وحسب؟!؟
والآن سأُعطيكم الجواب: لأنّ "ريما" أرادَت ابنتي، وزوجي أرادَ البيت وعدَم دفع أيّ نفَقة لي بعد أن يُثبِتَ أنّني زوجة خائنة وأمّ غير صالِحة. كيف عرفتُ ذلك؟ لأنّني تجرّأتُ لأوّل مرّة على التنصّت على زوجي والبحث في هاتفه، الأمر الذي كان يجِب عليّ فعله منذ فترة طويلة. لكنّني كنتُ خائفة منه وتحت سيطرته ومعزولة بمصيبتي، ولن أشكرَ "ريما" كفاية على الذي فعلَته بي مِن دون قصد، وهو تقويَتي ودَعمي للوقوف على رجلَيّ في وجه زوجي النرجِسيّ والخائن.
وقد تبيّنَ مِن تحرّياتي أنّ ذلك الثنائيّ اللعين نصَبَ لي فخًّا لِتجريدي مِن كلّ شيء، فتلك المرأة كانت عاقِرًا وأرادَت ابنتي الصغيرة لتربيَتها وكأنّها ابنتها، وأرادَ زوجي التخلّص منّي مِن دون أيّ تكاليف. علِمتُ أيضًا أنّه لَم يكن هناك مِن عشيقة أخرى في فرع آخَر، بل كانت تلك حيلة لتتقرَّب "ريما" منّي. أمّا بالنسبة لِـ"خطيب ريما"، فهو تراجَعَ في آخِر لحظة بعد أن منَعَه ضميره مِن ظلم سيّدة مُحترَمة لا ذنب لها، الأمر الذي أغضَبَ العاشقَين إلى أقصى درجة. شكرًا لكَ، أيّها الضيف الغامِض!
بعد ذلك، قصدتُ مُحاميًا بالأدلّة التي صوّرتُها عن هاتِف تامِر، والصوَر التي كانت لدَيّ، وهو وجَّهَني لبناء قضيّة قويّة للحصول على الطلاق بالبقاء في البيت وربح حضانة ابنتي. كنتُ قد بعتُ حلايّ الذهبيّة لِدفع أتعاب المُحاميّ، فلَم أحتَج لأحَد. حاوَلَ تامِر طبعًا التلاعب لكن مِن دون جدوى فانتصرتُ عليه! ثمّ فتّشتُ بسرعة عن عمَل بسيط أبدأ به حياتي الجديدة فأضفتُ عليه النفقة التي أُمِرَ زوجي السابق بدَفعها لي ولابنته شهريًّا. تزوَّجَ العشيقان وعاشا في مكان ما وانتهَت المسألة.
مرَّت السنة وصِرتُ امرأة وأمًّا شجاعة وقويّة، وبدأتُ أنسى ما حصَلَ لي حين سمِعتُ أنّ "ريما" تركَت تامِر لأنّه خانَها مع أخرى، فوصلَتني رسالة يتيمة منها تقولُ لي فيها قَبل أن تحظُرني مُجدَّدًا: "ها أنتِ تنتصرين عليّ مِن دون قصد... فحياتكِ سعيدة في بيت جميل ومع ابنة جميلة... خلتُكِ ضعيفة وساذِجة، واتّضَحَ أنّني الضعيفة والساذِجة. فكان عليّ أن أعرِفَ أنّ الرجُل الذي يخونُ مرّة سيخونُ أكثر مِن مرّة وأنّني لَم أكن مُميّزة بالنسبة له، بل لُعبة جديدة أثارَت اهتمامه لفترة مِن الزمَن. بالتوفيق!".
حاورتها بولا جهشان