يُقال دائماً أنّ الأهل هم السنَد الدائم لأولادهم، وأنهّم مستعدّون لِفعل أيّ شيء لإسعادهم. ولكن ذلَك لم يكن حال أفراد عائلتي التي لم يَتردّدوا ولو لِثانية على بيع كرامتهم وعلى خيانة ثقتي العمياء بهم.
تعرّفتُ إلى زوجي، عندما كنتُ في الثامنة عشر مِن عمري. كان أحد أثرياء البلدة، وكنتُ جميلة، وكانت تلك الزيجة مثاليّة بنظر المجتمع آنذاك. وزّعَ عزيز المال اللازم على أهلي وباركوا له. وبعد سنة، أنجبتُ إبنتي الأولى وسط فرح الجميع. ولو سألَني أحد في ذلَك الحين إن كنتُ إمرأة سعيدة، لأسرعتُ بالإجابة ب ِ"نعم" وإعتقدتُ فعلاً أنّ حياتي كلهّا ستكون هكذا. ولكنّ زوجي وكمعظم الأثرياء، كان يسمح لنفسه بأن يكون له عشيقة، فقط لأنّ ذلَك كان يتماشى مع ضخامة حسابه بالمصرف. ولم أكتشف ذلَك إلا بعد أن وُلِدَت إبنتي الثانية. وعندما واجهتُه بما أخبروني الناس عنه، هزّ بكتفَيه وكأنّ لا أهميّّة للأمر ولم يتكبّد عناء الإجابة. خلتُ للحظة أنّ الخبر ليس صحيحاً ولكنّه إستدار وقال:
ـ وإن يكن... هل ينقصكِ شيئاً؟
ـ لا... ولكن
ـ عظيم... إين المشكلة إذاً؟
وإنتهى الموضوع. وأنجبتُ إبنتي الثالثة وأعطيتُ بناتي كل وقتي وإنتباهي لأنّني لم أكن قادرة على تغير تفكير عزيز ولأنهّ فعلاً كان يعطيني كل ما تطلبه نفسي. فكنّا نخرج دائماً سويّاً إلى أفخم الأماكن ونقابل الناس الأغنياء مثلنا بينما تهتمّ المربيّة بالبنات أثناء غيابنا. وكان منزلنا جميلاً محاطاً بحديقة ضخمة تتوسّطها بركة سباحة كبيرة. وكنّا نستقبل الناس للعشاء أو الغداء وأقدّم لهم أطيب الأطباق التي حضرّتُها بمساعدة طبّاختي.
وقد يقول البعض أن حياتي كانت مثاليّة وأنّ لاداعي أن أشكو مِن مغامرات زوجي. ولكنّ الأمور لم تتوقّف عند ذلَك الحدّ. فبعد سنين طويلة على تحمّلي بصمت خيانات عزيز، قرّر هذا الأخير أنّني لم أعد أثير شهواته كالسابق وأنّ الطريقة الوحيدة لإسترجاع ماكان لديه معي، هو أغراء شقيقتي الصغيرة التي كانت تشبهني كثيراً. والأفظع مِن ذلَك، هو أنهّ فعلَ هذا بمساعدة أهلي بعدما قدّمَ لهم ما يكفي مِن المال لإسكات ضميرهم. وهكذا أقنعوا منال بأن تقبل أن تصبح عشيقتة زوجي. ولم يخطر على بالي ولو لثانية واحدة أنّ التي أخذَت إهتمامه ووقته، ليست إحدى الفتيات التي يتعرّف إليها عادة، بل شخص مِن لحمي ودمي. وبقيتُ أجهل حقيقة ما يجري لمِدّة طويلة.
صحيح أنّني لاحظتُ تغيرّاً بأحوال منال ولكنّني أرجعتُ ذلَك إلى عملها وحسبتُ أنهّا كانت قد نالَت علاوة خوّلتها شراء سيّارة جديدة وهدوماً أنيقة. أمّا أهلي، فلم يُظهروا لي مقتنياتهم الجديدة خوفاً مِن أن أسألهم مِن أين أتوا بها وبدأوا يتفادوني. ولكن ما مِن شيء يبقى في الخفاء مطوّلاً، ففي ذات يوم، رنّ هاتف عزيز عندما كان يستحمّ، فقررتُ الإجابة عنه وإذ بي أتعرّف على صوت شقيقتي وهي تقول"أين أنتَ ياحبيبي؟" ولكنّها أقفلَت الخط فور سماعي أقول لها:" منال؟ هذا أنتِ؟ " وشعرتُ بالإهانة القصوى، فبعد أن تحمّلتُ جميع نزوات زوجي، كانت وصلَت الأمور إلى نقطة اللاعودة. أخذتُ سيّارتي تاركة عزيز في الحمّام والبنات في عهدة المربيّة وتوجّهتُ إلى منزل أهلي لمواجهة الخائنة. ولكنّني تفاجأتُ بِأمّي التي وقفَت في الباب ومنعَتني مِن الدخول قائلة:
ـ ماذا تريدين؟
ـ أريد رؤية منال
ـ لماذا؟
ـ هناَك شيئاً أريد أن أقوله لها... ما بكِ يا أمّي؟ لما كل هذه الأسئلة؟ هل هي المرّة الأولى التي أجيء فيها إلى هنا؟
ـ منال ليست هنا... عودي لاحقاً.
ـ سأنتظرها عندكم
ـ لا! أرحلي!
وأقفلَت الباب بوجهي. جلستُ على عتبة البيت أحاول إعطاء تفسيراً لما جرى ولكنّني لم أستطع إيجاد مبرّر لتصرّف والدتي معي. وبعد بضعة دقائق، سمعتُ الباب يُفتح ورأيتُ شقيقتي حاملة حقيبة يدها تحاول الخروج خلسة ولكن عندما رأتني أرادَت العودة إلى البيت بسرعة. ومسكتُها بذراعها وصرختُ بها:
ـ إلى أين أيتّها الماكرة؟
ـ دعيني وشأني! ماما!!!
وخرجَت والدتي بينما بقيَ والدي مستخبّاً في الداخل. عندها قلتُ لهنّ:
ـ أرى أنّكم جميعاً متواطئون... أهنّئكم! يا أهل القيَم والأخلاق بكَم بعتوا إبنتكم الثانية؟
لم يجبني أحد، بل إكتفَت أمّي بأخذ شقيقتي إلى داخل المنزل وإقفال الباب وراءهنّ. وعدتُ إلى بيتي والدموع تنهال على وجهي لأجد زوجي نائماً في السرير. أضأتُ الغرفة وأيقظتُه وواجهتُه بالذي بتٌ أعلمه. نظرَ إليّ وكأنّ الموضوع لايستحقّ الغضب وقال:
ـ ولِما الإَندهاش؟ ألم يحصل ذلَك معكِ عندما تقدّمتُ لَكِ؟ أعطيتُ أهلكِ مالاً وكذلَك فعلتُ معكِ وبقيتُ أفعله كل يوم... مِن أين تأتين بملابسكِ ومجوهراتكِ؟ أنتِ لا تعملين... كيف تذهبين إلى الحفلات والرحلات؟ مِِن مالي أنا... وسيّارتكِ الفخمة هي مِن مالي... لستِ أفضل مِن أمّكِ وأبوكِ.
ـ ولكنّني أنا على خلاف منال زوجتَك.
ـ أتريدين أن أتزوجها هي الأخرى؟ هل سيريحكِ ذلَك؟
ـ لا...
ـ حسناً... إذا عليكِ إقفال الموضوع... أريد أن أنام... لدّي عملاً وعليّ أن أجيء لكِ بالمال لكي تصرفيه على نفسكِ... أليس كذالَك؟
ـ بلى... معَكَ حق... تصبح على خير.
كان عزيز على حق فيما قاله. فلولا ماله وجاهه ربمّا لم أكن قد تزوّجته، لأنّ للثراء جاذبيّة صعب مقاومتها. فالمال يستر عيوب المرء ويعطي رونقاً ولمعاناً لأبشع الناس. ولكن بعد ما حصل، أصبح مِن الصعب جداً عليّ تحمّل الوضع ولم أعد أكنّ لِعزيز بأيّ عاطفة أو محبّة، بل تحوّل حبيّ له إلى كره وإشمئزاز ولم أعد أطيق أن يلمسني، خاصة بعدما صرتُ أعرف أنّه يلمس شقيقتي أيضاً.
ومع الوقت تشنّج جوّ البيت لِدرجة أنّ العيش سوياً لم يعد ممكناً، فطلبتُ مِن زوجي الإنفصال ملمّحة له أنّ مِن دوني سيستطيع إطلاق العنان لجميع رغباته. ولكن لرحيلي شرطاً أساسياً وهو أن يترك لي بناتي. وقَبِل بسرور، خاصة أنّه لم يكن يريد أن يعتني بأولاد،ه فأخذ لنا شقّّة وتكفّل بأقساط المدارس والثياب والألعاب. ولكنّني لم أقبل أن يصرف قرشاً واحداً عليّ لأنّني كنتُ قد قرّرتُ أن أجد عملاً وأجني مالي بنفسي، لأشعر أنّني سيدّة قراراتي ولأثبتَ له أنّه لم يشتريني يوماً. وبدأتُ حياتي الجديدة بالكثير مِن القلق ولكن بحماس كبير، لأنّ المجهول حقّاً مخيف ولكن مليء بالإثارة والتشويق. وبعد فترة لم تكن سهلة، إستطعتُ تنظيم حياتي مع بناتي وأستطيع القول أنّني اليوم إمرأة مستقلّة ومسؤولة. أمّا بالنسبة لأهلي، فلم أعد على أتصال بأيّ منهم ولا أريد أن أعرف شيئاً عنهم.
حاورتها بولا جهشان