كيف أصبحتُ السيّدة إلهام؟

كنتُ في السادسة عشر عندما قرَّرَ والدَيَّ تركي في البلد والذهاب الى قارّة مليئة بالوعود. كنتُ الإبنة الوحيدة وسط أربعة أولاد وكنتُ سأشكّل بِنظرهم همًّا إضافيًّا سيعرقل شق طريق حياتهم الجديدة. لِذا زوّجاني لِرجل أعمال يكبرني بِ 25 سنة، قبيح ومتعجرِف.

بكيتُ دموعًا حارّة يوم زفافي وفي اليوم التالي سافَرَ ذوييّ ووجدتُ نفسي وحيدة مع رجل بِسن أبي لا يرى منّي سوى انثى صالحة للسرير وللظهور معه في المناسبات الاجتماعيّة العديدة التي كان عمله يقتضي عليه حضورها.

باقي الوقت كنّا بالنسبة لِبعضنا غرباء وكنتُ بالكاد أراه ولم يكن هذا الأمر ليزعجَني. بالعكس كنتُ أحب التواجد مِن دونه في منزلنا الفخم أقرأ وأكتب أحيانًا.

لم نرزق أطفالاً وكأنّ القدر ينذرني أنّ زوجي سيقضى بِحادث سيّارة بعد أقل مِن عشر سنين على زواجنا. ووجدتُ نفسي في سنّ الخامسة والعشرين أرملة وفاحشة الثراء بسبب حساب مصرفي في سويسرا كان زوجي يخفِي عنّي وجوده لأنّه لم يكن يثق بي وبِجنس حواء بكامله. وما لم يكن يعلمه هو أنّني وبالرغم مِن سنّي اليافع كنتُ جدّ مهتمّة بالأعمال وأنّني تعلّمتُ الكثير منه خلال تواجدي مع أصدقاءه أو الاجتماعات التي كانت تُقام عندنا. سمعتُ الأحاديث مِع العملاء وشاهدتُ إمضاءات الاتفاقات وكنتُ معظم الوقت التي ترتّب الملّفات التي كنتُ أقرأها قبل وضعها مكانها.

ولكن خلال سنين زواجي حُرِمتُ مِن العاطفة ان كانت مِن زوجي أو أهلي الذين لم يسألوا عنّي يومًا. لِذا قسِيَ قلبي لأنّني وبكل بساطة لم أكن أعرف معنى الحبّ وواصلتُ اعمال زوجي وأبقَيتُ معي مساعديه الذين كان لَدَيهم خبرة أكثر منّي ورؤية لم أكن قد كسبتُها بعد.

وكَثُرَ الأصدقاء فالذين كانو يعتبروني زوجة رجل الأعمال فقط أدركوا أنّني أصبحتُ صاحبة الأموال والأعمال ودعاني الكل الى حفلاته حتى أن أصبحتُ التي يجب أن تكون في أوّل قائمة المدعوّين.

 


وبالطبع إلتمَّ حولي الشبّان والرجال فإلى جانب جمالي كنتُ الأرملة الثريّة التي يريدها الجميع. وأدركتُ مدى قوّتي على هذا المجتمع الذي اعتبرَني خلال عشر سنوات نصف زوجي الغير نافع إلاّ للظهور علنًا. ولعبتُ بِمشاعر الرجال وكان الأمر مسليًّا جدًّا، أضحك لهم وأنظر اليهم باهتمام وأدعوهم حتى الى الفيلا دون أن يأخذوا منّي حتى قبلة واحدة.

واستقبلتُ الشخصيّات السياسيّة والفنيّة والأدبيّة. الكل كان يتمنّى أن تطأ رجله منزل السيّدة إلهام.

وفي ذات يوم تعرّفتُ الى نبيل. كان قد جاء مع أحد المدعوّين الى احدى سهراتي الشهيرة. وحين تلاقَت نظراتنا علمتُ أنّه الذي سيسكن قلبي ويمتلك فكري. وأحبَبتُ هذا الشعور وتركتُ نفسي أنجرّ اليه رغم قساوتي المعهودة. كنتُ كالطفلة أكتشف شيئًا مخيفًا ولذيذًا بنفس الوقت. وفي تلك المرحلة مِن حياتي عشتُ أجمل أيّامي. استطعتُ التعويض عن سنين قضيتُها أحمي نفسي مِن الأذى. فتحتُ أخيرًا قلبي لأحد ولم أكن نادمة على ذلك.

وبسبب أحوال نبيل المتواضعة كنتُ طبعًا التي تهتمّ بمصاريف علاقتنا. كنتُ أدفع الفاتورة في المطاعم وأشتري له الملابس والأحذية كي يظهر بكامل اناقته عندما أصتحبُه معي الى الحفلات.

ولأنّني لم أكن مستعدّة أن أخسَرَه يومًا ولأنّني كنتُ أعلم أنّه لن يجرؤ على فعل ذلك، طلبتُ يدَه. أعلم أنّ الأمر غير تقليديّ ولكنّني كنتُ قد تعودّتُ أن أمسك بزمام الأمر خاصة معه. ولكنّه لم يوافق فورًا. كان يحبّني ولكنّه لم يكن مستعدًّا أن يعيش حياته مِن فضلاتي كما قال.

 

ـ لَدَي كرامتي يا إلهام... صحيح أنّني أقبل هداياكِ ولكن لن أتخلّى عن عزّة نفسي... أنا رجل وأنا بحاجة أن أشعر برجولتي.

 

ووعدتُه أنّ المال لن يفصل بيننا يومًا وأنّني لن أفعل شيئًا يهين أو يقلّل مِن رجولته. وبعد اصرار قويّ مِن جهّتي قَبِل نبيل أن يصبح زوجي. وأقمتُ له فرحًا دام أيّامًا ذهَلَ كل المدعوّين. ومِن ثمّ طِرنا الى باريس لِقضاء شهر العسل. شعرتُ حينها أنّني في أجمل مرحلة مِن حياتي.

 

 

ولكن بعد وقت، بدأَت الناس تتكلّم وبدأ البعض بِتسميته نبيل "زوج السِتّ" ما أثار غضبه وقرّرَ ألاّ يذهب معي الى أي مكان. وكي اسكِت الناس اتصَلتُ بالمحامي لِيحضّرَ لي وكالة عامة عن أملاكي لِصالح نبيل. كنتُ بذلك أعطي رجل حياتي مكانة حقيقيّة في المجتمع ومِن جهّة أخرى أريح نفسي مِن مسؤوليّات حملتها باكرًا. والأهم كان أنّني لم أشأ أبدًا أن يكون المال سبب خلاف بيننا.

حاول المحامي ومساعديني اقناعي بالعدول عن قراري ولكنّني كنتُ واثقة مِن زوجي ومِن اخلاصه لي.

 


وحصل الذي كان مقدّرًا أن يحصل. في البدء ومِن دون أن أشعر بشيء بدأ نبيل بِبيع العقارات الصغيرة، ومِن ثمّ الكبيرة. وكي يفعل ذلك على سجيتّه أرشى أحد معاويني لِغضّ النظر وتطميني عن وضعي الماليّ. وفي تلك الأثناء كنتُ أتحضّر لتأسيس عائلة مع نبيل الذي بقيَ يلعب دور الزوج المحبّ.

وعندما أخَذَ كل ما أملك اختفى دون أي أنذار. الذي اختَرته بين مئة جرّدَني مِن كل شيء حتى آخر قرش. لم يترك لي سوى المنزل الذي كنّا نعيش فيه ولن أستطيع وصف شعوري عندما أدركتُ حقيقة ما جرى.

وبالطبع اختفى الأصدقاء والمعارف فلم يكن مِن اللائق أن يصادقوا انسانة فقيرة مثلي.

ولكنّني لم أكن مِن الذين يستسلمون بِسهولة بعد أن اجتزتُ هجر وترك أهلي لي وتجاهل زوجي الأوّل وموته وادارة أعماله.

فحالما انتهَت فترة حزني على ما فعلَه بي نبيل وفهمتُ أنّني أصبحتُ وحيدة، كان عليّ التصرّف. وبما أنّني لم أعد أملك سوى الفيلا قرّرتُ تحويلها الى فندق لأستطيع جني المأكل والمشرب بِفضل عدد الغرف الكبير. وبالرغم مِن أنّني لم أرتِّب مِن قبل سريرًا واحدًا أو أحضّر طبقًا في حياتي أصبحتُ مجبورة على القيام بذلك لِوحدي وبِصورة يوميّة. أظنّ أنّ الذي ساعَدني على ذلك هو قدرتي على التأقلم والاستيعاب السريع بعدما رماني أهلي في بيئة غريبة وبعدما أدركتُ أنّ عليّ التصرّف لِوحدي.

وبِفضل أثاث الفيلا الجميل والتحف الفنيّة التي كانت موجودة قبل وصولي والتي جلبتُها بِنفسي مِن سفراتي العديدة، أصبح الفندق محطّ حشريّة الكثير وقصَدَني الناس مِن أماكن عديدة وبعيدة. كانوا قد سمعوا عن الفيلا الجميلة وغرفها المختلفة. فكان هناك الغرفة الصفراء والحمراء والزرقاء المزينّة بِذوق رفيع ناهيك عن الفطور اللذيذ والغنيّ الذي كنتُ أحضّره كل صباح. عندها استطَعتُ توظيف مساعدة ومِن ثم أثنَتَين.

وكلّ ما زاد مدخولي كنتُ أستثمره في الفندق والحديقة التي تزّيَنت بِحوض سباحة حتى أن أصبح لَدَيّ حجوزات على مدار السنة.

وعادَ الناس يسمّونَني"السيّدة إلهام" كما في السابق وعُدتُ على قائمة المدعّوين. ولكنّ قلبي بقيَ ينزف بعد خيانة نبيل لِثقتي العمياء ولم أعُد مستعدّة لِخوض تجربة أخرى مع أحد.

وعلِمتُ مِن أحد أنّ نبيل وبعد أن نهبَني سافَر الى البرازيل حيث أشترى بمالي أراضٍ عديدة وتزوّج وأنجَبَ أطفال. كان قد بنى حياته على أنقاض حياتي دون أن يشعر بالذنب أو حتى الأسف على التي نشَلَتَه مِن القلّة.

اليوم أصبحتُ امرأة كبيرة في السن ولا يزال فندقي مليء بالنزلاء. وعندما أنظر الى ما حقّقتُه أشعر بالإفتخار والإمتنان فقد استطَعتُ النهوض بعد سقوط أليم. لم آسف على نفسي ولم أعتاز أحدًا.

ولكن وراء بسمتَي الدائمة وضحكتي العالية هناك ألَمًا لم تستطع السنين محوَه.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button