منذ ما كنتُ صغيراً وأنا مولع بالمغنّية اللبنانيّة صباح ولا أدري إن كان ذالك لأنّ والدتي كانت تضع أغانيها طوال النهار، أم لأنّها كانت شقراء مثلها. ولكن في نهاية المطاف، أصبحَت تلك الفنّانة تمثّل المرأة بكل معنى الكلمة، لِدرجة أنّني عندما كنتُ في المدرسة، لم أحبّ معلّماتي السمراوات بل الشقراوات منهنّ وحملتُ هذا الولَع طيلة حياتي. وأوّل حبّ لي، كان لفتاة شقراء ومِن بعدها تتالَت كل اللواتي كانت تشبه المطربة الشهيرة، حتى أن بدأ أصدقائي يسموّنهن "صباح ١" وصباح 2" ألخ... ويمزحون بهذا الشأن ولكنّني لم أقدّر مدى جدّية الأمر حتى أن تزوّجتُ مِن مُنى.
كانت هي الأخرى، شقراء ولكن بفضل صبغة الشعر ولم يزعجني الأمر ما دام اللون يناسبني. وكانت الأحوال بيننا تسير جيدّاً حتى ذلك النهار حين رجعتُ إلى البيت وصرختُ عندما رأيتُ شعرها الأسود. تفاجأت كثيراً وسألَتني عن سبب ردّة فعلي، فقلتُ لها:
ـ شعركِ! ماذا حصل له؟؟؟
ـ سئمتُ مِن اللون الأشقر... وبدأت الصبغة تتلف شعري، فقرّرتُ أن أعيده إلى لونه الأصلي... هل يزعجكَ الأمر إلى هذه الدرجة؟
ـ أجل!
ـ ولكن ياحبيبي مازلت نفس المرأة... لم يتغيّر بي شيء! أنا مُنى المرأة التي أحببتَها وتزوّجتَها!
ـ لا! لستِ المرأة التي تزوّجتَها!
وخرجتُ فوراً مِن المنزل وتركتُها تحاول إستيعاب ما قلتهُ لها. ذهبتُ إلى صديق لي أشكو له ممّا فعلتَه مُنى بي. ولأنّه كان يعرفني جيدّاً، عَلِمَ أنّ الأمر مهمّ جدّاً بالنسبة لي. حاولَ تهدئتي وشرَحَ لي أنّ الناس لاتستطيع فهم ميولي هذه وأن علّي الإعتدال بعض الشيء، خاصة أنّ زواجي على المحكّ. ولكنّني لم أكن أريد أبداً متابعة حياتي مع أمرأة خانَت ثقتي بها. ولم أدرك حينها مدى سخافة موقفي، بل كنتُ حقاً غاضباً منها إلى أقصى درجة وفكرّتُ جديّاً بالطلاق. ولكنّ صديقي شرحَ لي أنّ ما مِن قاضٍ سيقبل بعذر كهذا وأنّ عليّ التروّي. وحين عدتُ أخيراً إلى البيت، وجدتُ مُنى تبكي بمرارة، ليس فقط على موضوع ردّة فعلي على شعرها ولكنّها كانت تهيئ لي مفاجأة سارة وهي أنّها حامل. وبدل أن أفرح، شعرتُ بإنزعاج كبير لأنّني أدركتُ أنّني لم أعد قادراً على تركها. حاولتُ أن أبدي شيئاً مِن الفرح ولكنّني لم أستطع وإكتفيتُ بالقول:"حسناً... حسناً". ومنذ ذلك الحين، لم أعد أعير أهميّة لحياتي الزوجيّة وأصبحتُ كَمَن يعيش مع أنسانة غريبة عنه. حاولَت زوجتي التكلّم معي في الموضوع ولكنّني تهرّبتُ دائماً منها، لأنّني كنتُ أعلم أنّها لن تفهم مدى تعلقّي بالشقار.
وبعد فترة، ذهَبت مُنى عند مصفّف الشعر وأرجَعت على مضد لون شعرها السابق وعادَت شقراء. ولكنّ شيئاً كان قد إنكسر بيننا، لأنّني كنتُ قد رأيتُها سمراء ولم أستطع محو تلك الصورة مِن عقلي ولأنّها إكتشفَت إنّني لم أكن أحبّها لِشخصها، بل لِما كانت تمثلّه لي. ووجدتُ نفسي أمام خيارَين: إمّا أن أعيش تعيساً حتى آخر أيّامي أو أن أبحث عن المرأة التي أحلم بها. وبالطبع إخترتُ الخيار الثاني، لأنّ سعادتي كانت تحتّلّ المركز الأوّل في سلّم الأولويّات. وهكذا لم أتردّد على الذهاب للتفتيش عن شقراء طبيعيّة ووكّلتُ كل معارفي بمساعدتي. وبعد فترة أشهر، وجدوا لي ريما فتاة جميلة وصغيرة في العمر. وتعرّفتُ إليها وسُررتُ بما رأيتهُ. ولكي أتأكدّ مِن أنَ شقارها طبيعيّ، طلبتُ منها أن تريني صوراً لها عندما كانت طفلة. وهكذا إطمأنّ قلبي على أننّي لن أفاجأ يوماً كما حدث مع زوجتي. وسألتُ ريما إن كان يزعجها تعلّقي بالموضوع، فأجابَت:
ـ أبداً.... أفهم ميولكَ وهذا مِن حقّكَ أن تختار التي تناسبكَ... ولكنّني لن أقبل أن أكون درّة أحد... إن كنتَ تريدني فعليكَ أن تطلقّ زوجتكَ أوّلاً.
ـ ولكنّها على وشك أن تولّد... وهي تحمل أبني...
ـ كما تريد... إبحث عن غيري أذاً...
وأحترتُ بأمري مجدّداً وبات الموضوع يشغلني لِدرجة أنّني لم أعد آكل أو أنام، حتى أن قرّرتُ طلب الطلاق من مُنى فور ولادة إبننا وأن أؤمّن لهما العيش الكريم لإسكات ضميري. وهكذا فعلتُ وسط الإستنكار العام. ولكي يقبلوا طلاقي في المحكمة، أقنعتُ زوجتي بأن تقول أن خلافنا عام وليس متعلّق بلون الشعر. ولكي تقبل معي، وعدتُها بالمال الوفير. وكنتُ أعلم أنّها لم تفعل ذلك بسبب المبلغ الذي خصّصته لها، بل لأنّها كانت مشمئزّة منّي ولا تمانع أن أرحل مِن حياتها. وهكذا عدتُ حرّاً وإستطعتُ الزواج مِن ريما حبيبتي الشقراء. وأقمتُ لنا حفل زفاف كبير لكي يرى الجميع عروستي الجميلة وفرحتي كانت لاتوصف. قضينا شهر عسلنا في باريس ثم عدنا إلى بيتنا. وكانت أوّل فترة جميلة جدّاً، لأنّنا لم نكن نعرف بعضنا كثيراً ولكن مع مرور الوقت بدأتُ أرى حقيقة تلك المرأة ولم أحبّ ما إكتشفتُه فيها. أوّلاً كانت تحبّ المال أكثر مِن أي شيء آخر ورغم حسابي المصرفي الكبير وراتبي العالي، كنتُ أجد صعوبة في التماشي مع رغباتها المتزايدة وعندما واجهتُها بالأمر، أجابَت:
ـ حبيبي... يلزمني أشياء كثيرة، فأنا إمرأة شابة وجميلة... وشقراء... ألَم تتزوّجني لذلك؟ إن كنتَ تجد صعوبة بالصرف عليّ يمكنني الرحيل... أو تقليل مصروف زوجتَكَ الأولى وإبنَكَ...
ـ أبداً! ألا يكفي أنّني أبعدتُهما بسببكِ؟
ـ عليكَ إذن إيجاد حلاً...
ومِن ثمّ لاحظتُ عليها أنّها لاتتردّد في مسايرة أصدقائي الرجال ولم يعجبني الأمر، فقررتُ أن أعزل نفسي وزوجتي عن كل رجل قد يثير إعجابها خوفاً مِن خسارتها. وهكذا بدأنا نبقى في البيت طوال الوقت وبات الخروج يقلقني جداً. ولكنّ ذلك لم يردع ريما التي بدأت تتلقّى الرسائل على هاتفها بإستمرار وعندما كنتُ أسألها عن المرسل، كانت تتهرّب مِن الأجابة. وبقيَ الوضع هكذا حتى أن أصبحتُ أغار مِن كل الناس وكل شيء وشكلّ ذلك لي قلق شديد وصِرتُ أغضب لأيّ سبب ولكن لم يكن لديّ بعد إثبات على سوء تصرّف زوجتي. لذا ولأِريح نفسي، قررتُ أن أراقبها بتحرّكاتها أثناء الفترة التي يُفتَرض بها أن أكون في عملي وهكذا إكتشفتُ أنّ لديها عشيقاً يأتي إلى منزلنا بعد مغادرتي بقليل. ولم يلاحظ أحد تلك الزيارات لأنّ الرجل كان يلبس زي عامل صيانة ليدخل خلسة ويخرج دون أن يسأله أحد عن شيء. وبعد بضعة أيّام، أخذتُ مسّدسي وفاجأت العاشقَين أثناء ممارستهما الجنس وكدتُ أن أرتكب جريمة شنيعة لو لا ما قالَته لي ريما حين رأت السلاح الذي حملتُه بوجهها:
ـ لا تقتلني... بل أقتله هو!
حينها أدركتُ أنّ تلك الأنسانة معدومة العواطف والأخلاق ولا تستحقّ أن أدخل السجن بسببها. فإكتفيتُ بتطليقها وتركها مِن دون أي مال، الأمر الذي سيقضي عليها. وبعد فترة فهمتُ أنّني لم أكن أفضل منها بكثير لأنّني تركتُ زوجتي المحبّة مُنى وطفلي الوحيد فقط بسبب لون الشعر الأمر الذي لا علاقة له أبداً بنوعيّة المرء وأخلاقه. فمِن زوج كان لديه إمرأة تحبّه وتحترمه وتغار على مصلحته، أصبحتُ رجلاً مُهاناً قَبِلَ بالزواج مِن أيّة إمرأة بشرط أن تكون شقراء. ووجدتُ نفسي سخيفاً جداً وبدأتُ أشتاق لزوجتي وولدي وذهبتُ أدقّ باب المنزل الذي إستأجرَته مُنى لتعيش فيه. وعندما فتحَت لي الباب إبتسمَت وقالت:
ـ كما ترى أعدتُ مرّة أخرى لون شعري إلى طبيعته أي إلى الأسود...
ـ وهكذا أريدكِ... كما أنتِ لأنّكِ هكذا أفضل مِن مئة إمرأة شقراء.
حاورتها بولا جهشان